الأربعاء، 10 أغسطس 2016

البحث عن الجين المفقود 4

(4)


وصلنا إلي خُطوتنا الرابعة والتي سنستكمل فيها تجميع الأجزاء المُتناثرة لكي نخرج بصورة واضحة عن موضوعنا. ونعود فنكرر أننا بدأنا أولي خطواتنا بمحاولة معرفة أصل كلمة "عرص" ووضعنا تعريف يجمع كل المُعرصين بلا استثناء أو مُحاباة. وهي خطوة أساسية لأنه بدونها يغيب المعني الرئيسي للكلمة و يصبح معناها مُتوقف علي "نية" قائلها .إن مُعظم النقاشات و الحوارات و المُجادلات التي نسمعها تتغافل أو تتعمد القفز فوق تلك البديهية الأساسية. فنري حوار "العميان" كُلاً يعتقد ان ما "يراه" هو الحقيقة. إن عبثية هذا النوع من النقاشات هو أن كل واحد لديه تعريف مُختلف لموضوع النقاش عن التعريف الذي يراه مُخالفيه وبالتالي فمن المُستحيل أن يؤدي الحوار و النقاش إلي شئ. ثم قُلنا أنه نتيجة لإنتشار المعرصين في عالمنا البائس هذا و تشابه علاماته ومفرداته أن الأمر أبعد من أن يكون "مُنتج" ثقافي وأنه لابد أن هُناك جين" يُحدد" درجة تعريص حامله. وذكرنا أن هذا الجين سيكون له دور في تكوين و تشكيل الفص الأمامي للمُخ. وقلنا أنه ستواجهنا مُشكلة "الجبر" وأن الأنسان -بتلك الرؤية- لن يكون أكثر من "دُمية مُتحركة". 

في خطوتنا هذه سنتعرف علي الخطاب التعريصي و الذي من علاماته المُبالغة و التهويل فنجد كلمات مثل "أكبر و أول و أقدم و أضخم و أعرق وأعظم …...إلخ " أو تحريف للكلم عن مواضعه فيقال "شجاعة" في أن تموت بلا ثمن تحت حذاء "عسكري معفن". أو يقال "تضحية" عن الموت في سبيل "حاكم أو وطن منيل" أوأن يُقال "عبقرية" عن "شعب عبيط أهبل" أو أن "الثورة" هي أن "تثور" لكن لا تهدم الدولة و مؤسساتها التي تثور عليها أو أن "الجهاد" لا يكون جهاداً إلا إذا كان في سبيل ولي الأمر و يكون "فتنة و فساد" إذا كان عرشه في خطر . يستخدم هذا الخطاب التعريصي علماء "دين" و علماء "دُنيا" و"مُفكرين" و جماعات و حركات و شعوب. فنجد "عالم الدين" يستخدم خطاباً تعريصياَ دينياً بمعني أنه يستعين بالدين لإثبات "صدق" تعريصه فنجد الشيخ العرص بن باز-مثلاً- يستخدم الدين لإنقاذ عروش أسياده بفتواه الشهيرة بجواز الإستعانة "بالكُفار" لدفع إعتداء " رئيس دولة العراق" وحماية الإسلام و المسلمين والدفاع عن حرمة البلاد و أهلها . طبعاً الشيخ لم يقل نصاً الإستعانة بالكُفار فهو عرص مُحنك بل قال مُشيراً إلي استعانة ولي نعمته " بجُملة من الجيوش التي حُصّلت من جنسيات متعددة من المسلمين وغيرهم….” . يا سلام من المُسلمين و"غيرهم" لقد ظلمناك يا شيخ لقد إعتقدنا أنك توالي الكُفار لكن اتضح أنهم "غيرهم" و ليسوا كُفاراً وكما هو معلوم ف "غيرهم" هذا مذهب من المذاهب الإسلامية الضالة قال غالبية "أهل العلم" أنه يجوز موالتهم و الإستعانة بهم وقت الملمات .

"يجوز الإستعانة ب"غيرهم" و غير "غيرهم" فأطيعوا ولي الأمر و اسمعوا له حتي لو كان من "غيرهم""
العلامة العرص عبد العزيز بن باز.
طبعاً عبيد "العُلماء" و أنطاعهم يُقدمون تبريرات كثيرة لابن باز و غيره حين مواجهتهم بأن "عُلمائِهم " مُعرِصون. فيقولون هم "عُلماء أجلاء" "مُجتهدون" يُصيبون و يُخطئون فهم ليسوا بمعصومين (1).ولا يجب ان تؤخذ أخطاء "العلماء" للنيل منهم والطعن فيهم و تحقيرهم. حسنا يا عبيد! فلنسلم لكم -كما تقولون- بأن هؤلاء عُلماء أجلاء "يَحفظون" الكتاب و السُنّة و يُعلّمون الناس و يُفتونَهم في أمور دينهم .لكن السؤال الآن ما علاقة هذا بكونهم "مُعرِصون"؟!. فقد يكون الإنسان عالم جليل أو مُفكر عظيم لكنه في نفس الوقت "عرص كبير". وها قد مات أحد "المُعرِصين الأغبياء" والحائز علي أعلي الجوائز العلمية العالم العرص "أحمد زويل" ورغم أنه لا ينقُصه الذكاء إلا أن تَعريصه في منتهي الغباء(2) لكن بما أنه حاصل علي نوبل- وهو السبب الذي جعله النظام يضع عينيه عليه في المقام الأول بل وأقام له "جنازة عسكرية" مُكافأه لتعريصه- "فأي كلام هيقوله" حتي لو "خطرفات و هرتلات" سيكون بالنسبة لشعب من البهايم "حكم وآيات".فإذا كان العرص الأهبل السيسي خطاباته تجد من يُحللّها و يكتشف ما بها من حكم و رسائل فما بالك إن تحدث من يحمل نوبل علي كتفيه. 

إذاً قد يكون الإنسان عالماً جليلاً و في نفس الوقت مُعرصاً كبيراً هذا أولاً. ثانياً: لماذا لا "يُخطئ"هؤلاء الشيوخ و العُلماء إلا حينما يتعلق الأمر"بالحاكم بأمر الله" لماذا كل "إجتهاداتهم" لا تكون إلا في صالحه. لماذا لا" يُخطئون"- ولو لمرة واحدة- بفتوي في صالح الشعوب المقهورة أو لصالح الملايين الذين قتلهم و تآمر عليهم "الحاكم بأمره".لماذا كل خروج علي "ولي الأمر" فتنة و فساد في الأرض , لكن القتال بجانبه و الدفاع عن عرشه جهاد و شهادة. إن لم يكن هذا استخدام للدين لصالح الحاكم او الملك أو الرئيس. إن لم يكن هذا "تلاعب" بآيات الله من أجل منصب أو جاه .إن لم يكن كل هذا تَعريصاً…..فماذا يكون إذاَ؟!

إن هؤلاء "العُلماء" باستمرار ربطهم الدين بالحاكم ووجوده ودفاعهم المُستميت عن الظُلم و الظالمين ,و تَعريصهم لحُكامهم ليل نهار وتأييد أقوالهم بالآيات و الأحاديث "يُسخفون "الدين في نفوس الناس. فحينما تسمح آية " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" من شيوخ مُعرِصين مجرد أحذية في أقدام حُكامهم و يُطلب منك أن تسمع و تُطيع لمجموعة من العُملاء و الخونة و الأغبياء والمُعرصين فأنت أمام أحد أمرين-هذا بفرض أنك لست من الإمعات و الأنطاع- إما أن ترفض الدين كُله أو ترفض "العلماء الأجلاء" و حُكامهم. لقد وصل تَسخيف الدين بأحد المُعرِصين المدعوالشيخ محمد حسان بأن يقول عن أن هجوم البلطجية علي المتظاهرين في 2 فبراير 2011 انه اقتتال بين "طائفتين من المؤمنين"(3) فيقول رداً علي انتقاد مُريدية وعشاقه في تلك الفترة -والذين تُدرك درجة غبائهم و تعريصهم من إعتراضاتهم–عن كيف يظهر علي شاشات القنوات التي بها "مُخالفات شرعية" . فالشيخ كان كغيره من شيوخ و "فنانين" و مُثقفين و لاعبي كرة و سمكرية و حدادين و الذين حشدهم النظام لكي يُحكم سيطرته علي شعبه العبيط الذي كان قد بدأ في سماع كلمات غريبة مثل ثورة والشعب يُريد إسقاط النظام . فكان مهمة حسان وشلته هي مسح أي تأثير قد يكون حدث في عقول الناس بترويج كلمات مضادة مثل فتنة و دماء و فوضي و طاعة و جيش وطني وهلم جرا. كان كل ما يهم أنطاع حسان و "تلامذته" هو كيف يظهر في قنوات" غير مُلتزمة " و من المفارقات -الغير عجيبة- أنه ذهب ليدعو "قواتنا المُسلحة" لكي تفصل بين "الطائفتين المؤمنتين"و رغم انه لم يكن يخفي علي أي مُتابع في تلك الفترة ان الجيش نفسه هو من "أجّرَ" تلك "الفئة المؤمنة الباغية". لكن واضح أن الشيخ كان في "غيبوبة" شبيهة بغيبوته في مذبحة رابعة فلم يدري مَنْ مع مَنْ و لكنه حريص فقط علي "الدماء " -طبعا دماء الجيش و الشرطة- وهو كما يقول لا يخفي عليه مثل تلك الأمور فكل سكناته و حركاته مضبوطة بضوابط "الشرع" , فسارع مُهرولا إلي القنوات "الإباحية" فهذا "أخف الضررين" وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – الذي لو رأي هؤلاء الشيوخ من اكبر قامة فيهم لأصغر عبيط في قريتهم لبصق ليس علي لحاهم بل علي مؤخراتهم - "إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال مُحرّماً". إن طريقة الخطاب "الغوغائي" التي يتبعها هؤلاء الشيوخ لجديرة بالتدريس فهو استطاع نقل محور الموضوع وأساسه من انه عرص أمنجي ابن كلب الي أنه يجوز أن يظهر علي القنوات "الغير ملتزمة" فهذا "أخف الضررين". برافو يا حسان "تدريبك" في أروقة الأمن قد جاء بالفائدة. وأرجو من بقية الشيوخ و المُعرِصين الهواة الذين يعتمدون فقط علي أنهم ورثوا جين التعريص . لابد من التدريب الشاق "الجين وحده لا يكفي". أمامكم "نجم" أهتدوا به تضلوا إن شاء الله.

لم يسلم الدين من الشيوخ وحكامهم فكلما أراد والي أو ملك او رئيس تطبيق ما يؤيد حُكمه و سُلطانه استخدموا الدين لذلك فمرة نجد -حينما يريد الحاكم- الإسلام هو أبو الإشتركية و مرة ثانية الإسلام ليس فيه اشتراكية بل هو "رأسمالي وطني" و مرة الإسلام نظام "ملكي" ثم حينما تسقط الملكية فالإسلام هو أساس الديمقراطية . حتي رأينا والي مصر محمد علي باشا في رسالة مخاطباً الشعب الفرنسي يقول(4):
 “ لتعلموا أن القوانين الإشتراكية و الإجراءات المالية التي يطرحها مُفكريكم و حكماء أُمتكم مأخوذة من قوانين المسلمين. فمنذ قرون يتم تطبيقها في الولايات الخاضعة للإمبراطورية العثمانية وتتمتع شعوبنا منذ فترة طويلة بالسعادة التي يعدونكم بها. نقول لكم ان الدولة يجب ان تكون هي المالك الوحيد و الصانع الوحيد و البنك الوحيد فكل شئ يجب أن يخرج منها و يعود إليها. وهذا بالضبط ما يُطبق في الشرق و بالتحديد في البلاد التي اسعدها الحظ بأن تخضع لقوانيني. فلتأتوا لمصر و أعدكم أنكم لن تُقابلوا أي مالك أو صانع أو صاحب رأس مال غير الدولة. وأضيف ايضاً أنه بمزيج من الحكمة و الدهاء فالدولة تمتلك حتي الأيدي العاملة ففي مصر لا يستطيع أحد العمل حتي و لو كان هذا العمل لنفعه الخاص و لا تستفيد خزانة الدولة من عمله هذا…….”
"…..فلتحذو حذوي: فلتفرضوا ضرائب جديدة و ضاعفوها تحت اي مُسمي و لكي تُجرف تلك الثروات باستمرار و لا تتراكم لدي أصحابها فلتطبقوا نظام التضامن -والذي نجح جداً معي - و هو أن يدفع مَنْ يملك لمَنْ لا يملك و سوف ترون أنه في وقت قصير لن يكون هناك أحد يملك أي شئ. أنتم تشتكون أن بلادكم صغيرة لتتسع لكُل سكانها .فلتسرعوا إذاً بإتباع النصائح الحكيمة للإشتراكيين وسوف تحصلون علي النتيجة التي حصلنا نحن عليها بوسائل مشابهة. ففي السابق كان تعداد سكان وادي النيل 8 مليون أما اليوم فالبكاد عدد سكانه لا يتجاوزالمليون و 200 ألف(5) . و ها هي الأرقام لا تحتاج لبيان"
"أُدين بالثناء لمُشريعيكم للقرارات و القوانين التي أخذوها بالفعل و خصوصاً في المسائل المالية واعترف انني لم اكن لأفعل أفضل مما فعلوا. وبالمثل فأُثني علي المبادئ التي تم طرحها في كتاب بعنوان "تنظيم العمل"(6). فأجد في هذا الكتاب القاعدة الحقيقة للنظام المُطبق في الشرق من إلغاء المواريث و الإحتكار الشامل ما أروع هذا! لكني أسألكم ماذا تفعل تلك الكلمات مثل" الحرية و التقدم….”(7) في كتاب كهذا .صدقوني امحوا تلك الكلمات فهي لا تتوافق مع النظام الرائع الذي ستدخلون فيه فتلك الكلمات لا تُفيدكم شيئاً إلا أن تُعيق إنطلاقتكم. أيها الغربيون لقد اساءوا إليكم من جعلوكم تعتقدون أنكم في أعلي سلم الحضارة و نحن في ذيله. فلتعترفوا الآن بأننا سبقناكم في الحضارة فلتنحنوا أمام حكمة القرآن و لتلعنوا ذكري "شارل مارتل" و "سوبياسكي" (8اللذين منعا جيوش المسلمين من أن تصل إليكم حاملة لكم هذا النظام المُبارك الذي كنتم ستنعمون به منذ قرون والذي بدأ يُبشركم به رُسل الإشتراكية اليوم. الله وحده أكبر ! و كما أن محمداً نبيه . ف "لويس بلان" و "كابيه"(9) هم أنبيائه أيضاً"        باشا مصر محمد علي
"الدولة هي وحدها مَنْ يملك. و بما أنني أنا الدولة فأنا الملك و المالك الوحيد" 
محمد علي باشا باني مصر المخروبة

ما أهبلك أيُها الباشا ! في البداية باشا مصر لا يعرف الفرنسية و لا حتي العربية بل و لا يعرف القراءة والكتابة أصلاً. ثانياً تُلاحظ في "إعلانه" للشعب الفرنسي الخطاب الذي مازلنا نسمعه إلي الآن وهو خطاب "لبن سمك تمر هندي" “فشوية إسلام" علي "شوية كُفر" علي "شوية هرتلة" ويصبح عندك "باني مصر الحديثة". محمد علي يُمثل نموذجا للحاكم الذي "تضخمت ذاته" حتي بات قاب قوسين أن يجري في الشوارع بملابسه الداخلية صائحا بأعلي صوته "أنا هو …. أنا هو" .إن "الميجالومانيا" التي تُصيب الحُكام وأتكلم بصفة خاصة عن من يَحكمون مصر لنابع من طبيعة الشعب المصري هذا  طبعاً بالإضافة إلي الإستعداد الشخصي عند الحاكم للهبل . إن من يحكم مصر لابد ان يُصاب بجنون العظمة فكل حاكم لمصر مُرشح بأن يقول "أنا هو ربكم الأعلي" .فطبيعة شعب مصر التعريصية اللا محدودة وجُبنه و حقارته لتدعو أي "أهبل عبيط "يحكمها من أن يعتقد في نفسه الأُلوهية أو علي الأقل أن يعتقد "أن الله و ملائكته" يقفون معه و يؤيدونه فيما يفعل. 

فتخيل معي أنك بلا سابق إنذار أصبحت رئيس مصر و فجاءة الجميع يُسبح بحمدك الكل يُعرص لك مع أنك تجلدهم آناء الليل و أطراف النهار .تسرقهم فيحمدوك و تقتل أبنائهم فيشكروك . تجعلهم أمة حقيرة فقيرة فيرفعوك إلي مصاف الأنبياء . تغتصب و تنتهك أعراضهم فيعتبرونك إلهاً و اجب الطاعة و العبادة. إن تاريخ مصر هو سلسلة تعريصية واحدة لم تنفصم حلقاتها منذ مجئ أول بشري ليسكُن وادي النيل الملعون هذا وهنا تكمن "عبقرية" المصريين التعريصية. ونحن دائماً ما نظلم الحُكام و نتهمهم بأنهم سبب تخلُفنا و فقرنا و لكن للإنصاف إن الحُكام ما هم إلا إنعكاس للشعوب. إن الحاكم -غالباً- لا يصنع شعباً بل الشُعوب هي التي تصنع حُكامها . فالسيسي العبيط -مثلاً- يُعبر تعبيراً دقيقاً عن طبيعة الشعب المصري إن تخلفه و هبله متناغم تماماً مع تخلف شعبه و هبله .

إن باشا مصر "الحاكم المسلم" الواجب الطاعة كان قد عرض علي فرنسا خدمات "جيشه" في مساعدتها في حربها ضد الجزائر في العام 1830 فبعد معركة نفارين التي دُمر فيها الأسطول العثماني هذا بالإضافة لتدمير الإسطول المصري الوليد و الأسطول الجزائري. ضُرب حصار بحري علي الجزائر منذ 1827 و لمدة ثلاث سنوات .وبعد ان لم يعد يُجدي لا القصف و لا الحصار .رأت فرنسا الفرصة مواتيه لها لإحتلال الجزائر وبعد إصرار من محمد علي قابل القُنصل العام الفرنسي في القاهرة و أبلغَهُ (10):”أنني أملك 68 الف جندي و 23 سفينه و 100 مليون من العوائد فبإمكاناتي هذه وإن لم تُغل يدي أستطيع وحدي ان أضع حداً لحربكم مع الجزائر" طبعاُ الباشا طلب "الأموال" لتمويل حملته هذه من فرنسا التي ستثأر "لشرفها" من هؤلاء "البربر" كما كانت تنعتهم. لكن الفرنسيون ليسوا أغبياء فهم تشككوا في قدرة الباشا علي تنفيذ ما يقوله وخوفهم من أن يأخذ المال و لا يُنفذ وعده و خصوصا أن "جيشه" الذي يتفاخر به ليس بتلك القوة التي يعتقدها. ثم جرت مفاوضات بين الفرنسيين و الباشا و حينها طلب الباشا 4 سُفن فرنسية بمدافعها فقط لتحميه من خطر القوي التي قد تعترضه أو تمثل خطر عليه و لما سُئل "هل تقصد السلطان؟" ضحك الباشا و قال:” السُلطان حمار. أنا لا أطلب منه شئ و هو لن يفعل شئ ثم لماذا قد يعترض السلطان ويمنعني إذا كنت سأدفع له جزية مُعتبرة؟ ثم لو حدث و تجرأ السلطان و منعني فسوف أجعل المُسلمين هم من يحكمون علي تصرفاتي و لن تجد مؤمن واحد لا يُسامحني بأنني أخذت تلك البلاد حينما اقول لهم إن ما دفعني لذلك هو أن أمنع المسيحيين من أن يأخذوها و يستقروا فيها. لا يا صديقي العزيز إن الخطر الذي يواجهني هو إنجلترا التي من الممكن أن تُعارض حملتي هذه و هي من أُطالب الحماية منها!”(10لكن في النهاية بعد مشاورات و مناورات مع الباب العالي في النهاية قررت فرنسا أن تدخل الحرب لوحدها إلي الجزائر و كان بداية الإحتلال الفرنسي لها وتركت "الباشا" يتحسر علي الملايين التي ضاعت منه و خيانة "اصدقائه" الفرنسيين و طمعهم.

إن التاريخ لا يُعيد نفسه نحن فقط نُكرر نفس الأخطاء .إنه حتي الحركات "المُقاومة" والتي لا يشك في عمالتها إلا حمار تستخدم نفس الخطاب التعريصي الذي يستخدمه العالم و الحاكم بلا أي إضافة أو تعديل . ما يُبهرك في كل ما حولك ليس التعريص نفسه فهذا هو "الطبيعي"  و لكن غياب الإبداع و الإبتكار. .فقد نشرت مجلة "نيويورك تايمز" مقال تحت عنوان :” حركة فتح تُطلق تصريحات نارية عبر حسابها علي الفيس بوك وتدعي بأنها قتلت 11000 إسرائيلي"(11)

بعيداَ عن هذا العرض التعريصي لإنجازات فتح .ما حيرني فعلا هو من أين تسربت تلك الفكرة اللعينة في أن مقتل مئات الألوف ومقتل القادة و الصف الأول دون أن يدفع عدوك ثمن فعلته تلك من "مَدنِيّه" و قادته و صفه الأول هو عمل بطولي و ليس غباء و ضعف و فشل. في الحروب والصراعات من المتوقع أن يُقتل من القادة من الطرفين فكل طرف في الصراع يستهدف تفكيك الطرف الأخر بضرب قادته و عُقوله المُفكره و الصف الأول وواضعي الإستراتيجية ........إلخ  لكي يَسهُل بعد ذلك هزيمته هذا هو الطبيعي . لكن أن يَقتل عدوك قادتك و صفك الأول و عقولك و كل ما يمكن أن يُشكل لك ميزة تفوق وفي نفس الوقت يكون قادة عدوك و مُفكريه في مأمن من ضرباتك فهذا يعني أن عدوك ناجح في استراتيجيته و أنك بالإضافة لكونك غبي فأنت فاشل.

إن مثل هذا الفشل الغبي أو الغباء الفاشل مازال هو "القاعدة". فحتي "المُتطرفين" قد تم "إغتصابهم" بنجاح. فالظواهري دعي "جبهة النُصرة" لفك إرتباطها ب" القاعدة" لكي لا يتم إعتبارها "تنظيم إرهابي". فيكشف "الفاتِح" عن وجهة و بإبتسامة بلهاء يقول" احنا مش اسمنا النُصرة الشامية احنا بقينا فَتحيّة الشامية" فتسمع تهليل و تصفيق حاد فقد تم إغتصاب "فتحية" و ستُرزق قريبا ببنت ستُسميها "مَفتوحَه" لكي تكتمل تلك العائلة "المُنحلة" فيصبح عندنا فاتِح و مَفتوحه و فَتحيّة. لا والأدهي و الأمر أن تسمع أصوات تقول "الآن..الآن" سينشق "المُخلصون" من تلك الحركات العميلة و سينضمون إلي الدولة الإسلامية بعدما رأوا من عمالة و خيانة قادتها!!!. أيها العبث رفقا بمرارتنا فقد قاربت علي الإنفجار. بعد كل حدث من هذا النوع تسمع تلك الأصوات فلا "المُخلِصين" ينشقون و لا هم يرحموننا من غبائهم و تخلفهم.

إن الإغتصاب الجسدي جريمة يُعاقب عليها كُل قوانين العالم بأشد أنواع العقاب .إن المُغتصب او المغتصبة جسدياً تُعاني أثار نفسية مُدمرة تظل تُرافقها طوال حياتها . لكن لا يوجد قانون واحد يُعاقب علي الإغتصاب الفكري إحتمال لأن المُغْتَصَبين فكرياً ً"يتلذذون" بذلك و يَسعون إلي "التنويع" في وسائل هذا الإغتصاب. فقط "أُنظر حولك" تجد المُغْتَصَبين "مُستمتعين" بإغتصابهم و يُطالبون بمزيد من "حفلات" الإغتصاب الجماعي لشُعوب المنطقة.........أخيراً....عُذراً علي هذا الإستطراد الطويل ولكن الوضع العبثي الذي نعيشه لا يصلح معه لا تحليل و لا نيله فقط استطرادات علي هامش العبث. 
=======================================================================
==========

(1)طبعا هذه كذبة فهم يرون عصمتهم بالفعل حتي و لو أنكروا هذا بالقول. إن دفاعهم المُستميت في الباطل عن "عُلمائهم" يكفي دليلاَ علي ذلك.
(2)قد شارك هذا العرص في "المؤتمر الإقتصادي الفنكوشي" وألقي كلمة تعريصية غبية مجرد كلام "أكليشيهات و انشاء".تجدها هنا و هذا يحدث حينما تستعين بمُعرِصين فقط لأنهم يحملون جائزة نوبل و ليس لقُدراتهم التعريصية .
(4)النص الأصلي الفرنسي هنا
(5)ما أبدعك يا باشا و دول ماتوا بالطاعون ولا الضرائب هي السبب يا تري؟!
(6)من تأليف "لويس بلان" (1811-1882) سياسي و إشتراكي فرنسي و سيأتي ذكره في آخر الرسالة.
(7)"أعطني رغيفاً و خذ حريتي" شعار المرحلة فبعد أن يتم إفقار الناس يُصبح رغيف العيش أغلي من حرية الإنسان بل حتي أغلي من حياته.
(8)الإشارة هنا إلي معركتين حاسمتين في تاريخ الإسلام كانت من الممكن أن تُغير وجه العالم كما نعرفه الآن و التي هُزم فيها المسلمين المعركة الأولي كانت بقيادة عبد الرحمن الغافقي في وسط فرنسا وهُزم فيها المسلمون علي يد شارل مارتل في 114هـ-732م والتي عُرفت بإسم بلاط الشهداء . أما المعركة الثانية  ففيها هُزم فيها المسلمين الأتراك الذين كانوا يحاصرون فيينا في العام 1094هـ-1683م علي يد ملك بولونيا يوحنا الثالث سوبياسكي.
(9)إتيان كابيه (1788-1856) فيلسوف و إشتركي فرنسي هاجر هو و اتباعه إلي أمريكا في 1848 في محاولة منه لتأسيس "المدينة الفاضلة"!!!!
(10)من كتاب مائة عام من التنافس الإستعماري بين فرنسا و انجلترا 1904 الأصل الفرنسي هنا
(11)حاولت الدخول علي صفحة الفيس بوك تلك قبل نشر التدوينة و كنت قد أخذت "سكرين شوت" لها من قبل لكنها كانت غير متاحة و لا أعرف إذا كان السبب هو إدرارة الفيس بوك التي حذفتها أم لا. علي كل حال هذا هو مقال "نيويورك تايمز" هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال