ترجمة مقال الدولة الإسلامية من كلمات أعداءها للأنثروبولوجي"سكوت آتران" : الدولة الإسلامية ثورة . مجلة دار الإسلام العدد (9).
قام الأنثروبولوجي و المتخصص في شئون الإرهاب "سكوت آتران" في أعقاب هجمات باريس في نهاية 2015 بنشر ورقته البحثية باللغة الإنجليزية بعنوان "الدولة الإسلامية ثورة" هنا
وفي فبراير 2016 قام الصحفي "باسكال ريشيه" بترجمتها لصحيفة "نوفيل اوبزرفتوار" .وهو من قام بوضع العناوين الفرعية لهذه الورقة -غالبا- لكي تكون أكثر سهولة في القراءة.وهذا ملف بي دي إف للترجمة الفرنسية الكاملة هنا . و هي الترجمة التي نقلت مُعظمها مجلة دار الإسلام .
.
وكما جاء هنا فإن فهم عدوك هي الخطوة الأولي للإنتصار. فكما يقول سكوت آتران "إن من واجبنا الفهم" وليس محاولة الفهم هذه هي "تعاطف" مع العدو بل هو أن تري عدوك "بعينيه" لكي تستطيع التغلب عليه. إن أعداء الدولة الإسلامية ليسوا كلهم أغبياء و جبناء و مغفلين إن مجرد تصورك لذلك هو بداية هزيمتك . فإن كان صحيحا أنهم كذلك فيكون السؤال المنطقي المباشر : و لما إذاً لم "نسحقهم" إلي الآن؟ فإن أجبت بأن المسألة مسألة وقت . فما يُدريك أن الوقت في صالحك ؟ و لماذا لا يكون العكس؟ . إن بداية إنتصارك تكون بفهمك لعدوك علي حقيقته بلا تضخيم بإعتباره "كائناً" لا يُقهر و لا تهوين بإعتباره "حشرة" لا شأن لها.
=============================================================================
الأنثروبولوجي "سكوت آتران" متخصص في شئون الإرهاب
الدولة الإسلامية من كلمات أعدائها
في هذا المقال يُقدم لنا الأنثروبولوجي "سكوت أتران" تحليلاً مختلفاً و يبدو هذا التحليل في بعض نقاطه مثيراً للإهتمام خصوصا فيما يتعلق ببعض القيم المشتركة بين مُقاتلي الدولة الإسلامية . ورغم ذلك فبعض أفكاره غير واقعية بل و تبدو حتي خيالية تماماً، لكن يبقي من المهم ملاحظته و تأكيده علي جاذبية الدولة الإسلامية وكذلك علي أن سير الأحداث لا يُشير إلي نهاية قريبة للخلافة.
"الإرهاب بلا فضيلة مُدمّر، و الفضيلة بلا إرهاب تظل عاجزة. الإرهاب ماهو إلا العدالة التي بلا هوادة والسريعة و القاسية. فالإرهاب بالتالي تنبع منه الفضيلة. "
ماكسميليان روبسبير : عن مبادئ الأخلاق السياسية 1794.
في وسط الرصاص و القنابل و الإنفجارات من السهل نسيان حقيقة أساسية: ليس أننا فقط لم نستطع إيقاف الإسلام الراديكالي بل إن جهودنا لمحاربته يبدو أنها تعمل حتي علي تأجيجه و إذكائه. فشلنا في "الحرب علي الإرهاب " يبدأ بردود أفعالنا الغاضبة و الراغبة في الإنتقام والتي تُُزيد من الفوضي القائمة و لا ينجح في كسر الحراك الثوري الذي يُميز الحركة الراديكالية التي تجتاح العالم العربي السُني.
- الجنة تحت ظلال السيوف
هذه الحركة العالمية التي تقودها اليوم الدولة الإسلامية ذات حجم تاريخي فقد إستطاعت في خلال سنتين أن تُسيطر علي مئات الآلاف من الكيلومترات و تٌخضع تحت سيطرتها ملايين الأشخاص وتمتلك قوة عسكرية مكونة من مُتطوعين هم الأكثر عدداً و تنوعاً منذ الحرب العالمية الثانية.
=============================================================================
(2)
ما يَعتبرُه المُجتمع الدولي فظائع خالية من أي معني هي في عُقول مُقاتلي الدولة الإسلامية حملة مجيدة للتطهير من خلال قتل الآخرين كقرابين و التضحية بالنفس فهناك حديث للنبي مأخوذ من صحيح البخاري الذي يُعتبر أصح كتاب بعد القرآن: "اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" الذي أصبح الشعار المُفضّل لمقاتلي الدولة الإسلامية. هذا الحديث يُلخّص الخطة المٌتَعمدة للعُنف التي رسمها أبو بكر البغداي الذي أعلن نفسه خليفة في دعوته "لتفجير براكين الجهاد" الخطة التي تهدف لإنشاء جُزر من الجهاد العالمي التي ستنتهي بالإتحاد لهدم النظام العالمي الحالي و إبداله بنظام عالمي جديد/قديم من العدل و السلام تحت راية الرسول.
ولتحقيق ذلك هناك تكتيك رئيسي وهو جذب مُناصريها و مؤيدها حول العالم إلي العُنف: إفعل ما تستطيع ، بما يتوافر لديك ، في المكان الذي يُناسبك و وفي الوقت الذي تراه مُناسباً. لفهم تلك الثورة قام فريقي من الباحثين بعمل لقاءات مُتعمقة وكذلك دراسة لسُلوكيات لعشرات من الشباب في باريس ولندن و برشلونة وكذلك لمُقاتلين من الدولة الإسلامية الذين تم أسرهم في العراق ولأعضاء بجبهة النُصرة (فرع القاعدة في سوريا) وقُمنا كذلك بالتركيز علي الشباب في الأحياء الفقيرة والتي تُعتبر كمورد للجهاديين ك "كليشي-سو-بوا" أو "إبيني-سور-سين" من ضواحي باريس. أو في أحياء "سيدي مؤمن" بالمغرب(الدار البيضاء) أو "جامع مزواق"(تطوان).
بينما كثير من المُعلقين يُقَلِلون من شأن الإسلام الراديكالي بإعتباره مجرد "عدمية"، فإن أبحاثنا أظهرت أننا أمام ظاهرة أكثر تهديداً: فهو مشروع مُغر و جاذب للغاية، يهدف إلي تغيير وإنقاذ العالم. في الغرب إختاروا الإنكار، فوجود مثل ذلك المشروع لا يؤخذ بجدية. فبالنسبة لـ "روي أوليفييه" -رغم كونه مفكر لامع و ذكي- فإن مُنفذي هجمات باريس هم مُهمشون، يجهلون المسائل الدينية والساسية، ليس لديهم أي أحقاد تاريخية، أخذوا موجة الإسلام الراديكالي ليعبروا عن عدميتهم لأن تلك الموجة هي الأكبر و الأبشع بين كل الحركات المناهضة للثقافة السائدة الموجودة. مثلهم مثل الشباب الذين ينضمون للدولة الإسلامية. وإلا كيف نُفسّر أن أٌمّأً تُقرر أن تترك طفلها لتذهب لقتل أبرياء الذين لم يفعلوا لها أي شئ كما حدث في حالة "سان بيرناردينو" في كاليفورنيا في مطلع سبتمبر؟، سنكون مُخطئين علي الرغم من ذلك ألا نري إلا مٌهمشين مُنحرفين في ثورة الدولة الإسلامية.
أسد الخلافة سيد فاروق الذي أرهب الصليبيين بسان بيرناردينو في كاليفورنيا |
- جاذبية الدولة الإسلامية
علي الرغم من أنها تُهاجم من جميع الجهات، من أعداء في الداخل والخارج فإن الدولة الإسلامية لم تَضُعف في الحقيقة. بل تأصلت أكثر في المناطق التي تُسيطر عليها و تمدد تأثيرها لمناطق آخري في أوراسيا و إفريقيا. وبالرغم من تصريحات البيت الأبيض، فإن الدولة الإسلامية لم تتراجع وهذا ما تُشير إليه الإستخبارات الأمريكية وكل من هو علي الأرض يؤكد ذلك، فقط المقاتلين الأكراد وبعض القوات الإيرانية إستطاعت أن تُوقف تمدد الدولة الإسلامية في بعض الأماكن وهذا تم بالإستفادة بدعم قوي من الطيران الفرنسي و الأمريكي.
حملتنا الدعائية ضد الدولة الإسلامية والتي تصورها -وهي قد تستحق معظمها- كمُتوحشة و مُفترسة و قاسية، تلك الحملة لا تقول أنها أيضاً لديها قوة جذب حقيقية و أنها حتي تُدخل الفرح و السرور للمُنضمين إليها. هؤلاء المُنضمون و الذين أغلبهم من الشباب مُستعدون للقتال حتي الموت. يشعرون بالسعادة التي تأتي من إندماجهم مع رفقائهم من أجل قضية وهدف عظيم.
=============================================================================
(3)
تلك السعادة تزيد حينما يٌطفئوا غضبهم و يُرووا ظمأهم المُتعطش للإنتقام(العلم يُخبرنا أن هذا يُدخل علي الدماغ و الجسم نوع من الراحة تُشبه أشكال السعادة الآخري )
و نري أيضاً في المنطقة شكل من أشكال تلك السعادة لبعض الناس الذين مع رفضهم للعُنف الفتّاك للدولة الإسلامية لكنهم مع ذلك يشعرون بالفرح لرؤية الخلافة الإسلامية تُولد من جديد و يرون موت النظام المبني علي أساس الدولة القومية المفروض من قبل القوي العُظمي القديمة. بالنسبة لهم فأمريكا و روسيا و حُلفائهما يُحاولون إعادة إحياء هذا النظام الفاشل والذي يعتبره الكثيرون كأصل لكل تعاساتهم و مُعاناتهم.
إنه من الخطأ مع ذلك أن نري في الثورة التي تقودها الدولة الإسلامية مجرد رغبة في العودة إلي العصور الوسطي،تلك الفكرة ليست لها أي معني كما لو أننا نقول أن مٌقيمي حفلات الشاي في أمريكا يريدون العودة لعام 1776. "نحن لن نُعيد الناس إلي عصر الحمام الزاجل" علق أبو موسي ناطق إعلامي للدولة الإسلامية بالرقة "بل علي العكس سنستفيد من التقدم و التطورات الجديدة لكن بشكل لا يتعارض مع الدين "
الخلافة تسعي لإقامة نظام جديد مبني علي ثقافة اليوم.إذا تعامينا عن هذا الواقع و تلك الآمال و التطلعات و رفضنا معالجتها والإقتراب منها بشكل مُختلف غير إستخدام القوة العسكرية فالأرجح أن هذا سيُؤجج تلك المشاعر و سيعرف جيل جديد الحرب بل أسوء من ذلك.
- إمتياز العبثية
إعتبار الدولة الإسلامية مجرد إنحراف إرهابي أو تطرف عنيف هو إخفاء للتهديد الحقيقي الذي تُمثِلُه. كل التطورات الجديدة هي "مُتطرفة" بالنسبة لما سبقها.المهم بالنسبة للتاريخ هو معرفة إذا كان تلك الحركات تستطيع العيش و مواجهة المنافسة التي تواجهها أم لا. بالنسبة لجنسنا البشري الذي يفترس نفسه فالنجاح يمر غالباً عبر إراقة الدماء، بما فيها إراقة دماء نفسك هذا الدم الذي نُريقه ليس فقط من أجل العائلة أو القبيلة أو المال أو المكانة بل في بعض الأحيان نُريقه بإسم هدف وقضية أكبر منّا جميعاً.
هذا كان صحيحا بشكل خاص في العصر المحوري منذ أكثر من 2000 عام في هذا العصر نشأت حضارات في مناطق عدة تحت رعاية آلهة جبارة و التي كانت تُعاقب بلا رحمة كل من يعتدي علي الأخلاق ضامنة بذلك إنقياد الجميع حتي الغرباء. في تلك الأمبرطوريات المُتعددة الأعراق كان الجميع يعمل و يُقاتل كرجل واحد.
من المُمكن أن تُسمي هذا "إله" أو شيئاً آخر-في الأيدلوجية العلمانية نحن نُفضل الكلمات المنتهية ب "ية" ك الشيوعية و الإشتراكية و الفاشية و الليبرالية. توماس هوبز(1651) في مؤلفه "ليفيثان" وهو يُشير إلي تقديم التضحية من أجل هذا المثال المُتسامي يتكلم عن: "إمتياز العبثية التي لا يتعرض لها أي مخلوق آخر سوي الإنسان" هذا الإنسان يبذل أقصي طاقته -في الخير أو الشر- حينما يتعلق الأمر بتنفيذ أفكاره والتي تبدو له أنها تُعطي معني لحياته. ففي هذا العالم الذي في جوهره فوضوي فقط البشر يعرفون أن الموت حتمياً : فيدفعهم زخم نفسي لا يمكن كبته لتخطي "مأساة المعرفة" تلك فيبحثون عن إجابات لأسئلة مثل لماذا أنا هنا؟ أين نحن؟
هذه هي قيم مُقدسة والتي لا تخضع للعرض و الطلب و تربط البشر برباط وثيق فيما بينهم. ففي كل الثقافات أن تخون والدك أو فرد من مجتمعك الديني أو السياسي أو من أُمتك هو خط لا نتجاوزه أبداً بشكل عام. والإلتزام بتلك القيم يمكن أن يؤدي إلي نجاح باهر أكثر مما نتخيل. تلك القيم في كثير من الأحيان والمرتبطة بالمعتقدات (مثل "الله أكبر، غير مادي لكنه قادر علي كل شئ" أو "السوق الحُر دائما علي صواب"...) يتم عزوها إلي العناية الإلهية أو الطبيعة.
=============================================================================
(4)
وأهميتها لا يمكن التحقق منها بالوسائل التجريبية وبالتالي فمعناها مستحيل فهمه وتحديده بدقة. فمصطلح "قيم مُقدسة" يٌعطي إنطباعاً بأننا نتكلم عن الإيمان الديني و بالمثل حينما نتكلم عن أرض "مُقدسة"، ولكنه يوجد أيضا "قيم مُقدسة علمانية": فكر مثلاً في الحج إلي أرض المعركة المقدسة في جيتسبرج أو إلي "جروند زيرو" في نيورك حيث حدثت هجمات 11 سبتمبر 2001 و المعتقدات المؤسسة علي الأيدلوجيات المنتهية "ية" وكذلك الأفكار شبه الدينية عن الأمة و القومية و تلك المعتقدات التي تم جعل لها طقوس من خلال الأناشيد والأغاني .وكذلك في فكرة التضحية.
- مُتنَفس الإرهاب
قال "تيرنس" العبد الروماني الذي أصبح فيما بعد كاتباً مسرحياً :" لا شئ إنساني غريباً عني"، هذه العبارة والتي أصبحت تُشكل بالنسبة لعملي الأنثروبولوجي عقيدة صلبة . فهي تعني أن تكون مُتفهما -وليس مٌتعاطفاً- مع من هم من ثقافة غريبة و بعيدة عن ثقافتنا. إن واجبنا أن نفهم، فإذا إستطعنا فهم ما هي الأسباب التي تجعل بشراً يبدون طبيعيين أن يكونوا مُستعدين للموت بقتلهم بشر آخرون والذين لم يُلحقوا أي شر بأحد. إذا إستطعنا ذلك فهذا سيسمح لنا بتجنب أن يموت آخرون.في ديموقراطياتنا الليبرالية يُعد القتل الجماعي الشر مُطلق.والذي يُعبر عن طبيعة إنسانية مُنحطة.ولكن في تاريخ مُعظم الشعوب و الثقافات كان يُعد العنف ضد الجماعات الآخري من ضمن الأعمال الفاضلة.
الإرهاب هدفه هو نشر الخوف في قلوب أعدائنا و المترددين. حكي بعض القادة الأكراد لفريقي من الباحثين أنه حينما اتجه رتل من 80 عربة يحمل 350 إلي 400 مُقاتل من الدولة الإسلامية لسجن "بادوش" بالموصل من أجل تحرير السُجناء السُنة (وبالمناسبة تم قتل أكثر من 600 سجين شيعي هناك)فإن الجيش العراقي المُدرب أمريكياً و المجهز بشكل جيد و الذي كان قوامه هناك 18000 جندي تحت قيادة ضباط منهم القائد العام نفسه هربوا بسرعة من أمامهم، وحينما سألت أحد الجنود العرب السُنة والذي إلتحق بصفوف البشمركة في جبهة الموصل-إيربيل عن لماذا هرب الجنود أجابني ببساطة: " لكي يُحافظوا علي رؤوسهم"
مئات الجنود العراقيين أعدمتهم الدولة الإسلامية. |
إن غلق "بروكسل" في أعقاب هجمات باريس أو غلق "بوسطن" بعد الهجمات علي طريق الماراثون في 2013 هي ردود أفعال لنفس الخوف وقد ساهم ذلك في بيان غياب إيماننا بمجتمعاتنا و قيمنا. و هذا هي أحد أهداف تلك العمليات الإرهابية. خلال الحرب العالمية الثانية لم يستطع سلاح الجو الألماني في أوج قوته أن يؤثر في حكومة بريطانيا و سكان لندن ... لكن اليوم لمجرد ذكر هجوم مُحتمل علي "نيويورك" في أحد فيديوهات الدولة الإسلامية فإن المسئولين يُسارعون لطمأنة ودعوة الناس للهدوء.
وسائل الإعلام و التي تُعتبر أوكسجين الحياة بالنسبة للإرهاب في عصرنا . تلك الوسائل ليس فقط تُضخم شعورنا بالخطر لكنها أيضاً بتسببها بمثل تلك الحالة من الهستيريا الجماعية، فهي تجعل هذا التهديد حقيقة واقعه تُهدد إستقرار المجتمع. وهذا ما نراه اليوم مُتحققاً. فوسائل الإعلام بكونها الآن مُتخصصة أكثر في إثارة مشاعر الجماهير أكثر من توعيتهم و إخبارهم بالحقائق. هنا تستخدم الدولة الإسلامية آلتنا الدعائية-الأقوي في العالم- والتي أصبحت لعبة أطفال في يديها لمصلحتها.الأمر أشبه بالمصارعة اليابانية إنه نوع جديد و قوي من الحرب غير النظامية و التي نستطيع إذا أردنا أن نواجهها بسهولة بمحافظتنا علي أن تكون المعلومات رصينة و مسئولة و حقيقية. الأمر الذي لن نفعله.
- الرسالة هي الحرب.
الوضع الآن خطر و في نفس الوقت مُثير للسخرية. فوزارة العدل الأمريكية بدعم من الكونجرس و الإعلام تَعتبر من الآن فصاعداً أن "قدر الطبخ بضغط البخار" هو "سلاح دمار شامل" إذا أُستخدم من قبل الإرهابيين. إنه لمنتهي العبث أن تضع علي نفس المستوي "قدر الطبخ" هذا مع قنبلة حرارية-نووية والتي قوتها التدميرية تفوق هذا القِدر مليارات المرات. إنها طريقة للتهوين من شأن أسلحة الدمار الشامل و جعل إستخدامها أكثر قبولاً و تصوراً.
في عالمنا اليوم نجاحك في إرسال رسالة هو طريقة آخري للحرب بوسيلة آخري، فتلاعب الدولة الإسلامية بوسائل إعلامنا تقود الجماهير إلي الخوف من حدوث دمار هائل والذي في الحقيقة لا يمكن حدوثه و هذا في نفس الوقت يحجب عنا إدراكنا للتهديد الحقيقي. إن العمليات غير النظامية التي تتضمن القتل المروع من أجل زعزعة إستقرار النسيج الإجتماعي هي من أقدم التكتيكات المُستخدمه قدم العالم نفسه. فالجماعات السياسية أو الدينية تقوم بإنتظام بإثارة أعدائها من أجل دفعهم للمبالغة في ردة الفعل ويُفضل أن يكون ذلك من خلال ارتكابها الفظائع.
حينما إحتل الرومان منطقة اليهودية بعد موت المسيح فإن حركات التمرد الأولي كانت تتألف من شباب يهودي يُلقون الحجارة علي القوات الرومانية. وقام المتطرفون اليهود وخصوصا أحد طوائفها الأكثر عنفاً و هم السيكاري (الذين يحملون الخناجر) بتصعيد التوتر بمهاجمتها الجنود الرومان و أتباعهم من اليونانيين خلال مناسبات رسمية بعمليات إنتحارية. مما أدي لحدوث دائرة من الإنتقام و الإنتقام المضاد، و انتهت حركات التمرد تلك بأن قام الرومان بطرد اليهود من اليهودية والتي أصبحت سوريا الفلسطينية وقد سميت كذلك نسبة للفلسطنيين الذين كانوا يسكنون المنطقة الساحلية فيما سبق، لكن يهود المهجر هؤلاء نشروا التوحيد إلي أقاصي الأرض و مهدوا الطريق للمبشرين المسيحيين و المسلمين.
=============================================================================
(5)
.الخليفة أبو بكر البغدادي |
- البحث عن السمو
إن عُنف الدولة الإسلامية مثله كالعنف الثوري لمن سبقوها من الممكن وصفه بما دعاه "إدموند بيرك" ب "السمو" السعي الشغوف ل "الإرهاب اللذيذ"، والإحساس بالقوة و بالمصير والبحث عن المُطلق، عن الذي لا يوصف.
كتب "إدموند بيرك" في كتابه "السمو و الجمال" (1756) :"لا توجد عاطفة أكثر كفاءة لتجريد العقل من قدرته علي التفكير و الفعل من الخوف، لأن الخوف يُعرّف بأنه توقع الألم أو الموت فالخوف يعمل بطريقة تُشبه الألم الحقيقي وبالتالي فكل ماهو مروع رؤويته هو سامي أيضا ...".ويتابع "بيرك" أنه لكي ينجح الإرهاب لخدمة ما هو مُقدس و سامي "فالغموض يبدو ضرورياً....فالحكومات المُستبدّة تؤَسس علي مشاعر الإنسان و خصوصا الخوف، وبإبعاد الحاكم قدر الإمكان عن عيون الناس "
البغدادي "أمير المؤمنين" يقع تحن هذا الوصف.وبشكل عام كما لاحظ "شارل ديجول" في 1932 "أن المكانة لا يمكن أن تتحق بدون غموض لأننا لا نُبجّل من نعرفه حق المعرفة " و بالتالي:" فالقادة العظام يحسبون تدخلاتهم بعناية" و يتفرغون للتركيز علي أسر عُقول و أرواح الناس من أجل أن يتخطوا ذواتهم و يعملوا جميعاً من أجل هدف عظيم. السمو ليس فقط شيئاً معنوياً بل مادي و حشوي مُتغلغل في مشاعر و هوية كل شخص . و أي منطق مرتبط به هو تابع وليس متحكم في العواطف . لا وجود لما يُسمي غسيل الدماغ فما هي إلا إشاعة من بقايا الحرب الكورية حيث يُقال أن جنوداً للحلفاء تم تحطميهم نفسياً، مثل كلاب بافلوف علي أيدي صينين بإستخدام ألاعيب سيكولوجية.
"أدولف هتلر" في كتابه "كفاحي" (1925) أعلن :
" كل الحركات الكبيرة حركات شعبية، إنفجارات بركانية لمشاعر و عواطف البشر، تثور مرة بسبب آلهة البؤس التي لا ترحم و مرة بسبب لهيب الكلمات إذا أُلقيت وسط الجماهير"
لكن تلك الكلمات يجب عرضها علي مسرح السمو الرائع. حين كان كل من "شارلي شابلن" و صانع الأفلام الفرنسي "رينيه كلير" يشاهدون الأنشودة المصورة عن الحزب القومي الإشتراكي الألماني تحت عنوان "إنتصار الإرادة" للمخرجة الألمانية "ليني ريفينشتال" في متحف الفن الحديث بنيويورك استمر شابلن بالضحك بينما "كلير " كان مرعوبا خائفاً من أن هذا الفيلم لو تم عرضه علي نطاق واسع فقد يقلب الغرب رأساً علي عقب"
يدعو البغدادي في 2014 "يا جنود الدولة الإسلامية إمضوا في حصاد الأجناد. فجروا براكين الجهاد في كل مكان" و " مزقوهم إربا (أعدائكم) و تخطفوهم زُرافات و وحدانا" من أجل تحرير البشرية من : " النظام العالمي القائم علي الربا" و الذي يتحكم به " اليهود و الصليبيين" .دعوة لها صدي في دعوات آخري و تتسبب في إرتكاب الكثير من الفظائع.
- القيم المُقدسة هي الوقود الثوري.
قامت أحد المؤسسات المتخصصة "أي سي إم" بإستطلاع للرأي في أغسطس 2014 وقد أفاد بأنه في فرنسا فإن رُبع الشباب الفرنسي من سن 18 إلي 24 من كل الإتجاهات و المعتقدات لديهم رؤية إيجابية بخصوص الدولة الإسلامية، ولم يستطع أي إستطلاع للرأي في أن يُكرر تلك النتيجة. لكن بعد هجمات شارلي إبيدو في يناير 2015 قام فريقنا البحثي بإستطلاع في كل من فرنسا و إسبانيا لمعرفة إلي أي مدي هناك دعم للقيم التي تتبناها الدولة الإسلامية و القيم التي تُعارضها، فمثلاً الإلتزام الصارم بالشريعة في مقابل المساواة بين الأديان و التسامح مع الأراء المخالفة في الديمقراطية.
فوجدنا تأييد كبيراً للقيم التي تتبناها الدولة الإسلامية بين الشباب الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة أو الذين يعيشون في المجمعات السكنية في الضواحي الباريسية، ويتضمن هذا أيضاً التأييد لأعمال العنف التي تُرتكب بإسمها. و في أسبانيا لاحظنا ضعف الرغبة و الإرادة بين عينة كبيرة من الشعب للمحاربة و الدفاع عن قيم الديمقراطية في مواجهة تلك الهجمات.
=============================================================================
(6)
- الأقلية تتحرك و القيم المُقدسة
ففي خلال إنتشار القوات الأمريكية في العراق تم تحييد وقتل ثلاثة أرباع المقاتلين في صفوف التنظيم التابع للقاعدة والذي سيُصبح فيما بعد الدولة الإسلامية ففي خلال 15 شهر كان هناك كل شهر في المتوسط يتم القضاء علي عشر "أهداف ذات قيمة عالية" من ضمنهم "أبو مُصعب الزرقاوي" أمير الجماعة.ومع ذلك -وخارج كل التوقعات- نجا التنظيم و إستطاعت الجماعة أن تنمو و تزدهر خلال الحرب الأهلية السورية و في وسط إنهيار مختلف الفصائل العراقية.
بعد الحرب العالمية الثانية إستطاعت الحركات الثورية تحقيق الإنتصار بعدد و عدة تقل عشر مرات عن القوات النظامية التي تواجهها. تُبيّن الدراسات السلوكية في مناطق النزاعات أن إستخدام القيم المُقدسة مثل : التحرر الوطني، الله و الخلافة تسمح بحشد و تعبئة قوي جماعات بنسبة هائلة كانت من قبل أقل قوة. فتكون لديهم القدرة علي مقاومة بل و حتي هزيمة جيوش نظامية مُجهّزة بشكل جيد بالعتاد و الرجل ولكن تلك الجيوش تستخدم لتحفيز جنودها المال أو الترقية أو التهديد بالعقاب.
وكما يُشير التاريخ و الدراسات التجريبية فإن المهم في النجاح الثوري هو الإلتزام إتجاه القضية التي تُحارِب من أجلها و وجود الرفقة و الإخوة.التي يُمكّنها من تخطي العقبات التي تواجهها حتي بعد الفشل و الهزائم التي قد تكون أحياناً كارثية.
- العالم العربي الإسلامي و الغرب المسيحي: لكل واحد تاريخ مُنفصل
إن الفجوة بين تلك القيم تتسع بسبب المسار التاريخي المُتباين، فالغرب و العالم العربي الإسلامي عاشا معظم الوقت تاريخين منفصلين و متوازيين في نفس الوقت. ففي الغرب يعتقد الناس بصفة عامة أن التاريخ بدأ بالحضارة السومرية 2600 عام قبل ميلاد المسيح، سومر التي تقع جنوب العراق الحالية هي مهد القانون و الأدب المكتوب و إبراهيم و عقيدته التوحيدية. ثم إنتقلت الحضارة بعد ذلك بإتجاه الغرب إلي اليونان ثم روما. ثم بعد سقوط روما أتت العصور الوسطي، ثم عصر النهضة فالتنوير، ثم الثورات السياسية فالثورة الصناعية ثم الحروب العالمية فالحرب الباردة، ثم جاء عصر حقوق الإنسان و الديمقراطية اللذين إنتصرا و أصبحا أمراً حتمياً.
في المقابل يبدأ تاريخ العالم العربي الإسلامي أيضا من "سومر" ولكن من تلك البداية حتي الحروب العالمية يتبع مساراً مختلفا فروما و اليونان و البقية ليست إلا مراحل هامشية. فأروبا المسيحية كانت بالنسبه له قارة غامضة مُظلمة، وبالتالي فأبطال المسلمين و أساطيرهم و خُرافاتهم و مراجعهم كانوا بشكل رئيسي مختلفون عن ما في تاريخنا. بالتأكيد في هذا التاريخ يوجد موسي و الإسكندر و المسيح لكن شخصياتهم و وصفهم في الإسلام مختلف : فحياة موسي متناظرة مع حياة محمد و تُنبئ بمجيئه.و الإسكندر المُلقب بذي القرنين كان شخصية دينية أعطاها الله قوة والقدرة لبناء سد حضاري لإبعاد قوي الشر و الفوضي. و أخير "عيسي" كان رسول الله و ليس ابنه و لم يمت علي الصليب لكنه رُفع إلي السماء.
إن جميع النُظم السياسية التي تم استيرادها من أوروبا والتي من ضمنها النظم المبنية علي مفهوم القومية قد فشلت فشلاً ذريعاً في الشرق الأوسط(باستثناء ربما في تركيا و مصر و إيران حيث تلك الدول مبنية بشكل اكثر علي العرق و الإيمان بدل من الهوية الوطنية و القومية). الناس تُريد ان يتم تذكيرهم بتاريخهم و بتقالديهم، بأبطالهم، بعاداتهم و بأخلاقياتهم وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية بشكل مباشر حتي و إن كانت بطريقة نراها نحن و غالبية العرب المسلمين منفره و وحشية.
إلا أنه يبدو أن الولايات المتحدة و القوي الغربية الآخري لم تُدرك ذلك، وبالتالي فهم يقدمون حلول مُكررة مبتذلة لمحاربة الدولة الإسلامية كالدعوة المتكررة لإصلاح النُظم المبنية علي مفهوم الدولة القومية و التي تم فرضها بعد الحرب العالمية الأولي بواسطة الدول الأوربية التي خرجت من الحرب منتصرة (إنجلترا و فرنسا). و كتعزيز و ترويج "الإسلام المُعتدل"، ذلك الإسلام الذي فقد كل جاذبيته بالنسبة للشباب الباحث عن المغامرة و المجد و المُثل العليا و الشعور بأهميته.
=============================================================================
(7)
إن المفهوم الشعبي الشائع عن "صدام الحضارات" هو مفهوم خادع و مُضَلِل تماماً . فالتطرف العنيف ليس علامة علي عودة الثقافات التقليدية بل علي العكس هي علامة علي إنهيارها. فحينما يتحرر الشباب من قيود التقاليد القديمة فإنه يبحثون بشغف عن هوية إجتماعية و التي من الممكن أن تُعطي قيمة و معني لحياتهم. وهذا هو الوجه المُظلم للعولمة.فالأفراد يتطرفون من أجل أن يجدوا هوية لذواتهم يتشبثون بها في عالم سطحي و ضحل.في هذا الواقع الجديد تُستبدل فيه قنوات التواصل بين الأجيال فلا يكون هناك تواصل رأسي و يحل محلها روابط أفقيه بين الأقران تلك الروابط التي تعبر الكوكب كله.
- مهمشون في بلادهم، وأشياء آخري.
يشعر هؤلاء الشباب في فرنسا و غيرها من البلاد الأوربية بالإقصاء سواء من بلادهم التي يعيشون فيها أو من بلدانهم الأصلية. فخلافاً للولايات المتحدة فأوروبا لم تُصمم لإستقبال اللاجئين. فنجد المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة منذ الجيل الأول كانوا علي نفس القدر من المستوي المعيشي و التعليمي للأمريكي المتوسط (بل تعداه).
بينما في أوروبا فالإحتمالية كبيرة أنهم أكثر فقرا من المتوسط حتي بعد الجيل الثاني .هذا هو إرث إنهاء الإستعمار الذي تفاقم بسبب عدم معالجته. فمن 7% إلي 8 % من سكان فرنسا مسلمين و هي النسبة الأكبر في كل دول الإتحاد الأوروبي ؛ لكن 70% من نزلاء السجون مسلمين الأمر الذي ساهم و ساعد في تكوين طبقة دُنيا جاهزة للتطرف.و هذا شاب عمره 24 عام انضم لجبهة النُصرة يصف تجربته في ألمانيا كالتالي:
"لقد علمونا أن نعمل بكد لنشتري ملابس و عربات جميلة و لكن السعادة ليست في هذه الأشياء. كُنت إنساناً من الدرجة الثالثة لأنني لم أندمج في هذا النظام الفاسد. وبما أنني لم أرد أن أنحرف فقررت أنا و أصدقائي أن نتجول في المدينة لندعو الناس لإعتناق الإسلام حقاً، الجماعات الإسلامية الآخري في المدينة تكتفي فقط بالكلام. يعتقدون أن دولة إسلامية حقيقية ستهبط من السماء بدون أن يقاتلوا من أجل إقامتها "
معظم الأوربيون يلتحقون بالدولة الإسلامية أكثر من جبهة النصرة لأنهم يعتقدون "أن الخلافة قد قامت بالفعل اليوم و أنهم لا يحتاجون للإنتظار للغد لإقامتها". مع ذلك فالعديد ممن إلتحقوا بالدولة الإسلامية ليسوا من المُهمشين في بلدانهم كما كتب لي أحد الأطباء في بداية 2015 :
"منذ عدة شهور ذهب مجموعة من طلاب الطب في الجامعة (في الطب و التكنولوجيا بالخرطوم ،السودان)إلي الشام للإنضمام إلي الدولة الإسلامية. عائلات الطلاب تقريبا في حالة حداد لم يتقبلوا بعد خسارتهم لأبنائهم. هؤلاء الطلاب عائلاتهم هي من كانت تدفع لهم تكاليف تعليمهم.إنه من الصعب عليَ معرفة بالتحديد ما هي العوامل التي دفعت طلاب علي هذا المستوي الجيد و الذكاء للإنضمام للدولة الإسلامية. هل من الممكن أن يكون بحث عن الهوية؟ هل هذا خطأ الجامعة؟ أم هل هو راجع إلي غياب سيطرة و تأثير عائلاتهم عليهم؟"
وأحد موظفي بنك الموصل حكي لنا التالي :
" دخل مُقاتلي داعش للبنك فارتعب الموظفون .وعرضوا علينا المساعدة بشكل أو بآخر. و طلب منّا جزائري مهذب في حوالي 25 من عمره، أن نقوده إلي أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالبنك وبسرعة قام بتحميل كل المعلومات الخاصة بمعاملات البنك. وحكي أنه أتي للدولة الإسلامية لكي يضع م خبرته في مجال تكنولوجيا المعلومات و التي اكتسبها من دراسته في شئ مُفيد"
- الخلافة مُحركة الخُرافة
هؤلاء الشباب تجذبهم الخلافة. فهي تُعطيهم معني لحياتهم و تُحررهم و تُخرجهم من سيطرة عالم مادي يرونه بلا معني. الدولة الإسلامية من المفترض أنها تتوافق مع الرؤية السلفية النقية لأصحاب الرسول الأوائل. فهي تطلب و تدعو للجهاد الهجومي بل الحرب المُقدسة التي هي فرض عين علي كل من هو في "دار الإسلام" لمحاربة الكفار. إن المٌنتمين للخلافة يعارضون بشدة فكرة "الجهاد الأكبر" و التي تعني الصراع الروحي الداخلي ويرون ذلك تصوراً خاطئا للجهاد و ما هو إلا زندقة صوفية و الذي نمي في أواخر أيام الخلافة العباسية و أفسد صفاء الخلافة العربية و قادها للتحلل و السقوط.
أثناء إنعقاد مؤتمر القمة الأسيوي في جنوب شرق "سنغافورة" في ابريل 2015,، شدّد مُمثلين للحكومات الغربية علي أن الخلافة ليست إلا خُرافة تُخفي ورائها الصراع التقليدي علي السلطة. لكن أبحاثنا في أوربا و شمال افريقيا تُبيّن أن هذا الكلام هو سوء فهم خاطئ و خطر. فالخلافة قد عادت للظهور كمُحرك و وباعث في عقول و قلوب الكثير من المسلمين، حتي أنها تجذب المسلمين الذين يشجعون و يؤيدن التعاون بين الأديان. فهذا إمام مسجد ببرشلونة و الذي يعمل و يُساعد في إجراء حوارات مع المسيحيين و اليهود يقول:
" أنا ضد العنف الذي تقوم به القاعدة و الدولة الإسلامية،...،لكنهم وضعوا ظروفنا الصعبة تحت دائرة الضوء، فقبلها كان يتم تجاهُلنا . أم بالنسبة للخلافة فنحن نحلم بها كما حلم اليهود طويلا بصهيون. من الممكن أن تُصبح الخلافة إتحاد بين المسلمين علي طريقة الإتحاد الأوروبي فالخلافة هنا في قلوبنا حتي و لم نعرف ما الشكل النهائي الذي ستأخذه"
=============================================================================
(8)
أياً كان الشكل الذي ستأخذه الخلافة، فيمكننا أن نؤكد أنها ستكون مُتأصلة راسخة في ثقافة و تاريخ العرب. هذا التاريخ الذي يَعي أن المسلمين كانت لهم السيطرة علي الأوراسيا حتي الثورة الصناعية الأوربية، ويرفض النُظم الغربية كالديمقراطية الليبرالية و كالإشتراكية التي فرضها الغرب علي العالم بعد سقوط الخلافة العثمانية في بدايات القرن العشرين. ربما قبل كل شئ تهدف الدولة الإسلامية لوضع نهاية ل "سيكس-بيكو" هذا النظام الإستعماري الجديد الذي فرضته كلا من بريطانيا و فرنسا علي الولايات العربية التابعة للأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولي. ففي ربيع 2014 حينما هدمت الدولة الإسلامية بالجرافات الحدود بين العراق و سوريا أثارت شعور بالتحرر و السعادة في المنطقة و خارجها. وبخلاف الولايات المتحدة و القوي العظمي الآخري و التي من ضمنها روسيا و الصين والذين يرون أن الفوضي الحالية سببها تهاوي وفشل دول المنطقة والتي يجب العمل علي إعادة إحيائها و تقويتها بأي ثمن. فإن كثيراً من الناس في المنطقة يرون العكس و أن سبب الفوضي هي تلك الأوهام التي بُنيت عليها تلك الدول في الأساس.
- الثورة و الأخلاق
الثورات في الماضي و الحاضر هي أحداث أخلاقية. فتدهور أو تغير الأوضاع الإقتصادية قد يُسبب سلسلة من الأحداث التي تؤدي لحدوث أزمة سياسية. أما لكي يكون هناك تغيّرات ثورية للنظام القائم فلابد أن تكون الأفعال مدفوعة بنظام أخلاقي جديد حيث تسمح السيطرة علي سلطة الدولة تطبيق و دعم "القيم المقدسة" التي تُحدد هذا النظام.
ففي "مصر" فتأثير الأخوان المسلمين -الحركة الإسلامية التي تحولت لحزب- كان في ازياد قبل الربيع العربي.ورغم أن الإخوان المسلمين في البداية رفضوا المشاركة في السلطة، ولكن تفرق الأحزاب العلمانية سمح لها بفرض نفسها و ملئ "الفراغ الأخلاقي" و الذي أعقب الثورة. ولكن علي عكس المؤسسين للدولة الإسلامية الإيرانية و الذين سرّحواالجيش عقب و صولهم للسلطة و قاموا بالسيطرة علي البازار (طبقة التجار) و تغلغلوا داخل التجمعات الريفية و الدينية. نجد أن القيادات المصرية اعتقدوا أنه بمجرد سيطرة الأخوان المسلمين علي منابر و وزارة الإعلام فإنه تلقائيا سيقف الجيش و رجال الإعلام و الرأي العام بجانبها.
في المقابل تحركت الدولة الإسلامية بسرعة و بلا هوادة من أجل فرض أخلاقها الجديدة/القديمة بين العرب السُنة في المناطق التي دمرتها الحرب. ووعدت بحرب شاملة علي الأخلاق "الشيطانية" للإيرانيين و الشيعة و كل من يساعدهم (ومن ضمنهم أمريكا و حلفائها و روسيا)، وصراع مُميت للعودة لروح الإسلام و لإنقاذ البشرية كلها.
- ما الذي يُشكل عوامل نجاح أي ثورة
إن المُقارنة التاريخية دائما ما تكون ذات فائدة محدودة، ولكنها الطريقة الوحيدة التي تمكننا من إدراك ما هو الجديد أو علي الأقل تعطينا القدرة علي تمييز بدايته. هناك أوجه تشابة تاريخية بارزة بين تاريخ الثورات الحديثة منذ تيار اليعقوبيون في الثورة الفرنسية و كان يقودهم "مكسميليان روبسبير" والذين قدموا المفهوم السياسي للإرهاب و قطع الرؤوس بالمقصلة، هذا الإجراء المتطرف بإسم الدفاع عن الديمقراطية أُعتبر نوعاً من أنواع العنف الإلهي. ففي نهاية القرن 18 و خلال عشر سنوات كانت الثورة الفرنسية تأكل بعضها البعض كاسماك القرش الجريحة في حوض من الماء وفي نفس الوقت تُقاتل تحالف شرس من القوي العظمي التي تسعي للقضاء عليها.
إلا أن الثورة الفرنسية نجت و توحدت و تحوّلت إلي مهمة إمبريالية لإنقاذ البشرية -كما سعت لذلك كل الثورات التي تلتها- فالقوات الثورية غزت أوربا كلها تقريبا قبل أن تنتهي بإنهيار الأمبراطورية الفرنسية.وأصبح الدخول والإلتزام ب "حرب شاملة" لخدمة قوي أخلاقية و روحية لا تُقهر مصدر إلهام لكل الثورات تقريباً.
=============================================================================
(9)
فقد اكتسحت أوروبا في عام 1848 سلسة من الثورات التي استَلهمت تلك الرؤية عن المساواة الإجتماعية و الإخاء الإنساني، ويُمكننا عقد الكثير من المقارنات بين فشل تلك الثورات و ما أطلق عليه المُعلقين الغربيين خطأ اسم "الربيع العربي". هذه الثورات بدأت شعلتها من "صقلية" في يناير 1848 و انتشرت في مارس و ابريل عبر اوروبا من "الدنمارك" إلي حدود "روسيا". انتقلت الثورة عبر تواصل الناس بعضها البعض مُشافهة بنفس السرعة و الإتساع للربيع العربي الذي استخدم شبكات التواصل الإجتماعي و الميديا الحديثة. وكما قادت القوي العلمانية الربيع العربي فكذلك كانت ثورات 1848 تنقصها الوحدة و معرفة إنشاء نظام أخلاقي جديد الذي يعتمد نجاة ونجاح كل الثورات عليه. فقامت النخبة اليمينية بالتعاون مع الكنيسة بملئ هذا الفراع و صناعة نظام أخلاقي جديد يقوم علي القومية واضفاء عليه مظهر شبه ديني من الطقوس و المراسم والأعلام و الأناشيد الوطنية و الإستعراضات ناهيك عن صناعة قرابة وهمية لأصل مشترك مرتبط بالعرق و الدم و الأرض. هذا النظام الأخلاقي السياسي الجديد يهدف لضمان ولاء العمال و الفلاحيين للنُخب التقليدية و أن لا يتطلعوا من جديد باسم الأخوة العالمية في تخطي و قطع الحدود السياسية و الطبقية المرسومة.
- الأناركيون و البلاشفة
إن الصراع الهائل في القرن العشرين ضد الفاشية و الشيوعية هو جزء من هذا الإرث ولذلك فإنه من المبكر للقول ما هو الإرث الذي سيُخلّفه فشل الربيع العربي. المنافسة الحالية بين القاعدة و الدولة الإسلامية مشابهة لما كان بين الأناركيين و البلاشفة، فالحركة الأناركية التي انطلقت من روسيا في 1870 لمعارضة سيطرة الدولة و رأس المال انتشرت في اوروبا حتي و صلت الولايات المتحدة. ففي الفترة من 1881 و 1900 قام أفراد مرتبطون ارتباطاَ وثيقاَ بالحركة الأناركية بإغتيال قيصر روسيا و رئيس فرنسا (سادي كارنو)، ورئيس الوزراء الإسباني و ملك إيطاليا و إمبراطورة النمسا. وقام ليون كولغوش في سبتمبر 1901 بإغتيال الرئيس الأمريكي ويليام ماكينلي.
اعتبرت وقتها القوي العظمي أن الأناركية تمثل الخطر الأساسي علي النظام السياسي و الإقتصادي و الإستقرار الداخلي. فقامت السلطات الفرنسية و إعلامها في مواجهة الهجمات المتكررة للأناركيين علي المقاهي الباريسية و المسارح بدعوة الفرنسيين ل"اليقظة" و "التوحد" لمحاربة الآفة التي تهدد الحضارة نفسها. العواقب السياسية(و في جزء منها عواقب اجتماعية و اقتصادية) التي سببتها تلك الموجة الأولي من الإرهاب الحديث تٌقارن بتلك التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر.فالرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت" قد جعل من هزيمة الأناركية المهمة الأولي لحكومته: "كل القضايا الآخري بالمقارنة بالقضاء علي الأناركية هي بلا أهمية، فالأناركي هو عدو الإنسانية هو عدو النوع الإنساني كله و إجرامه يفوق كل ما عداه"
لكن روزفلت لم يُقيد تلك المعركة علي الإرهاب ضد الاناركيين فقط بل وسعها لتشمل الأناركية كلها كهدف إمبريالي للتدخل في أي دولة حول العالم كله للدفاع عنها ضد أي قوة شريرة خارجية أو لحمايتها من الوقوع في الفوضي.
"الظُلم المزمن أو العجز عن إدارة الدولة و الذي يؤدي إلي تفسخ المجتمع المتحضر سواء في أمريكا أو غيرها قد يتطلب في النهاية تدخل من الأمم المتحضرة الاخري و(...) يمكن أن يُجبر أمريكا،بالرغم عنها، في الحالات الصارخة للظلم و العجز أن تمارس دور قوة الشرطة الدولية".هكذا أُتخذت الحرب ضد الأناركية و الإرهاب كذريعة للقمع الوحشي لمسلمي المورو ضد الهيمنة الأمريكية بالفلبين.
وخلافاً للإعتقاد الشائع فلم توجد أبدًا ما يسمي ب"اللجنة المركزية الأناركية" فكما القاعدة كانت الحركة الأناركية بشكل كبير غير مركزية مكونة من مُناضلين و تُدار من قبل أُناس متعلمون تعليما جيداً و يملكون المال (في الواقع فمنذ الحركة الأناركية فالثورات يقودها في البداية مجموعات من طلاب الطب والأطباء و المهندسين و الآن يقودها مهندسي الكمبيوتر الذين لديهم خبرة في تنفيذ الأشياء و الإلتزام بها من أجل الوصول للهدف بغير أن يكون هناك إستعجال للنتائج)
الذي وأد الحركة الأناركية في النهاية كقوة جيوسياسية هو ظهور البلاشفة الذين كانوا أفضل كثيراً في معرفة كيف يديرون طموحهم السياسي علي المستوي العملي و العسكري و الإقليمي و أنهم كانوا -بشكل عام- أكثر وحشية. وقد بيّنت بوضوح مجموعة من اللقاءات مؤخراً مع مُقاتلين من جبهة النُصرة المتمركزين في مناطق في حلب و درعا بسوريا أن الدولة الإسلامية تلتهم القاعدة بنفس الطريقة التي بها احتوي و أباد البلاشفة الحركة الأناركية. حتي مُقاتلي النُصره لديهم نفس الشعور فيُسلّمون بأن داعش أحسن قيادة و تنظيماً و موارداً. مُتجذرة و متأصلة في مناطقها و أنها لا تتردد في قيامها بالأعمال العنيفة.و هذا هو إعتراف مرير لأحد مقاتلي النصرة: "داعش أخذت منّا قُوّتنا و سلطتنا و مواردنا المالية.وإعلامها أكثر قوة...فأصبحنا مثل السمكة التي خرجت من الماء"
- النازية و الدولة الإسلامية
" هتلر يعرف أن البشر لا يريدون فقط الراحة و الأمن و ساعات عمل أقل و صحة جيدة ... و بشكل عام المنطق السليم، ولكنهم أيضا يريدون -من آن لآخر -التضحية و الصراع. فالإشتراكية و حتي الرأسمالية-علي مضض- يقولا للناس :" أقدم لكم أوقات سعيدة" بينما قال لهم هتلر : "أقدم لكم الكفاح و الخطر و الموت" وكانت النتيجة أن أُمة بكاملها إرتمت تحت أقدامه."
=============================================================================
(10)
.يٌخاطر بحياته من أجل إخوانه |
في حالة تساوي القوة العددية فإن الجيش الألماني تفوق علي كل جيوش الحلفاء.ففي المبادئ العسكرية التقليدية فإن خسارة وحدة مقاتلة 30% من قوتها يؤدي غالبا إلي تفككها التام. و حينما يتأكد الجيش المنتصر من ذلك فإنه ينتقل لهدف آخر (وهذه كانت الطريقة التي قاد بها الجيش الإسرائيلي حرب الستة أيام 1967).لكن الوحدات الألمانية المُقاتلة كانت من الممكن أن تتعرض لخسارة 50% من قوتها ومع ذلك تجد الجنود مازالوا يُقاتلون بشجاعة عادة بمعرفتهم أنهم سيموتون دفاعاً عن قضية -أين كانت فظاعة تلك القضية-والتي يؤمنون بها بشغف.
الدراسات الإجتماعية و النفسية التي أُجريت بعد الحرب أظهرت أن الجندي الألماني كان يؤمن بما يفعله و كان يُقاتل مرة من أجل قضيتة و مرة من أجل زملائه. ولكن في المقابل فلم تُظهر تلك الدراسات أن الجنود في صفوف الحلفاء كانوا يقاتلون للدفاع عن الديمقراطية أو الشيوعية، هذا رغم ما حاولت البروباجندا الهوليودية و السوفيتية تصويره.فقط من إستطاع التغلب علي الجيش الألماني هما قوة الأسحلة و النيران الأمريكية الهائلة و الأعداد الروسية الضخمة (أكثر من 20 مليون رجل قد أُلقوا إلي الموت). و ربما أن هذه هي الطريقة التي سنُنهي بها الأمر مع الدولة الإسلامية. في الوقت الحالي فإن القدرات و الوسائل المستخدمة لكسر هذا الحراك الثوري تبدو ضعيفة. و ما تتفاخر به أمريكا بكلمات طنانة مثل "التحالف ضد الدولة الإسلامية" يبدو ضعيف للغاية و هش و أعضاءه مُستعد كل واحد منهم أن يطعن الآخر في ظهره.
- إنكار الذات و التضحية. الإنصهار في قلب الجماعة
بالطبع كما يقول ج.م.برجر في "الأتلانتك" : "أن الإنتصار في الحروب يتم في العالم المادي" . ولكن و بفرض تكافئ القوي فالإلتزام الروحي لقضية ما و لرُفقاء الدرب تُوفر ميزة كبيرة. كما أشار المؤرخ "ابن خلدون" لذلك في القرن 14 في مقارنته بين الأُسر الحاكمة المسلمة بشمال إفريقيا مع غيرها من القوي العسكرية المكافئة حيث يتوقف نجاح هذه الأسرة أو تلك علي "التمسك بالدين" و "العصبية والتي فيها تتوحد أهواء و رغبات الأفراد و تتناغم ليزدهر الدعم و التعاون فيما بينهم".
في خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيد فيه رأي رئيس الإستخبارات بقوله:
" نحن قللنا من شأن قدرات الفيتكونج... نحن قللنا من قدرات الدولة الإسلامية . و بالغنا في قدرات الجيش العراقي. إن الأمر يتعلق بالقدرة علي التنبؤ بوجود إرادة للقتال و هو أمر مستحيل ".
تُشير أبحاثنا للعكس: فمن الممكن جداً التنبأ -بشكل علمي- من معرفة من لدية إرادة القتال ومن ليست لديه تلك الإرادة و لماذا. وهكذا و إنطلاقاً من مُقابلاتنا الأخيرة و من التجارب النفسية و التي أجريت في الجبهات الأمامية مع المقاتلين الأكراد للبشمركة و البككه (حزب العمال الكردي . تحرير المجلة)و مع مقاتلين للدولة الإسلامية تم أسرهم و كذلك مع مقاتلين لجبهة النُصرة في سوريا أصبح لدينا مؤشرات أولية جيدة لمن لديه إرادة القتال.هناك عاملان أساسيان يتفاعلان للتنبؤ بوجود الإستعداد لتقديم التضحيات المُكلفة (السجن،الموت، معاناة العائلة،...).
العامل الأول هو التفان و إنكار الذات للجماعة و التي تسعي لقضية مقدسة مُقارنة بعدوها.و هذا ممكن قياسه عن طريق التجارب السلوكية و رصدها عن طريق التصوير العصبي من أجل الخروج بأربعة عناصر:
1- احتقار العروض و المغريات المادية. سواء كان باسنخدام الجزرة (إغراء بالمال لخيانة القضية التي يُدافع عنها) أو باستخدام العصا (معاقبته لمدافعته عن القضية) هذه الطرق عديمة الفائدة بل و تؤدي لنتائج عكسية.
2-عدم القدرة علي تخيل طريقة آخري للخروج مما هم فيه(و لا يهم إن كانت تلك طريقة من الممكن أن تكون منطقية و عقلانية) هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون تصور إمكانية تخليهم عن قيمهم المُقدسة أو إظهار أي نوع من المرونة فيما يتعلق بإلتزامهم بقضيتهم.
=============================================================================
(11)
قتلي هجمات باريس في 13 نوفمبر 2015 |
3- المناعة و المقاومة للضغوط الإجتماعية (فالقيم المُقدسة ليست مجرد عادات) هؤلاء الأشخاص لا يهتمون بكم من الناس يُعارضون قيمهم المقدسة. أو إذا كانت هناك نقاط مُشتركة بينهم أم لا في مجالات آخري.
4-اللامبالاة لما هو "حال و قائم" :في معظم شُؤون الحياة اليومية كلما كان الشئ أو الحدث قريب (زماناً أو مكاناً) كلما زادت أهميته. لكن لا ينطبق هذا المبدأ فيما يتعلق بمسألة القيم المُقدسة فهي لها الأولوية القصوي أي كان بُعدها زماناً و مكاناً.
العامل الثاني للتنبؤ بإرادة القتال هو درجة الإندماج و التآذر مع الرفقاء. طلبنا في أحد التجارب من المشاركين فيها بتخيل دائرتين واحدة منهما تُمثل "أنا" و الآخري تُمثل "الجماعة" و سألناهم عن النظر و اعتبار خمسة إحتمالات ممكنة:
*الأول: دائرة "أنا" و دائرة "الجماعة" منفصلتان عن بعضهما البعض.
*الثاني: الدائرتان متلامستان.
*الثالث: الدائرتان متقاطعتان قليلاً.
*الرابع: الدائرتان متقاطعتان في منتصف كلا منهما.
*الخامس: دائرة "أنا" داخل دائرة "الجماعة".
الأشخاص الذين اختاروا الإحتمال الخامس أظهروا سلوك و طريقة في التفكير مختلفة تماماً عن بقية الأشخاص الذين إختاروا أي من الإحتمالات الآخري. إنهم يعيشون كما يقول مُتخصصي علم النفس الإجتماعي "إندماج الهوية" فتختلط هويتهم الخاصة ("مَنْ أنا") في هوية واحدة جمعية ("مَنْ نحن"). هذا الإندماج و الإنصهار التام يؤدي بالشعور الجمعي بالقوة التي لا تُقهر و رغبة كل فرد منها بالتضحة بنفسه لأجل بقية أفراد الجماعة.
- كُتيب تعليمات الدولة الإسلامية
إن الإستراتيجية الأساسية للدولة الإسلامية لجذب مُؤيديها و مُناصريها و لزعزعة إستقرار أعداءها ليست سراً غامضاً ورغم هذا فنادراً ما تجد من المشتغلين بالسياسة و صانعي القرار علي علم بذلك. فهناك كٌتيب للتعليمات يوزع علي أمراء الدولة الإسلامية (مسئولين دينيين و سياسيين و عسكريين) فيه مبادئ العمل و يُشرح فيه إدارة التوحش و الفوضي .هذا الكُتيب قد تم كتابته منذ أكثر من عشر سنوات كاتبه كُنيته "أبو بكر ناجي" موجّه إلي فرع القاعدة في بلاد الرافدين و التي ستصبح الدولة الإسلامية. والمجازر التي حدثت في باريس أو أنقرة أو بيروت أو باماكو تتوافق تماما مع عدة مسلمات في هذا الكُتيب :
1-اضرب الأهداف السهلة :
"تنويع وتوسيع ضربات النكاية فى العدو الصليبى الصهيونى فى كل بقاع العالم الإسلامى. وخارجه إن أمكن ليحدث تشتيت لجهود حلف العدو واستنزافه"
2-اضرب الضحايا المحتملين حينما يكونون في أقل درجات يقظتهم لتعظيم الخوف في نفوس الناس و لإضعاف إقتصادهم :
"إذا ضٌرب مُنتجع سياحي يرتاده الصليبيون ... سيتم تأمين جميع المنتجعات السياحية في جميع دول العالم بما يشمل ذلك من شغل قوات إضافية أضعاف الوضع العادي وزيادة كبيرة في الإنفاق"
3-توجيه طاقات الشباب و مثاليتهم و نزعتهم للتمرد و رغبتهم في التضحية بينما الحمقي يدعونهم للإعتدال و إبعادهم عن المخاطر :
"أن يطير جموع الشعوب إلى المناطق التي نُديرها خاصة الشباب... لأن شباب الأمة أقرب للفطرة و بسبب طبيعتهم المتمردة التي يحاول دائما قعدة الجماعات الإسلامية قمعها "
4-جر الغرب بأقصي ما يمكن لمُستنقع الحرب :
"العمل على إظهار ضعف القوة المركزية لأمريكا بدفعها إلى استبدال الحرب الإعلامية النفسية والحرب بالوكالة إلى أن تحارب بنفسها."
- زوال و إنقراض المنطقة الرمادية
نشرت مجلة "دابق" التابعة لداعش مقال في 12 صفحة بعنوات "زوال المنطقة الرمادية" ،ويصف المقال المنطقة التي يقع فيها مُعظم المُسلمين بين النور و الظُلمة ببن الخير و الشر ، و بمعني آخر بين الخلافة و عالم الكُفار .المنطقة الرمادية التي أبرزتها و بينتّها "هجمات 11 سبتمبر" .
المقال ينقل كلمات "أسامة بن لادن" -والتي تُعتبر الدولة الإسلامية هي وريثته الحقيقية- قوله :
" العالم مُقسم لقسمين. بوش كان على حقّ في قوله: "مَنْ ليس معنا فهو ضدنا ومع الإرهابيين". حتي لو كان الأهاربيون الحقيقيون هم الصليبيين. لقد حان الوقت الآن لحدث جديد ليُقسّم العالم و يهدم المنطقة الرمادية."
=============================================================================
(12)
هذا الحدث الذي تجسد في هجمات باريس في 13 نوفمبر بهدف نشر الفوضي في أوروبا،كما كانت الهجمات التي حدثت في تركيا و لبنان تهدف لإثارة مزيد من الوحشية و الفوضي في الشرق الأوسط. إن الإستجابة الرابحة في مواجهة استراتيجية الدولة الإسلامية هو الترحيب باللاجئين السوريين ، والعكس، فإن الرفض العام للاجئين يمثل إستجابة خاسرة في وجه هذه الإستراتيجية. قد نرغب في الإحتفال بالتعددية و التسامح في "المنطقة الرمادية" ولكن الميل العام في أوروبا و المؤسسة السياسية الأمريكية و السكان هو التوافق علي هدمها.
ففي أوروبا تزامن صعود الإسلام الراديكالي مع نمو الحركات القومية و المُعادية للأجانب. هاتان الظاهرتان ساهمتا بشكل جزئي في إنخفاض معدل المواليد في أوروبا (1,6 طفل لكل زوج)، الأمر الذي أدي إلي الحاجة للمُهاجرين للمحافظة علي قوة العمل من أجل مستوي معيشي جيد للطبقة المتوسطة و التي هي عصب الديموقراطية الليبرالية. ففي وقت أوروبا في أمس الحاجة للمُهاجرين فإنه أيضا الوقت الذي أصبح فيه التسامح مع الهجرة و المهاجرين أقل من أي وقت مضي.
سُكان المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية أو المناطق المجاورة لها لا يؤيدون لا الدولة الإسلامية و لا الغرب (والآن أيضا روسيا) فهم ليسوا مُتعصبين و لا مٌحاربين. ولا يريدون أن يموتوا شهداء. وتعلم الدولة الإسلامية ذلك و تدفع أعدائها لضرب السكان في المدن التي تُسيطر عليها.ففي كل الأحوال لا يوجد إلا القليل من البني التحتية التي يمكن إستهدافها: فالدولة الإسلامية بلا حدود ثابتة، نظام شبه رُحّل وهي تنقل مُعداتها و أسلحتها و مقاتليها باستمرار. في سوريا و العراق لم يعد هناك وجود تقريباً ل "المنطقة الرمادية" وبالأخص الشباب فهم إما يُنتزعوا من بيوتهم للإنضمام لهذه الجماعة المقاتلة أو تلك و إما يهرب إلي المجهول كمُهاجر.
في الغرب تم الترويج بكثافة لموت وشيك للدولة الإسلامية . يقولون أن الدولة الإسلامية مُقدّر لها أن تسقط من تلقاء نفسها.كما قالا أُستاذان جامعيان في مقالة لمجلة "بوليتيكو" : وهذا يرجع جزئياً إلي أنها "أمة فقيرة يائسة تُقاتل علي ثلاث جبهات" ،و جزئياً إلي "أيدلوجية هدامة للحكم".ولكي يدعموا حججهم قام المؤلفان إيلي بيرمان استاذ الإقتصاد بجامعة كاليفورنيا (سان دييجو) و جاكوب شابيرو استاذ العلوم السياسة بجامعة بريستون بالإحتجاج بالمصير المشؤوم لدولة زيمبابوي و بسقوط الإتحاد السوفيتي.
لكن السوابق التاريخية و ما نراه اليوم علي الأرض لا يَصُبّا في صالح تحليلهما. فالفقر و الحرب علي عدة جبهات و الأيدلوجية المتطرفة و العنيدة ممكن أيضا أن تقود لإنتصار الثورة، أو علي الأقل لتتمتع بمقاومة عالية . كما كان الحال مع الثورة الفرنسية أو الجمهورية الإسلامية اٌيرانية. و ربما لم يكن المؤلفان مخطئين حينما قالا أن الدولة الإسلامية تمثل بالنسبة للجهاد ما كانت يمثله الإتحاد السوفيتي للشيوعية. لكن قبل أن تقود التناقضات الداخلية للدولة الإسلامية إلي "مزبلة التاريخ" فإنه سيكون هناك الكثير و الكثير من المآسي و الأحزان ... وقبل أن تنطفئ شُعلة الثورة يمكن أن تُسبب الكثير من الدمار في طريقها و تُغيّر ليس فقط المنطقة بل جزء كبير من العالم.
كلّفت هجمات 11 سبتمبر المنفذين ما بين 400000 و 500000 دولار بينما كلف رد الفعل الأمني و العسكري عليها أمريكا 10 مليون ضعف هذا الرقم. فبحساب التكلفة و الثمن كانت هذه الهجمات ناجحة أبعد حتي مما كان يأمله أسامة بن لادن. هنا تكمن مدي الأهمية التي نستطيع بها التعامل مع تلك الحرب غير النظامية. فمن يستطيع القول بأننا في وضع أحسن بعد 11 سبتمبر أو أن الخطر العالمي للإرهاب قد قلّ؟ إن هذا المثال وحده ليجب أن يجعلنا نُغيّر -بشكل جذري- طريقتنا و استجابتنا لهجمات الدولة الإسلامية. حقيقة و كما يقال : "الجنون هو أن تُكرر نفس الأخطاء و تأمل أن تكون النتائج مختلفة". فمُعسكرنا يواصل تركيزه في إستجاباته وردود أفعاله فقط علي الجانب العسكري. و بعض هذه الإستجابات أثبتت أنها غير فعالة من البداية كالإعتماد علي الجيش العراقي و الأفغاني أو الجيش الحر السوري. وفي المقابل لا نعطي أهمية كبيرة للمسائل النفسية و الإجتماعية.
- 70000 حساب في تويتر و الفيس بوك
هذا لا يعني أني أقترح أننا نستطيع حل تلك المشكلات بتوفير وظائف أفضل للجهاديين المُحتملين. ففي تقرير لم يُنشر إلي الآن للبنك الدولي بيّن أنه لا يوجد أي ارتباط وثيق بين عدد الوظائف و بين انخفاض العنف .فإذا كان الأفراد مُستعدين للتضحية بحياتهم فإنه من المُستبعد أن الإغراءات المادية قد تمنعهم من ذلك. لكن في المقابل علينا أن نستجيب لتطلاعاتهم ولحاجاتهم النفسية.
ومثال علي كيفية فشلنا فإن الإدارة الأمريكية مستمرة بنشر تغريدات مضادة للدولة الإسلامية من خلال حملة "فكر ثانية و ابتعد" وهي حملة عامة بلا أهداف. و بمقارنتها بما تفعله الدولة الإسلامية حيث من الممكن أن تُخصص مئات الساعات لتجنيد شخص واحد.فالدولة الإسلامية تتعلم من خلال شبكاتها الإجتماعية كيف يمكن جعل الإحباطات و المرارات الشخصية جزء من موضوع أكبر و هو إضطهاد المسلمين و من ثم ترجمة هذا الغضب و عدم الرضي إلي غضب أخلاقي.البعض يُقدر أن الدولة الإسلامية تُدير 70000 حساب في تويتر و الفيس بوك و مئات الالوف من المتابعين و أنها تنشر حوالي 90000 منشور كل يوم. وكذلك تعتني الدولة الإسلامية بمتابعة الأغاني شعبية ،والمقاطع المصورة، و أفلام الحركة، و البرامج الحوارية و التي تحظي بنسب مشاهدة عالية بين الشباب و تستفيد منها في صناعة رسائلها.
=============================================================================
(13)
واحد من أضخم الإصدارات المرئية للدولة الإسلامية |
من ناحيتها فإن الحكومة الأمريكية ليس لديها إلا القليل من الموظفين المُكلفين بالتحدث مع الشباب قبل أن يُمثلوا مشكلة. و مكتب التحقيقات الفيدرالي "الإف بي أي" يتعجل الخروج من هذا العمل القذر الذي يمثله منع تحول الشباب للإرهاب و يُفضل أن تكون مهمته هي في التحقيقات الجنائية فقط. و كما قال لنا موظفون من المركز القومي الأمريكي لمكافحة الإرهاب : "لا أحد يريد أن يتولي أياً من هذا الأمر" . و من يتولون أمر "الدبلوماسية الشعبية" لا يدركون أن نداءاتهم ب "الإعتدال" هي بلا أي تأثير لأنها تتوجه إلي شباب غاضب و مثالي و متعطش للمغامرة و للمجد و لمعني لحياته. كما قال لنا إمام مسجد و علي علاقة سابقة بالدولة الإسلامية في الأردن :
"ما كان يجب أن يتم إلقاء محاضرات للشباب الذين أتوا إلينا كما لو كانوا أطفال بلا عقل . إن هؤلاء الشباب في غالبهم مُتفهم و حساس. لكنهم ضُلِلّوا .بجب علينا أن نقدم لهم رسائل أفضل و لكنها رسائل إيجابية قادرة علي المنافسة، وإلا سنفقدهم ويذهبون لداعش. "
المُبادرات المحلية النابعة من الأفراد علي الأرض كان لها حظ أوفر لأبعاد الشباب عن الطرق المؤدية للدولة الإسلامية . فعلي سبيل المثال فإن "الشبكة المتحدة لبُناة السلام للشباب" حققت نتائج رائعة في إقناع شباب طالبان في باكستان بأن أعدائهم من الممكن أن يكونوا أصدقاء و شجعتهم علي إقناع غيرهم بذلك.
- صمت المُفكرون
هذه المُبادرات غير كافية لمنافسة جاذبية الدولة الإسلامية لهؤلاء الشباب من 90 دولة و من مختلف الطبقات و الإتجاهات. فيجب أن يتم مشاركة نجاحات تلك المبادرات مع الحكومات لتساعدها علي الإستمرار و التطوير .حتي الآن لم يتم هذا و الشباب الذين لديهم أفكار جيدة ليس لديهم إلا القليل من القنوات الرسمية لتطويرها.
وحتي لو استطاعت أفكار الشباب الجيدة تلك في الظهور و الحصول علي دعم رسمي مؤسسي لتطبيقها فهذا ليس كافياً. فهي تحتاج لغطاء فكري لإقناع الجمهور بها. لكن أين هم هؤلاء المُفكرين المستعدين لأداء هذا الدور؟ من أجريت معهم لقاءات من القيادات الإسلامية حول العالم يقومون بتقديم عروض "بور بوينت" عن : "أهمية الأيديولوجية و الشعور بالظلم في حراكية الجماعة" وهي أفكار مٌتخيلة بواسطة "خبراء في الأرهاب" و مراكز البحوث الغربية. و حينما أسألهم عن "ما هي أفكاركم الخاصة أنتم بخصوص هذا الموضوع؟ " تأتيني الأجابة مباشرة و صريحة كما قيل لي أخيراً في مؤتمر بسنغافورة : "نحن ليس لدينا الكثير من الأفكار الجديدة و ما لدينا من أفكار لم نستطع الإتفاق عليها."
أين هم هؤلاء المُفكرين في هذا الجيل أو مُستقبلاً الذين يُمكن أن يكون لهم تأثيراً علي مبادئنا الأخلاقية و دوافعنا و تصرفات المجتمع و التي تسمح بالخروج من المستنقع؟ .بالتأكيد هناك قلة في المجال الجامعي و البحثي مٌستعدون لذلك لكنهم يُدمرون مشروعيتهم بشكل غير مسؤول بتركهم "ساحة السلطة" تماماً لمن ينتقدونهم وبالتالي فالساسة لا يُعيرونهم الساسة و ينصرف عنهم الناس.
=============================================================================
(14)
فعلي سبيل المثال كان الكثير من الباحثين في مجالي "الأنثروبولوجيا" وحتي عقب أحداث 11 سبتمبر يقضون أوقاتهم في تحليل الإمبراطورية الأمريكية هل هي إمبراطورية تقليدية أم "امبراطورية مخففة"؟ قد نعتبر هذا كان تدريب أكاديمي مثير للإهتمام و قد يكون مفيد للتفكر فيه علي المدي الطويل .لكنه كان غير ذي فائدة في إطار بلد تدخل مُسرعة حربا بلا نهاية مع كل ما تجلبه الحروب من آلام و معاناة.
لقد كان تدخل المٌفكرين ذوي المسئولية فيما سبق في الساحة السياسة جزء حيوي من حياتنا العامة. ليس كما فعل قبل ذلك الفيلسوف الألماني "مارتن هيدجر" بدعمه لهتلر بالترويج لعمل"مؤكد و واضح و قوي" ولكن من أجل تصور طُرق و سيناريوهات منطقية مُحتملة جديرة بالفحص و الدراسة.
هذه الساحة قد تم هجرها اليوم و تركها للخطاب الأُحادي لنُقاد المدونات و مُضيفي البرامج الحوارية و مُبشري التليفزيون.هؤلاء الأشخاص نادراً ما يقومون بما يجب عليهم كما يقوم به المُفكرون ذوي المسئولية.
و كما كتب الفيلسوف الفرنسي "ريمون آرون" منذ 60 عام فإن" المفكر يجب أن لا ينسي حُجج خصمه . ولا أن ينسي عدم اليقين بخصوص المستقبل ولا أن يكون أصدقائه علي خطأ ولا الأخوة المستترة التي تجمع بين المقاتلين."
إن صُعود و سُقوط الحضارات لا يتوقف فقط علي ما تملكها من إمكانات مادية بل يتوقف أيضا علي ما لديها من قيم و مُثل ثقافية. فالتاريخ يٌخبرنا أن معظم المجتمعات لديها قيمها المُقدسة التي من أجلها يُقاتل أبناؤها بحماس مُحتملين الخسائر الفادحة أو حتي الموت دون تنازل أو تفريط فيها.
وتُشير أبحاثنا أن هذا هو حال الكثيرين من الذين ينضمون للدولة الإسلامية و كذلك العديد من الأكراد الذين يقاتلونهم علي الجبهات .لكن حتي الآن لم نجد مثل تلك الإرادة عند معظم الشباب في الديموقراطيات الغربية. فبعد هزيمة الفاشية و الشيوعية هل اصبحت حياتهم هي فقط بحث عن الدّعة و الأمن؟ هل هذا يكفي لبقاء القيم التي نأخذها كمسلمات و التي نعتقد أن العالم يقوم عليها،ناهيك عن إنتصارها؟ إن هذه هي الأسئلة الوجودية المُهمة التي تُواجه المجتمعات المفتوحة اليوم أكثر من التهديدات التي تواجهها من عُنف الجهاديين.
=============================================================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال