الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

"متآمر و أهبل " ... نماذج حية من واقع ميت.

"متآمر و أهبل " ... نماذج حية من واقع ميت.



نعيش اليوم انحطاطاً في كل شئ،  ولا يبدو أن لقاع هذا الإنحطاط نهاية. كل شئ يبدو عبثياً مضحكا وكأننا نعيش في أحد الأفلام الهندية، حيث بعد أن يقتل ويدمر بطل الفيلم المدينة من أجل الوصول إلي محبوبته يكتشف -بعد ساعتين من الحوار الملل- أنها أخته من أبيه الذي لا يعرفه وأمه التي يجهلها , فقد تركته بعد ولادته علي باب المعبد لخوفها من إنفضاح أمرها.

لقد أفرز هذا الإنحطاط نماذج من التخلف والهبل التي يقف أمامها العقل عاجزاً من فرط بلاهتها وتخلفها. فنري من حولنا كائنات يقال عنها بشرية ظلماً وعدواناً، قد بلغ بها الإنحطاط لا أقول مرتبة الحيوانات عقلاً و سلوكاً , ولكن بلغ بها الانحطاط مرتبة الجمادات فهُم وإن كانوا يأكلون ويشربون ويتناسلون , ولكنهم شابهوا الجمادات في كونهم لا يشعرون لا يعقلون عُمياً لا يبصرون.

قرأنا في كتب التاريخ عن المؤامرات والمتآمرين ، وكيف كان المتآمر يتمتع بعقل جهنمي يستخدمه من أجل الوصول إلي غايته عن طريق حيل و خدع لا تملك إلا أن تنحي إحتراماً للعقل الذي أنتجها. أما الآن فلقد شوهوا حتي المتآمر الذي كان لابد أن يكون ذكيا ولكنه يستخدم ذكاءه في غير موضعه،  فأصبح المتآمر من مواصفاته أن يكون أهبلاً،  ولكي لا نظلم المتآمرين،  فاذا كان المُتَآمَر عليهم بهذا القدر من البلاهة والعبط فماذا تتوقع أن يكون المُتَآمِر،  لابد أن يكون هو الاخر أهبلاً ......

الأمثلة كثيرة علي هذا ال" متآمر و أهبل " في واقعنا،  ولا نبالغ اذا قلنا أن هذا هو "الترند " اليوم فلم يعد أي وجود للمتآمر الذكي. سوف أستعرض خمسة نماذج من هؤلاء سريعا لنري أوجه التشابه والاختلاف -إن وجد- بينهم , النماذج الخمسة هم: السيسي،  مرسي،  ابراهيم عيسي، محمود عبدالرازق الرضواني،  توفيق عكاشة.

 قد تسألني لماذا تم اختيار هؤلاء بالذات كنماذج دون غيرهم؟ ، لأن هؤلاء شئنا أم أبينا هي النماذج الأبرز والأكثر تأثيراً علي الساحة الآن ، فالسيسي في أعلي هرم السلطة في مصر،  ومرسي مازال هو الرئيسي الشرعي للبعض،  وعيسي وعكاشة يتابعهما الملايين يوميا لسماع هرتلاتهم،  وعبد الرازق الرضواني يمثل السلفية الجامية، فهو مثال رجل الدين المُستعد دوما للحس التراب الذي يمشي عليه ولي الأمر ، وهذه هي التركيبة السحرية المضمونة لحكم شعب مُغيب،  رئيس دُمية،  وإعلام مُضَلِّل، ومُعارضة مستأنسة يتم فيها استنفاذ وتفريغ غضب الناس، وشيخ (شيوخ) مستعد أن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً ليُضفي الشرعية الدينية للحُكم.


النموذج الأول : عبد الفتاح السيسي

نحن الآن أمام النموذج الأول للمتآمر الأهبل ، وهو في الحقيقة كما يُقال " بلوبرنت" لكل من يريد أن يصنع واحداً ، شخص معدوم الشخصية،  جاهل،  سهل الإنقياد والتأثير عليه،  بلا أي ميزة لا جسدية ولا عقلية،  نموذج مثالي لكي تحركه عن بعد ، وتتخلص منه بسهولة حينما تريد . فمن الواضح من سير الأحداث أن السيسي قد أصبح رئيساً بالمصادفة البحته،  فلو رجعنا للوراء بعد الانقلاب سنجد أنه لم يكن في الحسبان أن يأتي السيسي رئيساً،  ولكن بعد تعنت جماعة الأخوان وعدم قبولها بالعروض التي عرضها عليهم الجيش،  ظناً منها أن الجيش سوف يتراجع عن انقلابه وما هي الا أيام - أو علي الأقصي شهور- ليرجع كل شئ كما كان ، ولكن لغبائهم الفطري لم يُدركوا أن الضوء الأخضر قد صدر بأن يفعل الجيش ما يريد ولكن علي أن يسرع في خطواته لكي لا تتعقد الأمور , وقد كان،  إرتكب الجيش عدة مذابح،  لكي يجبر جماعة الاخوان للقبول بعروضه ولكن الجماعة من هول الصدمة،  وإعتقادهم أن أمريكا لن تتخلي عنهم استمروا في عنادهم فكان الصدام الأخير بمذبحة رابعة،  واعتقال وقتل ومصادرة الأموال ، في خلال ذلك ارتفع نجم السيسي بشكل فاق كل التوقعات،  واصبح الزعيم المُخلِّص الفادي،  الذي جاء ليخلص مصر من الحكم الإخواني الفاشي الإرهابي المرعب، فتم دراسة الفكرة بأن يكون السيسي هو الرئيس القادم -رغم علمهم بأن الزعيم الفادي ما هو إلا بطل من ورق- ونلاحظ من خلال اللغط الإعلامي في تلك الفترة وتصريحات حتي بعض قيادات الجيش بأن السيسي لن يكون رئيساً،  أن الأمر كان مازال في طور الدراسة،  ثم أٌتُخِذَ القرار علي أساس أن هذا أفضل الخيارات في الوقت الحالي،  وقد كان و أصبح لدينا رئيس مصر،  مُتآمر وأهبل.

النموذج الثاني : محمد مرسي

الحقيقة أوجه الشبه بين مرسي والسيسي كثيرة حتي ليختلط عليك الأمر في بعض الاحيان، فمرسي كالسيسي لم يكن هو أيضا في الحسبان وجاء مصادفةً,  بعدما -كما قيل حينها- رفض الجيش لترشيح خيرت الشاطر (لا أعرف لماذا رفض الجيش ذلك فلا أهبل من هذا الا هذا،  ولكنها مقادير الأمور ) المهم بعد فوز مرسي بالرئاسة،  إتضح أننا أمام شخص لا يفرق عن نموذجنا الأول في الجهل و الغباء وانعدام الشخصية الا في  الرتبة فالسيسي مشير،  ومرسي دكتور هذا هو الفرق الوحيد .مرسي تآمر مع الجيش هو و جماعته من أجل أن يصلوا للحكم  ,ولكن لأن جماعة الأخوان و مُرسيّهم عندهم خلل وراثي فالهبل شئ توراثوه أباً عن جداً،  كان الجيش يقودهم إلي حيث هلاكهم ولكنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا أنه بعد كل ما فعلوه من أجل الجيش وخيانتهم للشعب وتقديم فروض الولاء والطاعة لأمريكا , وإعطاء التعهدات والتطمينات لإبنتها المدللة إسرائيل , أنه يمكن أن يسقطوا بتلك السهولة، حيث قال عريانهم :" لقد وليّ عهد الإنقلابات" ، فجاء الإنقلاب وجعلهم يولولون فقد عاد عهد الإنقلابات بضغطة زر ، لقد أثبت مرسي وجماعته أنهم المادة الخام للمتآمر الأهبل في منطقتنا،  انظر لهم في أي دولة كانت تدرك أنهم أحد أهم أسباب نكبة المنطقة ,هم وإخوانهم من السلفية الجامية-وهم نموذجنا الثالث- التي أصبحت سماً زعافا أصاب منطقتنا بالشلل التام وأصبحت علي شفا الموت.

النموذج الثالث : محمود عبد الرازق الرضواني

دكتور في العقيدة الإسلامية كان مشغولاً قبل الثورة بالكلام عن الصفات وشرح العقيدة و المجادلات مع محمد حسان ولا يترك فرصة إلا ويطعن به , فهم شكلا علي طرفي نقيض.  فهو كان كغيره من الشيوخ في الساحة الدعوية لا يتكلمون في السياسة فهم كانوا يعتقدون بصحة الإنجيل الذي بين أيدينا اليوم،  فطبقوا مقالة المسيح فيه " دع مال قيصر لقيصر "   ثم جاءت الثورة فاكتشفوا أن الإنجيل مُحرف وأنه ليس كلام الله و أن الإسلام فيه سياسة , فحرم الخروج في المظاهرات و الذهاب للإنتخابات  وأنه يجب أن نُحافظ علي مصر،  "واللي بيحب مصر مايخربش مصر", ثم بعد هرتلات وتناقضات طويلة صدرت التعليمات بأن تصبح قناته " قناة البصيرة" موجهة بشكل رئيسي لمهاجمة الأخوان،  فاصبح بالساعات الطوال يتكلم عن فكر ومنهج الاخوان المنحرف.. الي آخره , ثم جاء مرسي رئيسا فقال ولي الأمر نسمع له و نطيع،  فجاءت التعليمات الجديدة بالتليفون ,  فأصبح مرسي يجب الخروج عليه فهو وجماعته يسعون لحكم العالم والماسونية بالمهلبية مضرة بالصحة فلا تأكلوها فهي محرمة حُرمة لحم الخنزير ،  ثم حدث الانقلاب،  فاصبحت القناة تمجد الجيش ثم السيسي ، ولا ينسي بعد كل عبارة أن يحشر الأخوان في جملة مفيدة أو غير مفيدة المهم هو استمرار ذكرها والتحذير منها وعلاقتها بداعش(**) , فداعش هي الاخوان ,  والسيسي حفظه الله -هكذا تقال- حمي مصر من الأرهابيين الأشرار الذين يريدون أن يشوهوا الإسلام ، فعلا يا شيخ أنت مُتآمر وأهبل.

النموذج الرابع : ابراهيم عيسي

نموذجنا الرابع صحفي، مُثقف علي ما تُفرج ، ليبرالي مسلم حين الحاجة، علماني متشدد دائماً،  أنوي منبسط أوي،  وجودي منعدم خالص،  أخلاقي مبتذل جداً،  .... الحقيقة أن ابراهيم عيسي رغم الأكروبات الكلامية التي يلقيها علي مشاهديه بكم المرادفات التي يقولها والتي لا تعني إلا أنه يريد فقد أن يُطيل الحلقة لكي يكون هناك مساحة كافية للإعلانات،لا يفرق شيئا عن نموذجنا الخامس،  فرغم مايبدو -شكلا- من اختلافهما الا أن مضمون رسالتهما واحد،  فابراهيم رجل عملي مُدرك أن الحياة قصيرة ولازم "يكّون قرشين في اليومين الفُل دول"،  وأن هذا هو "الموسم بتاعه" ، وسيبك انت من الحرية والملوخية،  فليذهب الجميع إلي الجحيم،  المهم الملايين تنهال عليّ , "وديتها إيه يعني أظهر يوميا علي الشاشة لكي أقول أي كلام"،  وطالما عدد المشاهدين بيزيد،  “فالاشية معدن"،  "وربنا يخليلنا الجيش  والشرطة  ,ويخرب بيت اللي يزعلهم" . عيسي مثال للمثقف الإنتهازي الذي يبيع السيدة أُمه من أجل المال،  فالكلام بضاعته،  ولمن يدفع أكثر، ولن أستغرب غدا - حينما تصدر الأوامر - أن يغير كل كلامه ويبدأ بالكلام -من أول السطر- عن السيسي الفاسد الذي أفسد الحياة السياسية والذي يجب أن يرحل،  فعلا يا أبو خليل أنتَ متآمر وأهبل.

النموذح الخامس : توفيق عكاشة

الدكتور(*) عكاشة رجل بسيط وبتاع فرفشة ، من عائلة-كما يقول هو- برلمانية عريقة،  ثري،  وأهبل،  يمتلك قناة الفراعين التي تبث حكاوية المسلية للبعض،  ترافقه  سُمعة -مفيدة- بأنه علي علاقة مباشرة بالمخابرات،  التي تعطيه الأخبار والمعلومات ، وتمده بالمخططات والمخطوطات ,وتقول له علي اللي فات وعلي ما هو آت. وكما أن مرسي شبيه السيسي،  فعكاشة شبيه إبراهيم عيسي،  الفرق الوحيد هو في الجمهور الذي يوجه له الخطاب،  فجمهور عيسي من انصاف المثقفين المغفلين،  و اما جمهور عكاشه فغالبه من الفلاحين والصنايعيه وربات البيوت ، عيسي يستخدم ألفاظ متكورة متقعرة لنفس الموضوع الذي يطرحه عكاشة ، فالماسونية المتحوصلة في معاميع الألفية الثالثة،  تثير خيال جمهور عكاشة،  فهي كقصص الأطفال التي كنا نسمعها ونحن صغار عن الرجل ابو رجل مسلوخة،  وأم شوشة جنية المية،  وغيرها،  وهذه هي القوة التأثيرية لخطاب عكاشة،  فجمهوره يريد أن يسمع تلك الحكاوي عن الماسونية العالمية التي تخطط لتقسيم مصر والمخططات الجهنمية التي يحيكونها فترتعد فرائصهم من تحت البطانية وهم مستلقون علي الكنبة في شتاء يناير،  لكنهم في نفس الوقت يشعرون بالأمن لأن هناك رجال كعكاشة وجيش كالجيش المصري الذي سيحميهم من كل تلك الأخطار ، إنه نفس شعور الطفل حينما تحكي له أمه قصة مرعبة علي السرير لينام فيسحب الغطاء عليه خوفا و لكنه يشعر بالأمن لأن أُمه بجانبه. أما عيسي فيتكلم عن ضرورة التعددية الحزبية المنطلقة من فضاء العبثية والمتجهة إلي الوجود السرمدي في بؤرة الكون اللامتناهية،  وخطر جماعة الإخوان الارهابية الفاشية وعلاقتها بأمريكا -في الحرام-  بلا زواج ولا عقود رسمية , كما هو الحال مع النظام الذي يدافع عنه ,وضرورة تغيير الدين - عفوا الخطاب الديني-  والوهابية السعودية المتأسلمة بإسلام ما قبل التاريخ،  والعلاقات المنتهية في أفق الماضي السحيق،  و دوامة من الهرتلات التي يحب سماعها جمهوره والتي تؤدي إلي نفس النتيجة. لكن في النهاية عكاشة مثال حي للمُتآمر الأهبل الناجح.

بعد أن تعرفنا سريعا علي نماذح لهذا ال " متآمر وأهبل " لابد أن نفرق بين مجموعتين يندرجان تحتهما هذا المتآمر وهما : أهبل قد أصبح متآمراً و متآمراً أصبح أهبلاً،  فالسيسي و مرسي وعكاشة يندرجان تحت الأهبل المتآمر ، وعيسي و الرضواني تحت المتآمرالأهبل،  قد تعترض وتقول أنه ليس هناك فرق بينهما فكلاهما متأمراً أهبلاً،  ولكن الحقيقة هناك فرق فالهبل شئ أصيل في المجموعة الأولي ولكنه طارئ في المجموعة الثانية،  ومِن ثَمْ فالأهبل المتآمرهوالأكثرخطورة -علي عكس ما قد يعتقد البعض- فهو إما يرتكب المذابح بلا أدني تأنيب من ضمير،  أو يتم التلاعب وتحريكه من خلف ستار وجعله كبش فداء لجرائم وخيانات محركيه ،  أو يتم الضحك منه وعليه والسخرية من عبطه وهبله في حين يبث -دون أن تشعر- سمومه في أفكار الناس وقناعاتهم.

ختاما يجب ألا نُخدع بالشكل ونبحث دائماً عن المضمون, فكما رأينا  ما يبدوا متناقضا شكلا هو في الحقيقة واحداً جوهرًا, وفي الصورة التالية تلخيص لما قلناه وتستطيع أنت أيضا أن تكتشف بسهولة المئات من هؤلاء الذين يتم إستخدامهم وتحريكهم لخداعك الأمر بسيط لا تنخدع بالقنابل الدُخانية التي تشوش علي رؤيتك،  انتظر قليلا فسوف ينقشع الدخان وتري أن ما تحسبه يقاتل بجانبك ويدافع عن قضيتك ما هو إلا عدوك اللدود يحاول خداعك للقضاء عليك:
 


----------------------------------------------------------------------------------
(*)بغض النظر عن الشكوك حول كيفية حصوله عليها , فلو إعتبرنا قدرته العقلية دليل علي تزييفه أوشراءه لشهادة الدكتوراه لإضطررنا لسحبها من 90% ممن يحملونها حول العالم .وكما أننا لم نتكلم عن أحقية السيسي برتبة مشيرمن عدمه وأحقية مرسي في دكتوراه , فلن نفعل مع الدكتور عكاشة.
(**) يحسبون أنهم يُحقّرون الدولة الإسلامية باستمرار ترديدهم تلك الكلمة , ويبدو أن شروط التعاقد مع الجهات الآمنية التي تحركهم منصوص فيه علي ترديدها بلا إنقطاع وإلا سيتوقف الراتب أو تخرج "الاسطوانات المخلة" من الأدراج. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال