الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

الدولة الإسلامية من كلمات أعدائها مجلة دار الإسلام العدد 10

الدولة الإسلامية من كلمات أعدائها مجلة دار الإسلام العدد (10)


قامت مجلة دار الإسلام الناطقة بالفرنسية بترجمة من العربية لمقال "عسكرية الدولة الإسلامية واقتصاد القوة" للباحث  حسن أبو هنية المتخصص في شئون الحركات الإسلامية وقد قمت بنسخ المقال من هنا فقط اضفت له الصورتين اللتين أرفقتهما المجلة بالمقال.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)

هذا مقال كتبه الباحث حسن أبو هنية المتخصص في شئون الحركات الإسلامية يتعلق بخبرات الدولة الإسلامية الحربية و تحليله لتكتيكاتها العسكرية.

عسكرية الدولة الإسلامية واقتصاد القوة

لا جدال بأن إدارة الموارد العسكرية وسياسة اقتصاد الحرب الذي تقوم به الدولة الإسلامية يبعث على الاعتقاد بأن الدولة الإسلامية تستعصي على الهزيمة الكاملة، ويثير إعجاب كافة الخبراء العسكريين، فقد أظهرت الدولة الإسلامية صمودا لا نظير له، ومرونة كبيرة في التأقلم مع ضربات التحالفات الدولية الجوية، وهجمات القوات البرية المتعددة في العراق وسورية، فالتحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي تشكل في أيلول/ سبتمبر 2014 لم يتمكن من الاقتراب من عاصمة الدولة الإسلامية العراقية في الموصل، كما أن التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015، لم يتمكن من الاقتراب من معقل الدولة الإسلامية في الرقة، ولم تستطع التحالفات الكونية تحقيق نصر استراتيجي حقيقي.

لقد ظهر جليا أن خسائر الدولة الإسلامية لا تقع ضمن السياق الاستراتيجي؛ إذ لا تتمتع المدن الصحراوية كالرمادي وتدمر بأهمية استراتيجية مطلقا، وهي تقع في المجال التكتيكي، كما كشفت عملية إعادة السيطرة على المدينتين عن فشل الاستراتيجية باعتبارها نموذجا إرشاديا لـ “تحرير” مناطق أكثر أهمية على الصعيد الاستراتيجي كالموصل والرقة، فقد برهنت هذه المعارك وغيرها عن صعوبة تحقيق نصر على الدولة الإسلامية دون استخدام خيارات الأرض المحروقة ونهج التطهير المكاني، كما فعلت من قبل في تكريت وكوباني، إذ لم تتمكن القوت البرية المحلية رغم حشدها أكثر من 10 آلاف مقاتل مقابل أقل من 150 مقاتل من الدخول إلا عقب تدميرها وتحويلها إلى ركام، ولم تسفر العملية عن أسر أي عنصر من عناصر الدولة الإسلامية، وعجزت عن عرض صورة مشهدية لجثة أحد مقاتلي الدولة الإسلامية، الأمر الذي تكرر في مشهد تدمر.

على الرغم من الصورة “الإيديولوجية الفجة” لمقاتلي الدولة الإسلامية، إلا أن الدولة الإسلامية تتمتع بسلوكية قتالية براغماتية فائقة، ويدير موارده البشرية والمالية وفق استراتيجية تقوم على الاقتصاد في القوة والتقشف في الإنفاق، ويجعل من خسائر القوات المهاجمة فادحة بشريا وماديا ونفسيا، ذلك أن العقيدة القتالية للدولة تقوم على الشهادة من أجل الانتصار، فالخليفة 'أبو بكر البغدادي" يؤكد في كلمة بعنوان “فتربصوا إنا معكم متربصون”، بعد أشهر من الضربات في 26 كانون أول/ ديسمبر 2015، على نهج الدولة الإسلامية بقوله: “وإن أصابنا القتل وكثرت الجراح وعصفت بنا النوائب وعظمت المصائب فلا عجب أيضا، وهو وعد الله لنا، بل إن الابتلاء قدر محتوم .. فاثبتوا أيها المجاهدون، وما أمامكم إلا إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، ولا خير في عيشنا إن لم نعش تحت حكم الله وفي ظل شرعه”
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(2)

 أما الناطق باسم الخلافة "أبو محمّد العدناني" في كلمة صوتيّة بعنوان “يا قومنا أجيبوا داعي الله” في 23 حزيران/ يونيو 2015، فيقول: “يا جنود الدولة الإسلامية في كل مكان، اعلموا أن الله لم يعط عهدا للمجاهدين بالنصر في كل مرة، بل إن من سنّته أن جعل الأيام دولا والحرب سجال” ويضيف: “قد يخسر المجاهدون معركة أو معارك، وقد تدور عليهم الدوائر فيخسرون مدنا ومناطق، إلا أنهم لا يهزمون أبدا.. فإن خسرتم أرضا، فستستعيدونها إن شاء الله وزيادة”.
عسكرية الدولة الإسلامية ونهجها الاستراتيجي في الصمود والبقاء تتجاوز التجارب التاريخية. فبالمقارنة مع حركات ودول تعرضت لهجمات جوية أقل حدة، وبمشاركة دولية أضعف، كنظام حركة طالبان في أفغانستان ،2001 ودولة البعث في العراق 2003، فقد فقدت طالبان السيطرة على عاصمتها الفعلية قندهار بعد أقل من شهرين من الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وضربات قوات المعارضة الموالية للتحالف، أما دولة البعث فقد فقدت السيطرة على العاصمة بغداد بعد أقل من شهر ونصف من الغزو الأنجلوأمريكي، على الرغم من توافر عناصر تعدّ أساسية في الصمود كوعورة الجغرافيا وتعقيدات الطبوغرافيا، ووجود الحواضن الشعبية.

الاستراتيجية العسكرية للدولة الإسلامية كانت شديدة البراغماتية بتأسيس نواة خلافة إسلامية تمتد من حلب إلى الموصل، وتقوم على البقاء والصمود في وجه التحالف الكوني واستنزافه ماديا ومعنويا، ثم التمدد وفق استراتيجية ديناميكية مدروسة وتكتيكات مركبة محسوبة، فقد برهنت الدولة الإسلامية على أن تحركاتها تتبع تخطيطا مركزيا يستند إلى بناء هيكلي متين، وبنية إيديولوجية صلبة، حيث عملت الدولة الإسلامية مبكرا على تطوير مؤسسات بيروقراطية صارمة، وأجهزة سياسية عسكرية مترابطة، فهي يعمل كمنظمة مركزية ذات إيديولوجية دينية شمولية تهدف إلى السيطرة والتوسع، وتقدم نفسها هوياتيا كممثل لإسلام سني ممتهن يتعرض لخطر التمدد الشيعي في المنطقة، كما تقدم نفسها مناضلا ضد الإمبريالية والدكتاتورية.

أحد الإشكالات المعقدة في مواجهة الدولة الإسلامية عدم اعتمادها على قيادات محددة، إذ تبدو الدولة الإسلامية كقوة أمنية استخبارية عسكرية شرعية مركبة تعمل على خدمة المنظمة وقائدها كائنا من كان، حيث تحل قيادات جديدة مكان قيادات سابقة بصمت كآلة متقنة، فبحسب أبو محمّد العدناني في كلمة صوتيّة بعنوان “قل للذين كفروا ستغلبون” في 13 تشرين أول/ أكتوبر 2015، فإن “من يلتحق بصفوف الدولة يجذبه ذلك النور، ويثبته المنهج الراسخ الذي نهجه قادة الدولة وحمله جنودها في الصدور، حتى غدا ذلك المنهج صمام الأمان، فمن تصدر للقيادة دونه رفضه جنود الدولة وانفضوا من حوله واستبدلوه كائنا من كان”.

لقد برهنت الدولة الإسلامية على صواب ما قاله العدناني والذي جاء تعقيبا على مقتل قائد المجلس العسكري حاجي معتز فاضل أحمد عبد الله الحيالي المعروف بأبي مسلم التركماني، وكان قبله القائد العسكري حجي بكر، وهو سمير عبد محمد الخليفاوي، ثم شغل المنصب بعد مقتله في سورية في كانون ثاني/ يناير 2014 أبو عبدالرحمن البيلاوي، وهو عدنان أسماعيل البيلاوي، الذي قتل في 4حزيران/ يونيو 2014، إذ ينقسم المجلس العسكري إلى هيئة الأركان وقوات الاقتحام، والاستشهاديين، وقوات الدعم اللوجستي، وقوات القنص، وقوات التفخيخ، ويقوم المجلس بكافة الوظائف والمهمات العسكرية، كالتخطيط الاستراتيجي، وإدارة المعارك، وتجهيز الغزوات، وعمليات الإشراف والمراقبة والتقويم لعمل الأمراء العسكريين، بالإضافة إلى تولي وإدارة شؤون التسليح والغنائم العسكرية، وقد طور المجلس نمطا من الحروب الهجينة، حيث سرعان ما يتكيّف مع التحولات الميدانية وينتقل من نهج اتباع الحروب الكلاسيكية إلى نهج حرب العصابات، وهو في كل الأحوال يعتمد على قوات خفيفة سريعة الحركة ترهق القوات المهاجمة.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(3)

لا تزال التكتيكات العسكرية للدولة الإسلامية تتحدى المبادئ التقليدية التي وضعها “ماوتسي تونغ” و”تشي غيفارا” وغيرهم بشأن الحروب غير المتكافئة، فإن تصرفات الحركة تكشف في الواقع عن فهم متطور لتكتيكات القتال غير المتكافئ، إذ يضع “ماو” ثلاث مراحل للحرب الثورية: المرحلة الأولى يكون تركيز المتمردين على التعبئة الشعبية مع اغتيالات للأفراد الرئيسيين للجانب الحكومي، في المرحلة التالية يتم تصعيد حرب العصابات مع تكتيكات الكر والفر التقليدية في مواجهة قوات الأمن، وأخيرا، وبعد أن تكون الحركة قد اكتسبت القوة الكافية وضعف الخصم في المقابل، يخرج المتمردون إلى الحرب التقليدية وينخرطون في معارك ضارية مع القوات الحكومية، مع الهدف النهائي المتمثل في إلحاق هزيمة ساحقة بهم والاستيلاء على السلطة، فقد تكيفت “الدولة الإسلامية” سريعا في مواجهة الضربات الجوية للقوات الأمريكية وتجنبت نشر تشكيلات كبيرة من الوحدات المدرعة، وفضلا عن ذلك، استخدمت تكتيكات المناورة بالوحدات الصغيرة مستغلة بمهارة الفرص من أجل التغطية والتخفي، كما استخدمت الدولة الإسلامية مجموعة من الهجمات المتنوعة والمفاجئة للإجهاز على قوات تتفوق عليها عدديا في مناسبات عديدة عاكسا دراية عسكرية كبيرة تنافي الاعتقاد السائد حول الاستعداد الطائش للمجموعة لتلقي خسائر في صفوفها.

رغم خسائر الدولة الإسلامية لمناطق عديدة في الرمادي وتكريت وبيجي وريف الحسكة وبعض بلدات وقرى الرقة وريف حمص وحماة، فإن الدولة الإسلامية لا تزال متماسكة، وهي قادرة على شن هجمات معاكسة واستعادة أو السيطرة على مناطق جديدة، فقد تمكنت الدولة الإسلامية السيطرة على مناطق في محافظة حلب السورية وعلى أجزاء من محافظة صلاح الدين العراقية، وأجزاء من محافظات الأنبار ونينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين في العراق، وكذلك أجزاء كبيرة من الرقة والحسكة ودير الزور وحلب وحمص وريف دمشق، وعلى ضاحية الحجر الأسود في دمشق وأجزاء كبيرة من مخيم اليرموك في سوريا.

بحسب الصديق "عمر عاشور' تفسر التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية للدولة الإسلامية قدرتها على الصمود والتوسع أكثر مما سبق، فالجمع ما بين تكتيكات “إرهاب المدن” (خاصة الهجوم بطوابير السيارات المفخخة بقيادة استشهاديين ، والاستخدام المُكَثَّف لسلاح القناصة والاغتيالات قبل وأثناء الهجوم)، مع أساليب الحروب الثورية التقليدية (خاصة الوحدات المختلطة من العسكريين والمتطوعين المدربين، السريعة الكر والفر، والصغيرة العدد)، بالإضافة إلى التكتيكات النظامية التقليدية (المدفعية الخفيفة والثقيلة والمدرعات والدبابات، وكذلك الأنواع المختلفة من الصواريخ الموجهة وغير الموجهة)؛ قد أثبتت فعالية كبيرة رغم قلة العدد، ورغم أن أسلوب الحرب النظامية التقليدي (وخاصة استخدام المدرعات) قد تم تقويضه إلى حد كبير بفعل الضربات الجوية للتحالف، فإن الدولة الإسلامية استطاعت تجنب المزيد من الخسائر عبر تفريق وإخفاء الأسلحة الثقيلة وبعض العربات المدرعة والدبابات التي نجت من القصف.

خلاصة القول أن الدولة الإسلامية تعمل كآلة متكاملة، إذ لا ينفصل الجهاز الإيديولوجي عن الجهاز العسكري، وتعمل منظومته الأمنية على صيانة الجهازين داخليا وخارجيا، من خلال المحافظة على نمط معقد من المركزية واللامركزية بدءا من الولايات ومرورا بالقواطع وصولا إلى المفارز وانتهائها بالأفراد، وإذا كانت قوات التحالف الكوني بدأت هجماتها الجوية على أهداف قطعية يقينية للدولة الإسلامية، فقد أصبحت تعتمد على الشك والتخمين، وباتت تفتقر إلى تحديد مصفوفات القتل المسبقة، فالمعلومات الاستخبارية حول قيادات الدولة الإسلامية باتت متقادمة، ولا تتوافر معلومات دقيقة حول القيادات الحالية، وبهذا تعمل القوات الجوية بلا عيون وآذان، وتقتصر مهماتها على دعم القوات المحلية دون رؤية استراتيجية، ومع نفاذ صبرها قد تلجأ إلى خيار “غروزني”، لكنه خيار في حال الدولة الإسلامية شديد الخطورة ومرتفع التكاليف، وهكذا فإن مبدأ الصبر الاستراتيجي من خلال الاقتصاد في القوة يتحول إلى خيار للدولة الإسلامية، بدلا عن كونه خيارا للتحالف الدولي.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

الأحد، 14 أغسطس 2016

لهيب الصحراء و جليد الوادي




في البداية توضيح واجب لعنوان التدوينة و لكي لا أُتهم بالابتذال فالكلمتان "خشّة" و "شخّة" عربيتان فصيحتان و لا غُبار عليهما و لكن تستخدم كلمة "شخّة" في اللهجة العامية لبيان تفاهة وحقارة شخص ما و أنه بلا قيمة و لا نفع, فيقال "الواد ده شخّة" بمعني أنه "مبيعرفش يعمل حاجة" أو أنه بلا قيمة و هذا هو أنسب توصيف لمن يحكمون مصر أو سيحكمونها فما هم إلا "شخّات" تافهون بلا أي قيمة أو وزن.

أصدرت ولاية سيناء فيديو مُعنّون بـ"لهيب الصحراء" وفي بعض مقاطعة تشعر بأنك أمام أحد إصدارات "صليل الصوارم" من تفجير مدرعات و كاسحات ألغام و قنص و هروب لفئران الجيش المصري . الإصدار -كالعادة- يُعاني من بعض العيوب لعل منها أنك لم تسمع ما الذي يقوله أحد جنود الولاية حين تنفيذه حُكم الإعدام في النقيب والمجند اللذين أسرتهما. وتم اختزال مشهد الإعدام منذ رؤيتنا لوجوههم العكرة حتى إعدامهم بالرصاص -وهذا أحد العيوب- في أقل من دقيقة. مع أنه من المُفترض ان يكون هذا هو "الفينالي" الخاص بالإصدار والذي يُلخّص النتيجة الحتمية لأتباع وجنود وشرطة النظام المصري لكنه -للآسف- خرج بمثل تلك الركاكة.

مُنذ بيعة ولاية سيناء (1) (أنصار بيت المقدس سابقاً) للدولة الإسلامية في أواخر 2014 رأينا تغيراً كبيراً في قُدراتها وفكرها العسكري وأصبحت القوة الوحيدة التي تُمثل تهديد وجودياً للنظام المصري ومع استمرارها في بناء قوتها ونضوج استراتيجيتها ستكون القوة التي ستهدمه. فقد قامت بضربات موجعة كانت في بعض الأحيان قاب قوسين من إحداث انهيار كامل في صفوف الجيش المصري في الشمال الشرقي لسيناء.

كما قامت الولاية بعدة عمليات-على استحياء- في قلب القاهرة منها استهداف القُنصلية الإيطالية وقتل ضباط شرطة ومجندين أو حتى عملية قتل لضباط ومجندي حرس الحدود في الوادي الجديد. لكن تلك العمليات -على أهميتها - لكنها يبدو انه تُعاني من نفس الخلل الذي تعاني منه عملياتها في سيناء وهو التركيز على فكرة "الاستنزاف". وهو أنك تقتل مثلا عشر جنود وتفجر مدرعتين يوميا ومع الوقت سُيستنزف عدوك فتنهار قواته وتصبح هزيمته سهلة. هذه "الاستراتيجية" وإن كانت ممكنة بين جيوش متكافئة فإنها تكاد تكون مُستحيلة بين مجموعات صغيرة مُقاتلة وبين جيش كامل وخصوصاً إذا كان هناك "جيوش" تُساعد هذا الجيش استخباراتياً وعسكرياً.

فأولاً: على الجانب البشري النظام المصري ليس عنده أكثر من الجنود وهم كما يُقال "أكتر من الهم على القلب" فيستطيع النظام أن يُضحي بمن يشاء وليس هذا فقط بل وسيُتاجر بهم باعتبارهم "شهداء" وسيصور الجيش علي انه يُقدم "فلذات أكباده" للدفاع عن الوطن وحماية مواطنيه. فخسائره البشرية لا تُمثل أي استنزاف لقُدراته بل على العكس فأنت تُسدي له خدمة فغالبية القتلى من المُجندين الذين بلا قيمة ولا ميزة فلا هم لديهم خبرة عسكرية يحتاجها النظام ولا هم بعد أن يقضوا مُدتهم في التجنيد الإجباري لديهم أي ميزة أو خبرة نافعة في المجتمع بل على العكس هم فقط "أفواه" مفتوحة تريد أن تأكل وتشرب وتريد وظيفة ومسكن. وفي مثل هذا الوضع الاقتصادي المزرى فأنت تُخلصه من عبئ ثقيل و" ياريت بدل أن تقتلوا ألف فلتقتلوا مئة ألف" ويكون النظام لكم من الشاكرين. هذا لا يعني أن النظام مُستمتع بقتل جنوده ولكن العبرة في النهاية هي حساب المكاسب والخسائر فإن كان قتل 1000 مُجند بلا قيمة في مُقابل قتل 10 مُقاتلين من الولاية فالنظام -مع الوقت- هو الفائز.

على صعيد الآليات والمعدات وإن كانت خسائره تكون أكثر إيلاماً ووجعاً إلا أنه في النهاية هناك -دائماً- من يدفع فاتورته العسكرية فطالما أنه يحمي إسرائيل ويقدم فروض الولاء والطاعة لمُحركيه فلن يجد صعوبة في تعويض ما يخسره من مُعدات وآليات. فكرة الاستنزاف تكون فعّالة حينما تُحدد بدقة ما هي أعصاب وشرايين النظام ثم تستهدفها بلا هوادة أو رحمة هنا تكون كل ضربة هي خطوة للإمام وليس مُجرد "أرقام" تضعها في منشور لعملياتك التي قمت بها.

النظام المصري ناجح إلي الآن في جعل بؤرة العمليات في رُقعة محدودة جداً في منطقة بعيده عن شبكة مصالحه وفي مناطق يستطيع فيها أن يقصف -بأريحية- دون أن يعترض أحد على ما يفعله. فمُعظم عمليات الولاية التي تمت خارج تلك البؤرة لم تكن لا بالحجم ولا بالتهديد الكافي التي تستطيع أن تُمثل تهديداً لا لمصالحه ولا لمصالح مؤيديه. بل وحتى عانت تلك العمليات من عدم وضوح للرؤية فمثلاً عملية القُنصلية الإيطالية تمت في وقت لم يكن فيه "صريخ ابن يومين" ولم تُسفر عن أي شيء اللهم تهدم جدار وبعض من واجهة القنصلية. وأوصت الدولة الإسلامية في مصر " المسلمين بالابتعاد عن هذه الأوكار الأمنية لأنها أهداف مشروعة لضربات المجاهدين ". ومن المعلوم أن هؤلاء "المسلمين" هم من أشد مؤيدي النظام وجيشه. ثم يبتعدوا "يروحوا فين يعني مش فاهم". وعلى ما أتذكر أنى كتبت يومها انه توفيراً للوقت والمجهود على الولاية حينما تُريد القيام بعملية "خارج البؤرة" التي تعمل فيها وحرصاً وخوفاً على "المسلمين" أن تكتب الولاية يافطة طويلة عريضة والأفضل أن تكون في مكان مهجور وتُصورها وتنشرها على الإنترنت وتكتب عليها: "كُنا سنقوم بتفجير في المكان الفلاني ولكن حرصا على المسلمين لم نقم بها ......بوووم بوووم". نقلك لعملياتك داخل الوادي سيستلزم بالضرورة أن تكون تلك النقطة واضحة وأنه سيسقط من ليس له علاقة مباشرة مع النظام هذا متوقع أما أنك لا تقوم بعمليات بدعوي وجود "مُسلمين" فهذا الحقيقة تناقض لا أعرف تفسيره.

ورغم وجود "جالية" مسيحية ضخمة تتجاوز العشرة ملايين في مصر إلا أنه وإلى الآن لم يتم استهداف لا كنائسهم ولا رجال أعمالهم ولا مصالحهم. مع أن تلك الأهداف أسهل بكثير ومنتشرة في طول البلاد وعرضها ومن شأن تلك العمليات ان تُزيد من الاحتقان الطائفي وتعمل على إحراج النظام بما ان غير قادر علي حماية الأقليات الدينية. فإذا استطعت أن "تُشعل حرباً طائفية" فتكون حققت ما لو بذلت سنوات من استهداف الجيش وآلياته لن تُحققه. فالنظام المصري هو "بروكسي" للقوي التي تُحركه ووجود النظام رهن بضمان مجموعة من الأشياء أولها طبعاً أمن إسرائيل وثانيها ضمان حُرية الملاحة في قناة السويس ثم المُحافظة على الأوضاع الداخلية في حدود مُستقرة. فإذا فشل النظام في إحداها ستري تلك القوي تعمل على عملية إحلال وإبدال في بنية النظام لضمان مصالحها ومصالح أصدقائها.

عملية واحدة لم تُكلفك أكثر من علبة "شويبس" استطعت أن تقضي على اي أمل في عودة السياحة لسنوات قادمة. النظام الآن في وضع حرج اقتصاديا هو "يشتري الوقت" لكي يستطيع ان يُحكم سيطرته على مقاليد الأمور فيسعي لإصلاحات اقتصادية يعلم أنها لن تمر بلا منغصات وأن فُرص نجاحها من الأصل ضعيفة لكنه يُراهن على الوقت إن أي تحرك الآن من شأنه أن يهدم ما تبقي لديه من أمل في أن تكون "مصر أد الدنيا". النظام المصري كاد أن يستنفذ كل ما لديه من حيل وخدع ولم يتبقى لديه في حال فشل "الإصلاحات" إلا أن يُعيد اللعبة القديمة من فصلها الأول "الجيش يستلم السلطة" من "الرئيس الفاشل" لكي يجعل مصر "أد الدنيا" وستجد شعبه العبيط يملئ الميدان مُرددا "الجيش والشعب إيد واحدة".

النظام "جُرحه" مكشوف للجميع ما عليك إلا أن تنكأه بلا رحمة ولا تسمح له بالالتئام. الأمر لا يتطلب أكثر من أن تُحدد أهدافك بدقة ولا تنجر في حرب استنزاف أنت الخاسر فيها.
==========================================================================================
(1) كلامي هنا مُنصب بشكل رئيسي عن ولاية سيناء فلا أعلم طبيعة العلاقة التنظيمية بين المجموعات التي تتحرك داخل القاهرة أو خارجها وبين الولاية. فمن غير المعروف إذا كانت تلك المجموعات تابعة بشكل مباشر للولاية أم لا. لكن في كل الأحوال لابد أن يكون هناك تنسيق بشكل ما بين تلك المجموعات والولاية باعتبار الولاية هي الفرع الأكثر عدداً وتسليحاً وخبرة وبالتالي فأعتبر الولاية هي العقل المُفكر لمسرح العمليات في مصر.

الأربعاء، 10 أغسطس 2016

البحث عن الجين المفقود 4

(4)


وصلنا إلي خُطوتنا الرابعة والتي سنستكمل فيها تجميع الأجزاء المُتناثرة لكي نخرج بصورة واضحة عن موضوعنا. ونعود فنكرر أننا بدأنا أولي خطواتنا بمحاولة معرفة أصل كلمة "عرص" ووضعنا تعريف يجمع كل المُعرصين بلا استثناء أو مُحاباة. وهي خطوة أساسية لأنه بدونها يغيب المعني الرئيسي للكلمة و يصبح معناها مُتوقف علي "نية" قائلها .إن مُعظم النقاشات و الحوارات و المُجادلات التي نسمعها تتغافل أو تتعمد القفز فوق تلك البديهية الأساسية. فنري حوار "العميان" كُلاً يعتقد ان ما "يراه" هو الحقيقة. إن عبثية هذا النوع من النقاشات هو أن كل واحد لديه تعريف مُختلف لموضوع النقاش عن التعريف الذي يراه مُخالفيه وبالتالي فمن المُستحيل أن يؤدي الحوار و النقاش إلي شئ. ثم قُلنا أنه نتيجة لإنتشار المعرصين في عالمنا البائس هذا و تشابه علاماته ومفرداته أن الأمر أبعد من أن يكون "مُنتج" ثقافي وأنه لابد أن هُناك جين" يُحدد" درجة تعريص حامله. وذكرنا أن هذا الجين سيكون له دور في تكوين و تشكيل الفص الأمامي للمُخ. وقلنا أنه ستواجهنا مُشكلة "الجبر" وأن الأنسان -بتلك الرؤية- لن يكون أكثر من "دُمية مُتحركة". 

في خطوتنا هذه سنتعرف علي الخطاب التعريصي و الذي من علاماته المُبالغة و التهويل فنجد كلمات مثل "أكبر و أول و أقدم و أضخم و أعرق وأعظم …...إلخ " أو تحريف للكلم عن مواضعه فيقال "شجاعة" في أن تموت بلا ثمن تحت حذاء "عسكري معفن". أو يقال "تضحية" عن الموت في سبيل "حاكم أو وطن منيل" أوأن يُقال "عبقرية" عن "شعب عبيط أهبل" أو أن "الثورة" هي أن "تثور" لكن لا تهدم الدولة و مؤسساتها التي تثور عليها أو أن "الجهاد" لا يكون جهاداً إلا إذا كان في سبيل ولي الأمر و يكون "فتنة و فساد" إذا كان عرشه في خطر . يستخدم هذا الخطاب التعريصي علماء "دين" و علماء "دُنيا" و"مُفكرين" و جماعات و حركات و شعوب. فنجد "عالم الدين" يستخدم خطاباً تعريصياَ دينياً بمعني أنه يستعين بالدين لإثبات "صدق" تعريصه فنجد الشيخ العرص بن باز-مثلاً- يستخدم الدين لإنقاذ عروش أسياده بفتواه الشهيرة بجواز الإستعانة "بالكُفار" لدفع إعتداء " رئيس دولة العراق" وحماية الإسلام و المسلمين والدفاع عن حرمة البلاد و أهلها . طبعاً الشيخ لم يقل نصاً الإستعانة بالكُفار فهو عرص مُحنك بل قال مُشيراً إلي استعانة ولي نعمته " بجُملة من الجيوش التي حُصّلت من جنسيات متعددة من المسلمين وغيرهم….” . يا سلام من المُسلمين و"غيرهم" لقد ظلمناك يا شيخ لقد إعتقدنا أنك توالي الكُفار لكن اتضح أنهم "غيرهم" و ليسوا كُفاراً وكما هو معلوم ف "غيرهم" هذا مذهب من المذاهب الإسلامية الضالة قال غالبية "أهل العلم" أنه يجوز موالتهم و الإستعانة بهم وقت الملمات .

"يجوز الإستعانة ب"غيرهم" و غير "غيرهم" فأطيعوا ولي الأمر و اسمعوا له حتي لو كان من "غيرهم""
العلامة العرص عبد العزيز بن باز.
طبعاً عبيد "العُلماء" و أنطاعهم يُقدمون تبريرات كثيرة لابن باز و غيره حين مواجهتهم بأن "عُلمائِهم " مُعرِصون. فيقولون هم "عُلماء أجلاء" "مُجتهدون" يُصيبون و يُخطئون فهم ليسوا بمعصومين (1).ولا يجب ان تؤخذ أخطاء "العلماء" للنيل منهم والطعن فيهم و تحقيرهم. حسنا يا عبيد! فلنسلم لكم -كما تقولون- بأن هؤلاء عُلماء أجلاء "يَحفظون" الكتاب و السُنّة و يُعلّمون الناس و يُفتونَهم في أمور دينهم .لكن السؤال الآن ما علاقة هذا بكونهم "مُعرِصون"؟!. فقد يكون الإنسان عالم جليل أو مُفكر عظيم لكنه في نفس الوقت "عرص كبير". وها قد مات أحد "المُعرِصين الأغبياء" والحائز علي أعلي الجوائز العلمية العالم العرص "أحمد زويل" ورغم أنه لا ينقُصه الذكاء إلا أن تَعريصه في منتهي الغباء(2) لكن بما أنه حاصل علي نوبل- وهو السبب الذي جعله النظام يضع عينيه عليه في المقام الأول بل وأقام له "جنازة عسكرية" مُكافأه لتعريصه- "فأي كلام هيقوله" حتي لو "خطرفات و هرتلات" سيكون بالنسبة لشعب من البهايم "حكم وآيات".فإذا كان العرص الأهبل السيسي خطاباته تجد من يُحللّها و يكتشف ما بها من حكم و رسائل فما بالك إن تحدث من يحمل نوبل علي كتفيه. 

إذاً قد يكون الإنسان عالماً جليلاً و في نفس الوقت مُعرصاً كبيراً هذا أولاً. ثانياً: لماذا لا "يُخطئ"هؤلاء الشيوخ و العُلماء إلا حينما يتعلق الأمر"بالحاكم بأمر الله" لماذا كل "إجتهاداتهم" لا تكون إلا في صالحه. لماذا لا" يُخطئون"- ولو لمرة واحدة- بفتوي في صالح الشعوب المقهورة أو لصالح الملايين الذين قتلهم و تآمر عليهم "الحاكم بأمره".لماذا كل خروج علي "ولي الأمر" فتنة و فساد في الأرض , لكن القتال بجانبه و الدفاع عن عرشه جهاد و شهادة. إن لم يكن هذا استخدام للدين لصالح الحاكم او الملك أو الرئيس. إن لم يكن هذا "تلاعب" بآيات الله من أجل منصب أو جاه .إن لم يكن كل هذا تَعريصاً…..فماذا يكون إذاَ؟!

إن هؤلاء "العُلماء" باستمرار ربطهم الدين بالحاكم ووجوده ودفاعهم المُستميت عن الظُلم و الظالمين ,و تَعريصهم لحُكامهم ليل نهار وتأييد أقوالهم بالآيات و الأحاديث "يُسخفون "الدين في نفوس الناس. فحينما تسمح آية " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" من شيوخ مُعرِصين مجرد أحذية في أقدام حُكامهم و يُطلب منك أن تسمع و تُطيع لمجموعة من العُملاء و الخونة و الأغبياء والمُعرصين فأنت أمام أحد أمرين-هذا بفرض أنك لست من الإمعات و الأنطاع- إما أن ترفض الدين كُله أو ترفض "العلماء الأجلاء" و حُكامهم. لقد وصل تَسخيف الدين بأحد المُعرِصين المدعوالشيخ محمد حسان بأن يقول عن أن هجوم البلطجية علي المتظاهرين في 2 فبراير 2011 انه اقتتال بين "طائفتين من المؤمنين"(3) فيقول رداً علي انتقاد مُريدية وعشاقه في تلك الفترة -والذين تُدرك درجة غبائهم و تعريصهم من إعتراضاتهم–عن كيف يظهر علي شاشات القنوات التي بها "مُخالفات شرعية" . فالشيخ كان كغيره من شيوخ و "فنانين" و مُثقفين و لاعبي كرة و سمكرية و حدادين و الذين حشدهم النظام لكي يُحكم سيطرته علي شعبه العبيط الذي كان قد بدأ في سماع كلمات غريبة مثل ثورة والشعب يُريد إسقاط النظام . فكان مهمة حسان وشلته هي مسح أي تأثير قد يكون حدث في عقول الناس بترويج كلمات مضادة مثل فتنة و دماء و فوضي و طاعة و جيش وطني وهلم جرا. كان كل ما يهم أنطاع حسان و "تلامذته" هو كيف يظهر في قنوات" غير مُلتزمة " و من المفارقات -الغير عجيبة- أنه ذهب ليدعو "قواتنا المُسلحة" لكي تفصل بين "الطائفتين المؤمنتين"و رغم انه لم يكن يخفي علي أي مُتابع في تلك الفترة ان الجيش نفسه هو من "أجّرَ" تلك "الفئة المؤمنة الباغية". لكن واضح أن الشيخ كان في "غيبوبة" شبيهة بغيبوته في مذبحة رابعة فلم يدري مَنْ مع مَنْ و لكنه حريص فقط علي "الدماء " -طبعا دماء الجيش و الشرطة- وهو كما يقول لا يخفي عليه مثل تلك الأمور فكل سكناته و حركاته مضبوطة بضوابط "الشرع" , فسارع مُهرولا إلي القنوات "الإباحية" فهذا "أخف الضررين" وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – الذي لو رأي هؤلاء الشيوخ من اكبر قامة فيهم لأصغر عبيط في قريتهم لبصق ليس علي لحاهم بل علي مؤخراتهم - "إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال مُحرّماً". إن طريقة الخطاب "الغوغائي" التي يتبعها هؤلاء الشيوخ لجديرة بالتدريس فهو استطاع نقل محور الموضوع وأساسه من انه عرص أمنجي ابن كلب الي أنه يجوز أن يظهر علي القنوات "الغير ملتزمة" فهذا "أخف الضررين". برافو يا حسان "تدريبك" في أروقة الأمن قد جاء بالفائدة. وأرجو من بقية الشيوخ و المُعرِصين الهواة الذين يعتمدون فقط علي أنهم ورثوا جين التعريص . لابد من التدريب الشاق "الجين وحده لا يكفي". أمامكم "نجم" أهتدوا به تضلوا إن شاء الله.

لم يسلم الدين من الشيوخ وحكامهم فكلما أراد والي أو ملك او رئيس تطبيق ما يؤيد حُكمه و سُلطانه استخدموا الدين لذلك فمرة نجد -حينما يريد الحاكم- الإسلام هو أبو الإشتركية و مرة ثانية الإسلام ليس فيه اشتراكية بل هو "رأسمالي وطني" و مرة الإسلام نظام "ملكي" ثم حينما تسقط الملكية فالإسلام هو أساس الديمقراطية . حتي رأينا والي مصر محمد علي باشا في رسالة مخاطباً الشعب الفرنسي يقول(4):
 “ لتعلموا أن القوانين الإشتراكية و الإجراءات المالية التي يطرحها مُفكريكم و حكماء أُمتكم مأخوذة من قوانين المسلمين. فمنذ قرون يتم تطبيقها في الولايات الخاضعة للإمبراطورية العثمانية وتتمتع شعوبنا منذ فترة طويلة بالسعادة التي يعدونكم بها. نقول لكم ان الدولة يجب ان تكون هي المالك الوحيد و الصانع الوحيد و البنك الوحيد فكل شئ يجب أن يخرج منها و يعود إليها. وهذا بالضبط ما يُطبق في الشرق و بالتحديد في البلاد التي اسعدها الحظ بأن تخضع لقوانيني. فلتأتوا لمصر و أعدكم أنكم لن تُقابلوا أي مالك أو صانع أو صاحب رأس مال غير الدولة. وأضيف ايضاً أنه بمزيج من الحكمة و الدهاء فالدولة تمتلك حتي الأيدي العاملة ففي مصر لا يستطيع أحد العمل حتي و لو كان هذا العمل لنفعه الخاص و لا تستفيد خزانة الدولة من عمله هذا…….”
"…..فلتحذو حذوي: فلتفرضوا ضرائب جديدة و ضاعفوها تحت اي مُسمي و لكي تُجرف تلك الثروات باستمرار و لا تتراكم لدي أصحابها فلتطبقوا نظام التضامن -والذي نجح جداً معي - و هو أن يدفع مَنْ يملك لمَنْ لا يملك و سوف ترون أنه في وقت قصير لن يكون هناك أحد يملك أي شئ. أنتم تشتكون أن بلادكم صغيرة لتتسع لكُل سكانها .فلتسرعوا إذاً بإتباع النصائح الحكيمة للإشتراكيين وسوف تحصلون علي النتيجة التي حصلنا نحن عليها بوسائل مشابهة. ففي السابق كان تعداد سكان وادي النيل 8 مليون أما اليوم فالبكاد عدد سكانه لا يتجاوزالمليون و 200 ألف(5) . و ها هي الأرقام لا تحتاج لبيان"
"أُدين بالثناء لمُشريعيكم للقرارات و القوانين التي أخذوها بالفعل و خصوصاً في المسائل المالية واعترف انني لم اكن لأفعل أفضل مما فعلوا. وبالمثل فأُثني علي المبادئ التي تم طرحها في كتاب بعنوان "تنظيم العمل"(6). فأجد في هذا الكتاب القاعدة الحقيقة للنظام المُطبق في الشرق من إلغاء المواريث و الإحتكار الشامل ما أروع هذا! لكني أسألكم ماذا تفعل تلك الكلمات مثل" الحرية و التقدم….”(7) في كتاب كهذا .صدقوني امحوا تلك الكلمات فهي لا تتوافق مع النظام الرائع الذي ستدخلون فيه فتلك الكلمات لا تُفيدكم شيئاً إلا أن تُعيق إنطلاقتكم. أيها الغربيون لقد اساءوا إليكم من جعلوكم تعتقدون أنكم في أعلي سلم الحضارة و نحن في ذيله. فلتعترفوا الآن بأننا سبقناكم في الحضارة فلتنحنوا أمام حكمة القرآن و لتلعنوا ذكري "شارل مارتل" و "سوبياسكي" (8اللذين منعا جيوش المسلمين من أن تصل إليكم حاملة لكم هذا النظام المُبارك الذي كنتم ستنعمون به منذ قرون والذي بدأ يُبشركم به رُسل الإشتراكية اليوم. الله وحده أكبر ! و كما أن محمداً نبيه . ف "لويس بلان" و "كابيه"(9) هم أنبيائه أيضاً"        باشا مصر محمد علي
"الدولة هي وحدها مَنْ يملك. و بما أنني أنا الدولة فأنا الملك و المالك الوحيد" 
محمد علي باشا باني مصر المخروبة

ما أهبلك أيُها الباشا ! في البداية باشا مصر لا يعرف الفرنسية و لا حتي العربية بل و لا يعرف القراءة والكتابة أصلاً. ثانياً تُلاحظ في "إعلانه" للشعب الفرنسي الخطاب الذي مازلنا نسمعه إلي الآن وهو خطاب "لبن سمك تمر هندي" “فشوية إسلام" علي "شوية كُفر" علي "شوية هرتلة" ويصبح عندك "باني مصر الحديثة". محمد علي يُمثل نموذجا للحاكم الذي "تضخمت ذاته" حتي بات قاب قوسين أن يجري في الشوارع بملابسه الداخلية صائحا بأعلي صوته "أنا هو …. أنا هو" .إن "الميجالومانيا" التي تُصيب الحُكام وأتكلم بصفة خاصة عن من يَحكمون مصر لنابع من طبيعة الشعب المصري هذا  طبعاً بالإضافة إلي الإستعداد الشخصي عند الحاكم للهبل . إن من يحكم مصر لابد ان يُصاب بجنون العظمة فكل حاكم لمصر مُرشح بأن يقول "أنا هو ربكم الأعلي" .فطبيعة شعب مصر التعريصية اللا محدودة وجُبنه و حقارته لتدعو أي "أهبل عبيط "يحكمها من أن يعتقد في نفسه الأُلوهية أو علي الأقل أن يعتقد "أن الله و ملائكته" يقفون معه و يؤيدونه فيما يفعل. 

فتخيل معي أنك بلا سابق إنذار أصبحت رئيس مصر و فجاءة الجميع يُسبح بحمدك الكل يُعرص لك مع أنك تجلدهم آناء الليل و أطراف النهار .تسرقهم فيحمدوك و تقتل أبنائهم فيشكروك . تجعلهم أمة حقيرة فقيرة فيرفعوك إلي مصاف الأنبياء . تغتصب و تنتهك أعراضهم فيعتبرونك إلهاً و اجب الطاعة و العبادة. إن تاريخ مصر هو سلسلة تعريصية واحدة لم تنفصم حلقاتها منذ مجئ أول بشري ليسكُن وادي النيل الملعون هذا وهنا تكمن "عبقرية" المصريين التعريصية. ونحن دائماً ما نظلم الحُكام و نتهمهم بأنهم سبب تخلُفنا و فقرنا و لكن للإنصاف إن الحُكام ما هم إلا إنعكاس للشعوب. إن الحاكم -غالباً- لا يصنع شعباً بل الشُعوب هي التي تصنع حُكامها . فالسيسي العبيط -مثلاً- يُعبر تعبيراً دقيقاً عن طبيعة الشعب المصري إن تخلفه و هبله متناغم تماماً مع تخلف شعبه و هبله .

إن باشا مصر "الحاكم المسلم" الواجب الطاعة كان قد عرض علي فرنسا خدمات "جيشه" في مساعدتها في حربها ضد الجزائر في العام 1830 فبعد معركة نفارين التي دُمر فيها الأسطول العثماني هذا بالإضافة لتدمير الإسطول المصري الوليد و الأسطول الجزائري. ضُرب حصار بحري علي الجزائر منذ 1827 و لمدة ثلاث سنوات .وبعد ان لم يعد يُجدي لا القصف و لا الحصار .رأت فرنسا الفرصة مواتيه لها لإحتلال الجزائر وبعد إصرار من محمد علي قابل القُنصل العام الفرنسي في القاهرة و أبلغَهُ (10):”أنني أملك 68 الف جندي و 23 سفينه و 100 مليون من العوائد فبإمكاناتي هذه وإن لم تُغل يدي أستطيع وحدي ان أضع حداً لحربكم مع الجزائر" طبعاُ الباشا طلب "الأموال" لتمويل حملته هذه من فرنسا التي ستثأر "لشرفها" من هؤلاء "البربر" كما كانت تنعتهم. لكن الفرنسيون ليسوا أغبياء فهم تشككوا في قدرة الباشا علي تنفيذ ما يقوله وخوفهم من أن يأخذ المال و لا يُنفذ وعده و خصوصا أن "جيشه" الذي يتفاخر به ليس بتلك القوة التي يعتقدها. ثم جرت مفاوضات بين الفرنسيين و الباشا و حينها طلب الباشا 4 سُفن فرنسية بمدافعها فقط لتحميه من خطر القوي التي قد تعترضه أو تمثل خطر عليه و لما سُئل "هل تقصد السلطان؟" ضحك الباشا و قال:” السُلطان حمار. أنا لا أطلب منه شئ و هو لن يفعل شئ ثم لماذا قد يعترض السلطان ويمنعني إذا كنت سأدفع له جزية مُعتبرة؟ ثم لو حدث و تجرأ السلطان و منعني فسوف أجعل المُسلمين هم من يحكمون علي تصرفاتي و لن تجد مؤمن واحد لا يُسامحني بأنني أخذت تلك البلاد حينما اقول لهم إن ما دفعني لذلك هو أن أمنع المسيحيين من أن يأخذوها و يستقروا فيها. لا يا صديقي العزيز إن الخطر الذي يواجهني هو إنجلترا التي من الممكن أن تُعارض حملتي هذه و هي من أُطالب الحماية منها!”(10لكن في النهاية بعد مشاورات و مناورات مع الباب العالي في النهاية قررت فرنسا أن تدخل الحرب لوحدها إلي الجزائر و كان بداية الإحتلال الفرنسي لها وتركت "الباشا" يتحسر علي الملايين التي ضاعت منه و خيانة "اصدقائه" الفرنسيين و طمعهم.

إن التاريخ لا يُعيد نفسه نحن فقط نُكرر نفس الأخطاء .إنه حتي الحركات "المُقاومة" والتي لا يشك في عمالتها إلا حمار تستخدم نفس الخطاب التعريصي الذي يستخدمه العالم و الحاكم بلا أي إضافة أو تعديل . ما يُبهرك في كل ما حولك ليس التعريص نفسه فهذا هو "الطبيعي"  و لكن غياب الإبداع و الإبتكار. .فقد نشرت مجلة "نيويورك تايمز" مقال تحت عنوان :” حركة فتح تُطلق تصريحات نارية عبر حسابها علي الفيس بوك وتدعي بأنها قتلت 11000 إسرائيلي"(11)

بعيداَ عن هذا العرض التعريصي لإنجازات فتح .ما حيرني فعلا هو من أين تسربت تلك الفكرة اللعينة في أن مقتل مئات الألوف ومقتل القادة و الصف الأول دون أن يدفع عدوك ثمن فعلته تلك من "مَدنِيّه" و قادته و صفه الأول هو عمل بطولي و ليس غباء و ضعف و فشل. في الحروب والصراعات من المتوقع أن يُقتل من القادة من الطرفين فكل طرف في الصراع يستهدف تفكيك الطرف الأخر بضرب قادته و عُقوله المُفكره و الصف الأول وواضعي الإستراتيجية ........إلخ  لكي يَسهُل بعد ذلك هزيمته هذا هو الطبيعي . لكن أن يَقتل عدوك قادتك و صفك الأول و عقولك و كل ما يمكن أن يُشكل لك ميزة تفوق وفي نفس الوقت يكون قادة عدوك و مُفكريه في مأمن من ضرباتك فهذا يعني أن عدوك ناجح في استراتيجيته و أنك بالإضافة لكونك غبي فأنت فاشل.

إن مثل هذا الفشل الغبي أو الغباء الفاشل مازال هو "القاعدة". فحتي "المُتطرفين" قد تم "إغتصابهم" بنجاح. فالظواهري دعي "جبهة النُصرة" لفك إرتباطها ب" القاعدة" لكي لا يتم إعتبارها "تنظيم إرهابي". فيكشف "الفاتِح" عن وجهة و بإبتسامة بلهاء يقول" احنا مش اسمنا النُصرة الشامية احنا بقينا فَتحيّة الشامية" فتسمع تهليل و تصفيق حاد فقد تم إغتصاب "فتحية" و ستُرزق قريبا ببنت ستُسميها "مَفتوحَه" لكي تكتمل تلك العائلة "المُنحلة" فيصبح عندنا فاتِح و مَفتوحه و فَتحيّة. لا والأدهي و الأمر أن تسمع أصوات تقول "الآن..الآن" سينشق "المُخلصون" من تلك الحركات العميلة و سينضمون إلي الدولة الإسلامية بعدما رأوا من عمالة و خيانة قادتها!!!. أيها العبث رفقا بمرارتنا فقد قاربت علي الإنفجار. بعد كل حدث من هذا النوع تسمع تلك الأصوات فلا "المُخلِصين" ينشقون و لا هم يرحموننا من غبائهم و تخلفهم.

إن الإغتصاب الجسدي جريمة يُعاقب عليها كُل قوانين العالم بأشد أنواع العقاب .إن المُغتصب او المغتصبة جسدياً تُعاني أثار نفسية مُدمرة تظل تُرافقها طوال حياتها . لكن لا يوجد قانون واحد يُعاقب علي الإغتصاب الفكري إحتمال لأن المُغْتَصَبين فكرياً ً"يتلذذون" بذلك و يَسعون إلي "التنويع" في وسائل هذا الإغتصاب. فقط "أُنظر حولك" تجد المُغْتَصَبين "مُستمتعين" بإغتصابهم و يُطالبون بمزيد من "حفلات" الإغتصاب الجماعي لشُعوب المنطقة.........أخيراً....عُذراً علي هذا الإستطراد الطويل ولكن الوضع العبثي الذي نعيشه لا يصلح معه لا تحليل و لا نيله فقط استطرادات علي هامش العبث. 
=======================================================================
==========

(1)طبعا هذه كذبة فهم يرون عصمتهم بالفعل حتي و لو أنكروا هذا بالقول. إن دفاعهم المُستميت في الباطل عن "عُلمائهم" يكفي دليلاَ علي ذلك.
(2)قد شارك هذا العرص في "المؤتمر الإقتصادي الفنكوشي" وألقي كلمة تعريصية غبية مجرد كلام "أكليشيهات و انشاء".تجدها هنا و هذا يحدث حينما تستعين بمُعرِصين فقط لأنهم يحملون جائزة نوبل و ليس لقُدراتهم التعريصية .
(4)النص الأصلي الفرنسي هنا
(5)ما أبدعك يا باشا و دول ماتوا بالطاعون ولا الضرائب هي السبب يا تري؟!
(6)من تأليف "لويس بلان" (1811-1882) سياسي و إشتراكي فرنسي و سيأتي ذكره في آخر الرسالة.
(7)"أعطني رغيفاً و خذ حريتي" شعار المرحلة فبعد أن يتم إفقار الناس يُصبح رغيف العيش أغلي من حرية الإنسان بل حتي أغلي من حياته.
(8)الإشارة هنا إلي معركتين حاسمتين في تاريخ الإسلام كانت من الممكن أن تُغير وجه العالم كما نعرفه الآن و التي هُزم فيها المسلمين المعركة الأولي كانت بقيادة عبد الرحمن الغافقي في وسط فرنسا وهُزم فيها المسلمون علي يد شارل مارتل في 114هـ-732م والتي عُرفت بإسم بلاط الشهداء . أما المعركة الثانية  ففيها هُزم فيها المسلمين الأتراك الذين كانوا يحاصرون فيينا في العام 1094هـ-1683م علي يد ملك بولونيا يوحنا الثالث سوبياسكي.
(9)إتيان كابيه (1788-1856) فيلسوف و إشتركي فرنسي هاجر هو و اتباعه إلي أمريكا في 1848 في محاولة منه لتأسيس "المدينة الفاضلة"!!!!
(10)من كتاب مائة عام من التنافس الإستعماري بين فرنسا و انجلترا 1904 الأصل الفرنسي هنا
(11)حاولت الدخول علي صفحة الفيس بوك تلك قبل نشر التدوينة و كنت قد أخذت "سكرين شوت" لها من قبل لكنها كانت غير متاحة و لا أعرف إذا كان السبب هو إدرارة الفيس بوك التي حذفتها أم لا. علي كل حال هذا هو مقال "نيويورك تايمز" هنا