السبت، 13 أكتوبر 2018

الجيش المصري و شعبه 26




-البداية
(23)
" اِسْمَعْ هذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْجَاهِل وَالْعَدِيمُ الْفَهْمِ، الْمُبْغِضُ الْخَيْرَ وَالْمُحِبُّ الشَّرَّ ، الّذِي حُكامُه وقُضاتُه يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ، وَشُيوخُه وقَسَاوِستُه يُعَلِّمُونَ بِالأُجْرَةِ، وَمُخلّصُوه ُونُخْبَتهُ مُعرِصون بالفطرة. المُشَاهِدُ لسَابِع جَارِ والمُتابِع لمسَرحِ مِصرَ، انْصُتُوا وَاسْمَعُوا قَوْلِي: "إِنْسَانٌ أْقَامَ فَنَاكِيشاً عَدِيدةً وَدَعَا كَثِيرِينَ؛ وَأَرْسَلَ عَبِيدُه ليَقُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: "تَعَالَوْا امْدَحُوا عَبْقَرِيتي وَعَرِّصُوا لِنَباهَةِ أَهْلي وَحِكْمَتي" . فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيِ وَاحِدِ كَأْنْهُ نَصٌ قَدْ وزِّعَ عَليهمْ، فَقَالَ لهُمْ وَاحِد: " لمْ نَري وَاحداً مِثلهُ مِنْ قَبلِ في عَبْقَرِيتهِ وَحِكْمَتهِ"، وَقَالَ ثَانْ: "إنّ مَا أقَامَهُ مِنْ فَناكِيشِ سَتقِفْ أَمَامِهَا اﻷَجْيَالَ القَادِمَة حَائِرة مُتعجِبة لِسَنَوات وَسَنَوات"، وَقَالَ آَخَر : "عَلينَا جَميعَاً أنْ نَدْعُو النَاسَ لِعبَادتهِ هُوَ دُونَ غَيِرهِ مِنْ آلهةِ لَا تنَفعْ ولَا تَضُرْ". فلمَا رَجَعَ العَبيدُ لِسَيدهِمْ أَخْبَروه بِمَا قَالوه: "يَا سَيِّد، قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ، وَقَالَ المَدعُونَ كُلَ مَا أْرَدْتَ"، فَقَالَ السَّيِّدُ لِعَبيدِهِ: "اﻵنَ اُخْرُجُوا إِلَى الطُّرُقِ وَالشَوارعِ وَالحَاراتِ واﻷَزِقْةِ، بَشِرُوا باِسْمِي وَأْخْبِروا النَاسَ أنّ كُلَ مَنْ آمنَ بي سَأْصْنَع لهُ فَنْكُوشاً."”
الإصحاح السادس والعشرون من سفر الشئون المعنوية




"كُل شئ قسمة ونصيب" هكذا يُجاوبك المصري حين تسأله عن سبب فقره وذِلته؛ فهو يرى الحياة كأحد المسلسلات الدرامية التي لا يملّ مُتابعتها وقد قام المؤلف، والذي يقوم أيضا بوظيفة المُنتج والمصور والمخرج، بتوزيع اﻷدوار علي الممثّلين وحدّد لكل واحد منهم ما سيقوله ويفعله. فهذا المُمثّل سيقوم بدور البطولة المُطلقة الذي سيدور حول صراعه مع "قوى الشر" أحداث المسلسل كلها، وهذه المُمثّلة ستقوم بدور الراقصة اللعوب والتي تحاول إغواء البطل للوقوع في الرذيلة، وهذا المُمثّل اﻵخر سيكون باشا ثري وهذا "شحّات" مُعدَمْ، وهذه ستكون مُناضلة حُرّة وتلك عاهرة رخيصة. ولكي تكتمل الحبكة الدرامية لابد من وجود مجموعة كبيرة من الكومبارس الذين سيشكلون الخلفية التي سيتفاعل معها أبطال المسلسل؛ فكومبارس يضربه البطل ليُثبت فُتوّته وجَرأته للمُشاهدين، مستسلمين لمصيرهم حتى لو كُسرت أعناقهم، وكومبارس سكاري حول الراقصة يتغزلون بنهديها البارزين وخصرها العاري اللولبي، يصيحون بعبارات سوقية ركيكة عن عبثية الحياة؛ وخدم وموظفين يُلبّون أوامر الباشا ورغباته دون تفكير، لا يعرفون للاعتراض معني أو هدف فهم "عبيد المأمور"، وشباب طاهر يتناقشون مع المُناضلة عن ضرورة الالتزام بالسلمية المُبدعة، رغم أنهم طوال المسلسل لم يستفيدوا من السلمية أي شئ إلا أن يُداس عليهم بالبيادة أو يُضربوا بالجزمة. وبنات مُنحلات يتعلمن أصول الصنّعة من العاهرة التي تُحدثهم عن "الوعد والمكتوب" وأهمية إتقان المهنة، وفقراء مُعدمين جيران "الشحّات" لا يتوقفون طوال المسلسل عن القول أن كُل شئ "قسمة ونصيب"، وآخرين غيرهم كثيرون يجيئون ويروحون دون أن نسمع أصواتهم أو نعرف ما هي أدورهم وهل يؤمنون بالقسمة والنصيب أم لا، فقط مجرد ديكور لكي لا يبدو المشهد فاضياً خالياً. إنّ المصري يري أن دوره في الحياة مجرد "مُمثّل" كل أقواله وأفعاله قد كُتبت سلفاً وما عليه هو إلا أن يقرأها بصوت عال وأن يجتهد في أن توافق إيماءاته وأفعاله النص المكتوب. وهو في هذا يُذكرك بشخصية أنطونيو في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير فحين يُسأل عن سبب حُزنه وتغيرّه يُجاوب أنطونيو قائلاً أنه يري العالم: «كمسرح فيه كل إنسان عليه أن يؤدي دوره.» وأنّ دوره في هذا (العالم-المسرح) هو دور انسان حزين. إنّ "القسمة والنصيب" التي يحتج بهما المصري هي أحد الحيل القديمة التي لجأ إليها اﻹنسان لتبرير فقره وذِلته وعجزه والتي بها يُلقي من علي عاتِقه المسئولية، ويُسكّن عقله ويُخدّره كي لا يعترض ويرضي بـ"المقدّر والمكتوب".



إن الرضا بـ"المقدّر والمكتوب" والتسليم بـ"القسمة والنصيب" هما من اﻷسباب التي أكسبت المصري السلبية والبلادة واللامبالاة التي أُشتهر بها، وأعطته تلك القدرة اللامحدودة على تحمل الذِلة والمهانة في صمت عجيب؛ وحوّلته لعبد مُطيع في يد من يحكمه؛ وجعلته أكثر قوة على تحمل ظروف المعيشة القاسية الصعبة فأصبح يرى في الفقر المُدقع والجوع المُضني والمرض المُؤلم نِعمة وصِحة وراحة!!! إن عبقرية المصري -إن كان لتلك العبقرية أي وجود أو معني- هي في قدرته علي خداع نفسه عبر القرون بعدم مسؤوليته عن بؤسه وشقائه وببراءة جلاديه من أي تهمة أو جريمة، فالمصري وجلاده ليسا إلا "مُمثّلين" يقوما بأداء أدوارهم التي أُعطوها بغير إرادة أو اختيار منهم، والاثنان لا يستحقا من "المُتفرجين" إلا الرثاءِ والتعاطف؛ فإن كان المصري -داخل مسلسل الحياة- يُعاني ويُقاسي المصاعب والمشاق؛ فجلّاده لا تقل مُكابدته ومُعاناته عنه، فهو عليه أن يستخدم سوطه ونعله يومياً لجلد ظهر وصفع قفا المصري -طبقاً للسيناريو المكتوب- دون أن يملك أن يتوقف عن ذلك للحظات حتي لو رقَّ قلبه لصرخات واستجداء ضحيته وإلا أعطي "المؤلف" الدور لجلّاد آخر الذي بدوره من أجل أن يُثبت أحقيته بالدور المُسند إليه سيكون أكثر قسوة ووحشية في أدائه التمثيلي.



في محاولة لفهم تلك النظرة الجبرية للحياة لا يكفي فقط رؤية المصري كـ"كومبارس" صامت يقوم بدوره من أجل بضع جنيهات معدودات لا تكاد تكفيه هو وعياله فيما يحصل أبطال المسلسل على الملايين؛ بل لابد أيضا من رؤيته كـ"مُتفرج" يُشاهد نفس المسلسل الذي هو جزء منه. وﻹيضاح ذلك فلنتخيل أنّ هناك عرضاً مسرحياً تجريبياً فيه الجمهور هو نفسه الذي سيقوم بالتمثيل حيث سيوزّع عليه أوراق بطريقة عشوائية وكل واحد و "نصيبه"، هذه اﻷوراق مكتوب فيها أدوارهم داخل المسرح إمّا أنه سيصعد علي الخشبة ليُسلط عليه الضوء مع نص مُختصر لطبيعة هذا الدور أو سيكون في الصالة المُظلمة كمتفرج مع نص آخر لمتي يُصفّق أو يُصفّر ويهمهم، ومتى يضحك ويقهقه أو يبكي وينهنه حسبما يرى المؤلف ، ولكن كُلا من المُمثّلين المتفرجين والمتفرجين المُمثّلين لا يعلمون بالضبط ما الذي تدور حوله أحداث المسرحية ولا تتكشّف لهم تفاصيلها إلا صفحة صفحة. ولو طبقنا النظرة الجبرية علي هذا التصور فإنه لا أحد من المشاركين يتكلم أو يتحرك باختياره بل كلهم مجرد عرائس مُتحركة تُنفد ما هو مكتوب ، وحتى لو افترضنا أنّ لهم إرادة أو اختيار فلن نستطيع أن نتأكد من صحة هذا الافتراض؛ ﻷننا لا نعلم إذا كان ما يقومون به نابع من تلك اﻹرادة أو اﻹختيار أو هو تابع ﻹرادة واختيار المؤلف، فبما أنه لا أحد قرأ أو يعرف "النص اﻷصلي" فكل اﻷقوال واﻷفعال واﻷحداث التي تتم داخل هذا العمل المسرحي سيتم عزوها له وأي "خروج عن هذا النص" -إن حدث- لن نكتشفه وسنحسبه جُزء من الحبكة الدرامية. فلو مات البطل في بداية المسرحية وحلّ محلّه كومبارس صامت كان دوره هو أنْ يجلس في كشك صغير لبيع السجائر واللبان، أو قُتلت أحد الشخصيات فصعد مُتفرج من الصالة لكي يقوم بدور الابن الذي يسعى للانتقام، أو حاول أحد المُمثّلين الخروج عن النص وأنكر وجود المؤلف وكفر بنصّه وبدأ يُحرّض اﻵخرين علي أن يختار كل واحد مصيره، فلن نري خلف كل هذا إلا براعة ومهارة المؤلف في أن جعل شخصياته مُستقلة مُتمردة تنبض بالحياة.



إنّ "المقدّر والمكتوب" اللذان يعتقد المصري أنه باستخدامهما قد أخفي جُبنه وذِلته عن العيون لم يفعلا شيئاً إلا أن أضافا لجُبنه خسّة ونذالة ولذِلته انحطاطاً فوق هوانه؛ ﻷنه لا يستدعيهما إلا في محاولة الهروب من المسئولية فقط، ولا يتم استدعائهما أبداً في تحملّها. فلا أحد يعلم ما هو "قدره" و لا ما هو "المكتوب" عن مصيره. فلما إذاً لا "يختار" المصري لنفسه قدراً كريماً؟! ولماذا لا "يكتب" في صفحة مصيره ما يُنجيه من فرعون وجيشه؟! لماذا لا يقول: "لقد كُتب علينا أن نعيش بِعزّة وكرامة فلا خير في حياة بدونهما وليس أمامنا إلا العيش بِعزّة أو الموت بكرامة" ويقول بدلاً من ذلك : "لقد كُتب علينا أن نعيش في ذُل وهوان وليس أمامنا ما نفعله إلّا أن نتغزل في الذُل و نعشق الهوان"!! أيوجد خسّة ونذالة أكثر من هذا؟! أنْ يتفنن إنسان في تقديس جلّاديه، في أن يحمي ويُدافع عمَنْ يسرقوه وينهبوه؟! أيمكن أن نتخيل ذِلة وهوان أحط من أن يفتخر إنسان بأنه يتم اغتصابه؛ بأنْ يتباهى بآثار السياط والنعال علي ظهره وقفاه؟! -هكذا يكون المصري حين يُقدّم لجلّاديه وسارقيه ومُغتصبيه اعتذاراً عمّا يفعلوه به باستدعائه "المقدّر والمكتوب". وهكذا يُصبح حين يدعو الله ليل نهار في أن يوفقّهم في أداء أدوارهم المكتوبة وأن يحمي عروشهم وكراسيهم وجيوشهم ومُعرِّصيهم من نفس "المقدّر".



إنّ احتجاج المصري وكهنة حُكامه بـ"القدر" للقبول باﻷمر الواقع أياً كان -كما رأينا في ثنايا "رواية الشيخ"- ليس إلا أحد الخُدع الغبية، ﻷنه على عكس مثال العرض المسرحي التجريبي السابق الذي فيه المشاركين يتكشف لهم مصيرهم دخل العمل المسرحي صفحة صفحة ويكون لديهم فكرة مُسبقة عن مستقبلهم القريب -من خلال قراءة تلك الصفحة- لكن بدون أن يستطيعوا أن يفعلوا أي شئ بخصوص "النص المكتوب" سوي أن يقرؤه ويُحاكوه؛ إلا أننا في "مسرح الحياة" لا أحد منّا يعرف مصيره علي وجه التحديد ولم نقرأ في يوماً من اﻷيام صفحة من صفحات "قدرنا" ولم يُخبرنا أحداً متي يحين "قضاؤنا"، كل ما نعرفه هو "ما يجب" علينا فعله في مواجهة ابتلاءات الحياة. فلو جاء من يُريد أن يسرق مالك أو يغتصب امرأتك أو يستعبد أبنائك فلا يمكن أن نجدك، حتي لو كُنت من أشد المؤمنين بـ"الجبر" ومهما بلغت بك الخِسة والنذالة، ستقف هادئاً مُبتسماً قائلاً: “ لا حيلة بيدي هي أقدار قد قُدّرت عليّ"؛ بل ستحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تُدافع عن مالك وعِرضك وأبنائك فإمّا تقهر المُعتدي أو تُقهر أنت أو تُعذّب لكي تسكُت وترضي؛ فإن سكتَ تحت ضغطِ القهرِ أو ألم التعذيب فإنك أبداً أبداً لا ترضي، وستتحين الفُرصة التي تنقض فيها علي قاهرك ومُعذِبك وتُجبره على أن يتجرع من نفس الكأس.

إنّ اﻹيمان بـ"القضاء والقدر" سلاح ذي حدين فإمّا أن تستطيع به أن تواجه الحياة بقلب ثابت مُطمئن، عالماً أنه لا شئ يتم إلا بقدر الله وقضائه، وما عليك أنت إلا أن تأخذ باﻷسباب -وهي قدر الله- لما يواجهك من مصاعب وشدائد مُتحملاً صابراً علي القضاء -وهو نتائج تلك اﻷسباب- أو يجعلك هذا اﻹيمان تري في القدر حُجّة للقعود والتخاذل ومهرباً من مواجهة مخاوفك ومُصارعة جُبنك. أو تتخذ القضاء مُخدراً تُعالج به آلام الفقر وأوجاع الذِلة والمهانة وبلسماً شافياً من جروح سخرية واحتقار مَنْ أفقروك ووضعوا كرامتك تحت اﻷحذية. ولا عجب أن اتخذ شيوخ وكهنة "وليّ اﻷمر" -عبر القرون- هذا اﻹيمان لمصلحة السُّلطة الحاكمة لتُخضع به كل مُحاولة للخروج عليه أو تهديد عرشه ومُلِكه؛ وجعلت عن طريقه الفقر والذِلة والمهانة لمجرد "قدر" للمحكومين المقهورين الغلابة؛ وحوّلت الفساد والإجرام والقتل لـ"قضاء" نهائي ببراءة الحُكّام وولاة اﻷمر الفسدة المُجرمين القتلة .



لقد كان مما اختلف فيه المسلمون اختلافهم في مسألة القدر وذهبوا مذاهب شتى؛ فمن فرقة حاولت أن تُثبت "حُرّية اﻹنسان" فنفت القدر بالكلّية ووضعت الله الخالق كمتفرج لا يملك من اﻷمر شيئاً، ينتظر ماذا ستكون نهاية تلك الملهاة اﻹنسانية. وفرقة ثانية جعلت كل شيء مُجبراً خاضعاً للقدر ولم تري في اﻹنسان المخلوق إلا "عروسة ماريونيت" خيوطها ممتدة من اﻷرض إلي السماء. وثالثة شنّعت على الطائفتين السابقتين فأثبتت القدر وأنكرت القول بالجبر إلا أنها أبقت علي خيوط الماريونيت، وإنْ حاولت مُخلصِة أن تقطع بعضها لكي تُعطي للعروسة "حُرّية اﻹختيار"، ورابعة لكي تهرب من هذا لم تري في المخلوق إلا الخالق واعتبرت كل أفعال الماريونيت تجليات لـ"الحضرة اﻹلهية" وفسّرت كل شئ بمبدأ "لا أنا إلا أنا". ولم يكن المسلمون هم أوّل من اختلف في مسألة القدر وعلاقتها بحُرّية اﻹنسان وهل هو مُسيّر أم مُخيّر،، فتلك "الُحرّية" كانت -وما زالت- محل جدل طويل ما بين مؤكد ونافي لها، وكُلا يُقدم مُنطلقاته وأسبابه وأدلته التي قد تأخذ العلم قاعدة يرتكز عليها لتأييد موقفه إثباتاً أو نفياً، أو يُستخدم الدين لفك قيود اﻹنسان أو لتكبيله، أو مزيجاً من اﻹثنين في محاولة ﻹخراجه من ظلام الجبر إلي نور الحُرّية أو لإطفاء هذا النور لصالح عبيد الظُلمة. فقد اختلف اليهود قبلهم في نفس المسألة فينقل لنا المؤرخ اليهودي (يوسف بن متتياهو) أن اليهود في الفترة التاريخية التي عاصرها -القرن اﻷول الميلادي- كانوا ينقسمون لثلاثة فرق رئيسية، أو طوائف أو فلسفات أو طبقات حسب تفسيرك ﻷوجه التشابه والاختلاف بينهم، وهم الصدوقيون(1) والفرِّيسيّون(2) واﻵسينيّون(3)، أحد الخلافات الرئيسية بين تلك الفرق هو موقفها من "القدر"، أي في خلافهم حول ما هي -أو هل هناك- "حدود" لتدّخل اﻹله في حياة اﻹنسان واختياراته. فأنكر الصدوقيون القدر، باﻹضافة ﻹنكارهم للبعث والجزاء الأخروي، وقالوا أنّ اﻹله مُنزّه عن فعل الشّر أو رؤيته وغير معني ومُهتم بأن يفعل اﻹنسان الشّر أو لا يفعله فـ«فعل الخير أو الشّر هو من اختيار اﻹنسان وكل واحد يفعل ما يُريد وما يحلو له.»(4) وأنّ أفعال اﻹنسان واختياراته هما سبب ما يُصيبه خيراً كان أو شراً. في حين آمن اﻵسينيون أن كل شئ خاضع للقدر؛ وقالوا أنّه «لا شئ مما يُصيب اﻹنسان إلا وهو مُقدّر له»(5) وليس ناتج عن أفعاله واختياراته. كما آمنوا أيضاً بخلود الروح، فبعد أن تتحرر من سجنها -الجسد- تُحلّق اﻷرواح الخيّرة فرحة وتنتقل لمكان آخر بعيداً فيما وراء البحر ليس فيه عناء ولا تعب؛ أمّا اﻷرواح المُذنبة فتهبط لهاوية عاصفة مليئة بأنواع العقاب الذي لا ينتهي. وأخيراً وقف الفرِّيسيّون بين الفرقتين السابقتين موقفاً "وسطاً" فآمنوا بأن كل شيء يخضع للقدر إلا أنّ «اختيار أن يفعل اﻹنسان الخير أو لا يفعله يبقي في يده، لكن للقدر دور في كل فعل يتخذه» كما آمنوا بخلود الروح وقالوا بـ"التناسخ" فأرواح الصالحين تنتقل من جسد ﻵخر أمّا أرواح اﻷشرار فتلقي عقاباً أبدياً.



لكن كيف تشكلت تلك الفرق؟ -كُنا قد رأينا المرة السابقة نشأة اﻷسرة الحشمونية وكيف أنها جاءت كردة فعل علي محاولة فرض الثقافة والمعتقدات اليونانية على اليهود؛ فقام (متتيا) الكاهن وأبنائه الخمسة بـ"انتفاضة" في منطقة اليهودية لاقت نجاحاً واستطاعت أن تُقارع أحد "القوي عظمي" وتُلحق بها الهزيمة. وقد تحالفت تلك اﻷسرة مع روما كما حاولت أن تعقد سلاماً مع المملكة السلوقية التي قد بدأت في التفكك والانهيار، فبعد أن استقر اﻷمر في يد (سمعان) -أحد أخوة يهوذا المكابي- المُلقّب بـ"هاتاسي"، أي صاحب المشورة أو الحكيم، يستطيع أن يضم مزيد من اﻷراضي والمدن لمملكته مستغلاً الصراع القائم علي عرش المملكة السلوقية بين (أنتيوخوس السابع) الملقب بالسيداوي، نسبة لمحل إقامته بمدينة سيدا بتركيا حالياً، وأخوه اﻷكبر (ديمتريوس الثاني) وبين الوصي علي العرش (ديودوتوس تريفون) الذي أعلن نفسه ملكاً عام 142 ق.م متخذا لقب "أوتوكراتور" (الحاكم بأمره) بعد مقتل الملك الصغير ( أنتيوخوس السادس) الذي كان أبوه (ألكسندر بالاس) قد استطاع اغتصاب العرش -بدعم من روما ومصر- وهزيمة (ديمتريوس اﻷول) والد أنتيوخوس وديمتريوس، وقد كان (بالاس) زوجاً لـ(كليوباترا ثيا -كليوباترا اﻹلهيّة) (ثيا أي إلهة وهي تأنيث ثيؤس أي إله في اللغة اليونانية) ابنة بطليموس السادس ملك مصر ؛ فضم (سمعان) مدينيي بيت ساحور -جنوب بيت لحم- ومدينة جزارا (تل الجزر) -جنوب شرق يافا- وعيّن عليها حاكماً ابنه اﻷصغر (يوحنّان -يوحنّا- اﻷول المُلقّب بـ"هيركانوس"(164ق.م-104 ق.م)) وجعلها قلعة مُحصّنة كخط أول للدفاع عن مملكته كما ضم أيضاً جوبا (يافا) وبذلك أصبح لمملكته ﻷول مرة منفذاً للبحر ومصدراً مُهماً للدخل، وقد أيّد سمعان (أنتيوخوس السابع) في حربه ضد غريمه مُغتصب العرش وفي المقابل حصل منه علي اعتراف باستقلاله و أعطاه الحق في أن يصك عملته الخاصة. كما بعث لروما في العام 140 ق.م بوفد من اليهود يحملون الهدايا ويقدمون فروض الولاء والطاعة لمجلس السنات (الشيوخ) للدخول تحت حمايتها، فرأت روما فيها الفرصة لكي تُقطّع أوصال ما تبقى من المملكة السلوقية وأصدرت مرسوماً تعلن فيه بأن ملوك سوريا ليس لهم الحق في مهاجمة منطقة اليهودية فهي صديق وحليف لروما.



إلا أنّه بعد مقتل (تريفون) واستتباب اﻷمر لـ(أنتيوخوس) أرسل لـ(سمعان) يأمره بأن ينسحب من المُدن التي سيطر عليها وأن يدفع جزية ضخمة لكنه لم يمتثل ﻷوامره فبعث له بحملة لتأديبه بقيادة (كندبيوس الهيركاني) فيخرج لها يهوذا ويوحنّا ابني (سمعان) فيهزموها شر هزيمة ويقتل يوحنّا كندبيوس ومن هنا جاء لقب يوحنّا بـ"هيركانوس"(6). فيلجأ (أنتيخوس) إلي المكر والخداع فيُغري (بطليموس) -المتزوج من ابنة سمعان– حاكمه علي جيريكو (أريحا) بقتل حماه وأولاده فيقتل سمعان ويحتجز زوجة (سمعان) وابنيه(7) وأرسل من يقتل ابنه الأصغر (يوحنّا هيركانوس) الذي علم بالمؤامرة فيهرب ﻷورشليم حيث يلتف حوله الناس، فيعتصم (بطليموس) بأحد القلاع فيتوجه (هيركانوس) -الذي نُصّب كـ"كاهن أعظم"- ليحاصرها كي ينقذ أمّه وأخويه. لكن (بطليموس) يبدأ في تعذيب أم وأخوي (هيركانوس) أمام ناظريه لكي يُثنيه عن مواصلة الحصار الذي سيظل بلا تقدم «هذا أطال أمد الحصار حتى أتت سنة السبت، وهي كما يوم السبت، ففي كل سبع سنين يتقيد اليهود بها كسنة راحة، فرفع (يوحنّا هيركانوس) الحصار عن (بطليموس) الذي استغل الفرصة فأعدم أم (يوحنّا) وأخويه وهرب لـ"زينو كوتولاس" حاكم فيلادلفيا(عمّان)» فيستغل (أنتيوخوس) هذا الصراع الداخلي على السُلطة بين اليهود ويُحاصر أورشليم، فلا يجد (هيركانوس) أمامه إلا فتح قبر (داود) النبي ويستخرج منه -كما ينقل يوسف- 3000 تالنت من الذهب، أي أكثر من 100 طن!!!! يُعطي منها جزء ﻷنتيوخوس كي يتركه وشأنه ويرفع عنه الحصار و بما تبقي من الذهب يُكوّن جيش من المرتزقة الذي يستخدمه في توسيع حدود مملكته مُستغلاً الصراع بين فارس وما تبقي من المملكة السلوقية؛ هذا الصراع الذي سينتهي بانهيار المملكة.



استطاعت فارس تحت حكم اﻷسرة اﻷخمينيدية (من 559 ق.م إلي 330 ق.م) أن تُنشئ أول أكبر إمبراطورية يعرفها التاريخ فقد امتدت من الهند إلي مصر ومن جنوب الروسيا إلى المحيط الهندي، وحظي اليهود في ظل (قورش الكبير) -مؤسس تلك اﻷسرة- بوضع جيد وسمح لهم بالعودة من "اﻷسر البابلي" ﻷورشليم وببناء معبدهم الذي هُدم، إلا أنّ كثيرا منهم فضل البقاء في العراق علي العودة، وانضم بعضهم للجيش الفارسي حتى أنه كانت هناك في العام 410 ق.م حامية فارسية مكوّنة من اليهود في مدينة إلفانتين في صعيد مصر. وكان الفُرس يتبعون سياسة عدم الدخول في صدام مع المعتقدات واﻷديان المخالفة في الإمبراطورية منعاً للاضطرابات والقلاقل؛ فجدّد (قورش) معبد مردوخ(مردوك)كبير آلهة بابل؛ ومن بعده أعاد داريوس(داريوش الكبير) بناء معبد آمون بمدينة هيبيس بالواحات الخارجة بمصر. ثم بعد حروب طاحنة مع اليونان استطاع (الإسكندر الكبير) أن يُسقط تلك الإمبراطورية الفارسية اﻷولي في العام 330 ق.م لكن فارس في خلال مائة عام استيقظت من جديد علي يد مقاطعة بارثيا أو فارثيا (شمال إيران) التي كانت تحت حكم المملكة السلوقية، فقام البارثيون بثورة بقيادة (أرساكيس الكبير (ارشك)) ضد الحكم اليوناني ونجح في أن يكوّن النواة اﻷولي للإمبراطورية الجديدة ويستطيع أبناءه من بعده أن يجعلوها قوة تُنافس وتُناطح أنطاكية وروما وظلت تلك الإمبراطورية قائمة لما يُقارب الخمسمائة عام من 247 ق.م إلي 224 م حيث يُهزم آخر ملوكها (أرطبون الرابع) علي يد (أردشير الكبير بن بابك) الذي كان جده (ساسان) حارساً لمعبد الإلهة آناهيتا (ناهيد) إلهة الحرب والخصوبة والماء، الطاهرة العذراء أم اﻹله (ميثرا) إله النور والحكمة، كي تحكم اﻷسرة الساسانية الإمبراطورية الفارسية الثالثة حتى عام 651م والذي فيه تسقط فارس السقوط اﻷخير تحت حكم الملك (يزدجرد الثالث) علي أيدي العرب المسلمين.(8)

(I)حدود الإمبراطوريات الفارسية الثلاث (9)


استغلّ (ميثريدات الكبير (مهرداد - عطيّة اﻹله ميثرا)) -مؤسس الإمبراطورية الفارسية الثانية- في العام 140 ق.م الحرب اﻷهلية والصراع علي عرش المملكة السلوقية وبدأ في توسيع حدود مملكته غرباً واستطاع أن يأسر (ديمتريوس الثاني)، لكنه أحسن مُعاملته باعتباره الوريث الشرعي لعرش المملكة وورقة رابحة يستطيع استخدامها لتهديد أي من كان يجلس علي العرش، وظلّ ديمتريوس في قبضة البارثيين لمدة 10 سنوات خلالها تزّوج إحدى أميرات القصر الملكي الفارسي، هذا الزواج من "بربرية" لم تغفره له أبداً زوجته (كليوباترا ثيا) سليلة الآلهة والملوك، والتي كانت متزوجة من قبل بـ (ألكسندر بالاس) مُغتصب عرش أبيه، فتزوجت أخيه (أنتيوخوس) الذي بدء في تجميع شتات المملكة المتهالكة فاستعاد أراضي المملكة السلوقية شرق الفرات وأجبر الفرس علي التراجع والانسحاب؛ وعند هذا لجأ (فراتيس (فرهاد) الثاني) الذي خَلَفَ (ميثريدات الكبير) إلي استخدام "الورقة الرابحة" ديمتريوس لوقف تقدم أخيه (أنتيوخوس) فأطلق سراحه وأرسله تُصاحبه قوة عسكرية لكي يستعيد عرشه؛ إلا أنّ (فراتيس) حالفه الحظ فقُتل (أنتيوخوس) في إحدى المعارك عام 129 ق.م وكان مقتله الضربة القاضية التي أنهت آخر أمل في أن يعود للمملكة تماسكها.



في نفس الفترة كان وضع المملكة البطلمية في مصر لا يختلف عن وضع غريمتها في الشام فكان هناك صراع اﻷشقاء الثلاثة على الحكم بين (بطليموس السادس) فيلومتر وزوجته وأخته (كليوباترا الثانية) وأخوهم (بطليموس الثامن-يورجيتس الثانى). مُستغلاً هذا الصراع قام (ديمتريوس الثاني) بعد أن استعاد عرشه، بقيادة حملة عسكرية على مصر في العام 127 ق.م، فوصل بجيشه حتى حدود البليسيوم (الفرما) حيث واجه جيش بطليموس الثامن، لكن حينها أتته اﻷخبار بحدوث ثورة وانقلاب عليه واستولي علي كرسي الحكم (ألكسندر زابيناس (أي العبد))- غالباً بدعم من مصر- فيعود مُسرعاً لقمع هذا التمرد وتنقسم المملكة ما بين الفريقين: فريق مؤيد لـ(ألكسندر) وآخر مؤيد لـ(ديمتريوس) ويظل الوضع هكذا حتي هزيمة (ديمتريوس) بالقرب من دمشق وتفرق جيشه عنه عام 125 ق.م فيفر هارباً ليتحصن بقلعة بتولمياس (عكا) حيث زوجته (كليوباترا ثيا) التي توصد أبوابها دونه، فيبحر منها إلي تير (صور) ولكن ما كادت تطأ أقدامه المدينة حتى يُقبض عليه ويُقتل.(10)في ظل تلك الأوضاع اﻹقليمية لم يجد (يوحنّا هيركانوس) صعوبة في ضم مزيد من اﻷراضي لحدود مملكته فيتوسع شمالاً حتي السامرة التي يُحاصرها ابناه أريستوبولس وأنتيجونس اﻷول حتى كاد يموت سُكّانها جوعاً وينجحا في السيطرة عليها وصولاً لجبل الكرمل كما توسّع جنوباً إلي أن سيطر علي أدوم و أجبر سُكّانها علي اعتناق اليهودية(11)



(II)مناطق توسّع منطقة اليهودية خلال اﻷسرة الحشمونية.


ورغم أنه قد جابه مقاومة ومعارضة حتى من اليهود أنفسهم إلي أنه استطاع أن يبسط سُلطانه ويؤكد سُلطته في مدة حُكمه الطويلة والتي امتدت ﻷكثر من 33 سنة حتى وفاته عام 104 ق.م تاركاً وراءه خمسة أبناء، وقد حظي (يوحنّا) وحده بثلاثة مزايا لم تجتمع في أحد بعده هي: السطوة السياسية والسلطة الدينية -ككبير للكهنة- وموهبة النُبوّة(12) فلم تخيب نبؤاته مرة واحدة حتي أنّه أخبر عن أنّ ابنيه-أو حفيديه- اﻷكبرين أريستوبولس وأنتيجونس لن يستطيعا أن يحافظا علي "مملكة اﻷجداد" ... لكن قبل أن تتحول النبؤة لواقع، يجب علينا أن نرجع إلي الوراء لأكثر من ألف وستمائة سنة حيث تركنا "أجدادنا" يواجهون بمُفردهم "الحُكّام اﻷجانب" لعلنا نستطيع إنقاذهم من بين الخيول والعجلات الحربية، بإخبارهم بما ينتظرهم من "المقدر والمكتوب" الذي قرأناه في صفحات التاريخ.



توقّفنا المرة السابقة عند نهاية اﻷسرة 12، فمع موت آخر ملوكها (أمنمحات الرابع (~1787 ق.م)) حدثت أزمة في "التوريث" فنجد أنّ أخته وزوجته(سوبك-نفرو)(13) هي مَنْ جلست علي العرش بعد وفاته، وهو ما يؤشر إلي أن الملك لم يترك ذرية من الذكور، إلا أنّ (سوبك-نفرو) هذه لم تستمر "فرعونة" كثيراً، فقد حلّ محلها (أمنمحات سوبك-حوتب (اﻹله سوبك راضياً)) مؤسس اﻷسرة 13، الذي لا نعرف إن كان من "العائلة المالكة" أم مجرد مُغتصِب مُنتحِل. لكن على أي اﻷحوال، فقد دخلت مصر في عهد تلك اﻷسرة عصرها الوسيط الثاني حيث حلّت الفوضى والانقسامات. ويستهل (د.سليم حسن) كلامه عن تلك الفتّّرة كما بدأه عن العصر الوسيط اﻷول، فيقول أنه بعد عصر النهضة التي شهدتها مصر في عهد اﻷسرة 12 أعقبه «(...) عهد مُظلم حالك، لا يكاد المؤرّخ المحقق يلمح فيه ما يهديه إلى حال البلاد ونظمها ومقدار ثقافتها، اللهم إلا ومضات لا تكاد تلمع حتى تخبو، ثم تتوالى جحافل الظلام وتتلاحق بعد ذلك، فتحجب كل شئ في جوفها القاتم العابس.»(14) في بداية تلك اﻷسرة بدا وكأن هناك استقرار وقد تخطت البلاد أزمة انتقال الحكم من أسرة ﻵخري إلا أنه من خلال تسارع تغيير ملوكها، فما يكاد الواحد منهم يجلس على العرش حتى يتم إزاحته ليأتي مُنافسه مُنتظراً هو اﻵخر مَنْ يُزيحه، تبيّن أن البلاد تنزلق إلي هوّة مُظلمة. من بين الملوك الذين تولّوا-أو اغتصبوا- المُلك (سمنخ كا رع -مرشع(إميرميشو)) مرشع والتي تعني الجنرال أو أمير أو قائد الجيش، ويمكن أن نفترض، لما نعرفه عن المصريين بولعهم وعبادتهم للبيادة، أنه قد جاء بعد أن قاموا بمظاهرات عارمة تحت شمس رع الحارقة بميدان بتاح بمنف وبساحة سوبك الكبير بطيبة تفوّضه لكي ينقلب على الملك الهُزء الجالس على العرش وقتها، وسواء صح هذا الافتراض أم لا، فقد توالي الجلوس علي العرش في تلك الفترة ملوك من كل شكل ونوع وطبقة واحد منهم هو "جلالة الملك" (نفر-حُتب (الكمال راضياً)) الذي حاول أن يُعيد مجد الآلهة القديمة باعتباره ابن من أبناءهم، فدعي المسؤولين والكتبة وطلب منهم أن يقدموا له بحث شامل عن كيف خُلق كإله وكيف وجدت اﻵلهة ومما يجب أن تتكون القرابين التي تُقدم لهم، وكيف كانت صورة جده اﻹله (أوزيريس) اﻷصلية كي ينحت له تمثالاً يليق به كما كان يحدث في العصور القديمة. فيصحبوه للمكتبة لكي يقرأ ويتعرّف بنفسه على "الكتابات المُقدسة" وبعد أنّ يطّلع ويعرف يقول «إن جلالتي يحيي «أوزير» أوّل أهل الغرب ورب « العرابة المدفونة» وإني سأنحت تمثالا له تكون أعضائه ويداه على حسب( الإيضاح) الذي رأيته في هذه الكتب، وهي التي تمثله بوصفه ملك الوجهين القبلي والبحري عندما خرج من فرج إلهة السماء( نوت ).»(14)



في محاولة لتفسير العالم من حوله قام المصري القديم -كغيره من القدماء- بتأليه عناصر الطبيعة ونسج حول كل عنصر منها قصة تُفسر وجودها وتحكي عن انتصاراتها وهزائمها وتسرد صراعها مع عناصر الطبيعة الأخرى، إحدى القصص التي تُلخص تلك الرؤية هي قصة "أوزيريس و إيزيس" والتي ترمز للصراع بين الوادي الخصيب والصحراء المُجدبة، بين النظام والفوضى وبين الخير والشر، والحياة والموت وبين الموت والبعث من جديد. كان أوزيريس مجرد إله محلي ثم ارتفع شأنه حتي أصبح واحد من أهم الآلهة إن لم يكن أهمها علي اﻹطلاق في تاسوع -وليس ثالوث- الآلهة المصرية وهم نخبة من الآلهة المحلية التي أصبحت ذات شأن بمرور الزمن، وكان (أوزير) في البداية يشغل منصب إله الخصوبة والزروع ثم ترقي حتي حصل أيضاً علي منصبي إله المقابر وإله "أهل الغرب" وهم الموتي الذين أفلت حياتهم كما تأفل الشمس كل يوم مُنتظرين في العالم السُفلي البعث من جديد، ونتيجة لما تعرض له في حياته فقد أخذ أيضاً منصب قاضي القضاة على رأس 42 إله والذين سيقرّرون إذا كان المتوفى يستحق الحصول على الراحة اﻷبدية أم لا. وتستهل القصة بأن (أوزير) كان في البدء حاكما لمصر وهو الذي وضع اللبنة اﻷولي لحضارتها، وقد جاء للعالم نتاج ثمرة تزاوج (جب) إله اﻷرض و (نوت) إلهة السماء، وكان متزوجاً من أخته (إيزيس) ولكن أخوهم (ست) إله الصحراء والعواصف والفوضى حسده وتأمر علي قتله لكي يجلس بدلاً منه علي عرش مصر فدبر خُدعه وأدخله في تابوت وألقاه في اليم فحمله التيار إلي أن ألقاه في البحر وانتقل من هناك إلي شواطئ لبنان (جبيل) و (إيزيس) تبحث عنه وتندبه بل وعلمت أيضا أن أختها (نفتيس) زوجة (ست) قد خدعت (أوزير) وضاجعته مُعتقداً أنها زوجته فكان نتيجة هذا أن حملت (نفتيس) ولكنها خوفاً من (ست) ألقت ثمرة خطيئتها بعيداً فبحثت عنه (إيزيس) حتى وجدته واصبح دليلها في البحث عن زوجها، هذا الطفل هو (أنوبيس) الذي رأسه على شكل (ابن آوي) الشبيه بالكلب، حارس العالم السفلي ودليل اﻷموات هناك، فكما في عالم اﻷحياء هناك كلاب أوفياء للبشر فالأموات لهم "أنوبيسات" أوفياء أيضاً. وبعد رحلة طويلة تعثر (إيزيس) أخيراً علي التابوت الذي فيها زوجها وتعيده لمصر لكن (ست) الشرير كان لها بالمرصاد فأخرج جثة أخيه وقطعها أشلاء وفرّقها في اﻷنحاء، لكن مع هذا كله لم لم تفتر عزيمة (إيزيس) وبما أنها خبيرة بالسحر والتعاويذ فتستطيع أن تجمع تلك اﻷشلاء إلا جزء واحد -مهم- وهو قضيب زوجها الذي أكله السمك فتصنع له واحداً ليكون إلهاً كامل الألوهية؛ وحينها حملت إيزيس  بـ(حورس)، علي اختلاف الروايات في كيفية حملها، هل هو من زوجها بعد أن جمعت أشلائه أم باستخدامها السحر فقط من غير اتصال جسدي، فتذهب لكي تختبئ في أحراش الدلتا من عيون (ست) حتي يكبر حورس ويستعيد عرش أبيه، وبعد صراع بين اﻹثنين يتم تحكيم اﻵلهة، فيحكم (جب) بأن (حورس) الخيّر هو المنتصر و(ست) الشرير يجب أن يُخلع من عرش مصر ويصعد (أوزير) منتصراً ليتبوأ مقعده بين آلهة السماء.(15) ومن وقتها حتى يومنا هذا أصبح ملك مصر هو تجسّد للإله (حورس) إذا استطاع هزيمة غريمه الجالس على العرش.

(III)بردية من كتاب الموتي للمدعو (حو-نفر) من اﻷسرة 19  في حكم الملك (سيتي اﻷول (~1306ق.م-1290 ق.م))

في الصورة التي أمامنا مشهد داخل "قاعة الحقيقة والعدل" حيث تجري محاكمة الميت في العالم اﻵخر. نجد في أقصي اليمين (إيزيس) و(نفتيس) أختي (أوزيريس) تقفا خلفه وهو جالس على عرشه في العالم السُفلي ليقرر إن كان الميت يستحق "الراحة اﻷبدية". في أقصى اليسار الميت يقوده (أنوبيس) دليل العالم السفلي حيث يأخذه ليضع قلبه في احد كفتي الميزان وفي الكفة الأخري ريشة الآلهة (ماعت) إلهة الحق والعدل ورمز للتوازن والنقاء فإن كان القلب  مُثقلاً بالخطايا واﻵثام فسوف ترجح كفته ليلتهمه المتحفز (أمّت) مُفترس قلوب الموتى الخاطئين وهو حيوان برأس تمساح وجذع أسد ومؤخرة فرس النهر، وإن كان القلب طاهراً نقياً فسيكون أخف حتى من ريشة (ماعت) نفسها. ليقاد الميت بعد ذلك بواسطة حورس إلي (أوزير) ليُصدر الحكم النهائي، في منتصف الصورة (تحوت) الكاتب اﻹلهي برأس أبي منجل والذي يسجل نتيجة عملية الوزن. في أعلى الصورة الميت جالس أمام آلهة متنوعة التي تتشاور إن كانت روح الميت تستحق الخلاص.

ولكي يبدو تجسد حورس علي اﻷرض جلالة الملك (نفر-حتب) بأنه مُحيي الملة وعلى يديه ستقوم النهضة، ترأس شعائر تجديد معبد جده (أوزير) "أول أهل الغرب" في المدينة المقدسة أبيدوس (العرابة المدفونة شمال غرب طيبة-اﻷقصر) التي فيها أقدم المقابر الملكية ويُعتقد أن مدفون فيها رأس (أوزير) نفسه، فكانت المدينة قبلة وكعبة للمؤمنين ببركات الرأس الطاهرة. وبعد أن أنهي جلالته الشعائر والمراسيم ألقى عدة كلمات للمسئولين والكهنة الحضور حفظتها لنا الحجارة، يقول فيها بعد أن يؤكد أن (أوزير) معه ويرعاه ويؤيده وسعيد بما يفعله ولذلك فقد أعطاه المُلك ووراثة السماء واﻷرض «وأنا بذلك ملك عظيم القوّة ممتاز في مراسيمي ولن يعيش من يعاديني. ولن يتنسم النفس من يثور علي، ولن يبقى اسمه بين الأحياء، وسيقبض على روحه أمام من في يدهم السلطان، وسيلقي به بعيداً عن حضرة الآلهة، (هذا هو العقاب الذي سيحل من سيهمل أوامر جلالتي، و بكل من لا يعمل على حسب هذا الأمر الذي أصدرته جلالتي، و بكل من لا يدعو لي هذا الإله الجليل ، وبكل من لا يحترم ما فعلته خاصا بقربانه، وبكل من لا يقدّم لي الشكر في كل عيد في هذا المعبد سواء كان ضمن طائفة من كهنة محراب هذا المعبد أم يشغل أية وظيفة أخرى في مدينة «العرابة»؛ وذلك لأنى قد أقمت هذه الآثار لجدي « أوزير » أول أهل الجبانة الغربية، ورب «العرابة» لأنى أحبته أكثر من كل الآلهة، وﻷجل أن يمنحني جزاء ما قمت به له (ملايين) السنين.»(14) ويُعلق د.عبدالعزيز صالح علي تهديدات (نفر-حوتب) بقوله أن نغمة التهديد تلك لم تكن « معهودة من ملوك العهود المصرية المستقرة، ولم يكن من داع لذكرها بين الكهنة ما لم تكن قد أحاطت بصاحبها، الذي ولى العرش بمجهوده، حركات عصيان أجبرته على أن يردد تهديده ووعيده في كل مناسبة تسنح له ولو في وسط الكهان وداخل أروقة المعابد.»(16) لكن يبدو أن تهديدات جلالته لم يكن لها إلا أثر محدود ولم يشفع له تجديده للدين وإحياءه لشعائره، واستمرت تلك اﻷسرة تنحدر من الحضيض إلي قاع أسفل محيط، فالمصريون من الشعوب التي لا تُحب المتاجرين بالدين ويكرهون مَنْ يُدخله في السياسة، ولابد أنهم نزلوا للشوارع مرة آخري لتفويض "البيادة" والتي وعدتهم بأن مصر ستعود مرة آخري لتصعد سلالم المجد وجباله، لكنّ الحقيقة الواضحة التي رآها الجميع لكنهم لم يريدوا تصديقها أن مصر كانت تنزلق إلي هاوية مُظلمة.


يتبيّن من خلال تلك اﻷسرة أنّه لا يكفي أن يكون الملك ذو "خلفية إلهية" أو "خلفية عسكرية" أو أيّة خلفية أخرى لكي يُنقذ البلاد من الهوّة التي تبتلعها، ولا يمكن أن يُخدع أحد بأن تشييد العمائر وتعبيد الطُرق وبناء المعابد والمقابر، التي هي أصلاً مصدراً للنهب والسرقة، يمكن أن تُعوض الهدم المستمر للإنسان وحريته وكرامته التي هي عماد أي نهضة أو تقدم؛ وأنّ الكلام اﻷجوف البائس الذي تُكرره تلك "الخلفيّات" من أمثال "قسماً برع العظيم أنا لو ينفع أتباع هتباع."؛ واستمرارها استخدام التخويف والإرهاب لكُل من يُفكر أن يعترض علي ألوهية "الخلفيّة" برفع إصبع السبابة والقول مع تغيير نبرة الصوت من نبرة البكر الخجول التي اعتاد الناس سماعها إلي نبرة العاهرة التي "تردح" للذين يطعنون في "شرفها" "احذروا مني، واللي حصل في اﻷسرة 12 مش هيتكرر تاني في مصر أبداً"؛ والترديد اﻷبله الببغاوي من نوعية "وسوبك الكبير، أمنك واستقرارك يا مصر تمنه حياتي أنا ... وحياة الجيش." والتي تعني أنّه لا "استقرار" إلا بأن تظل "الخلفيّات" جالسة علي أعناق الناس التي يجب أن تبقي تُسبّح بحمدها شاكرة لها ما يتساقط عليها من بُراز مُقدّس. كل هذا العبث لا يمكن أن يُحقق لا نهضة ولا حتى ما يُسمونه استقراراً، بل هو في الحقيقة ليس إلا محاولات يائسة ﻹخفاء وهن ومرض وتعفن "الخلفيات"؛ ما هو إلا مجرد تخيل مريض يعتقد أنه من الممكن إعادة الشباب للدولة العجوز الشمطاء بإجراء عملية تكبير للصدر وتنحيف للأرداف. تلك العملية التي لن تزيد العجوز إلا قُبحاً وبشاعة، لا يُجريها حتي جراح مُتخصّص يعلم تبعات ما يفعله ولكن مَنْ يقوم بها "سمكري عربيات" عبيط. وكل ما يمكن أن ينجحوا في تحقيقه هو أن يؤخروا -قليلاً- موعد السقوط، فالموت لا يخدعه أو ينجو من بين براثنه وأنيابه أحد ولا حتي "اﻵلهة" ولا اﻷفكار والدول والإمبراطوريات.



مع احتدام الصراع على عرش مصر والضعف والوهن الذي أصاب اﻷسرة 13 ظهرت حركات انفصالية  واتتها الفرصة -والجرأة- لكي تستقل بعيداً عن الحكومة المركزية المتهالكة المتمركزة بطيبة، ولم تري ضرراً -أو خيانة- في أن يكون لها ملكها اﻹلهي الخاص بعيداً عن "الفرعون الشرعي" للبلاد، أحد تلك الحركات هي ما سُمي باﻷسرة 14 والتي استقلت بغرب الدلتا واتخذت (خيوس (سخا-كفر الشيخ)) عاصمة لها. لكن استقلالها لن يدوم طويلاً، فقد بدأت خيول الغُزاة وعرباتهم في الزحف من الشرق وستواجه مصر أول صدمة حضارية في تاريخها فـ"الرعاة" اﻷسيويون سيأتون بوسائل مبتكرة حديثة في فنون القتال ومعداته لم يبتكرها العقل المصري الذي ظن أنه هو الوحيد الذي يخترع ويبتكر. لكن قبل أن تنطلق الخيول وتُسل السيوف وتبدأ المعركة يجب علينا أن نتوقف عند هذا الحد فقد يملّ الغُزاة من الانتظار ويتركون "أجدادنا" وشأنهم، ونُكمل -إن شاء الله- المرة القادمة.
******************************************************************************************************
(1)يَنسبْ الصدوقيون أنفسهم للكاهن "صدوق" أو "صادوق" الذي ورد ذكره أيام داود النبي في سفر صموئيل الثاني، واسمه معناه مُقارب لمعناه في العربية بمعنى الصادق البار أو العادل. وقد بدأت تلك الطبقة في التشكل في أعقاب الثورة المكابية وتأسيس اﻷسرة الحشمونية التي استأثرت بمنصبي رئيس الكهنة والمُلك، حتي تدّخل روما ومجيء هيرود الكبير فانتزع منهم الُملك وأبقي لهم الكهانة. ولذلك كان من الطبيعي أن تتحالف تلك الطبقة مع "ولي اﻷمر" الجديد وأسرته حتى وإن أبطنت له العداء لما فعله بـ"أولياء اﻷمور" السابقين؛ فأصبحت تلك الطبقة تضم-باﻹضافة للكهنة- الملك وحاشيته والنُخب والتنويريين ، تماماً كوضع طبقة "كهنة السُلطة" من شيوخ ونُخب وتنويري العالم اﻹسلامي سواء كانوا قُدماء أو مُعاصرين.
(2)الفرِّيسيّون هم القوام الرئيسي والطبقة اﻷكبر من حيث العدد بين الطبقات الثلاثة، وتعني كلمة "فرّيسيّ" أي "المُنعزل أو المُنفصل" حيث نأي أفراد تلك الطبقة عن مُخالطة مُخالفيها والزمت نفسها باتباع تفصيلي وحرفي لتعاليم الشريعة، وكان الفرِّيسيّون هم "مُعلمي وشيوخ وعلماء" اليهود الموثقين فيما يخص تفسير الشريعة ونصوصها بشقيها المكتوب والشفاهي، و لكن حين مجيء يسوع الناصري اتهمهم بأنهم "مُنافقون مُرائون" ومن هذا اليوم صار اسم "فرِّيسيّ" علامة علي النفاق و المُراءة. لكننا لدينا اﻵن نسخة من هؤلاء تستحق فعلاً بأنْ يُوجّه لها هذا الاتهام وهي طبقة "السلفيّة البُرهامية" وهي أحد النسخ الشهيرة -من النُسخ الكثيرة- لـ"السلفيّة المُرائية" المنتشرة بمنطقتنا، هؤلاء هم "فرِّيسيّو اﻹسلام" والذين جمعوا بين “الكهانة" للسُلطة و“المُراءة والنفاق” للناس.
(3)اﻵسينيون -الزُهّاد- هي طبقة من النُسّاك كان لها نظامها الخاص الذي يشابه من بعض اﻷوجه فرق الصوفيّة، فهناك شروط للدخول في عضوية الجماعة وطقوس خاصة للعبادة وطريقة متقشفة زاهدة في العيش والحياة. وعالمنا اﻹسلامي لا يخلو من وجود مثل تلك الطبقة وهم ليسوا "متصوّفة الموالد والموائد" الحاليين ولكن الملايين الغفيرة من "عوام المسلمين" الذين زهدوا في الدُنيا وتقشّفوا وربطوا أحزمة الجوع علي بطونهم، يعيشون تحت خط الفقر و"جزمته" دون أن يشكوا أو يتذمروا، مُستسلمين لـ"قدرهم" وصابرين علي "قضائهم" إلا أنهم علي عكس "اﻵسينيين" الذين انضموا لطريقة العيش تلك "اختياراً وحُباً" فقد دخلها عوام المسلمين "جَبراً وكَرهاً".
(4).The Jewish War, Flavius Josephus, Translated by Geoffrey Arthur Williamson
(5).Antiquities of the Jews, Flavius Josephus, Translated By William Whiston
(6).Histoire Des Juifs, Heinrich Grätz, Traduite De L'allemand Par M. Wogue, Tome Deuxième, 1884
(7)هذا ما يرويه يوسف بن متتاياهو، لكننا نجد في سفر المكابيين أن بطليموس أو (بطلماوس بن ابوبس) قد قتل سمعان وابنيه في نفس الواقعة حيث أنزلهم «(...) ابن ابوبس بحصين كان قد بناه يقال له دوق وهو يضمر لهم الغدر وصنع لهم مأدبة عظيمة وأخفي هناك رجالاً. فلمّا سكر سمعان وبنوه قام بطلماوس ومن معه وأخذوا سلاحهم ووثبوا على سمعان في المأدبة وقتلوه هو وابنيه وبعضاً من غلمانه.» (1مك 16: 15-17)
(8).Peoples Of The Ancient World, The Persians, Maria Brosius, 2006
(9) الخريطة (I) مأخوذة من كتاب: Empires of Ancient Persia و(II) من كتاب: Encyclopaedia Judaica, volume 8. والبردية (III) من كتاب: The Complete Gods and Goddesses of Ancient Egypt
(10).Ancient Syria: A Three Thousand Year History, Trevor Bryce, 2014
(11).Encyclopaedia Judaica, Volume 6, 2007
(12)النُبوّة في اليهودية هي القدرة علي اﻹخبار عما سيحدث في المستقبل، فالشريعة قد نزلت كاملة علي موسي النبي ولا تحتاج بعد ذلك لتبديل أو تعديل، وهي بهذا المعني أقرب لمفهوم "الوليّ" في اﻹسلام، فتلك "الموهبة" أو القدرة لا تُعطي إلا للرجال الصالحين، ويُخبرنا يوسف أنّ اﻵسينيين كانت لديهم تلك الموهبة وأن تنبؤاتهم نادراً ما كانت تُخطئ.
(13)وتكتب أيضا (نفرو-سوبك) و يعني اسمها كمال أو جمال اﻹله (سوبك) وهو أحد آلهة المصريين الذي يتخذ شكل التمساح، وقد حظي هذا اﻹله-التمساح بعبادة ورعاية اﻷسرة 12 وأصبح يرمز لقوة الملك وسُلطانه، حتي أنهم ابتنوا له مدينة باسمه سُميت باليونانية (كروكوديلوبوليس) أي مدينة التمساح في الفيوم حيث نقلت اﻷسرة مقر الحكم لها، وقد ذكر هيرودوت، حوالي منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، ما شاهده -أو سمعه- من مظاهر التقديس له فيقول «وللتمساح مكانة عالية تبلغ حد التقديس عند بعض المصريين بينما ينظر إليه البعض الآخر نظرتهم إلى العدو. فأهل (طيبة) وأولئك الذين يعيشون حول بحيرة (مويريس) يُجلّون التمساح أيما إجلال ويولونه مرتبة خاصة. والقوم هناك يحتفظون بتمساح في كل من هاتين الناحيتين، ويحرصون على ترويضه وتدجينه؛ فلا تراه يمضي بعيداً عن حظيرته. وتجدهم بعد يحرصون على تزيين أُذنيه بأقراط من الزُجاج أو الذهب، وقائمتيه الأماميتين بالخلاخيل.ويخصونه بمقدار من الخبز ووجبة من اللحم؛ وإذا كان هذا نصيبه من العناية والرعاية في حياته؛ فإن القوم لا يقصرون في تكريمه في الممات. فتراهم يقومون بتحنيطه أو يوارونه التراب بعد موته في مقبرة خاصة. أما أهل (الفنتينا) فلا يرون في هذا الحيوان قداسة، فتجدهم يقتنصونه ويأكلون لحمه.» تاريخ هيرودوت، ترجمة عبد الإله الملاح.
(14)موسوعة مصر القديمة، د. سليم حسن، الجزء 4.
(15).A Biographical Dictionary Of Ancient Egypt, By Rosalie And Antony E.David, 1992

(16)الشرق اﻷدني القديم مصر والعراق، الجزء1، د.عبدالعزيز صالح، 2012.