الجمعة، 10 نوفمبر 2023

الجيش المصري وشعبه (31)




-البداية

(28)

" يَا حَاكِمَنَا الْأَعْلَى! يَا رَبَّ الْجَيشِ والْجُنودِ! عَيْونَك وَآذَانك فِي كُلِ مَكَان تَرَى وَتَسْمَعَ بِها كُلَ شَئ. كَذّبُوكَ وجَحَدُوكَ وَركَضُوا خَلْفَ أوهَامِ وَأحْلامِ بَاطِلَةِ وَقَالُوا: "لَيْسَ هُوَ وَلا يَقْدِرْ أَنْ يَرْكَبُنَا أَحَد إِلاَ أَنْ يُوفّرَ لَنَا البَصَلَ وَالفُولَ وَالطَعْمِيةَ!" وَلَمَّا جَوّعْتَهُمْ وَضَرَبْتَهُمْ وَاغْتَصَبْتَهُمْ قَالُوا: "مَهْمَا حَاوَلَ لنْ يَسْتَطِيعَ كَسْرَ قُدْرَتُنَا الخَالِدةِ عَلىَ الصَبْرِ وَالبَلادَةِ وَالخَنَاثَةِ!" صَارُوا بِغَالاً وَحَمِيراً سَائِبَةً يَتفَاخَرونَ بِأَنّهُمْ شَعْبٌ بِلاَ كَتَالوجِ وبِلاَ لِجَامِ وبِلاَ بـَرْدَعَةِ. يَنْهَقُونَ وَيَرْفِسُونَ كُلَّ مَنْ يُحَاوِل أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ الْزِرِيِبةِ المَخْرُوبَةِ المُقَدَّسَةِ. أَمَا تُعَاقِبَهُمْ عَلىَ كُلِ هَذَا؟ أَوَ مَا تَنْتَقِمُ نَفْسُكَ مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟ فَيَقُولُ رَبُّ الجَيشِ وَالْجُنُودِ: " هَئَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعِيدِ أُمَمَاً بَلْهَاء كَثِيرَةً يَعْمَلُونَ لِصَالحِ بَيْتُ إِسْرَائيلِ جَوَاسِيسَ وَقَوّادِينَ وَسَمَاسِرَةَ، أُمَمَاً يَعْرِفُونَ لِسَانَهِمْ وَيُعظّمُونَ أُمَرَائهِمْ وَمُلوُكِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ مِنْ آلِ سَعُودِ وَآلِ نَهْيانِ وَالصُبَاحِ وَآلِ ثَاني وَخَليفَةِ. أَشْوُلِةُ أُرْزَهِم كَقَبْرٍ مَفْتُوحٍ يَأْكُلُ الحَرْثَ وَالنَسْلَ وَالأَرْضَ اليَابِسَة. يُسَاومُونَهُمْ بِالدِيونِ عَلىَ صُعُودِ بَنَاتِهِمْ ونِسَائِهمْ لِيرْقُصْنَ عَارِياتِ عَلىَ مَنَابرِ مَا تبَقْى مِنْ حُطَامِ جَوامِعَهُمْ وَمَسَاجِدَهُمْ المَهْجُورَةِ." "

الإصحاح الواحد والثلاثون من سفر الشئون المعنوية




رأينا في الموسم الجديد لـ"أحداث غزة" (1) ردود أفعال ثلاثة أنواع من "المواطن العادي" في مُقابل تلك الأحداث، وهي ليست جديدة تماماً فهي مُتكررة مُعادة مُبتذلة في كل موسم من هذا النوع. ولكنها هذه المرة قد اكتسبت زخماً جديداً تحت تأثير عنصر المفاجأة. النوع الأول هم من الإخوان وأشباههم من الجماعات التي تؤمن بـ"الجهاد" بـ"فقاطه الثلاث": فقط ضد إسرائيل وفقط مع حماس وأمثالها وفقط لـ"تحرير الأقصي". فراحوا يترحمون على أيام (د.مرسي) "المغدور الشهيد" الذي لو كان حياً لأعلن النفير بين النصارى والملاحدة والمسلمين وخطب فيهم من مقصورة كبار الزوار في استاد القاهرة، ووصّاهم ألا يشتروا الكوكاكولا والهمبرجر والبيبسي ليُلقن أمريكا درساً لا تنساه ويحمي أهل غزة مما كان يمكن أن يحدث لهم -غير الذي حدث ويحدث وسيحدث- لو كانت وصلت تلك الأموال لاسرائيل، رغم أنه لم يستطع حتى أن يحمي الكرسي الذي كان يجلس عليه. مُردفين كلامهم بعبارات فيها كثير من "الحكمة" الغير مقصودة كالحكمة التي تخرج من أفواه المجانين!!! مثل "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض" والتي تعني أنه قد فات الأوان وكل ما يحدث مجرد محاولات عبثية للهروب من النتيجة المتوقعة وهي أنّ "الأسد" -حتماً- سيأكل "الثور الأسود". لكن -كعادتهم- بما أن الثور الأبيض قد أُكل راحوا يبحثون عن "ثيران بيضاء" آخري فتمنوا لو كان (حازم أبو إسماعيل) أو (محمود شعبان) حُرا طليقا، فإنه ولابد كان سيخطب في الجموع ويبُكيهم على حال الناس في القطاع، وكان من الوارد جداً أن يزحف بهم من القاهرة سيراً على الأقدام ويعبر البحر الأحمر -بعد أن يشقه- إلى مكة المُكرمة. وهناك يتعلق بأستار الكعبة داعياً الله في أن يُثبّت وينصر "المُجاهدين" و يُنقذ "الأقصى". وكان من شبه المؤكد أيضاً أن يُجن جنونه فيتوسل للجنود والضباط المصريين لكي يسمحوا له بالعبور إلى الضفة!!! -لا ليُقاتل- بل ليُنظم مسيرات مليونية تُندّد وتشجُب المذابح التي تُرتكب في غزة.



 النوع الثاني هم من الذين تشمئز وجوههم من ذكر الجهاد ويتخذون من كلمة "المقاومة" مضاداً ونقيضاً له. فراحوا يصيحون ويشجُبون وينددون فقد "تفاجئوا" -سبحان الله- بتخاذل الجيوش العربية عن تقديم "الدعم" -لا يقصدون الدعم العسكري- بالضغط على إسرائيل لكي تكون أكثر رحمة وأن تكتفي بما قتلته من الأطفال والنساء وما فجّرته من البيوت والمساجد وتسمح بدخول "المعونات" التي تم جمعها من "أهل الخير" من الدول المُشاركة في المذبحة. وقد نزل عليهم الإلهام والوحي مُتنبئين بما يعرفه حتى "الخرفان" في فيافي البرّية أنه حين ينتهي الذئب من فريسته التي تقاومه ستصبح وليمته القادمة "الخراف التي شاهدت العرض". لكن للأمانة هم لا يقصدون أنفسهم بالخراف فهم في الأصل بغال وحمير سائبة، ولكن لعلهم يقصدون "محور المقاومة" الذي لم يختلف كثيراً عن الجيوش العربية التي يلمزوها، فكل أقوالهم وأفعالهم وعملياتهم هي فقط من أجل "وقف العدوان" أو "تخفيف" الضغط على غزة، وليس "لا سمح الله" من أجل استئصال أو حتى مُحاربة "الصهاينة".وكعادتهم في التفنُّن في السّطحيّة والنطاعة والتفاهة بدأوا يفكرون في وسائل هزيلة بالية لـ"تركيع" إسرائيل، من قبيل تنظيم مُظاهرة أو الدعوة لعصيان أو مُقاطعة أو اقتحام سفارة أو حرق علم أو ... لعل وعسى تتغير النتائج هذه المرة وينجحوا فيما فشلوا فيه مئات المرات من قبل، فهم مازالوا يؤمنون بـ"السّلميّة". وليس المُحيّر في استخدام هؤلاء لـ"حِكم" المفترض أن لا وجود لأي حكمة فيها، فحين تأكل الذئاب "الخرفان والمعيز" أو تلتهم الأسود الثيران والجاموس فهذا من طبائع الأمور. ولكن المُحيّر هو لماذا يقبل الناس ابتداء أن يكونوا خِرافاً بدل أن يكونوا ذئاباً، ولماذا يقنعون دائماً بكونهم ثيراناً وجاموساً ولا يُفكرون أبدا في أن يتقمصوا -ولو لمرة- دور الأسد؟!!! تلك الحكم المزعومة قد يكون من الجائز أن تُحكي لـ"طفل ساذج" لشرح مفهوم كالتعاون أو أن الذكاء في بعض الأحيان قد يهزم القوة، و لكن أن يُرددها "شحط بالغ" فهذا ما لا يمكن أبداً فهمه أو تأويله. 

ما هو المشترك بين شيخ الأزهر وأي متسول شحات؟ الاثنين يستخدمون "الدُّعاء" كمسوّغ للضحك علي الناس
وما هو الفرق بينهما؟ الشحات يتصرف وكأن الجميع تقاعس عن مساعدته، أمّا شيخ الأزهر فيتصرف كأنه "من بنها"



النوع الثالث هم من "المواطنين" الذين يمكن وصفهم بـ"أجهزة الإستقبال"، وهم الغالبية السَّاحقة في أي شعب، ولتحديد أقوالهم علينا ألا نذهب بعيداً ونحاول تحليلها باعتبارها صادرة عن "كائنات عاقلة" لأننا سنُهدر الوقت في محاولة عقلنة ما هو في طبيعته غير معقول وفي عبثية الاجتهاد لفهم ما هو في أصله غير موجود. ولهذا يقدم لنا نموذج "جهاز الإستقبال" حلاً مُناسباً لتلك المشكلة. ويفترض هذا النموذج أن هؤلاء المواطنين تعمل امخاخهم بطريقة تُماثل أجهزة الإستقبال كالراديو والتليفزيون، فتلك الأجهزة لا تُنتج أي شئ من تلقاء نفسها بل لابد من وجود جهة تُرسل إليها المُحتوى الذي ستعرضه. هذا المُحتوى الذي نراه أو نسمعه منها بالتالي ليس له علاقة بالجهاز نفسه، كما أنّ هذا الجهاز لا يستطيع تغيير المُحتوى المُرسل إليه، وأي تعديل يُدخله على المُحتوى يكون في أمور ثانوية فقط مثال جودة الصورة أو نقاء الصوت أو حساسية الإلتقاط في أماكن بعيدة مهجورة. ولكي تلتقط أجهزة الاستقبال المُحتوى المُرسل لابد من "موالفة" الجهاز على الموجة الترددية المطلوبة وكان هذا يتم في الماضي من خلال أزرار خاصة موجودة في الجهاز نفسه أمّا اليوم فأصبح بسهولة التحكم به عن بعد باستخدام "الريموت كنترول". إذا نموذج جهاز الإستقبال يُخبرنا أن الجهاز نفسه لا يُنتج أي مُحتوى، وأن تغيير مُحتواه هو فقط تَغيّر في الموجة الترددية له، كما أنه لا يُمكنه أن يقوم بتعديل المُحتوى المعروض إلا في حدود شكلية فقط -كما قلنا- أمور تتعلق بجودة الصورة أو الصوت أو الإستقبال. ولو طبقنا هذا النموذج على هؤلاء المواطنين سنجد فوراً تفسيراً عقلانيا مفهوماً لما تقيئه أفواههم وما تُسّود أحبار أقلامهم؛ فما يقولونه ليست هي قناعات قد أنتجتها امخاخهم بعد أن تعبوا من طول البحث واجتازوا صعوبات الاستدلال والمُقارنة. كما أنّ ما يكتبونه ليس هو ما يعتقدونه بالفعل بعد أن استطاعوا التغلب على شُبهات أو شكوك راودتهم، وما يُدافعون عنه باستماته ليس له وجود مادي حقيقي، وما يهاجمونه ويشتمونه ليس لتهديده وخطره الفعلي عليهم، لكن كل هذا ليس إلا انعكاساً لما يُريده "صانع المُحتوى". ولذلك تجد هؤلاء المواطنين في بداية الأحداث استمروا على نفس الموجة الترددية التي يُرّوج لها منذ سنوات بعيدة من أن الفلسطينين "خونة" قد باعوا أراضيهم لليهود وأن مصر قد قدمت "تضحيات هائلة" لمساعدتهم ولم تستفد أي شئ إلا اتهام الفلسطينيين لها ولجيشها الوطني بالعمالة والخيانة، ورغم ذلك فهي صابرة مُحتسبة لا ترد الإساءة إليها إلا بمزيد من التطبيع والتعاون مع إسرائيل لما فيه صالح القضية الفلسطينية؟!!! -هذا المُحتوى ماورائي تاريخي- ثم في محاولة لتقويض حالة "التعاطف"(2) مع غزة يتهمون حماس باتهامات مُخترعة، بأنها وراء مقتل الجنود المصريين في سيناء وأنهم هم مَنْ فتح السجون في نكسة يناير المجيدة؟!!! -هذا الخطأ ناتج عن تشويش من المصدر- وهم أيضا السبب في أزمة الكهرباء والغاز الذي يُصدّره النظام لإسرائيل لأنهم مَنْ تسبب في انخفاض الجنيه أمام الدولار بعد التعويمة الأخيرة!!! -هذا المُحتوى لم يتم التأكد من مصدره- كما لا يخفى علي أحد أنهم كانوا من أشد مؤيدي الرئيس المخلوع (مرسي) الذي تجرأ وخاطب رئيس وزراء إسرائيل ضارباً عرض الحائط بمشاعر الأخوة الفلسطينيين بقوله "عزيزي بيريز"!!! -هذا المُحتوى من مصدر موّثق- لكن سرعان ما أصاب تلك الموجة الاهتزاز والتشويش بعد ظهور حجم الدمار الذي أحدثته إسرائيل، وصور القتلى من الأطفال والنساء، هذا غير قصف المشافي والمدارس وحتى المساجد والكنائس، فعُدّلت الموجة الترددية وإن كانت لم تتخلى عن كل ما قالته سابقا لكنها غلّفته في إطار من "التعاطف والألم والأسف" على الضحايا الذين لم يكن ليموتوا لو لم تكن "حماس الإرهابية" موجودة -هذا المُحتوى تابع لجهات سيادية- وكعادتهم في انعدام أي دين أو ضمير أو حتى قليل من عقل أو انسانية سرعان ما ينسون تعاطفهم المُزيّف السابق وينتقلون مُباشرة إلى الحديث عن عدم استعداد جيشهم للدخول في حرب خاسرة ويكفي ما قدمه من شهداء وتضحيات علي مر العصور للقضية مُنذ الفراعين الأول حتى ملحمة العبور؟!!!-هذا المُحتوى برعاية الشئون المعنوية- ويكفيهم ما هم فيه من ضيق في العيش وبطء في النمو وضعف في حركة القناة وارتجاع في عوائد السياحة وارتخاء في العضو الذكري وجفاف في المهبل وانسداد في الحالب وضمور في الخلايا الدماغية -هذا المُحتوى اقتصادي طبي- وعلى ذلك فهم يرون أنهم غير مُلزمين أو معنيين بالوقوف مع أحد ضد أحد في أي "حتة" في هذا العالم -هذا المُحتوى هو نهاية الإرسال- لذلك من غير العجيب أن تجد هؤلاء المواطنين "الغلابة" غير مُدركين -ولن يُدركوا أبداً- التناقضات الكثيرة التي تخرج من جهازهم الصوتي، وأن تغيير مواقفهم وقناعاتهم ومُعتقداتهم ودينهم من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار -أو بالعكس- لا يستغرق وقت أكثر من ضغطة زر على الريموت.

لكي تُغيّر المحتوي لا تحاول كالمجنون اقناع "أجهزة الإستقبال"؛ بل عليك فقط الضغط علي زر الريموت


 ولم يفت النظام وجيشه المشاركة في هذا الموسم فحرّك الجيش دباباته وآلياته وناور بلا غاية أو هدف وحاورت نفسه نفسها وهدّد جهات خفيّة مجهولة وحذّر الجميع من أن يأخذوا كلامه على محمل الجد؛ ثم قرر أن يغلق الحدود مع غزة نهائياً حفاظا عليها من أن يستطيع الجيش الإسرائيلي تهجير أهلها إلى صحراء النقب!!! ولم ينسي النظام رغم انشغاله في عمل المناورات وتحريك المُعدات من أن يسمح لـ"فنانيه وفناناته" بالمشاركة في "موسم الرياض" فواجب على المصريين التخفيف عن بـ(بن سلمان) في محنته، فقد كان على وشك توقيع اتفاقية "تطبيع" مع إسرائيل كما فعلت المغرب والسودان والبحرين والإمارات وسبقتهم مصر والأردن وسيتلوهم كل الدول العربية حتى موريتانيا والصومال وجيبوتي والذين يعتقدون بفعلهم هذا أنهم هكذا قد أمّنوا عروشهم وكراسيهم ضد خطر الحرائق والثورات. إلا أن عملية حماس قد أخّرت هذا التوقيع مما سبب له اكتئاباً حاداً وأخذ يسب ويلعن أُمُه وأباه وقد أدرك حظه التعس، وتسائل لماذا قد وُلِدَ في تلك العائلة الملعونة النحس، ولم يولد في عائلة آل نهيان أو خليفة، أو أميراً في مملكة "ابن المرة الإنجليزية" أو حتى كان -في أسوأ الفروض- رئيساً أبدياً لمصر. فقد وقعت تلك الدول ولم يحدث شئ ولكن حين جاء دوره قررت حماس أن تقوم بعمليتها ولو كانوا أخروها لأيام ليتم التوقيع لكان من الممكن أن يُساعد حماس ببعض الشجب والتهديد بقطع العلاقات، ولكن بما أنها قد ضيّعت الفرصة على نفسها فقد أخذ يُفكر بجدّية في تأجيل "موسم الحج" إلى أجل غير مُسمى احتاجاً على المسلمين المؤيدين لتلك الأعمال الشنيعة الفظيعة. أو قد يقوم بهدم الكعبة أو على الأقل نقلها بعيداً إلى مدينة نيوم الجديدة. هذا غير التنازل الفوري عن جزيرتي تيران وصنافير لإسرائيل تعويضا لها عن تداعيات صدمتها النفسية. لكنّه قرر أن يتريث وينتظر إلي أن تُنهى إسرائيل عملياتها لكي يوقع على "المعاهدة" من موضع المُنتصر. وهو لديه الوقت الكافي للرد والانتقام، فالفاتورة مع المسلمين طويلة وثقيلة والسعاودة سيشجعونه حتماً حين يقول لهم أنه يُريد أن يُرجعهم للعصر الذهبي لـ"السعودية" قبل ظهور الإسلام؟!!! حين كان يعيش أجدادهم جنبا لجنب سواء كانوا من اليهود العرب أو من العرب المشركين في الجزيرة. ولكنّه ورغم أنه كان على وشك إلغاء "موسم الرياض" حداداً على "ضحايا" إسرائيل؛ إلا أنه عنداً ومُكايدة لحماس ومؤيديها قرّر عدم إلغائه، مع ما قد يحمله هذا من استهجان وتنديد من أنه وشعبه يرقصون ويحتفلون وأرحامهم في إسرائيل في غم ونكد، مما قد يُفسّر بواسطة "المواطن السعودي الدِلخ"(3) أن "السعودية العظمي" تحتفل فرحة بما فعلته "المقاومة"، لكن إسرائيل "العادلة" لا تحكم بالظاهر فهي تعرف خفايا وبواطن سعود وآله.  

لقد تجاوزت الفانتازيا في "السعودية العظمي" حدود العبث، فمَنْ كان يتخيل قبل سنوات أنّه بعد أن كان شغل المملكة الشاغل هو "قيادة المرأة" السيارة، يُصبح اليوم أن يركب "السيارة" المرأة في الشارع شئ عادي مُبتذل


النظام في مصر باعتباره الشقيق الأفقر للدول العربية والراعي الأول والأقدم لـ"حركة البغاء" في المنطقة، من واجبه -ومصلحته- تلبية الاحتياجات الجنسية للسعاودة في تلك الأوقات العصيبة المنيلة، فهو يعلم أنه بسبب تلك الحرب وانشغال الإمارات -المركز العالمي الأول للدعارة في العالم- في مساعدة إسرائيل قد أدى لنقص حاد في توريد العاهرين والعاهرات للرجال والنساء والأطفال في المملكة؛ لذلك جاء قراره بالموافقة على تصدير بعضاً منهم للمشاركة في حفلات "الأورجي الوطنية" بالسعودية ويكون له حضور بارز ومؤثر باستخدام "قوته الناعمة" في تلك المدعرة، مع ما قد يجلبه هذا من الهمز واللمز والوصف ببلادة الإحساس وانعدام النخوة والدم. ولهذا لكي يقطع تلك الألسنة قرر في نفس الوقت أن يُخرج البعض الآخر للقيام بأدوار البطولة في أحداث "موسم غزة" حيث خرجوا يعلنون صراحة بلا خوف أو مواربة أنهم "يألمون" لما يحدث هناك ويحذّرون إسرائيل من مغبة ما تفعله، لكنهم في نفس الوقت يؤكدون -ترويجاً وتمريراً لرواية النظام- أنه لا تسوية لـ"القضية الفلسطينية" على حساب مصر وأن سيناء خط "فوق البنفسجي وتحت الأحمر" والذي سيُدافعون عنه -بالتأكيد ليس هم مَنْ سيُدافعون- بأرواح "المصريين الغلابة" ضد المساكين من أهل غزة إذا فكرت إسرائيل بتهجيرهم إليه؟!!! وهكذا استطاع النظام أن يضرب كل الحمير بحجر واحد فحصاره لغزة هو في صالح "القضية" ودعمه لإسرائيل هو لصالح حدود الدولة، وانتقل من خانة الخيانة والعمالة إلي أن يُصبح المدافع عن "شوية رمال" تحت مُسمي "حدود الوطن" التي لا يستطيع أصلا أن يُحرك إليها جندي غلبان جربان واحد إلا بعد أن تأذن له سيدته إسرائيل!!!



إسرائيل منذ اللحظات الأولي لعملية حماس ذهبت بسرعة لاستغلالها لربط حماس بـ"داعش"، محاولة تمرير بعض الأكاذيب -في الزحمة- عن قتل أطفال وحرقهم واغتصاب نساء وأكلهم، وكأنها تريد أن تقول للعالم إذا كنتم قد أنشأتم تحالفاً عالمياً للقضاء عليها، فلابد الآن من إنشاء تحالف جديد للقضاء على حماس(4) لكن لم تنجح إسرائيل في استخدام ورقة "داعش" لصنع التحالف الذي تريده، لأن الكُل يعلم أن حماس ليس لها أي مشروع ديني عالمي تقاتل من أجله بل هي فقط تريد قطعة أرض تطلق عليها اسم فلسطين. لذلك هي لا تُمثل أي خطر على القوى التي تتحكم بالمنطقة ولا على مصالحها. وكل ما حصلت عليه إسرائيل هو "الكارت بلانش" الذي تحصل عليه في كل مرة، وتوافد الإدانات العالمية وتقاطر رؤساء أمريكا وحلفائها للوقوف بجانبها وتقديم السلاح والأموال اللازمة، مع دعوتها لأن يكون رد فعلها "حاسم"، حتى وصل الأمر للتلويح باستخدام القنبلة الذرية من جانب أصوات في إسرائيل نفسها (5) هذا تُرجم عملياً بالتغاضي عن المذابح التي ارتُكبت واعتبارها "شر لابد منه" للقضاء على شر أكبر. إلا أن المفارقة في كل ما يحدث هو "حالة التعاطف" بما يجري في غزة والتي وصلت في بعض الأحيان لعداء صريح لـ"اليهود". لكن حتى في هذا التعاطف هم انتقائيون، فلم يمض وقتاً طويلاً حين قامت جيوش هؤلاء المُتعاطفين بالتعاون مع جيوش مَنْ يشجبونهم اليوم بالمذابح في سوريا والعراق وسيناء وليبيا، وقتلوا وفجروا فيها رؤوس الأطفال والنساء وهدّموا البيوت والمساجد؛ وبل وحتى اللحظة ما زال يوجد "مخيمات" يحتجزون فيه نساء وأطفال في ظروف قاسية، قد تكون حتى أقسى من "معسكرات الإعتقال النازية" التي صدعوا أدمغتنا بالحكاوي عنها، هذا ناهيك عما يجري في غيابات السجون. كل هذا بحجة أنهم "رجال وأطفال ونساء داعش". ولم نرى حتى مجرد شئ من "انسانية" معهم سواء كان من "الشّعوب المُسلمة" أو الشّعوب الكافرة. فلماذا يا تُرى؟ هل لأنهم كانوا تحت حكم الدولة الإسلامية والتي تمثل كابوساً لهذا العالم ويصبح احتجازهم وتعذيبهم وقتلهم مجرد "شر لابد منه"؛ أم لأنهم ليسوا بشرا أصلاً كما وصف وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف جالانت) أهل غزة بقوله أنهم "حيوانات بشرية". أيمكن أن نظفر بإجابة يمكن فهمها من "أجهزة الإستقبال"، وهل بإمكانهم أن يتحكموا في الريموت كنترول لبضع ثوان؟ !…!…!…! يبدو أن هناك خلل في البث فأنا لا أسمع منهم إلا صفير الإشارة، وبما أن الأمر قد يطول حتى إصلاح العطل وتعديل الموجة الترددية، فدعنا نعود لاستكمال ما كنُا قد بدأناه.

 متلازمة "المواطن المصري" الذي يُعاني فيه المريض من أعراض "وجهة نظر" وتليّف في معلوماته وتضخم في مستقبله وورم سرطاني من ماضيه وانفصال عن حاضره، ناتج عن حساسية الإستقبال وقوة اشارة الإرسال



انتهينا فيما سبق(6) عندما أوصى (ألكسندر ياناي) زوجته (سالومي) قبل موته فى العام 76 ق.م بأن تُشرك الفريسيين في الحكم معها لكي يخضع لها عوام اليهود، وعلِمنا أن (سالومي) كان لها أخاً يُدعي( سمعان بن شيتاه-שמעון בן שטח-شمعون بن شَطَحْ أو شَتَخْ) والذي كان شيخ من شيوخ الفريسيين الكبار، وبفضل(سالومي) و(شيتاه) سيعود الفريسيين مرة أخرى لتكون القوة التي تحكم بعد أن عانوا من الاضطهاد طوال فترة حكم (ياناي) ولذلك اتخذ الفريسيون يوم موته "يوم عيد" يحتفلون فيه بهلاك الطاغية(7)



في تاريخ اليهود الديني هناك ثلاث فترات مهمة في تطوّر التوراة الشفاهية (8) المُكـمّلة للتوراة المكتوبة، ففي الفترة الأولى انتقلت من فم (موسي) إلى خليفته (يهوشع بن نون) ثم إلى الشيوخ والأنبياء ومنهم إلي رجال (المَجْمَع الكبير-כנסת הגדול) الذي تأسس في زمن (عزرا الكاتب)(9) بعد أن سمح (قورش) وخلفائه من بعده لليهود بالعودة إلى أورشليم وبناء معبدهم الذي كان قد هدمه البابليين على يد (نبوخذنصر الثاني) ملك بابل في ~568 ق. م، وهي الفترة التي تُعرف بفترة "الهيكل الثاني"، وكان هذا المَجْمَع يتكوّن من 120 عضواً فيهم الأنبياء والفقهاء والشيوخ واختص بقراءة وشرح وتفسير الشريعة وتنظيم حياة اليهود ومعالجة المشكلات التي واجهتهم بعد العودة من "السبي"، وكان من أهم تلك المشكلات هو زواج اليهود بنساء غير يهوديات من الأمم المُحيطة بهم الأمر الذي دعي (عزرا) إلى أن يُصدر قراراً بالفصل بين تلك الزيجات وأن تُبعد الزوجات وأولادهم من بين اليهود(10) الأمر الذي أصبح علامة فارقة فيما بعد لتحديد الانتساب العرقى لـ"جماعة بني إسرائيل" فانتقلت النسبة من نسل الأب اليهودي وأصبحت في نسل الأم اليهودية(11). وقد انتهت تلك الفترة بدخول اليونان المنطقة بقيادة (الإسكندر الكبير) في عهد الكاهن الأكبر (سمعان العادل-שמעון הצדק) أخر رجال المَجْمَع الكبير.



 الفترة الثانية كانت من ~140 ق.م إلى 10م وتُعرف بفترة الـ"الزُجُوتْ"( זוגות- أزواج جمع زوج بمعنى اثنين) فكان هناك اثنين من شيوخ اليهود وفقهائها يترأسان (دار القضاء الكبير- בית הדין הגדול) والذي أُطلق عليه في تلك الفترة اللفظ اليوناني المُعبرن "السنهدرين"(12) فيشغل أحدهما منصب الرئيس لتلك الدار ويُلقّب بـ"هاناسي" (הנשיא-أمير أو رئيس) والأخر يشغل منصب النائب ويُلقّب بـ"أب بيت دين" (אב בית דין- أب دار القضاء)، وحوت تلك الفترة خمسة أزواج كان (سمعان بن شيتاه) و (يهودا بن طابي-יהודה בן טבאי) الزوج الثالث فيها. أمّا أشهر هؤلاء الأزواج -وأهمهم- كان الزوج الخامس والذي ضم كُلاً من الشيخين (هِلل الشيخ-הלל הזקן) و(شماي الشيخ-שמאי הזקן) فقد أسسا وتلامذتهم مدرستين أو مذهبين في التفسير والفقه والإفتاء، وأصبح في كل مسألة شرعية وفقهية يُرجع إلى ماذا قالت "مدرسة هِلل" (אמרו בית הלל) في مقابل ما قالته "مدرسة شماي" (אמרו בית שמאי)(13).



الفترة الثالثة هي فترة "التنائيم" (תנאים- بمعني المُعلّمون)(14) والتي امتدت من ~10م حتى 220م في تلك الفترة قام اليهود بـ"ثورتين مشؤومتين" وانتفاضة ضد القوات الرومانية. الثورة الأولى اشتعلت من 66م -73م وانتهت بهدم معبدهم الثاني بشكل نهائي (חורבן בית המקדש השני) ونهب ذخائره على يد(تيتوس-Titus) القائد الروماني والقيصر فيما بعد خلفا لأبيه القيصر (ڤَِسباسيانوس-Vespasianus) والتي سنرى فيما بعد أحداثها عن طريق أحد "أبطالها" وهو (يوسف بن متتياهو) في كتابه "حرب اليهود". أمّا الثورة الثانية امتدت من 132م-136م والتي تُعرف بثورة "بار كوخبا"(15) وانتهت بهزيمة اليهود هزيمة ساحقة على يد القائد الروماني (سَِكستوس سَِفَِروس -Sextus Severus) في عهد القيصر (هدريان- Hadrian) والذي أصدر بعدها أمراً بمنع اليهود من دخول أورشليم(16). وقد شارك في ثورة (بار كوخبا) الرَابّي (عكيفا بن يوسف-עקיבא בן יוסף) واحد من شيوخ التنائين الكبار وهو أستاذ الرَابّي (شمعون بن يوخاي- שמעון בן יוחאי)(17) الذي يُنسب إليه كتاب "الزوهر" (זוהר- إشراق أو بهاء) الذي يُشكل الأساس للتصوف اليهودي المعروف بالقبالاه (קבלה-الاستقبال أو القبول). ورغم تلك الأحداث الجسام التي عصفت باليهود استطاع (يهودا هاناسي(~135م-220م)) تلميذ الرَابّي (شمعون بن يوخاي)، كما أنه أيضا من نسل (هِلل)، أن يقوم بعمل ضخم في جمع وترتيب وتحقيق كل ما نُقل وكُتب قبله من آراء وأحكام وفتاوى وبوّبها ووضعها في كتاب واحد سُمي بـ(المشناه-משנה)(18) وهو المتن الأساسي لما سيسمى فيما بعد بـ(التلمود-תלמוד)(19). بين هاتين الثورتين كانت انتفاضة اليهود في المهجر في الإسكندرية وكريني وقبرص وسوريا من(115م-117م) في أوج انشغال الرومان بالحرب مع فارس. وقد بدأت الإنتفاضة في كريني بعد أعلن أحد اليهود أنه "الملك المسيح" في 115م ثم منها انتشرت الى مصر وسوريا وتحولت إلى مواجهات طاحنة شرسة بين اليهود من جهة وبين القوات الرومانية وغير اليهود من جهة أخرى، حدثت فيه فظائع من الجانبين، ثم انتهت -كالعادة- بالسحق شبه التام للجاليات اليهودية في المهجر (20).



حين استقر الأمر لـ(سالومي) وقد كان لها ولدين، الأكبر (هيركانوس الثاني) والأصغر (اريستوبولس الثاني)، رسمت (هيركانوس) في منصب الكاهن الأكبر ووضعت مُعظم أمور الحُكم في أيدي الفريسيين. وبهذا استطاع الفريسيّون السيطرة على السنهدرين وهو الجهة الأعلى للتشريع والفتوى والقضاء، فأعادوا كل تشريعاتهم التي كانت قد أُلغيت من قبل. وأرسل (سمعان بن شيتاه) إلي الإسكندرية برسالتين يدعو فيهما شيخين من شيوخ اليهود الكبار هما (يهوشوع بن برخيا- יהושע בן פרחיה) و(يهودا بن طابي) للعودة إلي أورشليم وكانا قد هربا منها خوفا من بطش (ياناي) يقول فيها للأول: «من أورشليم المدينة المقدسة إلى مدينة الإسكندرية في مصر: يا أختاه زوجي يسكن معك وأنا أجلس وحدي مهجورة.» أمّا الثاني فيخاطبه بهذا الشكل: «من المدينة العظيمة أورشليم إلي المدينة الصغيرة الإسكندرية: إلي متي سيظل عريسي عندك وأنا أجلس حزينة عليه.» وبعد أن انتصر الفريسيّون بدأوا في حملة للانتقام من أعداء الأمس فقتلوا بعضا ممن كان مُحرضِاً عليهم ومُقرباً من الملك الهالك، ولكن البعض الأخر من قادة الجيش وكبار الصدوقيين المُتنفذين ذهبوا بصحبة (أريستوبولس الثاني) للملكة يشكون لها الظلم الواقع عليهم من أعداء زوجها الراحل، ويخيّروها -بنبرة لا تخلو من تهديد- بين أن تعفيهم من مناصبهم مع ما في هذا من خسارة كبيرة فخبراتهم العسكرية يتمني أن يحصل عليها حتى أعداء اليهود كـ(أريتاس-الحارث) ملك النبطية العربي، أمّا لو قررت أن تقف في صف الفريسيين فلتعطهم من القلاع ما يتحصنون فيها بعيداً عن أعدائهم. فلا تجد (سالومي) مفراً من أن تعطيهم بعضاً من القلاع التي يطلبونها. ولكن (أريستوبولس) يُظهر لهم ما يخيفه صدره تجاه أُمِهِ ويكشف عن نيته فيما يُريد فعله، ويقول لهم أنهم السبب فيما يحدث معهم بأن سمحوا بأن تحكمهم امرأة مهووسة بالحكم بالرغم من أن للملك أولاد أكفاء لهذا المنصب(21). 



في العام 70 ق.م هاجم ملك أرمينيا (تيجرانس الكبير) "بوتلمياس-عكا" آخر معاقل المملكة السلوقية في سوريا وكانت تحكمها في هذا الوقت (كليوباترا الخامسة-سيليني) أخت وزوجة (بطليموس لاثيروس) السابقة، ولما وصلت تلك الأخبار لليهود خافوا واضطربوا، فقررت (سالومي) أن ترسل لـ(تيحرانس) بالهدايا والأموال والسُّفراء كي لا يفكر في غزو أراضيها. لكن لم يكد (تيجرانس) يفتح بوتلمياس حتى جاءته الأخبار بأن الرومان شنّوا هجوماً على عاصمته الجديدة (تيجرانوكرتا-Τιγρανόκερτα) والتي كان قد أنشأها في عام 83 ق.م. وقد جاء هجوم الرومان بقيادة (لوشيوس لوكلوس-Lucius Lucullus) تحت ذريعة أنه يرفض تسليم "المجرم الهارب" (ميثريداتس ملك بونتُس-Mithridates of Pontus) والذي كانت مملكته في صراع مع روما للسيطرة على آسيا الصغرى (منطقة الأناضول في تركيا). فيضطر حينها (تيجرانس) إلي الرجوع للدفاع عن عاصمته، فيُهزم وحليفه (ميثريداتس)، ويضطرا للانسحاب والتحصن في عاصمة المملكة القديمة (ارتشات-Artaxata) لكن يُهزموا ثانية؛ إلا أن الظروف تكون حليفتيهما هذه المرة بدخول الشتاء القارص وانتشار الأمراض بين جيش (لوكولوس) ورفض جنوده أن يخوضوا معركة أخرى في تلك الظروف القاسية، فاستغل (ميثريداتس) ذلك واستطاع أن يستعيد بعض من أراضي مملكته، ويخُمد (تيجرانس) انقلاباً بقيادة ابنه (تيجرانس الصغير) الذي يفر هارباً إلى أحضان روما(22).


كان (أريستوبولس الثاني) في تلك الأثناء يُحضّر هو الآخر لإنقلاباً ضد أُمّهِ والتي كانت في هذا الوقت شيخة مريضة قد تخطت السبعين، خوفاً من أن يؤول الأمر لأخيه الأكبر (هيركانوس)، فذهب خِفّية إلى أحد القلاع في الجليل التي كان يُسيطر عليها أصدقائه الصدوقيون وجمع هناك جيشا من المرتزقة وبمساعدتهم استطاع في أيام قلائل أن يُسيطر على كثير من القلاع الحصينة وأصبح الأمر مجرد وقت حتى يتم إعلانه "الملك". حين وصلت الأنباء لـ(هيركانوس) وشيوخ اليهود ذهبوا إلى (سالومي) وهي على سرير الموت ليستشيروها فيما عليهم فعله، فكانت آخر كلماتها «أن يفعلوا ما يرونه مناسباً» ثم ماتت!!! بعد أن حكمت لمدة تسع سنوات، اتسم حُكمها فيهم بالسلام النسبي وعدم الدخول في مُغامرات عسكرية خاسرة. …… لكن قبل تُكفّن (سالومي) ويشرع الأخوان في التقاتل على الكُرسي، علينا الأن العودة سريعاً قبل أن يرحل الهكسوس من مصر.



قُلنا سابقا أنّ السيناريو الكاشيّ في السيطرة على بابل هو السيناريو الأقرب لكيفية سيطرة الهكسوس على مصر، وأن حالة الصراع والضعف التي كانت تعيشها مصر في تلك الفترة بالإضافة إلى التكنولوجيات الجديدة التي أتوا بها قد جعلت لهم التفوق العسكري، ونتيجة لهذا لم يجد هؤلاء مُقاومة مُنظّمة أو صعوبة في السيطرة على وادي النيل. وبيّنا خطأ القائل بأن الهكسوس هم اليهود، ويمكننا تلخيص ذلك في ثلاث نقاط لنُنهي تلك الحقبة: أولاً: أن الفترة الزمنية التي تواجد فيها الهكسوس لم يكن هناك شئ بعد اسمه "يهود". ثانيا: إذا كان المقصود باليهود في تلك الفترة هم أولاد (يعقوب-إسرائيل) فعند ظهور الهكسوس لم تكن أعدادهم تتعدى العشرات وهذا بالكاد يُمكّنهم من إنشاء خيمة لا أن يؤسسوا دولة. أمّا تقريب فرعون لـ(يوسف) لا لشئ إلا لأنه رأي فيه "جابي الضرائب المثالي" الذي استطاع -طبقا للتوراة- خداع المصريين تحت ذريعة "المجاعة"، وبعد أن جمع منهم لمدة سبع سنوات خُمس غِلالهم، حين حلت المجاعة طالبهم بأن "يدفعوا" وبعد أن نفذت أموالهم اقترح عليه بيع حيواناتهم وأراضيهم، ثم لما لم يعد لديهم شئ اشتراهم وعيالهم عبيد لفرعون. وقد يكون هذا من الأسباب التي جعلت بني إسرائيل مكروهين بين المصريين وحين رحل الهكسوس انتقموا منهم بإذلاهم وتسخيرهم. ثالثاً: وهي النقطة الأهم أن التوراة نفسها لم تذكر أي شئ عن هذا الأمر وفيها تدوين لكل شاردة وواردة، ولو كانوا أنشئوا قرية لهم في صحراء ناميبيا لدوّنته بالتفصيل المُمل، فلماذا إذا لا نقرأ فيها خبراً واحداً عن أنهم قد أسسوا دولة بمصر؟! بل تذكر التوراة العكس أنهم عانوا واضطُهِدوا واستُعبِدوا وقُتّلوا حتى اضطروا في النهاية إلى الخروج منها. وقد مرّ علينا(23) محاولة (يوسف بن متتياهو) لإثبات أن الهكسوس هم أجداده اليهود، ونقل لنا كلاماً للكاهن المصري (مانيتون) والذي ألف كتاباً يتكلم فيه عن تاريخ مصر وملوكها بناء على تكليف من السيد الجنرال الفادي المُخلِّص (بطليموس الأول-سوتير-Σωτηρ-المُخلِّص(366ق.م-286ق.م))(24) ويرد فيه على "افتراءات" صديق المصريين (هيرودوت). ولا نعرف من كتاب مانيتون إلا الإقتباسات التي أورها (يوسف) أو ما اقتبسه بعده (سكستوس أفريكانوس(~160م-240م)) أول المؤرخين النصارى في كتابه (أخبار الأيام) والذي يتناول تاريخ العالم منذ بدء الخليقة حتى 217م وهذا الكتاب ذي الخمس مُجلدات مفقود هو الآخر، لكن هناك اقتباسات منه أوردها (يوسابيوس القيصري) في كتاب بنفس العنوان. ولم يكن الاهتمام بما كتبه (مانيتون) فقط من مُنطلق "معرفة التاريخ" ولكن كان من أجل اثبات صحة "الكتاب المُقدَّس" بالتوفيق بين ما جاء به (مانيتون) والأحداث التي نقلتها التوراة، بالإضافة إلى ترتيب الأحداث بشكل يسمح بأن تُطابق الإطار الزمني وهو 6000 عام الذي اعتقد اليهود ومن بعدهم النصارى أنه الفترة ما بين السنة الأولي لـ(بداية العالم-Anno Mundi) إلي بداية الألفية السبتيّة أو المسيانية والتي فيها يحكم المسيح الأرض لمدة ألف عام. فاعتبروا أن كل يوم من أيام الخلق السّتة تساوي 1000 عام، وعلى هذا نحن الآن طبقا للحساب اليهودي(25) في العام 5784 من بداية الخلق. ولذلك اضطروا لـ"حشر" كل أحداث التاريخ في هذا الإطار الزمني المُصطنع مما أدي لوقوع الإختلاف بينهم (26).



كل ما يقوله (مانيتون) عن فترة الهكسوس (27) هي عبارة عن عدة أسطر قليلة، يذكر فيها في البداية أنه لا يعرف لماذا حدث هذا، فقد أصاب مصر "غضب إلهي" في عهد ملك سماه (توتيمايوس-Τουτιμαιος) فجاء من الشرق أقوام غير معروف اصلهم(28)، واستطاعوا التغلب على المصريين بسهولة وبلا مقاومة، فحرقوا المدن وهدموا "معابد الآلهة" وقتلوا الرجال واستعبدوا الأطفال والنساء، ثم نصّبوا واحد منهم يُدعى (ساليتيس-Σαλιτις) الذي اتخذ منف مقراً له، وأنشأ في شرق الدلتا مدينة سُميت بـ(أواريس أو أفاريس- Αυαρις) وحصّنها بالجدران ووضع عليها حامية من 240000!!! لحماية الحدود الشرقية. ثم مات بعد أن حكم لمدة 12 عام. بعد تلك المقدمة يبدأ (مانيتون) يُعدد مَنْ جاءوا من بعده وسنين حكمهم وهم: (بنون-Βνων)، (أباخنان-Απαχναν)، (أبوفيس-Απωφις) و(ياناس-Ιαννας) ثم (أسيس-Ασσις) ومجموع مدة حكمهم حوالي 260 عاماً، هؤلاء هم الستة ملوك الكبار للهكسوس. ويُشير (مانيتون) أن شغلهم الشاغل كان هو "استئصال شأفة المصريين". ثم يشرح معنى كلمة هكسوس ويذكر أن البعض يقول أنهم العرب دون أن يُخبرنا "مين اللي بيقول"(29 بعد ذلك حدثت ثورة في طيبة ضد الهكسوس واستعرت الحرب بين الطرفين واستطاع ملك طيبة تحت اسم (ميسفرجموثوسيوس Μισφραγμουθωσεως) أن يهزمهم فتحصنوا في مدينة أواريس. وجاء من بعده ابنه ( تثموسيس أو تتموسيس- Τεθμωσις) فحاصر المدينة بـ 480000 من الرجال، حتى تم التوصل لاتفاق بين الطرفين على خروج الهكسوس من مصر بلا سلاح دون أن يتعرض لهم أحد. فخرج ما لا يقل عن 240000 بممتلكاتهم وعبروا الصحراء إلى سوريا.



إن المصريين القدماء كانوا ينظرون إلي الهكسوس كـ"طاعون" ووباء، إلا أنه لا يمكنهم أن يُنكروا أنه كان لهم تأثير كبير عليهم، وهم مدينون لهم بما سيحققونه من تفوق في المملكة الجديدة أو ما سُمي بـ "عصر الإمبراطورية". وفي المرة القادمة -إن شاء الله- سنرجع مُجدداً إلى رواية الغزاة (30) لنواصل تتبع تاريخ مصر بعد هذا الفاصل القصير في وسط استطراد طويل.

***************************************************************************

(1) ليس المقصود من تلك التسمية هو السُّخرية من معاناة أهل غزة ومن مُصابهم ولا هو من قبيل انعدام الاحساس وقلة النخوة التي أصابتنا ولكن من باب لفت الانتباه إلي التكرار العبثي الذي يحدث في كل مرة ما بين الأفعال وردود الفعل، مابين محاولة "التوقع" لما هو رتيب مُتكرر ثم المفاجأة من ما هو طبيعي متوقع، وما بين الأمل الذي يسطع للحظات ثم ما يأتي بعدها من الإحساس بالعجز واليأس، ورغم كل ذلك لا يبدو أن هناك إدراك لهذا العبث.

(2) المذابح التي تحدث لا تحتاج إلى تعاطف لأنها ليست فيلماً أو قصة مأساوية تتأثر بآلام وعذابات شخصياته الدرامية أو حدث تاريخي مُفجع مضي وانتهي وليس أمامك ما تفعله إلا الأسي والحزن ، لكن هؤلاء بشر حقيقيون يموتون بأبشع طريقة لأن الجميع لا يعرفون عمل شئ إلا "التعاطف" الذي ليس له فائدة ولا معنى، وسيظل الواجب دائماً هو الإغاثة والنُصرة. 

(3) المواطن السعودي الدِلخ هو نموذج لما يُدعي بـ"المواطن العادي" في الدول الأخرى والذي حدود ذكاءه هي حدود ذكاء حاكم الدولة وينقسم السعودي الدلخ الي "دلخ وطني" و"دلخ مُعارض" و"دلخ هجين مخطط".

(4) هذا أحد التناقضات -وهي كثيرة- التي ظهرت خلال هذا "الموسم" فمن جانب لم نري "ألتراس حماس" يقول عنها ما قالوه عن الدولة الإسلامية أنها صنيعة أمريكا للسيطرة على المنطقة، وأنها بأفعالها تقدم المبرر للتدخل والسيطرة على ثرواتها، كما أنها لم تُسبب بأفعالها إلا الموت والدمار. والإجابة المنطقية هي أن أمريكا بالفعل مُسيطرة على المنطقة فلا تحتاج لحماس أو غيرها ، وأنّ الموت والدمار المتسبب فيه إسرائيل وحلفائها وليست حماس. ثم كيف تُنشئ أمريكا جماعة تضرب "أعز ما تملك" ؟ إذا تلك الاتهامات غير صحيحة، لكن هذا لا يعني أن حماس منهجها سليم أو أنها غير مخترقة، فيكفي أن تسمع كلامة قادتهم في "الخارج" أو مُتحدثهم في الداخل لتكتشف ذلك، فناهيك عن "الجعجعة" المُعتادة التي يُتقنها الجميع والتي لا ترى لها أي نتيجة على أرض الواقع، تجدهم يستخدمون نفس المصطلحات التي تستخدمها الأنظمة الخائنة العميلة. لقد استغرقت حماس أكثر من 30 عام لأن تدرك أنها يجب أن تُفكر قليلاً فيما هو "خارج الصندوق" الذي وُضِعت فيه، لكن يبدو أنها ستكون المرة الأولي والأخيرة، لأنه لن يكون هناك بعد ذلك صندوق من الأساس ، فاسرائيل لم تعد تري في وجود حماس أي "مكسب" لها تستطيع أن تستغله لصالحها يوازن التعامل مع مشاكل وجودها، وهذا كان وجهة نظر اليمين "المُتطرف" داخل اسرائيل لحماس قبل عمليتها الأخيرة. فيما ستظل حماس وألتراسها يُرددون -رغم الهزيمة الساحقة- "غزة تنتصر" أو الحديث السريالي عن "هزيمة الكيان واستسلامه" لأنهم لم يعرفوا يوماً معني الإنتصار الحقيقي؛ فهُم يفكرون بعقلية مُشجعي الكرة المعاتيه حين يهزم فريقاً مُحترفاً لكرة القدم فريقهم "الهاوي المهكع" 30-1 فيعتقدون أن مجرد إحرازهم هدفاً يتمياً هو قمة الإنتصار مُتعامين عن عشرات الأهداف التي تلقوها، مزيج قاتل من الحماقة والهبل. من جانب آخر كان "ادلاخ السعودية" على نفس الموجة الترددية القديمة فكما اتهموا الدولة الإسلامية، كذلك اتهموا حماس وقالوا أن إيران هي التي دفعت حماس للقيام بالعملية لا لشئ إلا لـ"حقدها" على المملكة لأن (بن سلمان) كان سيُوقّع "اتفاقاً تاريخياً" مع إسرائيل!!! بل حماس صنيعة إسرائيل نفسها وأن ما قامت به كان من أجل أن تقدم لإسرائيل المسوّغ لنسف "القضية الفلسطينية" للأبد!!! وأن مَنْ يدفع ثمن عمالة حماس هم أهالي غزة المساكين!!! وهذا ليس مؤشر على اتساق الأدلاخ مع أنفسهم وعدم تناقضهم؛ بل هو دليل على ضعف القوة الإبداعية لصانعي المحتوى في المملكة. 

(5) في أحد القنوات العبرية بعد أيام من عملية حماس وكان حينها الحديث عن احتمال دخول بري للقوات الإسرائيلية، سُئل أحد الحضور عن رأيه وإذا ما كانت إسرائيل تستطيع الانتصار فيها، أجاب أن إسرائيل دولة قوية كما أن لدى إسرائيل قنبلة نووية!!! مما يُشير إلى حالة الفزع التي كانت تتملكهم لدرجة أن يقفز الكلام عن عملية عسكرية برية معروف أبعادها إلى التلويح باستخدام القنبلة النووية.

(6) الجيش المصري وشعبه (29)

(7) .Histoire Des Juifs, Heinrich Grätz, Traduite De L'allemand Par M. Wogue, Tome Deuxième, 1884

(8) التوراة الشفاهية (תורה שבעל פה) تُكمّل التوراة المكتوبة (תורה שבכתב)، كما في أي شريعة سواء كانت سماوية أو وضعية حيث تكون مُعظم الشرائع والقوانين عامة مُجملة، ثم يقوم صاحب الشريعة بتفصيلها وشرحها أثناء التطبيق العملي، لذلك يكون هناك مصدران لا غنى لأحدهما عن الآخر النص التشريعي العام ثم الشرح التفصيلي التطبيقي. فمثلا شريعة "حُرمة السبت" والتي ذكرت مُجملة في التوراة (خر 20: 8-11) لم يوضّح النص متى يبدأ يوم السبت ومتى ينتهي، وما هي الأفعال التي تدخل تحت مُسمّي "العمل" والتي على الفرد ألا يمارسها، وما المقصود بالإستراحة في هذا اليوم، وهل هناك طقوس وشعائر وصلوات معينة يحب أدائها في هذا اليوم … إلى أخره؛ لذلك يُشبّه التلمود تلك الشرائع المكتوبة المُجملة في مقابل تفاصيلها العملية "كجبال مُعلّقة بشعرة - כהררים התלויין בשערה". 

(9) كان يُلقّب الفقهاء والشيوخ اليهود في الفترة الزمنية بين (عزرا الكاتب والكاهن-עזרא(עזריה)הסופר והכהן) ~450 ق.م إلي زمن المكابيين ~175 ق.م بـ(صوفريم-סופרים) بمعني رجال أو أهل الكتاب أي العارفون والمتفقهون المُفسّرون للتوراة، ولم يكن المقصود بالكاتب أن مهنته هي التأليف والكتابة(*)

(*) On Jewish Law and lore, Louis Ginzberg.

(10) (عز 10-11)

(11) .Encyclopaedia Judaica, 2007 

(12) السنهدرين من الكلمة اليونانية (συνέδριον-سِندريون) بمعنى اجتماع أو مَجْمَع أو مجلس .وكان هناك ثلاثة أنواع منه، فهناك سنهدرين خاص بالنظر في القضايا الصغيرة وفض النزاعات ويتكون من ثلاثة قُضاة، وسنهدرين آخر للنظر في القضايا والجرائم التي تصل عقوبتها للإعدام وفيه 32 قاضياً، وأخيراً السنهدرين الكبير المكوّن من 71 شيخاً وفقيهاً وقاضياً(*) وكانت مهمته الأساسية هي التنظيم والتشريع والإفتاء ولكن في بعض الأحيان كان ينظر في القضايا التي تُمثل اعتداء صارخاً على "الثوابت الإيمانية" لذلك سنرى فيما بعد وقوف (يسوع) أمامه ليُحاكم بتهمة التجديف والهرطقة.

(*) The Babylonian Talmud, Michael L. Rodkinson.

(13) (مدرسة شماي) كانت أكثر إلتزاماً بحرفية النص على عكس (مدرسة هِلل) التي كانت أكثر "تساهلاً"، وقد جاء في التلمود قصة عن الخلاف بين المدرستين وأن كلا منهما يقول أن آرائه هي المتوافقة مع الشريعة حتى سمعوا «صوتاً سماوياً» يقول أن آراء المدرستين هي «كلمات إلوهيم الحي-דברי אלהים חיים» ثم أردف الصوت قائلاً أن الشريعة هي طبقا لـ (مدرسة هِلل)!!!

(14) في الأصل كلمة (תנא-تنا) بمعنى ثنّي أو كرّر أو أعاد فيمكن ترجمة (تنائيم) بمعنى الرّواة.

(15) (بار-ܒܰܪ) هي كلمة آرامية تعني ابن و(بار كوخبا-בר כוכבא-ابن النجم) هو (شمعون بار كوسبا-שמעון בן כוסבא) وقد لقب بـ"ابن النجم" اعتقادا أنه المسيح المُخلّص تحقيقا لنبوءة (بلعام بن بعور) الذي يقول إنه سيخرج نجم من نسل (يعقوب) لُيخلّص بني إسرائيل (عد 24: 17)، لكن بعد هزيمته ومقتله أصبح يُطلق عليه -استهزاءً- (بار كوزيفا-בר כוזיבה) تحريفاً لاسمه بمعنى (ابن الكذب). وكان من ضمن ما يأخذه الشيوخ اليهود المُعارضين لـ(بار كوخبا) عليه أنه كان يطلب من مُقاتليه وأتباعه أن يقطع كل واحد منهم إصبعاً ليختبر بذلك ولاءه وجَلَدِه حتى أصبح لديه مئتي ألف من مقطوعي الأصبع، فخافوا من أن يحوّل كل بني إسرائيل إلى أمة من «أصحاب العاهات».

(16) يقول (يوسابيوس القيصري(~260م-339م)) أسقف قيصرية في "تاريخه الكنسي" أنّه كان يقود اليهود في تلك الفترة (بار كوخبا) والذي يعني اسمه النجم وأنه لم يكن إلا «قاتلاً لصاً» إدعي صُنع المعجزات حتى أوصلهم لهلاكهم، وحُوصر هو وأتباعه في مدينة (بيت تار -בית תר) شمال أورشليم حتى ضربهم الجوع ونال (بار كوخبا) المصير الذي يستحقه، وأصدر بعدها (هدريان) أمرا بمنع اليهود حتى أن يدخلوا القرى المحيطة بأورشليم(*). 

(*) Ecclesiastical History, Eusebius Of Caesarea. 

(17) يذكر التلمود الأورشليمي على لسان (شمعون بن يوخاي) أنّ استاذه (عكيفا) كان يُبشّر دائماً بظهور المُخلّص وأنه حين رأي (بار كوسبا) قال أنه "هو الملك المسيح-הוא מלכא משיחא".

(18) المشناه هي من الفعل (شناه-שנה) بمعنى ثنّي وكرر وحيث كان التعليم يتم عن طريق التكرار والإعادة فأصبح من ضمن معانيها التعلّم. وتتكون المشناه بشكل رئيسي من تعاليم الرّابيين بخصوص أحكام الشريعة في فترة التنائين وتنقسم تلك التعاليم إلى: تفاسير الرّابيين (פירוש ההלכה) الخاصة بحدود الشريعة والتي تكوّن الجزء الأكبر من المشناه، ثم الشرائع الشفاهية التي تلقاها (موسى) في سيناء (הלכה למשה מסיני) والتي لا توجد في التوراة ولا يمكن استنباط أحكامها منها. وأخيراً قوانين أو فتاوى الرّابيين (תקנות) المختلفة والتي كانت تصدر بحسب الزمن والظروف المحيطة(*). وإذا كانت المشناه تتركز حول التوراة الشفاهية واستخلاص الأحكام الشرعية المختلفة منها، فقد سبقها علم آخر وهو (المدراش-מדרש-الدراسة) والذي يتمحور حول النص التوراتي الكتابي وتفسيره.

(*) Gateway To The Mishnah, Isidore Fishman.

(19) اسم التلمود جاء من الفعل تعلم (لمد-למד) وعلى ذلك يكون معنى تلمود هو تعليم. وينقسم التلمود إلي نص المشناة أُضيفت إليه فيما بعد في القرون التالية شروحات له تُسمي (الجمارة-גמרה-التكملة) ويوجد نسختان للتلمود واحدة أُنتجت وتطورت في بابل وتُسمي بـ(التلمود البابلي-תלמוד בבלי) والاخري أُنتجت وتطورت في فلسطين وتُسمي بـ(التلمود الأورشليمي- תלמוד ירושלמי) ، كلا التلمودين يحويان نفس المتن الرئيسي لـ "المشناة" ولكن الإختلاف في الشروحات المضافة إليه.

(20) .Corpus Papyrorum Judaicarum, vol. 2, Victor A. Tcherikover and Alexander Fuks 

(21) .Antiquities of the Jews, Flavius Josephus

(22) .Armenia: A Historical Atlas, Robert Hewsen and Christopher Salvatico

(23) الجيش المصري وشعبه (23

(24)كان قبله الجنرال الفادي المُخلِّص في سوريا (أنتيخوس الأول-سوتير(324ق.م-261ق.م)) قد طلب من كاهن بعل-مردوخ (بيروسوس- Βηρωσσος) أن يكتب تاريخ ما بين النهرين.

(25) يذكر (البيروني (973م- 1048م) ) الخلاف بين اليهود والنصارى في حساب تلك الفترة الزمنية فيقول: «ولليهود مع النصارى في ذلك أعظم الخلاف، لأن اليهود تزعم: أن الماضي من لدن آدم إلى الاسكندر ثلاثة آلاف وأربع مائة و ثمان وأربعون سنة، و النصارى يزعمون: أنّه خمسة آلاف و مائة و ثمانون سنة، و يدّعون على اليهود أنّهم نقصوها، ليقع خروج عيسى - عليه السلام- في الألف الرابع، وسط السبعة آلاف التي هي مقدار مدّة العالم عندهم. فيُخالف الوقت الذي سبقت البشارة من الأنبياء بعد موسى -عليه السلام- بولادته فيه من العذراء البتول في آخر الزمان. وكل واحد من الفريقين معتمدً في احتجاجه على تأويلات قد استخرجها بحساب الجمل.»(*)

(*) الآثار الباقية عن القرون الخالية.

(26) مثال ذلك نجد (يوسابيوس) يتهم (أفريكانوس) بالخطأ الفادح في تقديره بأن الفترة من خروج (موسي) حتي (سليمان) وبناء معبد أورشليم هي 741 عام وأنه «لا يقدم أي دليل على معظم ما ذهب إليه. هو مخطئ ليس فقط لأن ما يقوله مناقض لما يرويه الكتاب الُمقدَّس ولكن لأنه بجرأة غريبة أضاف 100 عام من عندياته.»

(27) .Against Apion, Flavius Josephus

(28) يذهب (يوسابيوس) إلي أن الهكسوس هم فينيقيون مع ملوك أجانب ويقول أن في زمانهم حكم (يوسف) بمصر.(*)

(*) Chronicle, Eusebius Of Caesarea. 

(29) (الطبري (839م-923م)) في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" يقول أن ملك مصر وقت دخول (يوسف) كان رجل من العماليق يُدعي (الريان بن الوليد)، والعماليق -طبقا للتوراة- هم أول الأقوام التي حاربها موسى وقومه بعد الخروج ومحاولة الدخول إلى "الأرض الموعودة". والشاهد أن القول بأن الهكسوس كانوا عرباً أنها رواية كانت مُتداولة ومعروفة قبل زمن (مانيتون) وبعده. 

(30) .Histoire Scientifique et Militaire de l'Expédition Française en Egypte, Louis Reybaud et al., 1830-1836