الأربعاء، 9 أغسطس 2017

الجيش المصري و شعبه 22

الجيش المصري و شعبه 22
-البداية
(19)
"نَادُوا بِصَوتٍ عَالٍ! لاَ تَسْكُتُوا! اِرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ كَبُوق وَأْخْبِروا هَذَا الشَعْبَ بِهْبَلِهِ وَعَبَطِهِ. لاَ تَخَافُوا وَاِضْحَكُوا وَاسْخَرُوا مِنْ كُلِ أَهْبَلٍ عَبِيْطٍ مِنْهُمْ. لَا تَجْبِنُوا ابْصِقُوا في وجُوهِهمْ وَاهْدِمُوا كُلَ أَصْنَامِهمْ. لَا تَخْجَلُوا أْو تَضْعَفُوا وَتَقُولُوا: "فِيهمْ أُمِي وَأْبي أْو مِنهُمْ أْبْنَائي وَجَمَاعَتي". أْو تَقُولُوا: " هُوَ شَعْبٌ عَظِيمٌ مَعْدَنهُ أْصَيلٌ لَكِنَهُ مَقْهُورٌ يَنْتَظِرُ المُخلِّصَ".  إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا هَلْ يمُكِنْ أَنْ يَتَغَيَرَ أْيُ شَئ؟!  لَا يُوجدْ مُخلّصْ لمِا أَنتُمْ فِيهِ إِلَا أَنْفُسَكُمْ، فَلَا تَنْتَظِرُوا أَنْ يَجيئَكُمْ وَاحِداً. فَإِنْ سَكَتُمْ وَخِفْتُمْ وَجَبِنْتُمْ أَو خَجِلْتُمْ وَضَعِفْتُمْ وَعَرَّصْتُمْ فَتَوقَفُوا عَنْ تَصْدِيعِ أَدْمِغَتِنَا بِحَدِيثكُمْ عَنْ الظَلَمَةِ وَالفَاسِدِينَ وَاِنِتشَارُ أَبْنَاءُ العَاهِراتِ وَالعَاهِرينَ وَذِهَابُ الأَخْلاقُ وَتَشْويهَ الدّينَ. فَأْنتُمْ لَسْتُمْ بأِفْضَلَ مِنْهُمْ، فَقدْ فَضّلتُمْ التّعْرِيصَ عَلي الصِدْقِ وَاخْترتُمْ أَنْ تَضَعُوا الأحْذِيةَ عَلي الرُؤوسِ بَدلَ الأَقْدَامِ."
الإصحاح الثاني والعشرون من سفر الشئون المعنوية


كيف تتخلص من رئيس مجنون؟ - بطرح هذا السؤال الذي يبدو بسيطاً يتوقع القارئ أن يقرأ الطريقة أو الحل أو حتي بارقة أمل في كيفيه الخلاص من رئيس دولته "المعتوه". ولا أريد أن أُحبط القارئ مُباشرة بإجابته إجابة لا تقدم ولا تؤخر من نوعية: التخلص منه عن طريق "الانتخابات" أو تعديل "الدستور" لتكون مدة هذا الرئيس فترة واحدة فقط، أو إجراء استفتاء على "شرعيته". أو حتى أن يخرج الناس في مُظاهرات عارمة تُطالبه بـ"الرحيل". ولذلك قبل أن نبحث عن إجابة السؤال فلنري أولا من الذي أتي به في المقام الأول؟ كيف استطاع هذا المعتوه أن يُصبح رئيساً؟ -إن الآلة الإعلامية للسُّلطة قدّمته لنا على أنه "المُخلّص" الذي جاء أخيراً بعد أن انتظرته البشرية لعشرات القرون والذي سيعيد لبلادنا مجدها وعظمتها، وبتأثير تلك الآلة والتي لها قُدرة هائلة على الإيحاء، بدأ الكثيرون يرون فيه ما يفتقدونه فالبعض من "الرجال" رأوا فيه "الدكر" الذي سيُعيد الأيام الخوالي، أيام الشباب حين كان يصحو الواحد منهم من النوم بـ"انتعاظ" صباحي. أما البعض الاخر من "النساء والبنات" فقد رأينَ فيه "حُصان" جامح الذي سيمتطيهُنَّ ليذهب بهنَّ إلي عنان السماء، حتى ولو لم يكن هناك اتصال مادي بينهما إلا من خلال صورته المُعلقة على الحائط. وكان من الطبيعي أن أطفال هؤلاء يرون فيه "سيسي" يتطلعون في يوم من الأيام أن "يركبوه"؛ بل وتمني بعضهم أن يُصبح مثله حين يكبر. ثم بعد أن اطمأنت السُّلطة أن "المسرح" مُعد تماماً؛ قامت بإجراء الانتخابات والتي –ودون أي مفاجأة- نجح فيها، فلم تكن إلا مراسم شكلية ليتولى الرئاسة بغض النظر عن نسبة المشاركة والمقاطعة فما هذا كُله إلا "رسميات عبيطة" يُضحك بها على المُتفرجين المُتابعين للعملية الانتخابية. هذا الرئيس المعتوه إذاً هو مُرشح السُّلطة وهي التي أتت به ولم يكن دور المُشاركين في "انتخابه" إلا كومبارس بعضهم كان صامت، وبعضهم كان كومبارس راقص، كما أبدعت السُلطة فقدمت لنا توظيف جيد للكومبارس "المشلول"؛ هذا غير الحملات الإعلانية والأغاني الوطنية الحماسية التي أضافت جواً من "الشاعرية" لخلفية المشهد.


من إبداعات السُلطة: بعد توظيفها المُمتاز للكومبارس الميت الذي كان يُدلي بأصواته في الانتخابات، فاجأتنا بنوعية جديدة من الكومبارس وهو الكومبارس المشلول ووظفته بشكل أكثر من رائع.


بمعرفتنا هذا فإن أي محاولة للتخلص من المعتوه لابد أن تمر عبر السُّلطة، هذا بالطبع إذا اتبعت الوسائل "الشرعية" والتي تتحكم بها السُّلطة بلا أي مُنازع، وسيكون عليك أن تُقنعها بأن "المعتوه" خطر عليها وأن مصلحتها الحقيقة هي في التخلص منه. وأنك موافق –بلا أي شروط- على البديل الذي تراه هي مناسباً، والذي من الممكن –بل غالباً- سيكون معتوهاً أيضاً وليس بالضرورة بنفس الفجاجة التي عليها المعتوه الحالي. لكن حينها ستكون في مواجهتك أسئلة جديدة عليك أن تُجيب عليها: لماذا عليك أن تستبدل معتوه بمعتوه آخر؟ لماذا دائماً ترضي بمجرد شكليات لن تُغير من الأمر شيء؟ أنت تعرف أن السُّلطة هي السبب فيما أنت فيه؛ فلما اللجوء إلى "تمثيليات سخيفة" وتحميل المسئولية لـ"معتوه" واحد "غلبان" وتترك بقية "المعاتيه"؟ هل الجُبن والخوف أم الغباء والعته هما من يدفعاك للاستمرار في تكرار هذا العبث مع علمك أنه لن يتغير شيء؟



إن السؤال الأول عن كيف تتخلص من رئيس مجنون لم يطرحه مصرياً بل طرحه الأمريكي –نعم حتى أمريكا مليئة بالمعاتيه- عضو الكونجرس وأستاذ القانون (جامين بين راسكين) والذي قدم "مشروع قانون" من خلاله يُمكن إنشاء آلية دستورية لتنحية الرئيس الأمريكي من منصبه في حالة ثبوت "جنانه" وكما تقول صحيفة النيوزويك (1) التي نقلت لنا تصريحات (جيمي راسكين) بأن مشروع القانون لا يحتوي كلمة "جنون أو عته" بل لفظ قانوني مُهذب هو "انعدم الأهلية العقلية" التي لا تسمح للرئيس بتولي مهام منصبه كما يجب. وتقول الصحيفة أن فرصة نجاح (راسكين) في تمرير هذا القانون تكاد تكون معدومة فكما قال خبراء دستوريون وقانونيون أنه "غير واقعي" ومن السابق لأوانه الحديث عن "جنان" السيد الرئيس. وفي مقالة للواشنطن بوست (2) –على نفس الخط- يقول فيها الكاتب أن (دونالد ترامب) هو "عدو نفسه" ويسعي عبر "تويتاته" اللامسؤولة بتقديم الفرصة للأخرين للعمل على إعاقته وعزله عن أداء مهام وظيفته، فتصرفاته "الهوجاء" تؤدي لمزيد من "انقسام البلد" والتي كان قد وعد بأن يرأب صدعها ويكون رئيسا لكل الأمريكيين وليس فقط "لأهله وعشيرته". ويلفت الكاتب نظر القارئ إلى أن سيادة الرئيس لا يستطيع "التحكم في نفسه"-أو بعبارة آخري "مُختل"- فهو يُريد ان يكون دائماً حديث الناس فتصدر منه تلك الأقوال والتصرفات بلا أي تفكير من جانبه، فالمهم هو أن يكون في دائرة الضوء. ولم تنقص تلك المقالة إلا عبارة واحدة لو كانت أضيفت لأصبحت من "المقالات الخالدة" في تاريخ الصحافة وهي: " تقيلة عليك يا ترامب الشيلة .... متشلش."



الحملة الدعائية السوداء الموجهة لـ (ترامب) ومؤيديه بدأت حتى قبل أن يتولى الرئاسة. هذا وإن كُنّا نؤكد على أن (ترامب) "معتوه" فعلاً، ليس هو فقط بل وكثير من رؤساء هذا الكوكب الملعون، لكن يجب أن نُدرك أنه يُعبر عن طبيعة "الشخصية الأمريكية" وهي كشقيقتها "المصرية" تُعاني من حالة "ميجالومانيا" مُتأخرة يصعب علاجها.  ولا غرابة أن تلك الحملة مُشابهة لما تم فعله مع (د.محمد مرسي) –وهو لا يقل عنه عتهاً - والتي نجحت نجاحا مُبهراً، فهذا النوع من الحملات قديم قدم التاريخ نفسه، والتي يكون هدفها الأول هو "اسقاط الشخصية" فتصبح "هُزؤا" كل من هب ودب يسخر منها ويُحقّرها. فتجد ممثلين و"كوميديانات" و "ناشطين" (3) لا عمل لهم إلا "التريقة" على أفعال وتصرفات (دونالد)، وهي "تريقة" مُختلفة عما كان يحدث لمن سبقوه من الرؤساء فهي جزء من حملة مُتكاملة، هذا غير الأخبار اليومية التي كثير منها لا يمكن اعتبارها إلا سخافة وتفاهة لكنها ناجحة في تحقيق المطلوب. هل يعني هذا أنه يُحضر لـ"انقلاب" في أمريكا كما حدث في مصر؟ -الأمر بعيد الاحتمال لكن ليس بمستبعد بالكلية إلا أنّه في الوقت الحالي طالما أن الأمور لم تتخذ منحي عنيفاً فالوسائل "الديمقراطية" كفيلة بالخروج من "المأزق". لكن لماذا يُمثل (دونالد ترامب) مأزق في الأساس؟ -الحقيقة حاولت أن أبحث لإجابة عن هذا السؤال فلم أجد إجابة واحدة مُقنعة، على كُلاً الآلة الإعلامية هي من تحرك "الكومبارس" في الشارع والذين يُطالبون بسرعة التخلص من المعتوه –على أساس أن من سبقوه كانوا "عُقلاء"- وطالما بقيت الأمور في إطار "سلمي" فلننتظر لنري بعد أن تنتهي فصول تلك الملهاة الأمريكية ما هو مُراد السُّلطة من كل هذا حيث يمكن أن تُكشف تفاصيل توضح لنا لماذا جري ما جري.

عينة لنوعية من الأخبار التي تهدف لـ"ابتذال" شخصية ترامب صادرة عن صُحف "حُرّة ومُحترفة".



ما بين معتوه مصر ونظيره الأمريكي نستطيع أن نري تشابهات كثيرة في كيفية تحريك "الكومبارس-الشعب" ولكن بشكل مُعاكس ففي حين يتم تصوير المعتوه المصري بـ"المُخلِّص" و الفادي والحنون والرومانسي والحالم المهموم بوطنه وشعبه حتي لو استطاع أن "يبيع نفسه" وأمه وخالته فهو سيفعل عن طيب خاطر. أما المعتوه الأمريكي فيتم تصويره "بالمهووس" و "الغبي" والخائن المتعاون مع العدو الذي لا يري إلا مصلحة "أهله" فقط. العُنصري الذي لا يقبل الآخر ... إلخ. وفي كلتا الحالتين يتم صرف الأنظار عن "المُحرك الرئيسي" للأحداث ويظل "الكومبارس" يُحاربون معتوه وراء الآخر بلا أي أمل في الانتصار. لقد أصبحت إجابة السؤال الذي رأيناه المتعلق بالتخلص من المجنون واضحة فكما ذكرنا بأنه لا يمكن هذا إلا بموافقة السُّلطة التي أتت به في المقام الأول وهنا تكمن المُعضلة لمن يتبعون الطُرق "الشرعية"، فكأنهم يطلبون ممِنْ سرقهم أن يُساعدهم على إيجاد مَنْ سرقهم!!! أو مجموعة تم اغتصاب أرضها فذهبت للمُغْتَصِب ليُساعدها على استرجاعها!!! ...  لكن دعنا من "المعاتيه" وهيا بنا نُنهي رواية المعلم (نقولا).



توقفنا المرة السابقة عند نجاح (كليبر) في طرد جيش العثمانيين المُفتخر كما استطاع اخماد "ثورة القاهرة وبولاق" وتم عقد هُدنة لمدة ثلاثة أيام يخرج فيها من يُريد الرحيل يرافقهم الجنرال (رينييه) لضمان حُسن السير والسلوك. فيقول (نقولا) أنه «خرجت العساكر من مصر بالتمام. وخرجت معهم عدة من العوالم وساروا قاصدين غزة والأراضي الشامية. والجنرال رانية ساير في إثرهم بمن معه من الفرنساوية. إلى أن أوصلهم للصالحية. واستراحوا يومين وأخذوا ما يحتاجون، وتوجهوا لقطية. وقد ساعدهم الجنرال بما يحتاجون اليه من المأكل ومن الخيل والجمال. وتعجّبت الاسلام من أمان هؤلاء الأنام، وحفظهم للذمام. اذ كانوا خاشين من خيانتهم بالطريق وغدرهم في تلك البريّة.» حيث سيبدأ (كليبر) الاحتفال بانتصاره المدوّي، هذا الاحتفال الذي سيُشاهده الناس من وضع الوقوف، ثم بعدها سيجمع (كليبر) الشيوخ والأعيان لتوبيخهم وعقابهم والذي بعضهم - كما نقلنا عن الجبرتي (4) - "سيُطرطر من الشباك" فقد تم احتجازهم رهن "الاعتقال" فيقول (نقولا) أن (كليبر) وبّخهم قائلاً «إنّي كنت أظنكم أيّها علماء الديوان أنكم من الناس العقلاء ذوي الاذهان. والان قد استبان لي أن عقولكم أخف من عقول الصبيان، وأجهل من النسوان. لأن بعد معرفتكم أنى قد قهرت وزير السلطان، وشتّتت جيشه في البراري والوديان، فقبلتم شرذمة يسيرة وفرقة حقيرة، هاربين من سيفي الباتر وقوّة بطشي القاهر. وأدخلتموهم القاهرة، وأخذتم تحاربوني بعيون فاجرة. مع أنكم تعلمون لا تربحون الا الذلّ والاهانة، وخراب وطنكم الكنانة.»  وأنّه كان قادر علي تدمير واحراق المدينة لكن قلبه "الحنون" لم يُطاوعه فصفح عنهم على أن يدفعوا «مليونين من الريال، مبلغها ستة عشر ألف كيس ثمن دماكم، وعشرين ألف بندقية، وخمسة عشر ألف جوز طبنجات، وعشرة ألاف سيف، وأربعماية بغل (5)، وماية حصان.» وتم تقسيم هذا المبلغ –كما يقول نقولا- فربعه على كل من أحمد المحروقي والشيخين الصاوي والعناني والباقي على أهالي البلد أمّا النصارى فلن يدفعوا ولا فلساً واحداً فكفاهم «ما جرا عليهم منكم من الوبال، والهتيكة وسلب المال. وما تكبدوه من الاضرار وسفك الدماء منكم يا اشرار. مع اننا افهمناكم امرار عديدة اننا نحن لسنا من النصارى، بل نود الاسلام ونحترم القرآن بكل احترام. وما سمحنا لهم مجمل السلاح الا ليحموا أنفسهم منكم يا قباح. اذ نظرنا هجومكم عليهم. ثم نهض من قدامهم وهو مملوء من الغضب ولم يلتفت إليهم.»



على أن ما قاله (نقولا) عن (أحمد المحروقي) غير صحيح فيبدو أنه يخلط بينه وبين الشيخ السادات الذي تحمّل الجزء الأكبر من "الغرامة" وحُبس هو وزوجته وضُرب. فينقل (نقولا) أنّ المحروقي هو من حُبس «وضبط منزله وارسله للقلعة. وسجن ايضاً امرأته فكان امر عظيم عند المصريين، وغم لا يوصف عند المسلمين.» فـ(الجبرتي) يُخبرنا أنّ (المحروقي) كان من بين من خرجوا مع العساكر العثمانية والذين خرج معهم «ابراهيم بك وأمراؤه ومماليكه والألفي وأجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من أهل مصر، ركباناً ومشاة.» ونجد في المصادر الفرنسية أن (كليبر) صبّ غضبه على الشيوخ وخصوصاً السادات لأنه بلغته المعلومات بأنه "يُضمر" الكراهية للفرنسيين ففرض عليه جزء كبير من الغرامة ولكن السادات أبي أن يدفع -كالسيد محمد كُريّم من قبله- فتعرض للضرب و"المد على الرجلين" والإهانة. (6)


 والغريب أنك تجد أنّ (نابليون) و(بوسيليج) قد مدحا الشيخ السادات –والذي كان عضواً بالديوان- وغيره من الشيوخ علي حسن سلوكهم وتعاونهم "المُخلص". فنجد نابليون بعد رجوعه من الشام يسرد في رسالة للمكتب التنفيذي الحاكم بفرنسا أهم الأحداث التي جرت فمن "ثورة" ببني سويف إلى ظهور "المهدي"، الذي يقول (نابليون) عنه أنه ادعي أنه ملاك من الملائكة هبط من السماء، والذي جمع حوله المغاربة والعربان وأدي إلى "ثورة" في البحيرة، وهذا كما يقول من أسباب عودته من الشام. وغير ذلك من الأحداث إلى أن يقول «إنّ الشيوخ: البكري والشرقاوي والسادات والمهدي والسرسي قد أحسنوا التصرف أفضل حتى مما كنت أتمنى. إنهم يخطبون في الناس كل يوم بالمساجد لأجلنا. وفرماناتهم (فتاويهم) تُحدث أثر كبير في الأقاليم.» (7)


 أما (بوسيليج) ففي رسالته لـ(نابليون) بعد انتصاره في معركة أبي قير يُخبره بما يجري بالقاهرة ومشاكل "الديوان" وشيوخه وأنه لابد من أن يتم تحدد اختصاصاته لأنّ الديوان بوضعه الحالي يتدخل في كل شيء فمن "امضاءات" لتخفيض الضرائب لقرية الشيخ السرسي –"كوسة" يعني- إلى التدخل في عمل جُباة الضرائب فقد "ثار" الشيوخ علي المعلم "أنطوان أبو طاقيه"، أحد "المُفترين" النصارى وشهيد من شهداء "الكنيسة الوطنية"، حتى أنهم هددوا بتقديم "استقالاتهم" لكن "أشقائهم" النصارى في الديوان طيبوا خواطرهم وانتهي الموضوع. ويُعرب (بوسيليج) عن عدم ثقته في معظم هؤلاء وأنهم يتأمرون سراً على الفرنسيين عن طريق رسائل "مُشفرة"، ولكنه يقول لنابليون أنه ليس هناك ما نخشاه في القاهرة وأن الناس لن يتحركوا فهم خائفون. إلا أن ما يشغل (بوسيليج) الآن هو قلة الموارد المالية وأنه لا أحد يُريد أن يدفع ما عليه إلا باللجوء لوسائل قاسية وصعبة للحصول منهم على المال ثم يختم فيقول «الشيخ السادات هو أكثر رجل أنا راض عنه. كما أنّ السيد عمر (مكرم) يتصرف بشكل جيد، بينما الشيخ البكري خائف أما بقية الشيوخ فهم خونة ومتعصبون. المُفتي (8) رجل طموح ويسعي للشعبية والشُهرة والذي قد يُضحي بالفرنسيين ولا يخسر درجة واحدة من سمعته. لكنه مع هذا مازال ينظر إلينا بدأب.» (9)


لكن إذا كان السادات "مُخلصاً" للفرنسيين فلماذا تم عقابه هذا العقاب القاسي؟ أليس عقابه بهذه الصورة دليلاً على أنه لم يكن "مُخلصاً" لهم وكان " مُجاهداً ثورياً وطنياً "؟ -ليس بالضرورة، وهذا كما في أيامنا حين يحدث "انفلات أمني" أو عملية "إرهابية" وحسب حجمها وخسائرها فقد يتم فيها عزل مدير الأمن أو حتى وزير الداخلية وهذا العقاب ليس لأنه "عميل للإرهابيين" ولكن لفشله في المهمة الموكل بها في منع تلك العملية. فقد يكون عقاب السادات لأنه فشل في مهمته أو "حاول يلعب على الحبلين"، فكما رأينا في كلمات (كليبر) أنه كان في أيدي الشيوخ إطفاء تلك "الفتنة" لكنهم "تمادوا فيها". فالسادات كان من المُفترض أن يكون في جانب الفرنسيين ويعمل على وأدها ولما لم يفعل فكان لابد أن يجعلوه مثال لا يُحتذي بأنه لا يمكن أن تلعب على جميع الأحبال ففي وقت تكون فيه مُخلصاً للفرنسيين في وقت آخر حين تقوم "ثورة" –مُعتقداً أنها "ستنتصر"- تكون "أبو الثوار" وخطيبهم هذا قد "يَخيل" على المصريين أمّا نحن الفرنسيون "فهيهات منّا التغفيل".

إذا كان لديك أي شك في هبل وعبط هذا الشعب، يكفي فقط أن تنظر لهذا "المعتوه" الذي سُمي بـ "أبو الثوار" وكيف نجح في أدائه رغم المُبالغة الفجة في تقمصه للدور، لكي يزول هذا الشك ويحل محله اليقين.


ثم يقول (نقولا) أنه بعد ذلك بدأ الانحلال الأخلاقي يستشري فخرجت النساء مع الفرنسيين "سوا سوا" وأصبحت القاهرة كباريس «في شرب الخمر والمسكرات والاشياء التي لا ترضى رب السماوات.» وأنعم (كليبر) على المُتضررين من "الثورة" فأعاد للشيخ (البكري) اعتباره و (يعقوب القبطي) رقاه لجنرال وأمره بتكوين كتيبة من الأقباط و(برطلمين) "السافل "هو الأخر أصبح جنرالاً، وهذه هي أحد "فوائد الثورات" في مصر فلا يستفيد منها إلا من قامت عليهم. أما (مراد بيك) فقد وقّع الصُلح معه وشكر له صنيعه في بقاءه على "الحياد" أثناء حصار القاهرة، حيث بعث (برطلمين) له للتفاوض علي الصُلح وأن يكون له حُكم الصعيد على أن يدفع الخراج المطلوب وله أن يُرسل لإبراهيم بيك وبقية المماليك الذين يرغبون بالعودة لمصر لكي ينضموا إليه «فلما فهم مراد بيك هذا الخطاب انشرح صدره واجاب: إلى الصلح والاصطلاح، وابطال الحرب والكفاح، صيانة للأجساد والارواح، ليلا (لعل) يفتح العزيز الفتاح باباً غير هذا الباب للفرح والنجاح.» وحضّر (مراد) وليمة عظيمة لـ(كـليبر) حيث تبادلوا "الهدايا التذكارية" وقُدمت "العروض العسكرية" وتم توقيع "اتفاقية التعاون المُشترك" على "الظالم وابن الحرام". ثم أمر كليبر بالبدء في انشاء قلاع جديدة استعداداً لأي "ثورة" مستقبلية حيث يقول لنا (نقولا) "الطيب" أنّ الفرنسيين «كانوا يخشون قيام أهالي المدينة أكثر من القادمين عليهم من البرية. وهذه مرّة ثانية التي قامت بها أهالي مصر على الفرنساوية. وهذه المرّتين أهلكوا من العسكر الفرنساوية ما يفوق عن الثلاثة الاف، ما عدا الذين اهلكوهم خفية في المنازل.»


لكن (كليبر) كان على موعد مع الموت، فـ(سُليمان الحلبي )أعد العُدة وخطط ودبر ولم يبقي إلا تحديد اللحظة المناسبة. ويقول (نقولا) أن أحد أغاوات الإنكشارية ويُدعي (أحمد أغا) كان يبحث في القدس عن شخص ليُنفذ مُهمة قتل (كليبر) فتقدم إليه (سُليمان) ذي 24 ربيعاً «وأوعده بقتل ذلك السلطان حبا بالدين والايمان. فاخذ يجسره ذلك الاغا المذكور، ويحثه على قضاء هذا الامر المأثور. ويوعده بما يناله من الانعامات الوفية من الدولة العلية، وما يحصل له من السرور ومن الاسم المشهور مذ الاعوام والدهور.» وينتقل الحلبي من القدس إلي غزة حيث يُعطيه أغا آخر المال ومن هناك يُسافر حتى يدخل القاهرة «وفى قلبه الغدر والخيانة. ودخلها في شهر ذى الحجة، ونفسه غير مرتجية وقطن في جامع الأزهر. وهناك اجتمع بأربعة انفار من المجاورين وأخبرهم بما في باطنه من الكمين. وطفق يتبع أمير الجيوش من مكان إلى مكان، ويترقب له فرصة من الزمان، ليبلغ بها المرام.» وفي اليوم "الموعود" في 14 يونيو 1800م حين يري سُليمان كليبر يتنزه في حديقة الأزبكية وهو كبير المهندسين (جان بروتاين) فيتقدم إلى (كليبر) وفي يديه ورقة فلما أخذها كليبر ليقرأ ما فيها أخرج سليمان خنجره وبدأ يكيل له الطعنات فصرخ طالباً النجدة فحاول (بروتاين) أن يدفع عن (كليبر) الطعنات «فهجم سليمان على المهندس وضربه بتلك السكين، فجرحه جرحاً بليغاً، ووقع على الارض بين ميت و حىّ، وفر القاتل هاربا. وعند ما سمع داماس الوزير صوت أمير الجيوش بادر مسرعاً، فنظر أمير الجيوش مُلقي عل الارض طريحاً، فحار وصرخ: من فعل بك يا مليح هذا القبيح؟، فرفع يده وأومي إلي القاتل الهارب.» حين ينتشر الخبر سيُصاب الناس بالذعر خوفاً من أن يكون من فعل هذا "مصرياً" فيصب الفرنسيون انتقامهم عليهم. لكن –كما رأينا سابقاً- يُقبض علي الحلبي وهو مختبئ في مكان قريب من الواقعة حيث أخذوه «وعذبوه العذاب الشنيع، فقرّ واعترف بما صنع وأتلف. ومن هو الذي أرسله لهذا الطرف وكيف مشا وتصرّف. وقرّ عن أوليك الاربعة أنفار المجاورين سيقبص على ثلاثة منهم وسيهرب الرابع. ويصدر الحُكم «بأن سليمان القاتل تحرق يده أولاً بالنار، ثم يرفعوه على خازوق عال أمام النظر ثم يقطعوا رأس الثلاثة أنفار، ويرفعوهم على مزاريق (رماح) حول الخازوق.» وقبل "الجنازة" يعقد الجنرالات جلسة يتم فيها اختيار (مينو) قائداً للجيش، بحكم أنه الأكبر سناً حيث كان عمره 50 عاماً، وتجري مراسم الجنازة العسكرية يتقدم التابوت الجنرالات والعلماء والأعيان وكبار المسئولين في الدولة «والفرنساويون في بكا شديد، بحزن مفرط ما عليه من مزيد. وسحبوا القاتل ورفقاءه حُفاة عُراة مكتوفين قدام التابوت. وحينما وصلوا أمام القصر، اصعدوا القاتل ورفقاءه الى أعلا الكوم، وحذفوا رؤس اوليك الثلاثة أنفار، ووضعوهم على ثلاثة مزاريق. وأحرقوا يد سليمان القاتل وهو بالحياة، ثم رفعوه على خازوق عالي، وركزوا الثلاثة مزاريق حوله. ثم أوقدوا ناراً شديدة وأحرقوا بها أجساد اوليك الثلاثة أنفار. ثم ادخلوا التابوت الى وسط القصر، وعملوا له مصطبة عالية ووضعوه فوقها وغرســــوا حولها اغصاناً خضّراً.» خسارة أنه لم يكن وقتها هناك كاميرات تُصور لنا هذا المشهد ففي "إصدار واحد" هناك حرق وقطع رؤوس وخوزقة. لابد أن "وكالات الأخبار العالمية" –حينها- قالت "عدالة السماء تهبط على حديقة الأزبكية"، لا لو كانت إنجلترا لقالوا هذا، أما فرنسا لأنها كانت خطر على "السلم العالمي" فلابد أن نفس الوكالات قالت: " الوحوش البرابرة المتعطشين للدماء أعداء الإنسانية هذه هي أفعالهم يقتلون الأبرياء بطرق همجية ولذلك يجب أن نتحد لنقضي عليهم."


ويقدم لنا (نقولا) نبذة عن (مينو) فيقول أنّه «كان من المتقدمين في بلاط ملك باريز السلطان لويس، وحين قتلته المشيخة تبع هذا رأيهم. وحين حضروا للديار المصرية وحصلوا على ذلك التأييد، أقامه بونابارته حاكماً على رشيد. فمكث هناك مدة وتزوج بامرأة مسلمة شريفة، وادّعى بالإسلامية، وسمّا ذاته عبد الله. وكان متقدما بالعمر ذا احتيال ومكر ومن بعد تقدمه على العساكر الفرنساوية، وارتضوه الجميع وشرع يغير في الاحكام والوظايف، وضم إليه حزباّ من الفرنساوية، وأضعف أحزاب سالفه القويّة. وأتّكل على تدبيره وقوّة بطشه. فتغيرت قلوبهم من ذلك الوقت، ووقع الاختلاف بين الفرنساوية.» وكانت أولي "إنجازات عبد الله" أنه أمر بإغلاق الجامع الأزهر باعتباره "وكراً لقوي الشر" وأنه ليس «محلاً للدرس والتعليم للفرايض والسُنن، بل هو محلّ لعقد المشورة وايقاظ الفتن.» وهدم جامع الحاكم بأمر الله وهدم البيوت لتوسيع طرق القاهرة وأكمل بناء القلاع والتحصينات لكيلا يُفكر أحد في "الخروج علي ولي الأمر" وفرض «على النصارى خراج ثقيلاً لم يمر بالازمنة خراجاً أثقل منه. وافرض أيضاً على الاسلام واليهود كذلك. وكان كرباً عظيماً وظلماً عميماً، وذلك على الرعايا من جميع الملل ولولا الرخاء العظيم، لكانت خربت من الظلم تلك الاقاليم.» في تلك الأثناء كان نابليون –بعد انقلابه- يعمل علي الصُلح مع الدول المُحاربه له حتى أنه –لإثبات حُسن النية- كاتب بابا روما ورده لكرسيه «وفتح الكنايس جميعها في ساير بلاد فرنسا. وأشهر ايمانه بالمسيح، واعترف جهاراً أمام كل الشعوب بهذا الدين الصحيح.» وأطلق سراح مئات الأسري الروس بعد أن رفضت إنجلترا مبادلتهم بأسري فرنسيين وأرسل يُعلم قيصر روسيا (بافل الأول) بموقف إنجلترا من الأسري الروس فخرج القيصر من التحالف ضد فرنسا وعقد صُلحاً معها، لكن إنجلترا كانت تعلم خطر (نابليون) عليها فلم ترضي بغير "اسقاطه" وهزيمته فجهزت جيشاً قدر عدده الجنرال (بليار) (10) بـ 23 ألف جندي تحت قيادة (السير رالف أبركرومبي)، فيُرسل (نابليون) للجيش الفرنسي بمصر يُعلمه بهذا الهجوم. ومع هذا ينجح الأدميرال (كيث إلفينستون) في إنزال هذا الجيش عبر خليج أبي قير والذين سيرافقهم البحرية العثمانية بقيادة (حسين قبطان باشا)، وتستطيع تلك القوات حصار الإسكندرية، في نفس التوقيت الذي كان يزحف فيه الصدر الأعظم باتجاه القاهرة بعد أن استجمع قواته ومماليكه وبعد أن أخذ إبراهيم بيك التعهدات من إنجلترا بعدم الغدر من جانب العثمانيين بعد أن يطردوا الفرنسيين. وبدأ الفرنسيون في الانسحاب «ويتجمعون في مدينة مصر. ثم قد أخلوا قطية وبلبيس والصالحية، وجميع الوجه الشرقي، وأرض الصعيد ودمياط والمنصورة. وقد انحصروا في القاهرة والرحمانية، وفي رشيد أمام العساكر العثمانية والانكليزية. وكانت عدة المحاربين من الفرنساوية ثلاثة عشر ألف مقاتل فقط. ما عدا ارباب الصنايع والنساء والاولاد فكانوا مقدار سبعة الاف. والبقية ماتوا بالحروب والجلاد»


يُقتل الكثيرون في تلك المعارك من الفريقين منهم قائد الحملة الإنجليزية السير (رالف) والجنرال (لانوس) من الجانب الفرنسي الذي بعد موته تفسخت –كما يقول (نقولا)- القوات الفرنسية في الإسكندرية بعد أن كانت حققت تقدم على الإنجليز «وارتدت العساكر الفرنساوية، وتظاهرات عليهم العساكر الانكليزية، لما علموا من الانفساخ الذي ظهر فيما بينهم. فانتصروا عليهم نصرة عظيمة، من بعد ما كانوا ايسوا من السلامة والغنيمة.» وفي القاهرة حين يُدرك القائمقام الجنرال بليار ان لم يعد هناك فائدة من المقاومة بعد أصبح الأعداء من فوقهم ومن تحتهم قرر التفاوض علي الخروج هو وجنوده حيث تهيأ للخروج معه «الجنرال برتولمي (برطلمين) كومندان بني الروم مع عساكر الاروام، و الكومندان يوسف الحموي و اتباعه المعينون من شفا عمر وارض عكا، و عبد العال اغاة الانكشارية. وجميعهم يخشون الاقامة في الديار المصرية بعد خروج الفرنساوية. وتهيأ معهم عدة انفار من عام الناس، ونساء كثيرات من الاسلام كُنَّ متزوجات للفرنساوية، واستعدوا للسفر معهم.» كما أخذ معه جُثة الجنرال كليبر وقاتله وشركائه. وخرج أيضا (يعقوب القبطي) فيمن خرجوا مع الجنرال (بليار) حيث سيموت يعقوب وهو في طريقه لفرنسا "بلده الثاني". أما (مينو) المُحاصر في الإسكندرية فأبي التسليم وقرر القتال إلا انه بعد اشتداد الحصار وقطع الإمدادات وفقدان الأمل قرر التسليم والرحيل فهو لو كان بقي كان من الممكن ألا ننهي رواية الجاسوس المعلم (نقولا) في تلك التدوينة لكن الحمد لله انتهينا وسنبدأ –إن شاء الله- المرة القادمة مُقدمتنا لرواية الغزاة.

******************************************************************************************************
(3) في هذا النوع من "الحملات" ليس عليك إلا أن تُعطي لها القوة الدافعة في البداية وتحدد وجهتها وتترك بعد ذلك الأمور تسير بشكل "طبيعي" وكًلاً "يُبدع" في مجاله. وعلى هذا فليس كُل من يُشارك في هذه الحملة هو "عميل أو قابض" بل الكثير منهم فقط يسيرون مع التيار (اقتناعاً-نفاقاً- غباءً-عبطاً-هبلاً- ...) هم في النهاية ببغاوات تُردد ما يتوقع الناس سماعه.
(5) من "حنان" كليبر أنه لم يشترط أن يكون الـ 400 بغل يمشون على أربع أرجل أم اثنتين.
(6) Napoléon. Campagnes d'Italie, d'Egypte et de Syrie, 1872.
(7) Napoléon: Recueil Par Ordre Chronologique De Ses Lettres, Proclamations, Bulletins, Discours Sur Les Matières Civiles Et Politiques, Etc., Formant Une Histoire De Son Règne, Ecrite Par Lui-Même, Et Accompagnée De Notes Historiques Par M. Kermoysan, Tome 1, 1857.
(8) جاءت هذه الرسالة في كتاب: Histoire scientifique et militaire de l'expédition française en Egypte, Louis Reybaud et al., TOME VI, 1830-1836. "التاريخ العلمي والحربي للحملة الفرنسية على مصر" للويس ريبو وآخرين لكن بدل كلمة "المُفتي" وردت "الشيخ المهدي" وذُكر في هامش الصفحة لبيان إخلاص "المهدي" التالي: «لكن فيما بعد تم تقدير الشيخ المهدي بشكل أفضل. وتصرفاته في المواقف الصعبة أزالت أي نوع من الشك لصدق ارتباطه بمصالح الفرنسيين. ج. ج. مارسيل» و (ج. ج. مارسيل) هو (جان جوزيف مارسيل (1854-1776)) مهندس وأحد أعضاء الحملة العلمية والمسئول عن الطباعة ومن ضمن من شاركوا في كتابة هذا الكتاب، وأيضاً (مارسيل) "مُستشرق" يجيد العربية وله ترجمة لمخطوطة بخط الشيخ (المهدي) نفسه أعطاها إياه وقام (مارسيل) بترجمتها للفرنسية وسماها " Contes Du Cheykh Êl-Mohdy ---حكاوي الشيخ المهدي" وهي حكايات شبيهة بألف ليلة وليلة، وإن كان (المهدي) أخبر (مارسيل) –وكان صديق مُقرب له- أنه ليس هو مؤلفه ولكن (مارسيل) يؤكد في مقدمة كتابه أن الشيخ هو المؤلف. وأورد في مقدمة الكتاب سيرة حياة الشيخ (المهدي) حيث يقول إنه ولد لأسرة قبطية تحت اسم (هبة الله) وكان أبوه يُسمي (إبيفانيوس فضل الله) ونشأ (هبة الله) لكي يكون كاتباً كوالده الذي كان يشتغل عند (سليمان الكاشف)، وفي سن الثالثة عشرة أراد (سليمان الكاشف) أن يُدخل (هبة الله) في مماليكه لكنه لم يجد نفسه في التدريبات العسكرية بل كان يميل إلى التعلم والمعرفة فأدخله (سليمان) للتعلم في الجامع الأزهر. ويقول (مارسيل) أنه لذلك "أُجبر" على الدخول في الإسلام ليروي ظمأه للمعرفة وسُمي بـ (محمد المهدي). في ذلك الوقت عام 1754م حدث انقلاب علي السُلطان (عثمان) وحل محله أخوه (محمود) وهو الأخر في عام 1757م تم الانقلاب عليه وتولي ابن عمه مصطفي الثالث. عدم الاستقرار هذا انعكس على مصر فكان النزاع مُحتدماً على الزعامة بين المماليك بين كل من (إبراهيم كاخيا) (وإبراهيم الشركسي) فيستطيع (الشركسي) اغتيال (الكاخيا) الذي كان علي بيك الكبير من مماليكه، فيعمل هذا الأخير على الانتقام لسيده ويستطيع أن يجمع حوله بقية البكوات ويخطط بهدوء لمدة خمس سنوت حتى حصل على منصب شيخ البلد إلى أن يغتال (الشركسي) وينتقم لسيده ويُصبح "الزعيم". حينها يتوسط (سليمان الكاشف) عند (علي بيك) لكي يستفيد من "نبوغ" الشيخ (المهدي) فيُقربه ويعينه في ديوان القاهرة العام. وسيُثبت (المهدي) وفائه لـ(علي بيك) الذي سيهرب أكثر من مرة خارج مصر في صراعه مع بقية المماليك حيث سيكون (المهدي) هو رجله في الداخل وسيكافئه على خدماته بأن يجعله هو "الأمين العام" في ديوان القاهرة، هذا المنصب الذي سيظل مُحتفظاً به لمدة 33 سنة حتى مجيء الفرنسيون.
(9) Correspondance Inédite Officielle Et Confidentielle De Napoléon Bonaparte, Tome 7, 1820. .
(10) Mémoires Du Comte Belliard, Lieutenant-Général,Pair De France, Écrits Par Lui-Même, 1842.