الاثنين، 16 أكتوبر 2017

الجيش المصري و شعبه 23

-البداية
(20)
"اسْمعُوا يَا مِصْريين عَليْكُمْ أُنَادِي أيُّهَا الحَمْقَي: تَعَلّمُوا ذَكَاءً وَاِصْغُوا لأِجْلِ مَعْرِفَةَ الفَهْمِ. فَإِني أُعَلِمُكُمْ أُمُورٌ شَرِيفَةٌ قَدْ غَابَتْ عَنْكُمْ ، وأُعُطِيكُمْ تَعَالِيماً صالحةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلَها قَبْلاً. فَقَدْ كُنْتُ اِبْناً لِأبي وَأَبي كَانَ اِبْناً لِجَدْي وَجَدْي كَانَ اِبْناً لِجَدْ جَدْي وَهَكَذَا إِلي أَدَمَ، فَكُونُوا أَبْنَاءً لآَبَائِكُمْ. وَقَدْ كُنْتُ اِبْنَاً لأُمِي وَأُمِي كَانَتْ اِبْنَةَ لِجَدَتِي وَجَدَتِي كَانَتْ اِبْنَةَ لِجَدَة جَدَتي وَهَكَذَا إِلي حَواءِ. فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيضَاً بَنَاتٍ لأُمَهَاتِكُمْ. الابْنُ الْحَكِيمُ يَسُرُّ أَبَاهُ والابْنُ الْجَاهِلُ حُزْنُ أُمِّهِ. فَيَا أْحْزَانَ أُمّهَاتكُمْ أَخْبِروني هَلْ يُولَدُ الابنُ قَبْلَ أَبِيهِ؟ وَالبِنْتُ هَلْ تُولَدُ قَبْلَ أُمِهَا؟! فَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يَكُونَ فَكَيفَ تُرِيدُونَ مِني أَنْ أُخَلِصَ مِصرَ فِي بِضْعَ سِنِينِ! لاَ تَكُونوا أَغْبِيَاءَ جَهَلةَ وَتَحَمّلُوا وَاِصْبِروَا وَلَا تَسْمَعُوا لِمَنْ يَقْولُ عَني أَنْي مُجَرَدُ بَلَحَةٌ؛ لاَ بَلْ أَنَا نَخْلَةٌ سَامِقَةٌ! فَكُونُوا  نَخِيلاً سَامِقَاً يَرْمِيهِ النَاسَ بِالْحِجَارةِ فَيَرُدَ عَلِيهمْ بِالبَلحِ."
الإصحاح الثالث والعشرون من سفر الشئون المعنوية



بعد أن انتهينا من روايتي الشيخ والجاسوس لـ (عبد الرحمن الجبرتي) و (نقولا الترك) فيما يخص الحملة الفرنسية والتي هي نقطة البداية الحقيقة لأسطورة "الجيش المصري الوطني" سنبدأ في فحص رواية الغُزاة الفرنسيين وهي رواية تحتوي علي عدد كبير من المصادر والمراجع، وقد رأينا أجزاء منها في ثنايا الروايتين السابقتين لإضافة بعض التفاصيل الضرورية، هذا العد الكبير من المصادر -رغم فائدته- إلا أنه يُشكل مُعضلة حين اختيارنا لأيّها قد يُمثل "رواية الغُزاة" أفضل تمثيل وفي نفس الوقت يُغنينا عن البحث في مُذكرات و رسائل نابليون وقادته –وهي المصادر الأساسية لأي رواية عن تلك الحملة- ولذلك وقع اختياري على كتاب "التاريخ الحربي والعلمي للحملة الفرنسية على مصر" (1) فهذا الكتاب يتميز بأنه صدر في فترة قريبة من الحملة الفرنسية في ثلاثينات القرن التاسع عشر، كما شارك في إخراجه بعض ممن شاركوا فيها فـ (جوزيف مارسيل) مسئول الطباعة في الحملة، والذي نقلنا عنه ترجمة الشيخ (محمد المهدي) المرة السابقة (2)، قد شارك في تحرير أجزاء من الكتاب. وراجع كبير أطباء الحملة الدكتور (ديجنيت) وكبير الجراحين الدكتور (لاري) الأجزاء الخاصة بالوضع الصحي والطبي خلالها. وقدم الجنرال (بليار) أوراق وملاحظات خاصة بالحملة على الصعيد. وأظهر (جان بيير هيكتور)، وهو المسئول عن الإمدادات والإعاشة للجيش الفرنسي، وثائق مهمة كانت بحوزته لم يطلع عليها أحد من قبل، هذا غير ما قدمه من أوراق تتعلق بالأوامر اليومية الصادرة خلال الحملة ورسائل تتعلق بأعمال الإدارة والتنظيم. وقدم كلاً من (جيفري سانت هيلار) عالم الطبيعة الفرنسي وابنه (ايسدور) عضوا المجمع العلمي المعلومات فيما يختص بالتاريخ الطبيعي والجغرافي بمصر. وغير هذا الكثير من الأوراق والرسائل والمذكرات والرسومات والمُلاحظات التي قدمها كثير من الجنرالات، كالجنرال (ميشو) –رئيس هيئة الأركان- و(بوسيليج) المدير لمالي و(بيروس) السكرتير الخاص بـ (كليبر) الذي قدم مذكراته بخصوص الفترة التي قضاها في مصر وقدم أيضاً ترجمة للفرنسية لكتاب الجبرتي "مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس" الذي ألفّه (الجبرتي) بعد خروج الحملة الفرنسية، لكنها نُسخة "مُنقحة" فيها غزل للدولة العثمانية وصدرها الأعظم (يوسف باشا) «لأنه أزال دولة الكُفار، وجدد دولة الأخيار، وعادت به بهجة مصر بعد انمحاقها، وأشرقت شمس طلعته علي أفاقها، فانصلح بعد الفساد حالها، ورد إليها بعد النشوة جمالها.» (3) ولكنه حين رأي أن دولة الكُفار هي نفسها دولة الأخيار وأن البهجة بعيدة المنال والفساد جمال ما بعده جمال؛ أزال هذا "التنقيح" وذكر لنا كُل ما هو قبيح في الكتاب الذي اعتمدنا روايته: "عجائب الآثار في التراجم والأخبار".  كما نقل لنا الرسام (دوتيرتر) بريشته "بورتريهات" لكثير من قادة وجنود الحملة أثناء وجودهم في مصر وكانت أول مرة تُنشر فيها. 


رواية الغُزاة هذه وإن كان موضوعها الرئيسي هو الحملة الفرنسية على مصر إلا أنها خصصت الجزء الأول والثاني لمقدمة بانوراميّة سريعة تروي لنا تاريخ مصر –أو بالأحرى تاريخ حُكّامها- من عصور ما قبل التاريخ حتى مجيء الفرنسيون. وأفردت كذلك في الجزأين التاسع والعاشر تاريخ مصر "الحديث" مُنذ خروج الفرنسيون وصولاً للحاج محمد علي باشا الكبير و "نهضته". وقام (جوزيف مارسيل) بالاشتراك مع (لويس ريبو) في كتابة وإعداد الجزء الأول والثاني أمّا المؤرخ الفرنسي (أجريكول جوزيف (1843-1756)) فشاركهم في الجزء الأول فقط. الأجزاء من 3 إلى 8 قام بالكتابة والتحرير (لويس ريبو) وحده. وأخيراً الجزأين التاسع والعاشر تولاهما الصحفي والسياسي الفرنسي أخيل أو (أشيل تيناي دو ڨولابيل (1879-1799)).


لكن قبل أن نبدأ مُقدمتنا لرواية الغزاة سنستعرض سريعاً بدءً من هذه التدوينه محتويات الجُزأين الأول والثاني. ومع أنه هذا سيكون استطراد طويل إلا أنه لن يخلو من فائدة، كما أن هذا الاستطراد لن يكون بعيداً عن موضوعنا الرئيسي فسوف نري من خلاله لقطات سريعة من تاريخ مصر و"جيشها" ومصرييها ومحتليها عبر العصور حتى لحظة مجيء الغزاة الفرنسيين. وسيتيح لنا هذا الاستعراض رؤية الكثير من المراجع التاريخية التي تُشكل مصدراً مهماً في التعرف على تاريخ مصر، أو على الأقل التاريخ "الرسمي"، والذي من خلاله نستطيع أن نكون فكرتنا عن التاريخ الفعلي للمصريين بالقياس لما نراه اليوم في واقعنا من "أكاذيب" يتم اعتمادها كرواية رسمية عن واقع مُغاير تماماً بل ومناقض لتلك الرواية.


تبدأ مُقدمة الجزء الأول من الكتاب بالحديث عن عظمة مصر القديمة (4) وأنّ على أرضها نشأت أفكار وأديان ومنها انتشرت عبر طُرق مختلفة لتضيء العالم حولها. ولم تكن الشعوب المُحيطة بها تُنكر هذا التفوق لمصر عليها بل كانت تعترف به وتُقره، فكانت مصر قِبلة المُشرّعة والفلاسفة والكهنة الذين يحجون إليها ليغترفوا من أنهار علومها وحكمتها. وأينما نُقلب في صفحات التاريخ القديم نجد مصر تقف ساهرة على ما حولها من الأمم كالشقيقة الكبرى تُشاركهم علومها ومعارفها. حتى أفلاطون الفيلسوف اليوناني لا يخجل من أن يعترف بتلك "العظمة"، فبعد أن قابل وتكلم مع كهنة طيبة (الأقصر) يصيح قائلاً: «سولون! (5) سولون! أيها اليونانيون لستم إلا أطفال» (6) حتى شهادات هؤلاء الأغراب لا توفي لمصر حقها فلو استطاعت أحجار المعابد أن تتكلم لأنبأتنا بمدي ما وصلت إليه مصر من تقدم ورقي. وبالجملة فإنه لا يمكن تجاهل مكانة مصر فقد كانت «بلداً لديها حكومة مُستقرة ومُعمرة، ذات نظام ملكي وراثي وديني. أرضها التي شكلها طمي النيل كانت خصبة ومُثمرة. شعبها مُسالم، لا يُفكر ولا يحلم بمغامرات وفتوحات مُكلفة وغير مضمونة. علاوة على أنّ الطاعة السلبية التي تغلغلت تماماً في عادات مواطنيها جعلت من النادر أن تندلع ثورات داخلية فيها وإن اندلعت فعُمرها قصير.»


لكن من أين أتي هؤلاء المصريون الذين سكنوا وادي النيل وأنشأوا حضارته التي مازالت آثارها تتحدي عوادي الزمن وتقلباته؟ -يقول الكتاب لابد أنهم أتوا من حيث جاء نهر النيل، من الجنوب من بلاد كوش (السودان) والحبشة (أثيوبيا) (7)، والذين سُرعان ما استقروا على ضفافه وأرضه الخصبة ومناخه الأكثر اعتدالاً حيث بدأت أولي لبِنات الحضارة مع الاستقرار (8) الذي به تحققت الوفرة التي هي المحرك الرئيسي لأي حضارة. في البداية كانت "الآلهة" هي التي تحكم حيث تشكلت طبقة "الكهنة" التي كانت الوسيط بين تلك الآلهة ومخلوقاتها، فكان الكهنة هم الحاكم الفعلي بما أنهم هم الذين "يحفظون" كلمات الآلهة في الصدور، لكن سُرعان ما زاحم الكهنة علي "العرش" الملوك وأصحاب السيف فأصبح الملوك يحكمون بمباركتهم بل وتحول الملوك إلى "آلهة" أبناء آلهة وتحولت طبقة الكهنة إلي "موظفين" عند الآلهة الجديدة وأصبحت العلاقة بين الطرفين علاقة "تكافلية"؛ فالملك-الإله يحكم بـ"مشورة" ودعوات الكهنة الذين بدورهم قد احتكروا المعرفة وانتزعوا لأنفسهم امتيازات تجعلهم في مأمن من غدر الزمن (9).


لقد استطاع الملوك بتحالفهم مع الكهنة أن يبقوا لقرون طويلة يحكمون بدون مُنغصات تُذكر، فباستخدام "الدين" تم تأليه الملك فكان يعيش –هو وعائلته وحاشيته- مُتنعماً يعبده الناس، وحين يموت الملك-الإله كان يُنغص على رعاياه "المطحونين" فكانوا «يبكون موته في حداد رسمي لمدة شهرين ونصف، وتُوصد أبواب المعابد أبوابها بعد موت الملك ويُغطي الناس رؤوسهم بالرماد ويمتنعون عن أكل أطعمة مُعينة ويُنهكون أنفسهم في الصلاة.» ثم بعد انتهاء تلك المُدة –وهي لازمة لإتمام عملية تحنيط جثمان الملك- تُعرض المومياء الملكية "للجمهور" ليُلقوا على "إلههم" النظرة الأخيرة حيث يتلو الكاهن الأكبر تأبين فقيد الآلهة الراحل. بعدها تُقرر "لجنة الأربعين"–مكونة من 42 "إله"- في العالم الآخر إذا ما كان الفقيد يستحق أن يدخل إلى "الراحة الأبدية"، وهو مكان للأشرار الذين يعرفون كيف يخدعون "الآلهة" باستخدام "تعاويذ وأحجبة" (10) مُجرّبة من موتي لم يرجعوا أبداً للحياة مرة آخري!!!


تذكر التوراة (11) أن أول باني لمصر "الموحدة" هو مصرايم بن حام بن نوح إلا أن المؤرخين القدامى لا يذكروا لنا هذا "المصرايم" بل يقولون إنه الملك (مينا) موحد القطرين، فكل من هيرودت (12) ومانيتون (13) وديودور الصقلي (14) متفقين على أن (مينا) هو أول ملوك مصر الموحدة وإن كان مصرايم -كما يقول الكتاب- يُشابه اسمه أحد "أنصاف الآلهة" الذين حكموا تلك البقعة قبل (مينا) وسماه (مانيتون) في كتابه عن تاريخ مصر (ميتصريم). ولكن كتاب مانيتون هذا مفقود وكل ما نعرفه عنه من خلال ما نُقل عنه خصوصاً ما نقله "يوسف" أو (يوسفوس فلافيوس (37م-100م)) المؤرخ اليهودي والذي كتب عن اليهود وحروبهم وتاريخهم، الذي قد كتب كتاباً أيضاً للرد فيه على افتراءات وأكاذيب مانيتون وأبيون –وهو كاتب مصري يوناني- وغيرهما عن اليهود يحاول فيه أن يُثبت أن اليهود "أمة" عريقة لا تقل عظمة عن اليونانيين والرومان والمصريين. ويقول (يوسف) في هذا الكتاب (15) «سوف أبدا أولاً بالوثائق المصرية. مع أنه من غير الممكن أن نٌقدم محتواها الأصلي، لكن مانيتو كان مصرياً بالولادة وتربي في وسط الثقافة اليونانية، وهذا واضح فقد كتب تاريخ بلده بلغتها، وكما يقول هو فقد ترجم هذا التاريخ من الألواح المُقدسة. ويتهم مانيتو هيرودوت (16) في عدة نقاط في أنه قد قدم رواية كاذبة فيما يخص شئون المصريين نابعاً من جهله بها. حسناً! هذا المانيتو يكتب عنّا (اليهود) في الكتاب الثاني من كتابه "ايجيبتكا" كما يلي، وسوف أقدم كلماته كما هي كما لو كنت قد أحضرته ليشهد أماما المحكمة» ثم ينقل كلام (مانيتون) الذي يقول إنّ الإله قد أنزل بصاعقة عاتية على مصر مما تسبب في أن: «واتت الجرأة البعض ممن لا يُعرف لهم أصل من الشرق لكي يغزو مصر وبسهولة يسيطرون عليها بدون قتال. وحين اخضعوا حُكامها قاموا بوحشية بحرق المُدن وهدم معابد الآلهة وعاملوا كل سُكانها بعداوة شديدة، فذبحوا البعض واستعبدوا أبناء ونساء البعض الآخر. وأخيراً قد جعلوا عليهم ملكاً، واحد منهم والذي كان يُسمي (سالتيس). فأقام في منف وفرض جزية على شمال وجنوب البلاد وأقام قلاع في أهم الأماكن وحصن قبل كل شيء المنطقة الشرقية فقد رأي هجوم وشيك من الأشوريين الذين قد عظمت قوتهم ورغبتهم في تملك مملكته. ولقد اكتشف الملك في منطقة سايتي مدينة في موقع مُميز تقع في شرق فرع بوباستيس (كان يجري شرق فرع دمياط)، وكانت تُسمي في بعض التقاليد الدينية القديمة "أواريس "، فعمّر تلك المدينة وحصّنها بالجدران وأقام فيها جمع كبير من القوات المجهزة -وصل عددهم لـ240000 رجل- كحرس للحدود.»


كلام (مانيتون) هنا عن "الهكسوس"، والذين حكموا لأكثر من 500 عام -كما ينقل يوسف- وفسّر (مانيتون) معناها بأن "هك" تعني ملك و"سوس" بمعني راعي وعلي ذلك فالكلمة تعني "الملوك الرُعاة" ويقول إن البعض ذكر أنهم من العرب. لكن (يوسف) لا يعجبه هذا التفسير ويحاول ان يجعل هؤلاء الهكسوس "يهوداً" فيقول: «في نسخة آخري "هك" لا تعني "ملوك" بل تدل على العكس بأن هؤلاء الرُعاة كانوا "آسري"؛ لأنه باللغة المصرية "هك" و "هاك" بنطقها مع إخراج الهواء بقوة من الفم تعني حرفياً "أسير"، وهذا يبدو لي أكثر اقناعاً ومتماشياً مع التاريخ القديم. (...) في كتاب آخر من "ايجيبتكا" يقول مانيتو مُصيباً أنّ هذه الأمة والذين سُموا بـ"الرعاة" قد ذكروا في كتبهم المقدسة كـ "آسري". فقد كان من المعتاد أن يقوم أجدادنا بالرعي فقد كانت طريقة حياتهم بدوية ولذلك سموا بالرعاة. من جانب آخر فليس من غير المعقول أن يتم ذكرهم من قبل المصريين ك "آسري" فمنذ سلفنا يوسف (النبي) الذي قال لملك مصر بأنه أسير ولاحقاً دعي أخوته إلى مصر بتصريح من الملك.»


الهكسوس هل هم يهود أم عرب؟ -قد يكونوا يهوداً عرباً أو عرباً يهوداً فكما نري اليوم أصبح لا اختلاف يُذكر بين الإثنين. وعلى كلاً فما بين (مينا) والهكسوس ما يزيد عن 1500 عام فما حاجتنا الآن لنشغل أنفسنا بهم وبأصلهم، فلنتركهم الآن لنبدأ المرة القادمة –إن شاء الله- في السير مع (مينا) أو (نارمر) أو باني مصر الموحدة حتى نصل للهكسوس لعل وعسى تكون مصر القرن الواحد والعشرين قد تفككت حينها.

******************************************************************************************************
(1) Histoire Scientifique et Militaire de l'Expédition Française en Egypte, Louis Reybaud et al., 1830-1836.
(3) عبد الرحمن الجبرتي: مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس.
(4) بلا شك كانت مصر القديمة واحدة من أقدم وأعرق الحضارات التي عرفتها الإنسانية، لكن في المُقابل هناك قدر كبير من المُبالغة والأكاذيب والأساطير التي تُحاول أن تجعل منها "أصل كُل شيء ومُنتهاه".
(5) (سولون) أو (صولون) (تقريباً من 639 ق.م إلى 559 ق.م) رجل الدولة والمُشرّع والشاعر الأثيني والذي أرسي الديمقراطية اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد. ففي حوالي 594 ق.م  كانت اثينا تموج بتوترات اقتصادية وسياسية نتيجة لتركز الثروة في يد حفنة قليلة من النُبلاء وفي وجود قوانين ظالمة ومجحفة تحول كثير من المُزارعين إلي عبيد نتيجة لتراكم الديوان عليهم، فاستطاع (صولون) أن يقود ثورة اجتماعية فأصدر مجموعة من القوانين التي ألغي فيها كل الديون علي المُزارعين وحدد ملكية الأرض التي يستطيع الفرد امتلاكها كما أصدر تشريعات جديدة بموجبها يكون من حق كُل فرد حُر أن يُشارك في الحُكم حيث تم انشاء مجلس ال 400 الذي يُمثل فيه كُل الطبقات ويقوم بترتيب الأمور الهامة التي سيتم مناقشتها في المجلس الشعبي الذي يحضره كُل أحرار أثينا.
(6) ورد هذا الاقتباس الذي يستشهد به الكتاب في أحد محاورات (أفلاطون) وهي محاورة (تيماوس) أو (طيماوس) والتي تتكلم عن نشأة العالم، وفيها يحكي (كريشياس) لـ(سقراط) و(تيماوس) وبقية المحاورين قصة رُويت عن (سولون) وزيارته لمصر  يحاول فيها أن يُريهم عظمة أثينا وأعمالها التي طواها النسيان، وقد أورد (هيرودت) في تاريخه تلك الزيارة لمصر وذكر سببها في أن (سولون) أراد أن يبتعد عن أثينا بعد أن كتب قوانينها الجديدة حتى لا يطالبه أحد بتعديلها رغم أنه كان من المفترض أنهم عاهدوه على ألا يعترضوا عليها لمدة 10 سنوات.  فيقول (كريشياس) أن (سولون) ذهب لمصر لمدينة "سايس أو ساو" -تقع في الدلتا- وليس "طيبة" وتكلم مع كهنتها وسألهم عن تاريخ العصور القديمة فاكتشف (سولون) أنه لا هو ولا أحد من اليونانيين عنده علم بتلك العصور، ثم بدأ (سولون) يتكلم عن تاريخ بلاده وعن أول رجل على ظهر الأرض "فورونوس" وعن الفيضان وحاول أن يضع تواريخ لها فما كان من أحد الكهنة أن جاوبه قائلاً: "سولون! سولون! أيها اليونانيون أنتم دائماً أطفال، فليس من بينكم رجل عجوز" ولما سأله (سولون) عما يعني بقوله هذا، أجابه الكاهن بأنكم ليس لديكم علم بتلك العصور لما سببته الكوارث الطبيعة بكم، فما أن تبدؤوا في بناء أمتكم حتي تأتي النيران من السماء أو غيرها من الكوارث الطبيعية فترجعكم إلي البداية مرة آخري كأطفال لا يعرفون أي شيء عن مَنْ سبقهم، أما مصر فلا يُصيبها ما يُصيبكم بسبب نهر النيل ونحن ندون في معابدنا كل ما يصلنا من أخبار ونتناقلها جيل عبر جيل أما أنتم فليس لكم تاريخ مكتوب لأن أجدادكم لم يتركوا خلفهم كلمة مكتوبة. ثم يُخبره أن أثينا هي أولي المُدن التي أنشأتها الآلهة قبل 8000 عام من وقتهم هذا وهي لم تكن مُتقدمة فقط في الحرب بل بقوانينها وانجازاتها الأخري وأن كل ما تراه الآن في مدينتنا من تقدم وقوانين وتنظيم ما هي إلا نُسخة لما وُجد سابقاً في أثينا، ليس هذا فقط بل إن أعظم مآثرها أنّها أنقذت العالم من قوة أطلنتس والتي كانت كما يقول لشعب كان يسكن جزيرة في المحيط الأطلسي قد حاولوا غزو مصر وأثينا لكن الآثينيين أوقفوا تلك القوة الغازية وهزمتها. وكما نري فالاقتباس الذي أورده الكتاب، في غير محله وسياق النص يتحدث عن عظمة أثينا وليس كما ذهب إليه الكاتب. انظر في هذا: Plato , Complete Works, Timaeus , Transled By Donald J. Zeyl. , وقد رجعت للترجمة العربية لمحاورات أفلاطون لشوقي داود تمراز ولكن وجدت حذف كثير من تفاصيل تلك القصة ولا أعرف هل هو "تصرف" من المترجم أم النُسخة التي ترجم عنها هي المسئولة عن هذا، ولكن المترجم يقول في مُقدمة الترجمة: "أنني لم أتقيد بحرفية اللغة الإنجليزية في الترجمة، بل تقيدت بنقل المعني الحقيقي قدر استطاعتي، وهذا هو الأهم."
(7) يقول (د. سليم حسن) في موسوعته عن مصر القديمة في الجزء 10 أننا «لا نعرف حتى الآن إذا كان سُكان وادي النيل قد نشئوا من طبيعة تُربتهم الأصلية أو وفدوا إلى البلاد عن الطريق الهجرة. وإذا كانوا من المُهاجرين فرضاً فمن أين أتوا إلى وادي النيل؟» ولا أعرف كيف تنشأ مجموعة من البشر من "تربتهم الأصلية" وعلى ذلك فالأرجح هو أن يكونوا من "مُهاجري" مجرة مُجاورة. فلا يمكننا استبعاد "نظرية" الأصل الفضائي للمصريين والتي بدون استدعائها سنجد صعوبة في فهم الكائن المصري وطريقة تفكيره.
(8) الاستقرار المقصود هنا ليس هو نفسه الذي تصدع به أدمغتنا السُلطة ليل نهار لكي تدور "عجلة" التنمية. فالاستقرار الذي يقود للنهضة غير "الاستقرار" الذي يؤشر على حالة الموات التي يعيشها المجتمع.
(9) ويخبرنا د. سليم حسن عن "عمق" العلاقة بين الملك-الإله وكهنته فيقول «(...) ومنذ عهد الأسرة الثالثة كان كهنة الملك يمنحون اللقب الفخري «رخ نيسوت» أي قريب الملك أو المعروف لدي الملك وفي عهد الأسرة الرابعة كان المرتلون الأول يُلقب كل منهم «إري بعت» أي أمير وقد كان هذا اللقب لا يُطلق إلا علي الكاهن الأكبر للإله رع فحسب، الذي كان يُعد أكبر شخصية في الدولة بعد الفرعون. ولكن الملك عندما أصبح يُطلق عليه لقب الإله العظيم (أي أن رع تقمص فيه)، مًنِح بسبب ذلك مُرتله الذي كان يُنتخب من بين أولاد الملك، لقب «إري بعت»، الذي لم يكن يتمتع به إلى هذا العهد غير كاهن «رع» الأعظم.» موسوعة مصر القديمة، د. سليم حسن، ج2.
(10) التعويذة هي كلمة أو مجموعة من الكلمات التي يُعتقد أنها تمتلك قوي سحرية حين نُطقها وقد برع المصريون في انشاء تلك "التعاويذ" وهناك كتاب كامل سُمي بـ "كتاب الموتى" فيه كُل التعاويذ التي علي روح الميت تلاوتها خلال رحلته في "خِرت-نِتر" أو العالم الآخر لكي يصل في النهاية إلى "الراحة الأبدية". وحتى وقت قريب كان يُعتقد بوجود "لعنة الفراعنة" وهي في أصلها عبارة عن تعاويذ كانت تُكتب لحماية المكان من اللصوص ومُدنسي القبور. ومازال المصريون –وغيرهم- يؤمنون بالقوة السحرية للكلمات.
(11) يتباهى المصريون بورود ذكر مصر في التوراة والقرآن رغم أنه لا يرد ذكرها إلا في إطار تاريخ "بني إسرائيل" مصحوباً باللعنات علي فرعون وشعبه وحتى الآية التي تُعلق في المطارات والمعابر التي تقول "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" لم تكن إلا خطاباً من يوسف لأهله وعشيرته وليس لمصر ولا لشعبها الوثني حينذاك.
(12) هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير -تقريبا من 484 ق.م حتى 425 ق.م- والذي سُمي بـ"أبو التاريخ" قد خصص جزء مطول من تاريخه للحديث عن مصر يقول في أوله: «والآن سأبدأ الكلام عن مصر في إسهاب، لأنها -دون غيرها من بلاد العالم أجمع- تحوي عجائب أكثر، وآثاراً تجل عن الوصف ومن أجل ذلك سأُطيل الحديث عنها؛ نظراً لأن مناخ مصر منقطع النظير، ولأن نهر النيل له طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة باقي الأنهار، ولذلك اختلف المصريون كل الاختلاف عن سائر الشعوب في عاداتهم وسننهم.» هِرُدوت يتحدث عن مصر. ترجمة د. محمد خفاجة.
ولعل مُعظم المصريين يحفظون عبارته الشهيرة بأن "مصر هبة النيل" والتي تتجاهل وجود أي "بشر" قد يكونوا سكنوا على ضفافه. وكتاب (هيرودوت) في الإساس يتناول تاريخ الحروب وأسبابها بين القوتين العظميين وقتها فارس واليونان -والتي ستُخضع المنطقة برمتها تحت سيطرتها في القرن الرابع قبل الميلاد- وجاء الحديث عن مصر بما أنها كانت مسرحاً لذلك الصراع وكانت مصر قد سقطت حضارتها منذ قرون بعيدة وأصبحت تخضع للحكم الفارسي.
(13) (مانيتون) أو مانيتو (تقريباً 300 ق.م -؟؟) هو كاهن ومؤرخ مصري عاش في ظل الحكم اليوناني لمصر في عصر بطليموس الأول والثاني وقد كتب كتاب باليونانية عن تاريخها وكان أول من قسم تاريخ مصر إلى "أُسر" وهو التقسيم الذي ما زال مُتبعاً حتى الآن. وقد كتب (مانيتون) هذا الكتاب لدحض "الأكاذيب" التي وردت في "تاريخ" (هيرودت) عن المصريين.
(14) (ديودورس الصقلي) عاش في القرن الأول قبل الميلاد له مؤلف ضخم سماه "التاريخ العام" وهو يتناول تاريخ العالم منذ أقدم العصور حتى عصره الذي عاش فيه.
(15) .Against Apion, Josephus Flavius, Translated By John M. G. Barclay
(16) إن كان (مانيتون) يتهم (هيرودوت) بالجهل فإن واحد من بني جلدته يتهمه بالخبث والخيانة فهذا (بلوتارك (46م-120م)) وهو كاتب يوناني له مؤلف مهم يسرد فيها سيرة حياة أباطرة اليونان والرومان. قد كتب أيضاً كتاب عن الأخلاق أفرد فيه جزء كامل لمهاجمة (هيرودت) الذي شوه سيرة أبطال اليونان العظماء وكان لا يتورع على أن يأخذ "القصص" التي يرويها له "البرابرة" -وهم كل ما هو غير يوناني- كمسلمات ونسب للمصريين البرابرة أنهم أصل كثير من آلهة ومعبودات اليونان. فيقول (بلوتارك) في بداية الجزء 11 من كتابه عن الأخلاق وقد عنون هذا الجزء من الكتاب بـ "عن خُبث هيرودوت" «الكثير من الناس يا عزيزي ألكسندر قد خُدعوا بأسلوب هيرودت في الكتابة والذي يبدو سهل وينتقل من موضوع لآخر بلا مجهود؛ لكن هناك الكثيرون أيضاً الذين خُدعوا بالجانب الأخلاقي لشخصيته. إنه ليس فقط لمن الظُلم البيّن كما يقول أفلاطون هو "أن تبدو عادلاً لكنك لست كذلك" لكنه لمنتهي الخبث أن تُظهر كذباً الصراحة وسماحة النفس والتي يصعب كشفها. وهذا بالضبط ما فعله هيرودوت فيمدح بعض الناس بأخس طريقة ممكنة بينما يشوه ويُشنّع على آخرين. حتى الآن لم يجرؤ أحد علي كشفه ككذاب. حيث كان ضحاياه الرئيسين الذين شوههم من اليونانيين من بوتيا وكورنثيا إلا أنه لم يسلم منه أحد. لذلك أعتقد أنه من المناسب أن أقف مُدافعاً عن أجدادي ومن أجل إظهار الحقيقة ولأبين كم هو مُضلل هذا الجزء من كتاباته. لأنه قد تأخذ عدة كتب إذا أردنا أن نستقصي كل أكاذيبه واختلاقاته.»
Plutarch, Moralia,Vol XI, On the Malice of Herodotus, translated by Lionel Pearson