الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

هجمات علي منهاج النُبوّة .. الجزء الأول

في أعقاب هجمات باريس في 13 نوفمبر 2015 قامت مجلة دار الإسلام الناطقة بالفرنسية العدد الثامن بنشر دراسة علي صفحاتها بعنوان "هجمات علي منهاج النبوّة-الجزء الأول" وكما تقول المجلة فإن الهدف الأساسي من الدراسة هو بيان أن كُل أفعال الدولة الإسلامية موافقة للإسلام الصحيح من كتاب و سُنّة و أقوال العُلماء المُعتبرين. و في العدد الأخير للمجلة العدد 10 نشرت المجلة الجزء الثاني الذي في ختامه أشارت إلي أن هناك جزء ثالث يتعلق بإثبات أن كُفار فرنسا ليس بينهم و بين دولة الخلافة أي عهد أمان وبالتالي تنطبق عليهم كُل القواعد التي تم ذكرها في الجزء الأول الذي بين ايدينا. لذلك و في أثناء انتظارنا للجزء الثالث أقدم لكم ترجمة الجزء الأولي و يليه -إن شاء الله- في أقرب فرصة ترجمة الجزء الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)






بعد كل هُجوم يقع ضد الكُفار سواء كان الهجوم في عُقر دارهم أو في أراضي المسلمين نسمع دائما نفس النغمة. فنري جُموع من القادة الدينيين و السياسيين و المُحلِلين المُتخصصين وغيرهم الذين يُخبروننا بأن ”هذه الهجمات ليس لها علاقة بالإسلام" ونُدهش حينما نعلم أن هؤلاء هم أنفسهم عادة الذين يدعون إلي إصلاح الإسلام لكي يتناسب ويتوافق بشكل كامل مع مبادئ الجمهورية. وكما هو واضح لم تشذ هجمات الدولة الإسلامية الأخيرة في باريس و سان دينيس في13 نوفمبر 2015 عن تلك القاعدة.


فمن جهة لدينا السياسيين الذين يُعلنون أنه لا يجب أن نخلط بين الإرهابيين و المسلمين ولكنهم لا ينسوا أيضاً بالأخص بأن يُطالبوا المسلمين بـ”أن يدينوا بكُل حزم تلك الأعمال البغيضة"! ثم بعد ذلك لدينا مَنْ يُسمّون بمُمثلي الجالية المُسلمة في فرنسا والذين يؤكدون بأن :”الإسلام بعيد تماماً عن تلك الجرائم البربرية" و خلال ذلك يتبجحون بضرورة وجود رؤية جديدة للقرآن. وأخيراً لدينا المتخصصين في الإسلاميات المدّعون والذين لا يرون في الإسلام ”إلا ذريعة لتبرير إرهاب بلا أي دين" ولكنهم مع ذلك يوضحون بأن الإرهاب الإسلامي ينبُع من الإسلام. فنشهد عرضاً مُتتابعاً لمجموعة من الجهلة و المنافقين و الخبراء الجشعين غير المتحدثين بالعربية (والذين لا يريدون إلا بيع كتبهم عن الدولة الإسلامية) والذين يعطون الدولة الإسلامية مُحاضرات عن عدم شرعية هجماتها في الإسلام.


لا أحد من المُفترض انه قد يقبل أن شخصاً كافراً ربما حتي لم يمسك القرآن بين يديه أن يأتي و يعطيه دروس عن دينه. ولهذا السبب لن نتوقف عند تلك التلفيقات لأولئك الذين لا يتبعون الإسلام.


ما استرعي اهتمامنا في كل تلك المُداخلات لمن نصّبوا انفسهم مُمثلين للإسلام في فرنسا ليس تأكيدهم مئات المرات عن التزامهم بقيم الجمهورية والتي بالنسبة لهم هي قيم الدين وكما قال الباحث الإسلامي المُرتد "طارق رمضان" أنّ ”شريعة الله ليست أرقي و أعلي من قوانين الجمهورية". ليس هذا وإنما الشيء الأكثر إثارة للاهتمام في هذه المرة هو الرغبة الظاهرة في ”الرد بالنصوص" علي طريقة "أنور كبيبش" رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (مفدا) والذي أوضح ذلك في استوديو قناة "آي-تيليه", أو علي صورة الإمام-الممسحة بضاحية بريست الفرنسية "رشيد أبو حُذيفة" الذي دعي المسئولين في أعقاب هجمات باريس لـ :”إدانة علمية و دينية".تسألوننا و ما المثير للاهتمام في ذلك؟ -حسناً! ببساطة حقيقة أن هؤلاء الذين لم يتوقفوا أبداً عن التحذير من الأصولية يدعون اليوم صراحة للعودة إلى النصوص الأساسية و إلي التعاليم الأصلية: كما تُريد داعش! ربما قد أدركوا أخيراً أنه في مواجهة الحُجج الدقيقة و المحددة التي تُقدمها الدولة الإسلامية فلن تصمد أمامها لوقت طويل كل تلك الاتهامات الباطلة و الافتراءات الأخري من كل شكل و نوع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)
لم يطلب أتباع الدولة الإسلامية دائماً بأكثر من أن يُسمح لهم بمقارعة الدليل بالدليل . إنها رغبة لم يتوقفوا عن التعبير عنها خلال السنوات الأخيرة في مواجهة أئمة الديمقراطية و علماء الردة. لكن حقيقة أن مثل تلك المُناظرة، حتي لو كانت في إطار أكاديمي علمي، غير مُتصور حدوثها في فرنسا، لأن أي مُسلم قد يجرؤ أن يُبين أن إسلام الدولة الإسلامية موافق تماما لنصوص الكتاب والسنة سيجد نفسه يُتهم بانه يُدافع عن الإرهاب. ويكفي أن نري هذا المسكين "ديفيد تومسون" -وهو ليس مُسلم ولكن مُجرد صحفي- كيف هوجم بشدة لكتابتة تغريده يؤكد فيها أنّ :”القول بأن الدولة الإسلامية لا علاقة لها
بالإسلام هو قول خاطئ. فالدولة الإسلامية تُبرر كل أفعالها ب"الدليل" وتكمن هنا مصدر قوتها."
التغريدة التي هُوجم بسببها الصحفي ديفيد تومسون


ولن نتكلم عن الديكتاتوريات العربية حيث تجري المُناظرات الوحيدة في مثل تلك المسائل في الغرف المُغلقة بين شيخ يعمل عند الطاغية و سجين إسلامي يضع جلاده السلاح في وجهه حتي لا يجرؤ علي الاعتراض علي المُحاضرة التي يُلقيها عليه العالم الذي أرسلته الدولة لمناظرته.


و علي الرغم من ذلك فإن مثل تلك المُناظرة قد تكون ذات فائدة كبيرة لكُلاً من الشعوب الغربية لكي تفهم ما الذي تتعرض له ولكي تتوقف عن الثقة العمياء للخطاب الديماجوجي لساستهم؛ ومفيدة أيضاً للصحفيين و المُحللين و الأكاديميين الحريصين علي الحيادية و الموضوعية في أبحاثهم والذين لا يعرفون حقاً كيف يتناولون هذه المسألة فيضطرون لإصدار فرضيات شاذة و غريبة عن ”الأسباب و الجذور للتطرف". قد يكون الخطر الوحيد أن يُدرك مُسلمي أوروبا أنه تم خداعهم والتلاعب بهم من قبل قادتهم و أئمتهم و أن الإسلام الحقيقي هو ما تمثله الدولة الإسلامية وليس ما تمثله الجمهورية! إنها مُعضلة حقاً و لكن الحكومة الفرنسية تضرب بكل هذا عرض الحائط تقول: "لن تكون هناك مُناظرة، فما كل هذا إلا بروباجاندا خالصة والإسلام الوحيد المُعتبر هو إسلام فرنسا ذلك الذي يوجد في "ساحة بوفو بباريس" وليس ذلك الموجود في الرقة ولا الموصل". ماذا سيكون قرار مُسلمي و شعب فرنسا و مُفكريها؟ هل سيتبَعون بغباء الحكومة الفرنسية ويتوقفون عن تكملة قراءة هذا المقال أم سيُظهرون تفهماً ويتحلوا بالروح العلمية لكي ننتهي من هذه المسالة هذه المرة و إلي الأبد .طبعاً نعلم أن هناك المنافحون عن العلمانية و المُبغضون للدين المحبطون الذين بالكاد يتحكمون في غثيانهم في مواجهة الكتابة الدينية و لكن المسألة هنا لا تتعلق بالالتزام بما نطرحه أم لا و لكن بأن تحكم فقط أي الرؤيتين بخصوص الإسلام هي الأكثر توافقاً مع الرسالة الأصلية. هذا يتطلب فقط منهجية جيدة ودقيقة و صارمة و حس جيد وليس أكثر من ذلك.


بالتأكيد يستطيع الجميع مواصلة دفن رؤوسهم في الرمال مع اتهامنا -بغطرستهم المعهودة- بأننا نُمارس البروباجاندا .فليهنئوا بذلك! و لكن أياً كان الأمر و أياً كان القرار الذي ستأخذُه الأطراف المُختلفة التي تم ذكرها فالدولة الإسلامية دائماً أكثر تكيفاً ولن تتوقف عن التمدد سواء علي الأرض أو في العقول، لذلك كل واحد عليه أن يري أين مصلحته، فالدولة الإسلامية ليس لديها ما تخسره.
مُنتقدينا و أُطروحاتهم


أولاً سنتعرف علي أُطروحات منتقدينا من بين مُمثلي الإسلام في فرنسا مع التعليق عليها إذا استدعي الأمر. بعد ذلك سوف نستعرض الأدلة التي ترتكز عليها أفعال الدولة الإسلامية من الكتاب والسنة والآراء الفقهية. عند ذلك إذا تبقي بعض النقاط التي أثارها مُعارضينا ولم يتم التطرق لها سوف نطرحها ونرد عليها وعلي مجموع الشبهات والاعتراضات التي استطعنا العثور عليها علي شبكة الإنترنت والتي أصحابها هم أقل شهرة من أولئك المُمثلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية
بداية سنقوم بجولة لنسمع أُطروحات مجموعة مختلفة من المُتحدثين، ومن الطبيعي أن نُعطي الكلمة أولاً لرئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (مفدا) السيد :/أنور كبيبش
علي يمين الصورة أنور كبيبش رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بجوار وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف

فبصفته مسئول رفيع (علي الأقل من وجهة نظر وزير الداخلية "برنار كازنوف" والذي يدعم المؤسسة التي يرأسها كبيبش) , فيُقال عنه مُمثل الديانة الإسلامية في فرنسا. وما الذي يقوله لنا في أعقاب هجمات 13 نوفمبر 2015 ؟ -يتم دعوته من قبل الصحفي "أوليفييه جالزي" في أستوديو قناة "آي-تيليه" فيكشف عن نص الخُطبة التي تم توزيعها من قبل "مفدا" علي كل مساجد فرنسا لتُقرأ في خطبة الجمعة. هذا النص كما يوضح "أنور كبيبش" ” يحتوي علي جزء كبير للتأصيل الشرعي حيث يهدم حجُتهم". فلنري كيف لهذه الخطبة المُقترحة ستهدم حجُة الدولة الإسلامية. و لولا الخوف من أن يكون هذا أطول من اللازم لأسهبنا في النقل من تلك الخُطبة والتي عليها الكثير من الانتقادات ولكننا سنقنع هنا بذكر الفقرات التي تتعلق بدراستنا الحالية.


الخُطبة جاء فيها ما يلي :”يجب أن لا نكل و لا نمل أبداً من أن نُعيد و نُكرر بصوت عال و بقوة أن الإسلام الصحيح يبعد بسنوات ضوئية عن أيدلوجية الكراهية لهؤلاء المجرمين الإرهابيين. يجب أن لا نكل و لا نمل من إعادة التأكيد لرفضنا التام وبلا أي لبس لكل أنواع العُنف أو الإرهاب والتي تناقض حتي قيم السلام و الأخوة التي يحملها الإسلام"


وفي موضع آخر من الخطبة يُذكر :” الأمر يتعلق ب "خوارج" العصر الحديث. فالرسول ﷺ لم يفوته أن يصف هؤلاء المتطرفين في نبوءة حيث يقول :”يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سُفهاء الأحلام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .حديث صحيح رواه الترمذي”


ثم تواصل الخطبة هكذا :” هذه التنظيمات عادة ما ترتكز علي أحاديث تتكلم عن علامات اقتراب آخر الزمان لترسم مشهد مُستقبلي َتعزي لنفسها فيه دور المُنقذ للإسلام و الإنسانية. إنهم يعيشون لذلك في عالم موازي مُتخيل يُغري العقول الضعيفة. هذه الأحاديث يعتبرها بعض المتخصصين في علوم الحديث ضعيفة و البعض الآخر يري أن انطباقها علي عالم اليوم بعيد جداً. فيما يتعلق بصفات هؤلاء المجموعات الصغيرة لا يسعُنا إلا أن نتوقف عند رواية رغم كون سلسة رواتها ضعيفة لكنها تعطي وصف كاشف عن واقع هؤلاء المُدّعين. فالحافظ "نعيم بن حماد" يروي أن علي بن أبي طالب قال :” إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم قلوبهم كزُبر الحديد هم أصحاب الدولة لا يفون بعهد ولا ميثاق يدعون إلى الحق وليسوا من أهله أسماؤهم الكُنى ونسبتهم القُرى (أو المدن) وشعورهم مُرخاة كشعور النساء حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يؤتي الله الحق من يشاء.”


ثم أخيراً تُشير الخطبة للجهاد بتلك المصطلحات :” العلماء المسلمون مُجمعون علي أن الجهاد يندرج تحت عدة أقسام أبرزها هم :
- جهاد النفس عبر التعلم و تزكية النفس.
- جهاد عن طريق التفكير من خلال الجهد العقلي بطريقة تخدم مصالح البشرية.
- جهاد عن طريق الكتابة عبر نشر الكتب النافعة و إخراج المقالات التي توضح وتعارض الاتهامات الباطلة ضد الإسلام و المُسلمين.
- جهاد بالمال عبر الإنفاق بسخاء لما فيه المصلحة و المشاركة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
الإسلام لا يُجير الجهاد بالسيف إلا في حالة الضرورة القصوى في حال الدفاع الشرعي حينما يُهَاجم المسلمين من قبل أعدائهم وبعد فشل ُكل الطرق السلمية الأخري فقُدسية الحياة في الإسلام لها مكانة خاصة. فالآيات القُرآنية و الأحاديث الصحيحة تُحرم بلا أي لبس كل الأعمال التي تضر بحياة الأبرياء. الله يقول :﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة:32)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)


قبل أن نُتابع جولتنا مع بقية المُتحدثين نود أن نشير لمجموعة من المُلاحظات لتلك الحُجة التي كانت من المفُترض أنها ستنقض أُطروحاتنا:
1. أنها فقيرة جداً علي مستوي الاستشهاد بالآيات و الأحاديث و النصوص الفقهية الأمر الذي يجعل قدرتها علي الإقناع محدودة جداً إن لم نقل معدومة.
2. الحديث الذي أُحتج به عن الخوارج ليس إلا اتهام مجاني ليس له علاقة بتاتا بموضوع المناظرة لأن الحديث لم يذكر أي أعمال نُتهم بها بمعرفة حقيقة قتل الكفار في شوارع باريس و خصوصاً حينما نعرف أن رسول الله ﷺ وصف الخوارج بتلك الألفاظ :” يقتلون أهل الإسلام و يتركون أهل الأوثان [...](1). في الحقيقة لن نُدهش إذا اعتبر "أنور كبيبش" المشركين الذين قُتلوا في "باتاكلان" مُسلمين، أوليس يعتبر نفسه مُسلماً؟
3. الخلل الأكثر وضوحا في هذه الحُجة هو ضعفها من الناحية المنطقية. ففي الوقت الذي يلوموننا فيه بأننا نعيش في "عالم موازي مُتخيل" في أجواء كارثية وفي أننا نستخدم الأحاديث التي تتعلق بآخر الزمان. ولكن انظر لهم ! فالحديث الوحيد الذي قدمه "مفدا" في نقضه لنا و اتهامنا بأننا خوارج يبدأ هكذا :””يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان [...]” فالحديث يتعلق بآخر الزمان الذي يلوموننا رغم ذلك عن التحدث عنه. أي منطق هذا ! … وبعد ذلك يقولون لنا أن البعض يعتبر الأحاديث التي نستخدمها :”صنفها المتخصصون في علم الحديث كأحاديث ضعيفة" .ثم مباشرة في السطور التالية يصف لنا "مفدا" من خلال رواية يعترف هو نفسه أن "سلسة الرواة" “ضعيفة"! من وجهة نظر منطقية و عقلانية نحن نتفوق عليهم…


4. بالنسبة لرواية نعيم بن حماد سنكتفي بالقول أن صحتها قد حكم عليه علماء الحديث بضعفه الشديد الأمر الذي معه لا يجوز واقعاً استخدامه كحُجة. فالأمام الذهبي (توفي-748ه) قال عن نعيم بن حماد: لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب (الفتن) فأتى به بعجائب ومناكير "(2).من جهة آخري تلك الرواية لا تُضيف شيئاً لموضوع المُناظرة لأنه -مرة آخري- لم تذكر الرواية شيئاً عن قتل الكُفار. ونلاحظ أيضاً أن هذا الكتاب "الفتن" والذي أُخذت منه هذه الرواية وكما يُشير عنوانه فهو عبارة عن مجموعة من الروايات عن فتن و معارك آخر الزمان. بلا شك يبدو أن "مفدا" في حالة هذيان "مُستقبلي" و كارثي فلو كان أكثر موضوعية للاحظ أن هذا الكتاب يحتوي علي روايات آخري ضعيفة أيضا لكن علي النقيض لما ذكره..


5. الخُطبة تُشير إلي الأشكال المُختلفة للجهاد مع إعطاء الانطباع أن الجهاد بالسيف يبقي استثناءً نادراً ما تجده في النصوص. وهذا يُشير إلي عدم الأمانة العلمية الكبيرة من جانب "مفدا" خصوصا حينما نعلم أن كلمة جهاد عند كل علماء المُسلمين حينما تُستخدم بشكل مُطلق و لا تُقيد بكلمة آخري تُشير في مُعظم الأحيان إلي جهاد الكفار بالسيف. وهذا يظهر جلياً في التعريفات لعلماء المدارس الفقهية الأربعة الكبيرة لكلمة جهاد.
ففي المذهب الحنفي: قال الكمال بن الهمام(توفي-851ه) :”( الجهاد) هو دعوتهم (الكفار) إلي دين الحق و قتالهم إن لم يقبلوا"(3) وأما علاء الدين الكاساني(توفي-587ه) فيُبين أن الجهاد :”في عرف الشرع يُستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز و جلّ بالنَّفس والمال واللسان، أو غير ذلك"(4).
وفي المذهب المالكي نص كتاب منح الجليل في شرح مُختصر خليل :” الجهاد أي قتال مُسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى أو حضوره له أو دخوله أرضه له"(5) .تجدر الإشارة هنا أن هذا التعريف يُعتبر مرجع عند المالكية لأن الكتاب الذي أُخذ منه (مُختصر جليل) يُعتبر واحد من المراجع الأساسية في هذا المذهب الفقهي.
وعند المذهب الشافعي فابن حجر العسقلاني(توفي-852ه) بعد أن يُعرّف كلمة الجهاد من الناحية اللغوية يُبين أن الجهاد “:شرعاً بذل الجهد في قتال الكفار ، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق .” (6) ونلاحظ كيف وضع هذا العالم الجليل قتال الكُفار قبل أشكال الجهاد الآخري.
وعند الحنابلة قال منصور البهوتي(توفي-1051) عن كلمة جهاد أنه :” شرعاً قتال الكُفار خاصةً"(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم حديث رقم 1064.
(2)محمد الذهبي سير اعلام النُبلاء ج 10 صفحة 609.
(3)الكمال بن الهمام فتح القدير ج 5 صفحة 435.
(4)علاء الدين الكاساني بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج 3 صفحة 97.
(5)محمد عليش منح الجليل شرح مختار خليل ج 3 صفحة 135.
(6)ابن حجر العسقلاني فتح الباري شرح صحيح البخاري ج6 صفحة 3.
(7)منصور البهوتي شرح منتهي الإرادات ج1 صفحة 617.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5)
في ضوء ما سبق فنحن بعيدون جداً عن التعريف الذي قدمته "مفدا" و نبعد "سنوات ضوئية" عن إجماعهم المُتخيل الذي طبقاً له :” الإسلام لا يُجير الجهاد بالسيف إلا في حالة الضرورة القصوي". بالإضافة إلي ذلك فمحمد بن رشد (توفي-520هوهو جد الفيلسوف بن رشد العزيز علي قلوب المستشرقين، قال :”فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهد الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"(1) وأيضا في رواية الرجل الذي آتي يسأل الرسول ﷺ بقوله:”ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال: "لا تستطيعون". فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: "لا تستطيعونه" ,ثم قال:” مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" “(2) فالرسول ﷺ فهم مُباشرة -بمجرد ذكر عبارة جهاد في سبيل الله- أن السؤال عن القتال بالسيف وليس عن تزكية النفس أو ما شابه. حينما نري كيف تكذب "مفدا" و ترفض تحمل عبئ القيام بمهمة بسيطة في الفقه الإسلامي كتلك فنحن بالتأكيد لا نرغب في الرجوع إليها في الأمور الدينية.


6. .بالنسبة لأُطروحة "مفدا" أن الإسلام لا يُجيز الجهاد بالسيف إلافي :”حالة الدفاع الشرعي حينما يُهاجم المسلمين من قبل اعدائهم" فهذا كذب مُفتري و الذي سننقضه في الجزء المُخصص للشبهات التي ينشرها مُخالفينا. ولنكتفي الآن بملاحظة أن الجهاد عند المذاهب الفقهية الأربعة الكبيرة لم يكن أبداً عن الدفاع الشرعي بل ونري أن الجهاد يتضمن أيضا :"الدخول في أرض الكُفار لقتالهم" فحينما نعلم أن "مفدا" من المُفترض أنها تُمثل الإسلام في فرنسا وحين نري ما فعلته لواحد من أهم شعائر الإسلام و هو الجهاد نقول أن الأمر حقا و ببساطة يُرثي له.


7. .أخيراً ,الآية التي ذُكرت في نهاية الخُطبة والتي تقول :﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة:32) والتي يستشهد بها مُعظم مُنتقدينا والتي يرون فيها وصفاً مناسباً لأفعالنا فسننقض فهمهم الخاطئ هذا في الجزء الخاص بشُبهاتهم. لتعلموا مع ذلك أن تفسيرهم لهذه الآية ليس إلا خُدعة آخري.


المساعدان : رشيد أبو حُذيفة و نادر أبو انس


شكراً لكلمة "مفدا"……. نُعطي الكلمة الآن للمُساعدين "رشيد أبو حُذيفة" و "نادر أبو أنس" اللذين من المفترض أنهما يُمثلان عودة الشباب الفرنسي المسلم إلي الإلتزام بأُسس الإسلام. يُكرر لنا السيد/أبو حُذيفة في بيانه عن هجمات 13 نوفمبر 2015 :”أهمية التأكيد والتذكير بصوت عالي و قوي، بحزم و بوضوح، و بلا لبس أن هذه الأفعال ليس لها علاقة بالإسلام" ويُكمّل هكذا :”ومن المهم أيضا أن القادة الدينيين وخصوصا الأئمة في خطبة الجمعة ليس فقط أن يدينوا الهجمات لكن مع تقديم الأدلة العلمية و الشرعية". بالنسبة له واحدة من الطُرق "لتقليل الأفعال الإرهابية" هو"الشرح بطريقة واضحة و علمية لهؤلاء الناس الذين يرتكبون هذه الأفعال بإسم الإسلام بأن أفعالهم لا تمت بصلة للإسلام". ثم وهو يُدين الهجمات يُبين أن :” مُعظم الأُمة المسلمة تُدين هذا و كما أخبرنا رسول الله ﷺ :”لا تجتمع أُمتي علي ضلالة" والأمة مُجمعة فيما عدا مجموعة ضالة تزعم أن تلك الأفعال من الدين" من جانبه فإن نادر أبو أنس يُذكّر بأن :”المراجع الإسلامية تؤكد بلا لبس علي حُرمة الحياة الإنسانية وتُدين بشدة ما يُلحق بها الضرر. فالله قال في سورة 5 آية 32 :﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد بن رشد المُقدمات المُمهدات ج1 صفحة 369.
(2)مسلم بن الحجاج صحيح مسلم حديث رقم 1878.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6)
الإمام -الممسحة رشيد ابو حُذيفة


ليس هناك الكثير لنتكلم عنه في هذه المُداخلة ,فدائماً و أبداً نفس الآية عن حُرمة الحياة الإنسانية بدون أن يقدموا لنا التفاسير لتلك الآية التي قام بها مفسري الإسلام العظام. مع ذلك بعض الملاحظات علي حديث ” لا تجتمع أُمتي علي ضلالة" الذي ذكره أبو حُذيفة :


1. صحة هذا الحديث هي موضع شك لعدد من العلماء . فالإمام النووي(الشافعي توفي-676ه) يقول في شرح صحيح مسلم:”وأما حديث :”لا تجتمع أُمتي علي ضلالة" فضعيف"(1). والحافظ بن حجر العسقلاني(شافعي-توفي852ه) يقول لنا أيضاً عن هذا الحديث:”هذا حديث مشهور له طُرق كثيرة لا يخلو واحد منها من مقال"(2)


2. .إعتبر بعض العلماء المعاصرين أنه بجمع الطرق المختلفة التي رُوي منها فيمكن إعتباره حديث حسن. وبإفتراض أنا نزلنا علي رأيهم فما هو معني الحديث؟ فالمعنيّ ب "أمتي" هم العلماء وليسوا عوام المسلمين فكما يقول الإمام الشاطبي(مالكي توفي-790ه) :لا خلاف أنه لا اعتبار بإجماع العوام"(3).
هذا بجانب أن الأمر ليس مجرد أي علماء بل العلماء الذين يتبعون الحق كما يوضح لنا الإمام ابن القيم(توفي-751ه) :واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض"(4), وبالتالي فيجب أولاً أن يتم إثبات أن " مُعظم" اللذين يُحدثنا عنهم" أبو حذيفة" هم علي الحق. و هو الأمر الذي لم يفعله.
3. .إذا فهمنا هذا الحديث علي طريقة "رشيد أبو حُذيفة" سنواجه حتماً التناقضات كما هو الحال دائماً مع فهم المُبتدعة للدين. والواقع أن الرسول ﷺ قال :” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضُرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"(5). ويعلق الإمام بن تيمية(توفي-728ه) علي هذا الحديث بقوله :”وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام ولا يضيق صدره بذلك ولا يكون في شك من دين الإسلام كما كان الأمر حين بدأ"(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو زكريا النووي شرح النووي علي صحيح مسلم ج13 صفحة67.
(2)ابن حجر العسقلاني التلخيص الكبير ج3 صفحة299.
(3)أبو اسحاق الشاطبي الإعتصام ج1 صفحة 354.
(4)ابن قيم الجوزية إعلام الموقعين عن رب العالمين ج3 صفحة308.
(5)مسلم بن الحجاج صحيح مسلم حديث رقم1920.
(5)أحمد بن تيمية مجموع الفتاوي ج18 صفحة298.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7)
و في حديث آخر يقول الرسول ﷺ :”وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. وفي لفظ : على ثلاث وسبعين ملة. قالوا : يا رسول الله, من الفرقة الناجية؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم"(1). والشيخ "محمد بن عبد الوهاب"(توفي-1206ه) في رده علي أحد مُخالفيه :”وأما استدلالك بالأحايث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم، وقول: " من شذّ شذّ في النار " و " يد الله على الجماعة " وأمثال هذا، فهذا أيضا من أعظم ما تلبس به على الجهال، وليس هذا معنى الأحاديث، بإجماع أهل العلم كلهم، فإن النبي ﷺ أخبر أن الإسلام سيعود غريبا، فكيف يأمرنا باتباع غالب الناس؟! [...]وأحاديث عظيمة كثيرة، يبين صلى الله عليه وسلم أن الباطل يصير أكثر من الحق، وأن الدين يصير غريبا، ولو لم يكن في ذلك، إلا قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة". هل بعد هذا البيان بيان؟ يا ويلك! كيف تأمر بعد هذا باتباع أكثر الناس؟"(2)


4. .لننتهي من هذه الجزئية و التي لا تحتوي أي رد علي نقطة قتل الكفار. نُذكّر أخواتنا وإخواننا المُسلمين أن هذا الإتهام واحد من بين إتهامات آخري إستخدمها المُشركون ضد رسول ﷺ .قال الشيخ "محمد بن عبد الوهاب"(توفي-1206ه) في استشهاده بالأشياء التي عارض بها المشركون المعاصرون للرسول ﷺ :”أن من أكبر قواعدهم الاغترار بالأكثر، ويحتجون به على صحة الشيء، ويستدلون على بطلان الشيء بغربته، وقله أهله" وهذا كان معروف مشهور بين علماء الإسلام الذين كانوا يُحذرون بإستمرار من الإنخداع و الإغترار بمثل تلك الحُجة الباطلة, فيقول ابن القيم(توفي-751ه):وإياك ان تغتر بما يغتر به الجاهلون فانهم يقولون لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا اقل الناس عددا والناس على خلافهم فاعلم ان هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبّهون بالناس وليسوا بناس فما الناس الا أهل الحق وإن كانوا اقلهم عدداً". ولهذا قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود(توفي-32ه) -رضي الله عنه- قال:”الجماعة ما وافق الحق؛ ولو كنت وحدك ".


إمام بوردو : طارق أوبرو


نُعطي الكلمة الآن لـ"طارق أوبرو" إمام مسجد مدينة بوردو الفرنسية والتابع الذليل لـ"آلان جوبيه" والذي صرح عن الرسوم المُسيئة للرسول ﷺ :”إن غرض تلك الرسوم هو تهدئة الأجواء بل هو فعل يدل علي اللُطف و الرقة". في هذه الحالة لن أستغرب إذا وجدت في قاموس "أوبرو" تحت تعريف كلمة "حُب" :” هو شعور بالمودة يتسم بقصف و استعمار و نهب مَنْ نُحبهم". إن المُصطلح الجديد بين الشباب حينما يقول أحد حماقة هو :”إنه مُختل كأوبرو (أيضاً يُقال كطارق أوبرو)”.


بالنسبة لردة فعله علي هجمات 13 نوفمبر ,فها هو ما يقوله لنا في مقاله في جريدة “لو جورنال دو ديمانش": ”من وجهة نظر دينية فموقف الإسلام واضح جداً فتلك الجرائم تستدعي ثلاثة إدانات: إدانة أخلاقية و فقهية و شرعية. فالإدانة الأخلاقية لأنه لا توجد أي أخلاق تُعطي التصريح بقتل الأبرياء. وإدانة فقهية لأن تلك الأعمال لا تحترم قواعد الحرب كما تُمليها التعاليم الإسلامية . وأخيراً إدانة شرعية لأن هؤلاء الإنتحاريين يعتقدون بأنهم سيذهبون للجنة بينما هم أكثر عرضه ليجدوا أنفسهم في النار" سوف نري إذا كانت تلك الأعمال لا تحترم القواعد الإسلامية للحرب كما يزعم السيد/أوبرو الذي بالإضافة لذلك لم يُقدم أي دليل علي ما يقوله.


المشكلة الثانية أنه بعد يومين من تصريحاته تلك يتحدث علي موقع "فرانس انفو" بتلك الطريقة:”التطرف يتطابق مع قراءة لنصوص من العصور الوسطي في إطار تاريخي كان فيه الهيمنة و بناء امبراطورية. يجب ان يتم إعادة تلك القراءة بما يناسب واقع اليوم". قطعاً لن نخرج من السيد/أوبرو بأي نتيجة .فإذا سكتنا سيدّعي أن أعمالنا تُعارض التعاليم الإسلامية و إذا أثبتنا له العكس من خلال تلك التعاليم سوف يرد علينا بأن هذا ما هي إلا قراءة من القرون الوسطي. إما انه مُتناقض تماماً و إما أنه أستاذ في السفسطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو عيسي الترمذي سُنن الترمذي حديث رقم2641.
(2)عبدالرحمن بن قاسم الدُرر السنية في الأجوبة النجدية ج10 صفحة42-43.
(3)محمد بن عبد الوهاب مسائل الجاهلية صفحة8.
(4) ابن قيم الجوزية مُفتاح دار السعادة ج1 صفحة147.
(5)أبو القاسم اللالكائي شرح أصول إعتقاد أهل السُنة ج1 صفحة122.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8)
حقاً إن هذا الطارق أوبرو عميل من الطراز الأول فمنذ سنوات مضت صرح في أحد المؤتمرات :”الأمة تجد نفسها في وضع غير شرعي بل وقد اقول في موقف المُذنب لأن إقامة الخلافة واجب وطالما المسلمون لم يتحدوا حول الخلافة فهم مُذنبون ما عدا هؤلاء الذين يعملون علي إعادتها" أما اليوم فهذا المُرتد الشهير يؤكد علي صفحات مجلة "باري ماتش" :”ما التعاليم التي يجب أن ننقلها لأبنائنا الذين يعيشون في عالم يختلف عن عالم البدو في القرن السابع؟ يجب الحفاظ علي مبادئ الإسلام لكن الأشكال الفقهية و الأخلاقية له يجب أن تتطور. إن المُنظرين للإسلام في الغرب يجب أن يبذلوا الجهود لإخراج عقيدة متوافقة مع العلمانية الفرنسية. والخروج من خطاب الموائمة و التدرج فلم يعد يكفي القلق . يجب أن يُعاد تشكيل شريعة المسلمين. يجب أن نُكيف الوحي القرآني لبدو القرن السابع في شبه الجزيرة العربية ليتوفق مع العقلية الفرنسية في القرن الواحد والعشرين". هل النبي محمد ﷺ و صحابته كما وصفهم هذا الكلب " بدو شبه الجزيرة العربية"؟ وفي موضع آخر يقول :” الزي ليس له علاقة بالدين . فالحجاب ليس كـ "الكبا"(القبعة التي يرتديها اليهود). لا يوجد شئ يُمثل الإسلام ويُعبّر عنه . فلا يوجد رموز ولا شعارات إن هذا ما هو إلا زندقة تم إدخالها للدين الإسلامي، مرة آخري نحن نخلط بين المبدأ الأخلاقي و ترجمته في شكل زي. الله ليس خياطاً وليس مُصمماً للأزياء" . لاحظوا كيف يتكلم هذا الحثالة باستخفاف عن الله و يريدون أن يكون مثل تلك النوعية من المختلين هم ممثلي المسلمين في فرنسا. شئ واحد فقط نقوله : قال رسول الله ﷺ :”من بدل دينه فإقتلوه"(1).


الطلبة المسلمون بفرنسا


من ناحيتهم فضّل الطلبة المسلمون بفرنسا اللعب علي نص شعري يُلقي علي خلفية موسيقية ( طبيعي فهم صغار السن ولكن غالباً أغبياء أيضاً) الشيء الوحيد الذي له علاقة بالدين في هذا النص الشعري آية إخترعوها بعناية تقول :” من قتل إنساناً.. قتل كل الإنسانية" والآية الصحيحة هي :﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾, وهذا يدلك علي مدي الأهمية التي يُعطيها هؤلا لكلام رب الأرض و السموات. وقد اخبرنا الله سُبحانه وتعالي في كتابه عن هذه النوعية من الناس الذين كانوا موجودين بين اليهود : ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾(البقرة:79)


السلفيون-اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا-مسجد باريس الكبير : لا جديد


بالنسبة للبقية فكلهم تقريباً يستخدمون نفس الحُجج الموجودة في البيان الصادر عن الدُعاة السلفيين الفرنسيين إلي السلطات الفرنسية يُدين بطبيعة الحال هؤلا السلفيون المزيفون المرآون الهجمات فيقولون لنا :”الإسلام يُحرم الأرهاب ككل تحريماً صارماً. ويفرض عقوبات قاسية علي كل من يشترك فيه أو يُشجعه أو يوافق عليه". ودليلهم علي ذلك :”أنه من واجب المسلمين المقيمين علي الآراضي الفرنسية أو المقيمين بشكل مؤقت إحترام تعاليم الإسلام بما فيها إحترام عهودهم بعدم الإضرار بالأشخاص و الممتلكات العامة و الخاصة".فكُلهم من اتحاد التنظميات الإسلامية وطارق رمضان لمسجد باريس الكبير يُلقون خطاباً مُشابهاً شاهداً علي غُربة الإسلام التامة عن مثل تلك الأحداث أو شاهداً علي الفهم الفاسد للنصوص الإسلامية.


الفيلسوف الجهادي عصام آيت يحيي


بعد كل هؤلاء قد لا يكون هناك غير عصام آيت يحيي الفيلسوف الجهادي الحاصل علي دكتوراة في القُعود ليُعطينا رؤية آخري عن تلك الأعمال. … حسنا ًكلا ! , لأنه وضّح في مقابلة علي صفحات مجلة "لو بوان" قبل أن يوافق علي أن قتل رسامي الكاريكتير بإسم الإسلام كان صادماً وأن :”الإرهابي هو الذي يرُهبك من أجل أن يفرض إرادته"فيأخذ بشكل ما النظرية التي لا تري في الجهاد إلا الجهاد الدفاعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد البخاري صحيح البخاري حديث رقم3017.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9)


لا يوجد في باريس غير الموت


و مع ذلك ففيلسوفنا الجهادي لا يجهل الحديث عن قتل اليهودي كعب بن الأشرف. فقد روي جابر بن عبد الله أن:” الرسول ﷺ قال :”من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم" [...]”(1) و لمحبي مقولة :”إنهم يُخرجون النصوص عن سياقها" هذا هو السياق الذي رواه لنا بن حجر العسقلاني(توفي-852ه) في شرحه لصحيح البُخاري:”روي أبو داود و الترمذي عن طرية الزهري […] أن كعب بن الأشرف كان شاعرًا وكان يهجو رسول الله ﷺ ويحُرض عليه كُفار قريش"(2) هل من الممكن أن يقول "آيت يحيي" أنه صُدم من طلب الرسول بقتل "كعب بن الأشرف"؟ أو ربما قد يرد علينا باحثنا في فقه الواقع أن الواقع قد تغيّر ففي زمن الرسول كان شاعراً أما الآن فهم رسامون قد أتخذوا رسول الله ﷺ سُخريا.


تـــــوضــــــيح


قبل استعراض حُججنا من الضروري لتكون تلك المُناظرة مُثمرة توضيح نقطتين:


1. المراجع : بدون مراجع مُشتركة لا فائدة من إجراء هذا النقاش .لذلك نقول أن مراجعنا هي القرآن و السنة (أي الأحاديث المُعتبرة كصحيحة أو حسنة) بفهم خير القُرون (الصحابة و مَنْ تبعهم خلال القرون الثلاثة الأولي للإسلام) و مَنْ تبعوهم من أئمة الدين. و لنكن واضحين : فنحن نبصق علي إسلام فرنسا الذي يدعو له رئيس الوزراء "مانويل فالس".هذه النقطة الأولي تُغلق الباب أمام حداثيو الكُفر أمثال "طارق أوبرو".


2. .هذه الدراسة لا تهدف إلي حسم المسائل الخلافية بين علماء الإسلام عن طريق اختيار الآراء التي قد تكون من وجهة نظرنا الأكثر إقناعاً.بل الهدف المُبتغي هو إظهار أن كل الآراء الفقهية للدولة الإسلامية تستند علي الأدلة من القرآن و السُنة بفهم العلماء المسلمين المُعترف بهم بين جميع الأمة. وأيضا سُيظهر هذا البحث ان هؤلاء الممثلين المُزيفين للإسلام في فرنسا هم الذين علي بُعد سنوات ضوئية من الإرث العلمي للقامات العظيمة للفقه الإسلامي. بعد هذا التوضيح نستطيع الآن استعراض حُججُنا.


حُرمة الدم و المال


لا شك أن الحرب الفكرية التي يقودها الغرب ضد الإسلام يحتل فيها حرب المُصطلحات موضع محوري . فتبدأ بإعطاء تسميات جديدة لأشياء لها أسماءها بالفعل في الإسلام أو يقومون بإدخال مُصطلحات جديدة ليس لها أي أساس فقهي لخلق التشويش و اللبس عند المُسلمين. فتنتهي بتسمية الكافر "غير مُسلم" , و المجاهد يُسمي "إرهابي" , و المرتد يمكن أن يشار إليه بـ "مُسلم غير مُمارس للشعائر" , والمسلم المُتدين يُطلق عليه "مُتشدد" أو "أصولي". وهكذا فما يُدعي بقادة المسلمين لا يتوقفوا عن إخبارنا عن الإسلام يُحرم قتل "المدنيين الأبرياء" في مُقابل "للمحاربين", ويبنوا آرائهم الفقهية إنطلاقاً من تلك التسميات , المشكلة أن الإسلام لا يعترف بتلك التسميات و لا يقوم بالتفريق و التمييز بين مدني و مُحارب كما سنري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد البُخاري صحيح البُخاري حديث رقم4037.
(2)ابن حجر العسقلاني فتح الباري في شرح صحيح البُخاري ج7 صفحة337.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10)


فما يتعلق بحرمة الدم و المال فالإسلام صنّف البشر لثلاثة أصناف سنذكرها هنا:


-المُسلم : معصوم الدم و المال إلا أن يرتكب ما ذُكر في حديث رسول الله ﷺ :”لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(1). فلا حاجة للوقوف عند تلك الجزئية لأنها مُسلمة من مُسلمات الإسلام لا أحد قد يجرؤ علي الإعتراض عليها.


-الكافر : هذا الصنف مُقسم لأصناف فرعية:
1.المُعاهد : هو الكافر لذي يتمتع بعهد مع المُسلمين وهذا الصنف مُقسم بدورة لثلاثة أنواع:
أ.الذمّيّ: هو الكافر الذي يعيش في دار الإسلام و يلتزم بدفع الجزية و يخضع لشريعة الله . فهو يتمتع بحماية دمه و ماله طالما لم يرتكب عمل ينقض هذا العهد.
ب.المُهادن : هو الكافر الذي يعيش في دار الكُفر لكنه يتمتع بإتفاق علي وقف الأعمال العدائية بينه و بين المُسلمين. فعلي عكس الذمّيّ فهو لا يخضع لأحكام الإسلام لكنه يلتزم بالإمتناع عن إيذاء المُسلمين. فهذا يُعتبر نوع من الهُدنة.
ج. المُستأمن : هو الكافر الذي يتم منحه عقد أمان إما بناءً علي طلبه أو بمبادأة من المُسلمين فيستطيع الدخول دار الإسلام مؤقتاً و يأمن علي نفسه خلال تلك الفترة.


2. الحربي : هو الكافر الذي لا يدخل تحت أي من الأصناف و الأقسام السابق ذكرها . و كقاعدة لا عصمة لدمه و لا ماله إلا لأولئك الذين اشار إليهم وخصصهم الرسول ﷺ كالنساء و الأطفال شريطة توافر شروط مُعينة و التي سنشرحها.


وهذا التقسيم ليس موضع خلاف بين فقهاء الإسلام في كل العصور كما سنري لاحقاً .فالإمام ابن القيم(توفي-751ه) يؤكد هذه النقطة :”الكُفارُ إما أهلُ حرب وإما أهلُ عهد، وأهلُ العهد ثلاثةُ أصناف: أهلُ ذمة. وأهلُ هُدنة. وأهلُ أمان.”(2)
ولنلاحظ أيضاً أن تلك المُعاهدات السابقة تخضع لشروط صارمة - والتي سنذكرها- وبدونها لا يكون لها أية قيمة من وجهة نظر التشريع الإسلامي.
لنذكر الآن الأدلة التي تتعلق بعدم حرمه دم و مال الكافر الحربي فقط لكونه كافر.


الأدلة من القرآن الكريم:


1. الله سُبحانه و تعالي قال :”﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (التوبة:5)
يظهر بوضوح من تلك الآية أن الله قد امرنا بقتل المُشركين حيثما كانوا وأن شرط نجاتهم هو أن يعتنقوا الإسلام ويقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة.
(1)محمد البُخاري صحيح البُخاري حديث رقم6878. مُسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم1676.
(2)ابن قيم الجوزية أحكام أهل الذّمة ج2 صفحة873.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11)


القاضي أبو بكر بن العربي(مالكي توفي-548ه) في تعليقه علي هذه الآية يقول:”قوله تعالى : ( فاقتُلُوا المُشركين ) : هذا اللفظُ وإن كان مُختصا بكُل كافر بالله ، عابد للوثن في العُرف ، ولكنهُ عام في الحقيقة لكُل من كفر بالله[…] ويبقى الكلامُ فيمن كفر من أهل الكتاب غيرُهُم ، فيُقتلُون بوُجُود علة القتل ، وهي الإشراكُ فيهم ، إلا أنهُ قد وقع البيانُ بالنص عليهم في هذه السُورة "(1) و لتلاحظ "علة القتل" هي " الإشراكُ فيهم" هذا يدعو للتأمل.


لنتابع مع الإمام القُرطبي(مالكي توفي-671ه) الذي يقول لنا عن هذه الآية :”واعلم أن مُطلق قوله:" فاقتُلُوا المُشركين" يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان، إلا أن الأخبار وردت بالنهي عن المُثلة.[…] (وأقامُوا الصلاة وآتوُا الزكاة فخلُوا سبيلهُم) هذه الآيةُ فيها تأمُل، وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك، ثُم قال:" فإن تابُوا". والأصلُ أن القتل متى كان الشرك يزُولُ بزواله، وذلك يقتضي زوال القتل بمُجرد التوبة"(2)


والإمام بن قُدامة المقدسي(حنبلي توفي-620ه) قال :”ولا قصاص على قاتل حربي، لقول الله تعالى: (فاقتُلُوا المُشركين حيثُ وجدتُمُوهُم). ولا على قاتل مرتد كذلك، ولأنه مباح الدم، أشبه الحربي"(3) هذا واضح وصريح بما فيه الكفاية فحُرمة الدم لا تُعطي لكُل البشر كما يدّعي أئمة الكذب و الضلال.


و قال الفقيه محمد الشوكاني(توفي-1250ه) :”وهذه الآيةُ المُتضمنةُ للأمر بقتل المُشركين عند انسلاخ الأشهُر الحُرُم عامة لكُل مُشرك لا يخرُجُ عنها إلا من خصتهُ السُنةُ، وهُو المرأةُ والصبيُ والعاجزُ الذي لا يُقاتلُ، وكذلك يُخصصُ منها أهلُ الكتاب الذين يُعطُون الجزية على فرض تناوُل لفظ المُشركين لهُم، وهذه الآيةُ نسخت كُل آية فيها ذكرُ الإعراض عن المُشركين، والصبر على أذاهُم.[...] قولُهُ: (فإن تابُوا وأقامُوا الصلاة وآتوُا الزكاة) أي: تابُوا عن الشرك الذي هُو سببُ القتل. “(4) هنا أيضا علة القتل هي الشرك.لأمر يدعوك للاعتقاد بأن أتباع داعش متغلغلون بين عُلماء المسلمين.


لنُكمل مع الألوسي البغدادي(شافعي توفي-1270ه) الذي قال :” ونقل عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه استدل بالآية على قتل تارك الصلاة وقتال مانع الزكاة، وذلك لأنه تعالى أباح دماء الكفار بجميع الطرق والأحوال ثم حرمها عند التوبة عن الكفر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فلما لم يوجد هذا المجموع تبقى إباحة الدم على الأصل"(5) , أما أبو بكر الجصاص(حنفي توفي-370ه) فقال بخصوص هذه الاية : “ومعلوم أن وجود التوبة من الشرك شرط لا محالة في زوال القتل "(6)


ونختم مع القامة الكبيرة أحمد بن تيمية الذي بيّن أن :”(فإن تابُوا وأقامُوا الصلاة وآتوُا الزكاة فخلُوا سبيلهُم) فإن هذا الخطاب عام في قتال كل مشرك وتخلية سبيله إذا تاب من شركه وأقام الصلاة وآتى الزكاة سواء كان مشركا أصليا أو مشركا مرتدا"(7)


ها نحن إنتهينا من الآية الأولي ولتعلموا أن هناك الكثير من التعليقات والشروح للعلماء كلها تسير في نفس الإتجاه لكن من الصعب أن نذكرها كلها هنا. فلنمضي الآن للاية الثانية.


2. الله سُبحانه و تعالي قال :﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾(التوبة:29) معني الآية واضح بلا لبس لكن دعنا لا نخاطر بأن يتهمونا بأننا نُفسر النصوص كما يتراءي لنا لندع الأمر في أيدي علماء و فقهاء المسلمين.
(1)أبو بكر بن العربي أحكام القرآن ج2 صفحة456.
(2)أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج8 صفحة74.
(3)ابن قُدامة المقدسي الكافي في فقه الإمام أحمد ج3 صفحة254.
(4)محمد الشوكاني فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية ج2 صفحة385.
(5)محمود الألوسي روح المعاني في تفسير القرآن العظيم ج5 صفحة246.
(6)أبو بكر الجصاص أحكام القرآن ج4 صفحة270.
(7)أحمد بن تيمية الصارم المسلول علي شاتم الرسول صفحة318.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12)
فالقرطبي(مالكي توفي-671ه) يُفسّر الاية هكذا :”فأمر سُبحانهُ وتعالى بمُقاتلة جميع الكُفار لإصفاقهم على هذا الوصف […] ثُم جعل للقتال غاية وهي إعطاءُ الجزية بدلا عن القتل"(1) وهكذا فمن الوقت الذي يدخل الكافر تحت هذا الوصف يجب ان يُقاتل حتي يقبل دفع الجزية او يُقتل.


وقال ابن جرير الطبري(توفي-310ه) :ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم"(2), بمعني آخر لا جزية لن تجد رأسك في مكانه…………. ننتقل للآية التالية.


3. الله سُبحانه و تعالي قال : ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(الأنفال:39)


قال ابن جرير الطبري في تفسيرها :”عن قتادة قوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)، يقول: قاتلوهم حتى لا يكون شرك, (ويكون الدين كله لله), حتى يقال: "لا إله إلا الله", عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم, وإليها دَعا.[…] والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب , لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال , فإنه كان فرضًا على المؤمنين قتالهم حتى يُسلموا.”(3)


والقاضي أبو بكر العربي(مالكي توفي-548ه) قال :”المسألة الثالثة : أن سبب القتل هو الكُفر بهذه الآية , لأنهُ تعالى قال (حتى لا تكُون فتنة) , فجعل الغاية عدم الكُفر نصا, وأبان فيها أن سبب القتل المُبيح للقتال الكُفر.”(4), لا يختلط عليكم الأمر فهذه الكلمات ليست كلمات الخليفة " أبو بكر البغدادي " بل هي كلمات القاضي أبو بكر بن العربي! أما القرطبي(مالكي توفي-671ه) فيؤكد : “فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكُفر، لأنهُ قال:" حتى لا تكون فتنة" أي كُفر، فجعل الغاية عدم الكُفر، وهذا ظاهر"(5) ماذا كان سيقول القُرطبي إذا سمع ما يقوله أئمة الجمهورية؟ فبالتأكيد علة القتل متوفرة فيهم.


وقال المُفسر الشهير ابن كثير(شافعي توفي-774ه) : وقوله: (فإن انتهوا) أي: بقتالكم عما هم فيه من الكُفر، فكفوا عنهم وإن لم تعلموا بواطنهُم"(6)


و يقول الإمام البغوي(شافعي توفي-516ه) : “(وقاتلوهُم) يعني: المُشركين، (حتى لا تكون فتنة) أي: شرك، يعني قاتلُوهُم حتى يُسلموا فلا يُقبل من الوثني إلا الإسلامُ فإن أبى قُتل."(7) أوه مهلاً ! ألا يُعتبر هذا تحريضاً علي القتل يا سيد/البغوي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج8 صفحة110.
(2)ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج14 صفحة199.
(3)ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج13 صفحة544.
(4)أبو بكر بن العربي أحكام القرآن ج1 صفحة155.
(5)أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج2 صفحة354.
(6)إسماعيل بن كثير تفسير القرآن العظيم ج4 صفحة57.
(7)أبو محمد البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن ج1 صفحة238.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13)


وقال محمد الشوكاني(توفي-1250ه) :قوله: (وقاتلوهُم حتى لا تكون فتنة) فيه الأمر بمُقاتلة المُشركين إلى غاية، هي: أن لا تكُون فتنة وأن يكُون الدينُ لله، وهُو الدُخُولُ في الإسلام، والخُروج عن سائر الأديان المُخالفة لهُ، فمن دخل في الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله […] قوله: فلا عُدوان إلا على الظالمين أي: لا تعتدُوا إلا على من ظلم وهو من لم ينته عن الفتنة، ولم يدخُل في الإسلام"(1) ها هو واحد آخر مُلقن ستجد "دُنيا بوزار" صعوبة كبيرة في تقويمه حتي لو استخدمت كل سحرها و جاذبيتها.


الأدلة من السُنّة


4. .قال رسول الله ﷺ : “ أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"(2)


5. عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر:” لأعطين هذه الراية رجلا يُحب الله ورسوله يَفتح الله على يديه قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك قال فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ :"يا رسول الله على ماذا أُقاتل الناس" قال:” قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مِنك دماءهم و أموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"”(3)


الأحاديث في هذا الجانب كثيرة و كُلها تُبيّن عدم حُرمة دماء و أموال الكُفار الذين ليس بينهم و بين المسلمين عهد و أن علة ذلك هو كُفرهم نفسه . والجدير بالملاحظة هو كيف صنّف أئمة الحديث هذه الأحاديث و الروايات فنجد الإمام ابن أبي شيبة(توفي-235ه) وضع هذا الحديث تحت عنوان :”فيما يُحقن به الدم ويُرفع به عن الرجل القتل"(4). و أما الإمام الدارقطني(توفي-385ه) فوضعة تحت :”باب تحريم دمائهم وأموالهم إذا يشهدوا بالشهادتين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة"(5).


ويَروي الإمام البُخاري(توفي-256ه) : سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال:” يا أبا حمزة ، ما يُحرّم دم العبد وماله" فقال:” من شهد أن لا إله إلاّ اللّهُ ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهُو المُسلمُ ، لهُ ما للمُسلم ، وعليه ما على المُسلم"”(6) و كما ترون كيف أحال مُباشرة الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- حرمة الدم و المال للإسلام لنفهم من هذا ان هذه المسالة لم يكن فيها أي شك بين الصحابة.


وقال العالم أبو بكر السرخسي(حنفي توفي-490ه) :”"فإنّ الشّرع أثبت العصمة بسبب واحد في المال والرّقاب قال صلّى اللّهُ عليه وسلّم "فإذا قالُوها عصمُوا منّي دماءهُم وأموالهُم"”(7)


و ابن رشد(مالكي توفي-595ه) قال : “والأصلُ أنّ المُبيح للمال هُو الكُفر، وأنّ العاصم لهُ هو الإسلام، كما قال عليه الصّلاة والسّلامُ : "فإذا قالُوها عصمُوا منّي دماءهُم وأموالهُم"”(8) وهكذا حتماً لا يستطيع أنصار "حُرمة الحياة الإنسانية" حتي أن يستعينوا بهذا العجوز الطيب ابن رشد للخروج من هذا المأزق.


الأدلة من إجماع العُلماء


بعد أن ذكرنا الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية مُصاحبة بشروح عُلماء الأُمة , سوف نذكر هنا إجماع علماء المُسلمين عن عدم حُرمة دم و مال الكافر طالما لا يوجد هناك عهد بينه و بين المُسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد الشوكاني فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية و الدراية ج1 صفحة220.
(2)محمد البُخاري صحيح البُخاري حديث رقم25, مُسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم22.
(3) مُسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم2405.
(4)ابن أبي شيبة مُصنّف ابن أبي شيبة ج5 صفحة556.
(5)أبو الحسن الدارقطني سُنن الدارقطني ج1 صفحة231.
(6) محمد البُخاري صحيح البُخاري حديث رقم385.
(7)أبو بكر السرخسي المبسُوط ج10 صفحة52.
(8)أبو الوليد بن رُشد بداية المُجتهد و نهاية المُقتصد ج2 صفحة163.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14)


6. الأمام ابن جرير الطبري(توفي-310ه) قال :”وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قَلَّد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم، لم يكن ذلك له أمانًا من القتل، إذا لم يكن تقدَّم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان"(1)


والمفسر الشهير ابن كثير(شافعي توفي-774ه) قال : “وقد حكى ابن جرير الإجماع على أنّ المُشرك يجُوز قتلُهُ إذا لم يكُن لهُ أمان وإن أمّ البيت الحرام أو بيت المقدس"(2)……. ما الذي يعنيه هذا؟ ببساطة يعني أن عُلماء المسلمين مُجمعون علي حقيقة أن دم الكافر الحربي ليست معصومة ولا وجود لخلاف بينهم في هذا وأن الأمر كله ليس إلا من ابتداع مَنْ باعوا دينهم في عصرنا هذ بثمن بخس من أجل إرضاء الكُفار.


7. تشهد كلمات علماء المذاهب الفقهية الأربعة علي عدم عصمة دم و مال الكافر الذي لا يستفيد من عهد بينه وبين المُسلمين.


ففي المذهب الحنفي:


الكمال بن الهُمام(حنفي توفي-861ه) قال : “"قولُهُ: فإن قتلهُ قاتل قبل عرض الإسلام عليه" أو قطع عُضوا منهُ "كُره ذلك، ولا شيء على القاتل" والقاطع "لأنّ الكُفر مُبيح" وكُلُّ جناية على المُرتدّ هدر"(3)


وبقول علاء الدين الكاساني(حنفي توفي-587ه) في سياق حديثة عن الشروط الأساسية في القتل لكي يُمكن تطبيق القصاص : “والثالث: أن يكون معصُوم الدّم مُطلقاً, فلا يُقتلُ مُسلم, ولا ذمّيّ بالكافر الحربيّ, ولا بالمُرتدّ لعدم العصمة أصلاً ورأساً"(4) ….هل من الممكن أن علماء الحنفية قد بايعوا الدولة الإسلامية.


وفي المذهب المالكي


يقول القُرطبي(مالكي توفي-671ه) : والمُسلم إذا لقي الكَافر ولا عهد له جاز له قتله، فإن قال: لا إله إلّا اللّه لم يجز قتله، لأنّه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله" (5)


وفي شرح مختصر خليل و هوأحد مراجع الفقه المالكي نجد التالي : “فالحربيّ لا يُقتل قصاصاً بل يُهدر دمه وعدم عصمته […] "قوله: فالحربيّ لا يقتل قصاصا" أي لعدم التزامه أحكام الإسلام "قوله بل يهدر إلخ" أي بل يقتل بسبب هدر دمه" (6)……. فعلاً ! المذهب المالكي ليس مُعتدلاً كما يُريد أن يُصوره بعض أئمة فرنسا. فليس هناك شئ اسمه مذهب مُعتدل , هناك فقط أُناس لا يعرفون دينهم و لا يُطبقون المذهب الذي يتبعونه.


وعند المذهب الشافعي:


قال الإمام الكبير محمد الشافعي(توفي-204ه) , واحد من أربع أئمة الذين أنشاوا االمذاهب الفقهية الأربعة) : حقن الله الدماء ومنع الاموال إلا بحقها بالايمان بالله وبرسوله أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لاهل الكتاب وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان"(7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن جرير الطبري جامع البيان في تأويل آي القُرآن ج9 صفحة479.
(2)إسماعيل بن كثير تفسير القرآن العظيم ج2 صفحة11.
(3)الكامل بن الهُمام فتح القدير ج6 صفحة71.
(4)علاء الدين الكاساني بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج7 صفحة236.
(5)أبو عبدالله القُرطبي الجامع لأحكام القرآن ج5 صفحة338.
(6)مجمد الدسوقي حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير ج4 صفحة237.
(7)محمد الشافعي الأُم ج1 صفحة293.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15)


الخطابي(شافعي توفي-388ه) قال : “أنّ الكافر مباح الدّم بحكم الدّين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدّم كالمسلم "(1) والإمام النووي(شافعي توفي-676ه) يقول : “ وأما من لاعهد له ولا أمان من الكفار، فلا ضمان في قتله على أي دين كان"(2) …..الشافعية أيضا لا يصلحون, فها هي.الدعوة للقتل و التحريض علي الإرهاب.


وعند المذهب الحنبلي :


قال الإمام ابن قُدامة المقدسي(حنبلي توفي-620ه) : وكذلك لو ارتد جماعة وامتنعوا في دارهم عن طاعة إمام المسلمين ، زالت عصمتهم في أنفسهم و أموالهم ; لأن الكُفار الأصليين لا عصمة لهم في دارهم ، فالمرتد أولى . “(3)


والإمام ابن مُفلح(حنبلي توفي-884ه) قال : “فلا يجب القصاص بقتل حربيّ, لا نعلم فيه خلافا، ولا تجب بقتله دية، ولا كفّارة ; لأنّه مباح الدّم على الإطلاق كالخنزير، ولأنّ اللّه تعالى أمر بقتله، فقال: (فاقتلوا المشركين), وسواء كان القاتل مسلما، أو ذمّيّا ولا مرتدّ لأنّه مباح الدّم، أشبه الحربيّ"(4)…. و كما نري فبالنسبة للعالم العلامة ابن مُفلح فدم الكافر الحربي لا يساوي اكثر من دم الخنزير وكلنا نعلم ما هي قيمة الخنزير في الإسلام ……


لنختم تلك المسألة بنقل عدة أقوال لعلماء الإسلام العظام لنُظهر إلي البون الشاسع بينهم وبين هؤلاء المُسمون بمُمثلي الإسلام في فرنسا في تناول هذه النوعية من القضايا. فالإمام الكبير ابن قُدامة المقدسي(حنبلي توفي-620ه) يُحدثنا عن حالة ما إذا لم يجد المُسلم طعام ليأكله و ليس هناك أي طريقة للحصول عليه فيقول :” ومن لم يجد إلا آدمياً معصوماً لم يبح له قتله؛ لأنه لا يحل وقاية نفسه بأخيه، ولا يحل له قطع شيء من نفسه ليأكله؛ لأنه يتلفه يقيناً ليحصل ما هو موهوم. وإن وجد آدمياً مباح الدم، فله قتله وأكله؛ لأن إتلافه مباح"(5)


والإمام المرداوي(حنبلي توفي-885ه) قال في تعليقه علي كلام مُشابه للإمام ابن مُفلح (حنبلي توفي-884ه) :”قوله "فإن لم يجد إلّا آدميّا مباح الدّم كالحربيّ، والزّاني المحصن: حلّ قتله وأكله" هذا(رأي) المذهب(الحنبلي). وعليه جماهير الأصحاب. “(6)


ويقول شمس الدين الشربيني(شافعي توفي-977ه) :لا يُقتل الُمسلم إذا قتل كافرا حربيّا, ومعلوم أنّ قتله عبادة فكيف يُعقل أنّه يُقتل به "(7) …. نصيحة للكُفار اتصلوا بُسرعة بالرقم الأخضر المُخصص لمنع التطرف فنحن في مواجهة حالة طارئة !


أبو إسحاق الشيرازي(شافعي توفي-476ه) قال في سياق حديثه عن الغصب : “وإن غصب خيطاً فخاط به جُرح حيوان فإن كان مُباح الدم كالمرتد والخنزير والكلب العقور وجب نزعه ورده لأنه لا حُرمة له فكان كالثوب"(8)..لا تعليق.


في الواقع كُل ما نقلناه عن علماء المُسلمين الكبار ليس فيه أي غرابة حينما نتذكر أنه في صلح الحُديبية بين الرسول ﷺ و مشركي قُريش اقترب الصحابي الجليل عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أبي جندل الذي سُلّم للمشركين وقال له وهو يدنى قائم السيف منه : “ أصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب "(9) . ومع ذلك فقد جاء الرسول ﷺ وكذلك عُمر ليوقعوا عقد صُلح مع هؤلاء المُشركين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن حجر العسقلاني فتح الباري في شرح صحيح البُخاري ج12 صفحة189.
(2)أبو زكريا النووي روضة الطالبين و عمدة المفتين ج13 صفحة67.
(3)ابن قُدامة المقدسي المُغني ج9 صفحة479.
(4)إبراهيم بن مُفلح المُبدع في شرح المُقنع ج7 صفحة211.
(5) ابن قُدامة المقدسي الكافي في فقه الإمام احمد ج1 صفحة560.
(6)علاء الدين المرداوي الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ج10 صفحة376.
(7)شمس الدين الشربيني مُغني المُحتاج إلي معرفة ألفاظ المِنهاج ج5 صفحة239.
(8)أبو إسحاق الشيرازي المُهذب في فقه الإمام الشافعي ج2 صفحة205.
(9)أحمد بن حنبل المُسند حديث رقم18910.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16)

تجمع لمُشركي الجبهة الوطنية الفرنسية ...أهداف رئيسة لهجماتنا


دحض الشُهبات المتعلقة بهذه المسألة


لدي مُخالفينا الكثير من الحُجج الباطلة التي يُعارضون بها ما استعرضناه ولكن يكفي أن ندحض أشهرها لنُدرك مدي التلفيق و الخداع الذي يستخدمونه.


الشُيهة الأولي:


الذين يقبلون بالآيات و الأحاديث التي أوردناها هنا مع شروح و تفسيرات عُلماء المُسلمين العظام سيقولون لنا أنه لا بأس بما أوردتموه لكن يظل خطأكم في تعريف من هو الحربي لأنه في الواقع الحربي هو الذي يُقاتل المُسلمين و هو الذي في حرب ضد الإسلام.


دحض هذه الشبهة:


نري هنا النموذج المثالي لمن تعرض لغسيل دماغ كامل عن طريق حرب المُصطلحات التي ذكرناها في بداية استعرضنا, فهو نشأ و تشكل عقلها علي مٌصطلحات ك "مدنيين" و "حربيين" والتي جعل منها المثال الذي يستقي منه قواعد الإسلام. مع ذلك فالنصوص التي ذكرناها و أقوال العُلماء و اضحة و في ما أوردناه ما يكفي للرد علي تلك الشُبهة ولكن لإزالة أي شك قد يظل موحوداً بعد كل هذا نقول :


1. .الآيات و الأحاديث السابق ذكرها صريحة في بيان العلاقة السببية بين الكٌفر و جواز و مشروعية القتال بل حتي فرض القتال. فالله تعالي يقول :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ ولم يقُل اقتلوا المُشركين المُقاتلين, ويقول : ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ولم يقُل المُقاتلين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر, وقال :﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ وليس لقتالهم حتي لا يكون هناك أي قتال.وقول الرسول ﷺ لعليّ “قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله" و لم يقل حتي يتوقفوا عن القتال. ليس هناك وضوحاً أكثر من هذا.


وهذا هو السبب أن الإمام القرافي(مالكي توفي-684ه) قال بخصوص هذه النصوص : “أَن ظاهر النُّصُوص تَقتضِي تَرتِيب الْقِتال على الكُفر والشِّرك كقوله تعالى﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾( التَّوْبَة:73 )و ﴿قَاتلُوا الْمُشْركين كَافَّة﴾(التَّوْبَة:36)


وقوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم :"قاتلوا من كفر بالله" وترتيب الحكم على الوصف يدل عليه ذلك الوصف لذلك الحكم وعدم عِلّية غيره"”(1) و بالإضافة لذلك يروي لنا الإمام مٌسلم(توفي-261ه) حديث أن الرسول ﷺ كان من عادته أن يقول لأصحابه قبل الغزوات :اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تَغلوا ولا تَغدروا ولا تُمثّلوا ولا تَقتلوا وليداً […]””(2) . الأمر إذاً يتعلق بقتال مَنْ كفر بالله و ليس قتال المُقاتلين منهم علي وجه التحديد. وأيضا فالأطفال بشكل عام لا يكونون مُقاتلين وبالتالي فمن غير المُفيد تعيينهم بشكل خاص إذا كانت المسألة تتعلق فقط بقتال المُقاتلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شهاب الدين القرافي الذخيرة ج3 صفحة387.
(2)مسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم1731.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17)


والأكثر من هذا , أن عُلماء المُسلمين مُجمعون -كما سنري لاحقاً - بالقول بأنه إذا قاتل الطفل الكافر فيجوز قتلُه .ولذلك إذا كان أمر الرسول ﷺ يتعلق بالمُقاتلين فلماذا استُثني الأطفال ؟ , وهكذا تتضح تماماً كلمات الإمام الشافعي التي نقلناها :” وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان"(1)


2. لقد.عرّف العُلماء المُسلمين مُصطلح الحربي بشكل قاطع ويكفي لرؤية ذلك الرجوع للإستشهادات التي نقلناها ككلمات القُرطبي(مالكي-توفي671) :”والمُسلم إذا لقي الكَافر ولا عهد له جاز له قتله"(2) , ولنأخذ أيضاً كلمات ابو زكريا النووي(شافعي توفي-67ه) :وأما من لا عهد له ولا أمان من الكفار، فلا ضمان في قتله على أي دين كان"(3) , فهو لم يُشير إلي القتال بل أشار إلي عدم وجود عهد.


ورغم كُل هذا , وبما أننا في عصر حتي أشعة الشمس الساطعة الواضحة تحتاج لإثبات . سنستشهد بكلمات آخري لعلماء المسلمين عن طبيعة الكافر الحربي. فشيخ الإسلام ابن تيمية يقول لنا في شرحه لشروط الرق : “وأيضا فسبب الاسترقاق هو الكُفر بشرط الحرب فالحُر المُسلم لا يُسترق بحال؛ والمُعَاهد لا يُسترق؛ والكُفر مع المحاربة موجود في كل كافر فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله"(4). هذا واضح :”سبب الاسترقاق هو الكُفر" لذلك يُستثني "المُسلم الحُر" , و “ الكُفر بشرط الحرب , وهذا بالتالي يَستثني :”(الكافر)المُعَاهد لا يُسترق" فالنتيجة هي : أن الكافر الحربيّ هو الذي ليس بينه و بين المُسلمين عهد . وأن كل الكافر -في الأصل – هو حربي حتي يحصل علي عهد أو يعتنق الإسلام.


وقال الأمام الكبير الشافعي(توفي-204ه) في تعليقه علي آية :﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ﴾(التوبة:6) : “فجعل له العهد إلى سماع كلام الله وبلوغ مأمنه و العهد الذي وصفت على الابد إنما هو إلى مدة إلى المُعاهد نفسه ما استقام بها كانت له فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال"”(5). بعبارة آخري , كون الإنسان كافر وليس له عهد يستلزم كونه في حرب مع الإسلام حتي لو كان هذا الكافر ليس في قتال مُباشر مع المُسلمين.


ويقول شمس الدين الشربيني مُذكراً بدّية الكافر التي يجب أن تُدفع في حال قَتلهُ مُسلم : “وأيضا فهو الموافق لتصويب أهل الحساب له بكونه أخصر وكذا وثنيّ ونحوه كعابد شمس وقمر وزنديق وهو من لا ينتحل دينا ممن له أمان كدخوله لنا رسولا أما من لا أمان له فمُهدر"(6) , ومن المهم هنا أن نلاحظ أن ما قاله الشربيني لم يكن في إطار الحرب ولكنه كان تحت بند الجرائم التي يمكن تسميتها بالحقوق العامة.


أما منصور البهوتي(حنبلي توفي-1051ه) يُبين الدّية المُقدمة عن قتل الكافر :” "إن كان ذمّيّا أو معاهدا أو مستأمنا" لاشتراكهم في حقن الدم أما الحربي فهدر "(7) , ويتفق هذا مع كلام الإمام ابن القيم(توفي-751ه) والذي نقلناه : “ الكُفارُ إما أهلُ حرب وإما أهلُ عهد، وأهلُ العهد ثلاثةُ أصناف: أهلُ ذمة. وأهلُ هُدنة. وأهلُ أمان"(8). هذا بلا أي لبس بالنسبة للحربي فهو ليس فقط الكُفار الذين يقاتلون الإسلام بل هو كُل الكُفار الذين ليس بينهم وبين المُسلمين عهد.
(1)محمد الشافعي الأُم ج1 صفحة293.
(2)أبو عبد الله القُرطبي الجامع لأحكام القُرآن ج5 صفحة338.
(3)أبو زكريا النووي روضة الطالبين ج13 صقحة67.
(4)أحمد بن تيمية مجموع الفتاوي ج31 صفحة380.
(5)محمد الشافعي الأُم ج7 صفحة341.
(6)شمس الدين الشربيني الإقناع في حل ألفاظ أبي شُجاع ج2 صقحة506.
(7)منصور البهوتي كشّاف القناع عن متن الإقناع ج6 صفحة21.
(8)ابن قيم الجوزية أحكام أهل الذمة ج2 صفحة873.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18)


وهذا يظهر بوضوح في كلمات الشربيني(شافعي توفي-977ه) والذي يشرح أن القصاص لا يُطبق علي المُسلم الذي يقتل الحربي حتي لو كان هذا الحربي إمراءة أو طفل : “والخامس عصمة القتيل بإيمان أو أمان كعقد ذمّة أو عهد لقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ اي الآية ولقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ ۚ﴾ اي الآية فيهدر الحربي ولو صبيا وامرأة وعبدا لقوله تعالى : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾"(1) اإنتبهوا !فهو لا يقول انه يجوز قتل النساء و الأطفال لأن هذا يُمثل إنتهاكاً للشريعة الإسلامية و لكن ببساطة هذا الإنتهاك لا يستلزم تطبيق حد القصاص علي القاتل. وما هو جدير بالملاحظة هنا هي الطريقة التي قسم بها الشربيني الكُفار فبعد أن ذكر قسم الكُفار الذين لهم عهد لم يتبقي إلا ذكر الكُفار الحربيين. فضلا عن ذلك فبإدخاله النساء و الأطفال تحت قسم الحربي فقد اظهر أن ذلك القسم لا يُعيّن حصرياً المُقاتلين لأنه من المعروف أن النساء و الأطفال لا يُقاتلوا!


ويقول محمد الشوكاني(توفي-1250ه) : “فالمشرك سواء حارب أو لم يحارب مباح الدم ما دام مشركاً"(2) إن هذا العالم غير متسامح علي الإطلاق!


قال الإمام الكبير الشافعي(توفي-204ه) : بأن الله تبارك وتعالى حرّم دم المؤمن وماله إلا بواحدة ألزمه إياها، وأباح دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يّستأمن إلى مدة"(3). حتي عقد الإستئمان مؤقت كما نصّ علي ذلك العلماء العهد الوحيد الذي ليس له مُدة هو عهد الذمّيّ حين يدفع الكُفار الجزية و هم صاغرون. وقال الشافعي أيضاً : “دماءهم وأموالهم مباحة قبل الإسلام أو العهد لهم"(4)


و قال شيخ الإسلام ابن تيمية(توفي-728ه) : “لأن الكُفر مُبيح للدم لا موجب لقَتل الكافر بكل حال فإنه يجوز أمانه ومُهادنته والمن عليه ومُفاداته لكن إذا صار للكافر عهد عصم العهد دمه الذي أباحه الكُفر"(5). مرة آخري التمييز بين الحربي و غير الحربي هو بوجود عهد من عدمه و ليس لوجود القتال من جانب الكافر.


هكذا , نري ان حُرمة الحياة الإنسانية المزعومة بدون تمييز بين كافر و مُسلم لا وجود لها في الإسلام , ولكن الكذبة المدّعون لا يتوقفوا عن تكرار عكس هذا بإعتمادهم علي آية يعطونها التفسير الذي يُناسبهم دون الرجوع إلي تفاسير العُلماء الذين سبقوهم. وهذا يقودنا إلي الشبهة الثانية لمن نصّبوا أنفسهم مُمثلين للإسلام في فرنسا.


الشُبهة الثانية :


هذه الشُبهة تستند علي الآية الشهيرة التي يستخدمها مُعظم القادة الدينيين في فرنسا والتي -وفقاً لهم – من المفترض أنها تؤكد حُرمة الحياة الإنسانية بشكل مُطلق. قال الله  :﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة:32)
(1)شمس الدين الشربيني الإقناع في حل ألفاظ أبو شُجاع ج2 صفحة498.
(2)محمد الشوكاني السيل الجرار المُتدفق علي حدائق الأزهار ج1 صفحة867.
(3)محمد الشافعي الأُم ج1 صفحة301.
(4)محمد الشافعي الأُم ج6 صفحة39.
(5)احمد بن تيمية الصارم المسلول علي شاتم الرسول صفحة166.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19)
دحض هذه الشُبهة:


هذه الحُجة قد نقضها جزئياً الصحفي "أوليفييه جالزي" في استدويو "آي-تيليه" بمخاطبة "أنور كبيبش" (رئيس مفدا) بهذه العبارات : “ أنت تقترح بهذه الدعوة الجدّية خُطبة تحنوي علي استشهادات قُرآنية لأن فكرتك تقول أن الحرب هي أيضاً حرباً معرفية . ولذلك تقترح بوجود استشهادات قُرآنية في هذه الخُطبة وخصوصاً السورة 5 الآية 32 :”﴿ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾, فيما أنه بقرائتنا نتسائل أن هؤلاء الذين لا يفهمون أي شئ سيقرأون أيضاً ﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ فإذا اعتبروا أن كون الإنسان نجس هو فساد فهذا بالتالي لن يحل المُشكلة التي يُشكلها الإرهاب!”
بصراحة نجد صعوبة في تصديق أنه قبل السيد/جالزي لم يُفكر أياً من مُمثلي الإسلام في فرنسا في هذا الإحتمال الأمر الذي يدعوك للتسائل أليس هذا الصحفي أحق بأن يكون رئيس "مفدا"؟!


الحقيقة أن المفسر الكبير البغوي(شافعي توفي-516ه) فسّر ما الذي يعنيه فساد في الرض في هذه الاية : “﴿أوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ يريد بغير نفس وبغير فساد في الأرض من كفر أو زنا أو قطع طريق، أو نحو ذلك "(1). والقرطبي (مالكي توفي-671ه) يُفسّر لنا أيضاً هذا الفساد في الأرض : “﴿أوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ أي شرك"(2)


وقال محمد الشوكاني(توفي-1250ه) في تفسيره هذه الاية :”وظاهر النظم القرآني أنه ما يصدق عليه أنه فساد في الأرض فالشرك فساد في الأرض"(3). وبالتالي فهذه الآية في اتفاق تام مع أُطروحاتنا التي قدمناها والتي تقول أن دم الكافر الحربي غير معصوم.


في الواقع فإن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه الصحفي "جالزي" بأن يعزي هذا الفهم لمَنْ" لا يفهمون أي شيئ" لأن هذا الفهم هو فهم كُل علماء الإسلام , هذا الفهم الذي أتاح لجمع كل تلك النصوص القرآنية المُختلفة بدون ان تجد فيها تناقض. كيف لمُسلمي فرنسا أن يستمروا في الوثوق في مُمثليهم و هم يرون مدي خداعهم؟ إنهم يسخرون منهم وبالأخص من الإسلام بوضوح بإختراعهم لتفسيرات توافق الجمهورية . كُل مُسلم لديه ذرة من عزة و غيرة علي النبي ﷴ ﷺ يجب ان يشعربالغضب و بأنه تم خيانته.


لو كانوا يعلمون فهذه الآية ليست هي الآية الوحيدة التي حرّفوا معناها عمداً عن المعني الصحيح لها كما سنري في الشُبهة الثالثة.


الشُبهة الثالثة:


يقول لنا مُنتقدينا أنّ مفهومنا لا يمكن أن يكون صحيحاً لأنه يتعارض مع الآيات التي تُحرم فرض الدين علي الناس .فإذا كان الرسول ﷺ أمر بقتال الناس حتي يشهدوا ان لا إله إلا الله , فلماذا إذاً قال الله سُبحانه و تعالي :﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾(البقرة:256) وقال أيضاً: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(الكهف:29) ,و أيضاً ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾(الكافرون:6).


دحض هذه الشُبّهة :


لا تتوقعوا أن تجدوا في حُجتهم هذه قوة و رصانة فهم دائماً يستخدمون نفس الطريقة , فيفسرون الآيات تبعاً لهواهم . ولنري ما يقوله المفسرون المعترف بهم عن هذه الآيات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو محمد البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن ج3 صفحة46.
(2)أبو عبد الله القُرطبي الجامع لأحكام القُرآن ج6 صفحة146.
(3)محمد الشوكاني فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية و الدراية ج2 صفحة385
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20)


1. قال الإمام ابن كثير عن آية (لا إكراه في الدين) : “وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يُدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل. وهذا معنى الإكراه قال الله تعالى: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُون﴾ (الفتح:16) وقال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾(التحريم:9)”(1)


ويقول الأمام الطبري(توفي-310ه) بخصوص نفس الآية :”وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم ﷺ أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم كان بينا بذلك أن معنى قوله:"لا إكراه في الدين"، إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام.”(2) …. ,ولذلك فإن هذه الآية ليست في تعارض مع أُطروحتنا فنحن قُلنا أن دم الكافر يُعصم بواحد من ثلاثة عهود وخصوصاً عهد الذمة , هذا بالإضافة إلي أنه أياً كانت الطريقة التي نفهم بها هذا الإكراه الذي ذكرته الآية فلابد أن يكون فهمنا علي ضوء أفعال الرسول ﷺ الذي كما تروي لنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- :”فإن خلق نبي الله ﷺ كان القرآن"(3). فالإمام مُسلم يروي لنا أن رسول الله ﷺ كان مُعتاداً أن يحث أمراء الغزوات قبل كل غزوة بقوله لهم :”وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم […] فإن هم أبوا فسلهم الجزيّة فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "(4) . وهكذا فالذين يرون في هذا الفعل إكراه سيقولون أنه ليس كالإكراه الذي أشارت إليه الآية , و مَنْ لا يرون فيه إكراه سيقولون أن رسول الله ﷺ قد أعطاهم مع ذلك إمكانية دفع الجزيّة.
نصاري قتلتهم الدولة الإسلامية في ليبيا


2. .بالنسبة لآية :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ والتي يستخدمها الدجالون لإظهار أن النبي ﷺ قَبِل بشكل مُطلق أن يبقي الناس علي دينهم , وهذا هنا ما يقوله العُلماء عنها : فالقُرطبي(مالكي توفي-671ه) قال :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ فيه معنى التهديد، وهو كقوله تعالى:﴿لنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ﴾ (القصص: 55) أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا. وكان هذا قبل الأمر بالقتال، فنُسِخ بآية السيف. وقيل: السورة كلها منسوخة. وقيل: ما نُسخ منها شيء لأنها خبر"(5). فأولاً : يري القُرطبي في الآية تهديداً للكُفار . ثانياً : هو يُبين أنه إما هذه الآية قد تم نسخها بآية :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ , أو أنه لم يتم نسخها لأنها مجرد إخبار و لا ينبني عليها حُكم شرعي. وهذا يدل علي أن الله لا يُقرّ دينهم إطلاقاً , ولكنه يُخبر بأن ديننا دين الحق منفصل و مستقل تماماً عن شركهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)إسماعيل بن كثير تفسير القرآن العظيم ج1 صفحة683.
(2) ابن جرير الطبري جامع البيان في تأويل آي القُرآن ج5 صفحة415.
(3)مُسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم746.
(4)ُمسلم بن الحجاج صحيح مُسلم حديث رقم1731.
(5) أبو عبد الله القُرطبي الجامع لأحكام القرآن ج20 صفحة229.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21)


و في الواقع هذه الآية الكريمة لا تمنع قتال الكُفار حتي يعتنقوا الإسلام أو يُعطوا الجزيّة لأنها تكشف للكُفار موقفنا منهم , البراءة التامة, و هذا هو السبب أن الإمام ابن قيم الجوزية قال : “وقد غلط في السورة خلائق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم […] و قالت طائفة: زال عن بعض الكُفار و هم من لا كتاب لهم فقالوا هذا مخصوص و معاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً بل لم يزل رسول الله ﷺ في أول الأمر و أشده عليه وعلى أصحابه أشد على الإنكار عليهم وعيب دينهم وتقبيحه والنهي عنه والتهديد و الوعيد كل وقت وفي كل ناد و قد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم و عيب دينهم و يتركونه وشأنه فأبى إلا مضيا على الإنكار عليهم و عيب دينهم فكيف يُقال إن الآية اقتضت تقريره لهم معاذ الله من هذا الزعم الباطل وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدا فإنه دين باطل فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ولا أنتم تُشركوننا في ديننا الحق فهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم فأين الإقرار حتى يدعي النسخ أو التخصيص أفترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يظهر الله منهم عباده وبلاده"(1).. ببساطة: نحن لنا ديننا و أنتم لكم دينكم الذي بسببه سنُقاتلكم حتي تتركوه و تعتنقوا الإسلام أو تُعطوا الجزيّة و أنتم صاغرين.


3. نفس الشئ بالنسبة لآية : ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ فالعلّامة و المفسّر ابن جرير الطبري(توفي-310ه) يُخبرنا أن الصحابي الجليل ابن عبّاس-رضي الله عنه قال : “وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء ، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.”(2) ثم بعد ذلك ينقل لنا كلام المُفسر البارز عبد الرحمن بن زيد بن أسلم(توفي-128ه) الذي يقول : “هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضا"(3). فلتفكروا في كل هؤلاء الأئمة المزيقين الذين ليل نهار يكررون لنا بلا كلل و لا ملل أن كل شخص حر في أن يعتنق دينه, في ان يؤمن أو لا يؤمن , ان كل الأديان حسنة و تحمل نفس الرسالة الإنسانية …….كُل هذا. هُراء!.


الشُبهة الرابعة :


دائما علي نفس الخط , يُكلموننا عن الآيات التي تتحدث عن رحمة الرسول ﷺ ليصوروا لنا أن الإسلام لا يمكن أن يأمر بقتال المُشركين فقط بسبب شِركهم فعلي سبيل المثال الدجال "حسن ايكوسان" استخدم الآية التالية :﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء:107) في مؤتمره تحت عنوان "التطرف : مصادره و علاجه". فمنتقدينا يقولون لنا :” النبي ليس إلا رحمة فكيف إذا يُقاتل الناس بسبب دينهم؟ "


دحض هذه الشُبهة:


قبل كُل شئ , نحن نؤكد بأعلي أصواتنا أن النبي ﷺ أرحم خلق الله الرحمن , و نؤكد أن الإسلام دين الرحمة. لكن المُشكلة تكمن بشكل رئيسي في فهم مُخالفينا للرحمة . نحن نقول لذلك أن بُطلان هذه الشُبهة تظهر من عدة جوانب :


1. الله سُبحانه و تعالي رحمن رحيم وكما كتب قبل أن يخلق الخلق:” إن رحمتي سبقت غضبي"(4) , فإذا استخدمنا نفس منطق مُخالفينا لإنتهينا إلي أن الله لن يُعاقب أحد بسبب دينه. ومع ذلك فالرسول ﷺ قال : “والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار.”(5) , وما هذا إلا عدل من ربنا كما أن قتال الكُفار ليس إلا عدلاً فالرحمة لا تمنع أبداً قتال الكُفار حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله أو يدفعوا الجزيّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن قيم الجوزية بدائع الفوائد ج1 صفحة140-141.
(2) ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج18 صفحة10.
(3)المصدر السابق.
(4) محمد البُخاري صحيح البُخاري حديث رقم7554.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22)



2. .مرة آخري يتفادي و يتملص أئمة فرنسا من المعني الصحيح للآية . الأمام الطبري(توفي-310ه) يُعلق علي هذه الآية هكذا:” وأولى القولين في ذلك بالصواب.القول الذي رُوي عن ابن عباس، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم. فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.”(1).. هذه هي رحمة الرسول ﷺ للكفار . فببعثته قد أنجي الله الكُفار من العقاب في هذه الحياة الذي كان ينزل بكُفار الأمم السابقة لتكذيبهم رُسلهم . فهي لا تعني بتاتاً أنه لا يُقاتلهم.


والقرطبي(مالكي توفي-671ه) قال : “فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق.”(2). أما ابن كثير(شافعي توفي 774ه) فقد قال : “وقوله : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ : يخبر تعالى أن الله جعل محمد اﷺ رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة"(3). لذلك مَنْ يأبي الإيمان بمحمد ﷺ ويرفض رحمة الله التي أرسلها إليه , فلا يلومن إلا نفسه إذا تم قِتاله.


3. .هذه المُشكلة المتكررة مع فهم الدجاجلة هذا الأمر الذي يقود حتماً للتناقضات في القرآن. ولذلك يقول الرسول ﷺ : “إن القرآن لم ينزل يُكذب بعضه بعضا ، بل يُصدق بعضه بعضا"(4) . وإلا كيف يُفسرون هذه الآية : ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾؟ , بالتأكيد يُفسرونها من خلال الكذب كعادتهم. لكن هذا ما يقوله الإمام ابن كثير(شافعي توفي-774ه) عن هذه الآية : “يُخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه , أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب […] ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، كما قال تعالى: ﴿َسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 54) وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكاً بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾(التوبة: 123)(5) . أليس من المُدهش أن تري الإمام ابن كثير لا يجد أي صعوبة في أن يوفّق بين رحمة الرسول ﷺ مع الأمر بقتال الكُفار!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج18 صفحة552.
(2)أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج11 صفحة350.
(3)إسماعيل بن كثير تفسير القرآن العظيم ج5 صفحة385.
(4)أحمد بن حنبل المُسند حديث رقم6702.
(5) إسماعيل بن كثير تفسير القرآن العظيم ج7 صفحة360.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23)


الشُبهة الخامسة :


هنا يعتقد القادة الدينيون للإسلام في فرنسا أنهم لديهم حُجة لا تُدحض ضد أفعال الدولة الإسلامية , فهم يذكرون باستمرار الآية التالية :﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(البقرة:190) . طبقاً لهم هذا هو الدليل علي أنه لا يجوز أن نُقاتل إلا مَنْ يُقاتلنا….. فلنري إذا كان ما يقولنه صحيحاً.


دحض هذه الشُبهة:


يوجد هناك تفسيران لعلماء الإسلام الكبار لهذه الآية ولا واحد منهما يتفق مع فهم مُخالفينا كما سنري. هذا الخلاف ذكره الإمام الشوكلني(توفي-1250) الذي قال : “لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾(المائدة:13) […] لما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال، ونزلت هذه الآية وقيل إن أول ما نزل قوله تعالى:﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾(الحج:39) فلما نزلت الآية كان صلى الله عليه وسلم يُقاتل من قاتله، ويكُف عمن كف عنه حتى نزل قوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ وقوله تعالى:﴿وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ . وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله: الذين يقاتلونكم من عدا النساء والصبيان والرُهبان ونحوهم، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة، والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأول: هو مُقاتلة من يُقاتل من الطوائف الكُفرية. والمراد به على القول الثاني: مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدم ذكره.”(1)


وكما تلاحظوا فأقوال علماء الإسلام تُقر و تُصدّق علي مفهومنا لأنهم يقولون : إذا كانت الآية تُشير إلي الذين يٌقاتلون بالفعل فإنها قد تم نسخها, فالله قد أمر بمُقاتلة كُل المُشركين بلا استثناء سواء قاتلوا أم لا , كما رأينا سابقاً. وإن كانت الآية تُشير لكُل المُشركين مُقاتلين و غير مُقاتلين ما عدا النساء و الأطفال فالآية مُطبقة و لم يتم نسخها. ولفهم افضل لمراحل الأمر بالقتال في الإسلام و حقيقة هذه الآية فلنقرأ ما قاله عنها الإمام ابن قيم الجوزية(توفي-751) :ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يُقاتلهم فقال:﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾( البقرة: 190) ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة، وكان محرما، ثم مأذونا به، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورا به لجميع المشركين.”(2) ….خُرافة آخري تُهدم و خيانة جديدة تُضاف لقائمة الخيانات الطويلة لمن يُدعون بممثلي الإسلام في فرنسا. ببعض الجُهد سوف تبدأون بالاعتياد علي هذا , والقليل الذي ذكرناه يكفي تماماُ لفضح هؤلاء الدجاجلة .


الشُبهة السادسة :


نأتي بطبيعة الحال إلي واحدة من أكبر أكاذيب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (مفدا) وغيرهم الذين يزعمون أن الجهاد في الإسلام هو دفاعي فقط و لا يُستخدم إلا في حالة الدفاع الشرعي.


دحض هذه الشبهة:


إن عصرنا يبعد عن ذلك العصر الذي نشأت فيه أكثر الانحرافات عن الإسلام لدرجة أصبحت تلك الانحرافات هي المعيار وأصبح الإسلام الصحيح في نظر كثير ممن ينتمون للإسلام شاذ غريب. الزعم بأن لم يُشرّع الجهاد بالسيف إلا في حالة الدفاع عن هجوم خارجي يُعتبر واحد من أفدح الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء المُدّعون . بينما الزعم بأن هناك إجماع علي ذلك من علماء المُسلمين فهذا ليس إلا خيالات مُخترَعة .وبالعودة إلي أصول هذا الرأي فنجد أنه لا وجود له ولا ظهور إلا بعد الحملات الاستعمارية التي كان ضحيتها العالم الإسلامي. فتم تبني تلك الفكرة و نشرها بواسطة تلامذة المُستشرقين والذين حركهم الغرب لهدم عقيدة المُسلم بينما جيوشه تقتل و تذبح و تنهب.


ليس هناك ادني شك أن أي شخص يقرأ و لو فقط كتاب عن تاريخ الإسلام أنه سيُدرك هذه الكذبة المفضوحة. فلتعلموا جميعا – مُسلمين و كفاراً - أنه عبر كل العصور ليس هناك أبداً أي خلاف في شرعية جهاد الطلب لإخضاع أراضي الكُفر للإسلام. نقطة الخلاف الوحيدة هي معرفة إذا كان هذا الفرض هو فرض عين كالصلاة و الزكاة أم فرض كفاية إذا قام به مجموعة من المسلمين سقط التكليف عن البقية . والعلماء أيضاً منقسمون في وتيرة غزو أراضي الكُفر مع الرأي الأشهر الذي يقول بأنه يجب غزو الكُفار علي الأقل مرة كُل عام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد الشوكاني فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية ج1 صفحة219.
(2)ابن قيم الجوزية زاد المِعاد في هدي خير العباد ج3 صفحة64.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24)
لقد ذكرنا الآيات القُرآنية والأحاديث النبوية والتي تُثبت بشكل واضح و بلا أي شك حِل بل حتي فرض غزو الكُفار في آراضيهم حتي و إن لم يُهاجمونا. سننقل الآن بعض آراء المذاهب الفقهية المُختلفة بخصوص هذا الشان.


عند المذهب الحنفي :


قال فخر الدين الزيلعي(توفي-743ه) : “(الجهاد فرض كفاية ابتداء) يعني يجب علينا أن نبدأهم بالقتال وإن لم يقاتلونا لقوله تعالى :﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾(التوبة: 36) ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾(التوبة: 29) وقال :﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾(التوبة: 41) وقوله - عليه الصلاة والسلام - «الجهاد فرض ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» وقوله - عليه الصلاة والسلام - :"أٌمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" […] وعليه(هذا الرأي) إجماع الأمة ”(1)


فلتفكروا للحظة في ذلك الإجماع المُتوهم للعلماء الذي تذكره "مفدا" في خُطبتها المُتهالكة التي تريد أن تقول أن : “الإسلام لا يُجير الجهاد بالسيف إلا في حالة الضرورة القصوي في حال الدفاع الشرعي حينما يُهاجم المسلمين من قبل أعدائهم وبعد فشل كل الطُرق السلمية الآخري". بعد كُل هذا فأي مُسلم يظل يثق في تلك القيادة الدينية .فمن حق الدولة الإسلامية إعتباره أنه ضدها.


يقول الكمال بن الهُمام(توفي-861ه) : “(قوله وقتال الكفار) الذين لم يسلموا وهم من مشركي العرب أو لم يسلموا ولم يعطوا الجزية من غيرهم (واجب وإن لم يبدأونا) لأن الأدلة الموجبة له لم تقيد الوجوب ببداءتهم"(2).


عند المذهب المالكي :


في كتاب منح الجليل شرح مختار خليل نُصّ علي :”(الجهاد) أي قتال مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى أو حضوره له أو دخوله أرضه له"(3). والقرطبي(توفي-671ه) قال : “وقسم ثان من واجب الجهاد فرض أيضاً على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة "(4)


وفي المذهب الشافعي :


قال الإمام الشافعي(توفي-204ه) : “فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة"(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فخر الدين الذيلعي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج3 صفحة241.
(2)الكمال بن الهمام فتح القدير ج 5 صفحة 441.
(3) محمد عليش منح الجليل شرح مختار خليل ج 3 صفحة 135
(4)أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج8 صفحة152.
(5)محمد الشافعي الأُم ج4 صفحة177.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25)
واما أبو المعالي الجويني(توفي-478ه) فيقول : “فأما القول في الجهاد؛ فإنه يثبت فرضاً على الكفاية، ويثبت فرضاً على الأعيان، فأما حيث يكون فرضاً على الكفاية، فهو إذا كان الكفار قارّين في ديارهم غيرَ متعلّقين بأطراف ديار الإسلام، فمقاتلتهم فرض على الكفاية، ثم قال الفقهاء: يتعين على الإمام أن يقيم في كل سنة قتالاً مع الكفار"(1)


عند المذهب الحنبلي :


فيقول أبو القاسم الخرقي(توفي-334ه) :ويُقَاتل أهل الكتاب والمجوس ولا يُدعون لأن الدعوة قد بلغتهم ويُدعى عبدة الأوثان قبل أن يُحاربوا ويُقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يُسلموا أو يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويُقاتل من سواهم من الكُفار حتى يُسلموا"(2).


و ابن قُدامة المقدسي(توفي-620ه) قال عن جهاد الطلب : “وأقل ما يُفعل مرة في كل عام […] وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ذلك ; لأنه فرض كفاية , فوجب منه ما دعت الحاجة إليه.”(3) ….. نختم هذه المسألة بكلمات رائعة للإمام ابن قيم الجوزية(توفي-751ه) التي تقول : “فجهاد الدفع يقصده كل أحد ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعا وعقلا وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين.”(4) ...هذا يضع بشكل قاطع حداً مع هذه الخُرافة التي لا تُريد جهاداً بالسيف إلا أن يكون دفاعاً.


خُــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاصة القــــــــــــــــــــــــول :


1- لا حُرمة للدم إلا للمُسلم أو الكافر المُعَاهد الذي يتمتع بعهد مع المُسلمين (سواء كان عهد ذمة، أو هُدنة أو أن يكون مُستأمن )، أمّا الكافر الحربي فدمه هدر كما نطق بذلك إجماع عُلماء الإسلام.
2- جهاد الطلب الذي يتضمن غزو أراضي الكُفار من أجل أن يعتنقوا الإسلام أو لإخضاعها لشريعة الله ليس فقط جائز بل هو فرض كما قرر ذلك إجماع عُلماء المُسلمين.


السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو الآتي :هل عدم حرمة دم و مال الكافر الحربي يعني أنه يجوز قتل كُل كافر حربي بلا تمييز بين رجل و إمرأة و طفل وغيرهم, وقتله فقط لكونه كافر حربي؟


مَنْ من الكٌفار الحربيين يجوز قتله و مَنْ منهم لا يجوز قتله؟


إنقسم العلماء المُسلمين للإجابة عن هذا السؤال إلي رأيين :


الرأي الأول و هو رأي جمهور العلماء ويتضمن المذهب الحنفي و المالكي و الحنبلي هذا الرأي يذكر أنه فقط أهل القتال من الرجال الذين يستطيعون القتال سواء كانوا مُقاتلين أم لا هم من يُمكن قتلهم عمداً , أما النساء و الأطفال و العُمي و غيرهم الذين سنُبيّنهم فلا يجوز قتلهم عمداً إلا في حالة إذا قاتلوا.


الرأي الثاني وهو للمذهب الشافعي للإمام بن المنذر النيسابوري(توفي-318ه) و بن حزم الظاهري (ظاهري توفي-456ه) , هذا الرأي ينُص علي أنه يُجيز قتل كُل حربي ماعدا النساء و الأطفال الذين لا يُشاركون فعلياً في القتال.وفقاً لهذا الرأي ليس هناك فرق بين سبب حِل الدم و سبب القتل ولذلك فقدرة الحربي علي القتال أم لا ليست شرطاً في قتله. وقد استثنوا النساء و الأطفال بسبب وجود أحاديث واضحة قاطعة بخصوص استثنائهم وأيضاً لكونهما يُمثلان مصدر غني للمُسلمين حال آسرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو المعالي الجويني نهاية المطلب في دراية المذهب ج17 صفحة 397.
(2)أبو القاسم الخرقي متن الخرقي علي مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني صفحة138.
(3)ابن قُدامة المقدسي المُغني ج9 صفحة198.
(4)ابن قيم الجوزية الفروسية صفحة189.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26)


و ذكر شيخ الإسلام بن تيمية هذا الإختلاف بقوله : “وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كُله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين. وأما من لم يكن من أهل الُممانعة والمُقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزّمن ونحوهم فلا يُقتل عند جمهور العلماء؛ إلا أن يُقاتل بقوله أو فعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكُفر؛ إلا النساء والصبيان؛ لكونهم مالا للمُسلمين.”(1)


نستطيع القول أن العُلماء المُسلمين مجمُعون علي أنه لا يجوز الاستهداف المُتعمد للنساء و الأطفال الكُفار الحربيين طالما أنهم لا يُشاركون في القتال بأي طريقة كانت , و خلاف هؤلاء اختلفوا تبعاً للتقسيم السابق ذكره. لننقل الآن عن هذا الموضوع نصوص المذاهب الفقهية الأربعة الكبيرة من أجل توضيح نقاط الإتفاق و نقاط الإختلاف.


عند المذهب الحنفي :


قال علاء الدين الكاساني(حنفي توفي-587ه) :أما حال القتال فلا يحل فيها قتل امرأة ولا صبي، ولا شيخ فان، ولا مُقعد ولا يابس الشق، ولا أعمى، ولا مقطوع اليد والرجل من خلاف، ولا مقطوع اليد اليمنى، ولا معتوه، ولا راهب في صومعة، ولا سائح في الجبال لا يخالط الناس، وقوم في دار أو كنيسة ترهبوا وطبق عليهم الباب."(2)


عند المذهب المالكي :


قال أبو بكر بن العربي(مالكي توفي-548ه) :وفيه ست صور: الأولى: النساء: قال علماؤنا: لا تقتلوا النساء إلا أن يُقاتلن؛ لنهي النبي ﷺ عن قتلهن؛ خرجه البخاري ومسلم والأئمة، وهذا ما لم يقُاتلن، فإن قاتلن قُتلن.[…] الثانية: الصبيان؛ فلا يقتل الصبي لنهي النبي ﷺ عن قتل الذرية، خرجه الأئمة كلهم […] الثالثة: الرُهبان: قال علماؤنا: لا يُقتلون ولا يُسترقون؛ بل يُترك لهم ما يعيشون به من أموالهم، وهذا إذا انفردوا عن أهل الكُفر، لقول أبي بكر -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان: " وستجد أقواما حبسوا أنفسهم فذرهم وما حبسوا أنفسهم له، فإن كانوا مع الكفار في الكنائس قتُلوا ".[…] الرابعة: الزمنى: قال سحنون: يُقتلون، وقال ابن حبيب: لا يُقتلون. والصحيح عندي أن ُتعتبر أحوالهم؛ فإن كان فيهم إذاية قُتلوا، وإلا تُركوا وما هم بسبيله من الزّمانة.[…] الخامسة: الشيوخ: قال مالك في كتاب محمد: لا يُقتلون، ورأيي قتلهم؛ لما روى النسائي عن سمرة بن جندب أن النبي ﷺ قال: "اقتلوا الشيوخ المُشركين واستحيوا شرخهم"(3) […] السادسة: العسفاء: وهم الأجراء والفلاحون، وكل من هؤلاء حشوة وقد اُختلف فيهم؛ فقال مالك في كتاب محمد: لا يُقتلون، وفي وصية أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان: " لا تقتلن عسيفا ". والصحيح عندي قتلهم؛ لأنهم إن لم يُقاتلوا فهم ردء للمُقاتلين، وقد اتفق أكثر العلماء على أن الردء يحكم فيه بحكم المُقاتل"(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أحمد بن تيمية مجموع الفتاوي ج28 صفحة354.
(2)علاء الدين الكاساني بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج 7 صفحة 101.
(3)مجلة دار الإسلام: درجة صحة هذا الحديث: ضعيف.
(4)أبو بكر بن العربي أحكام القرآن ج1 صفحة148-150.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27)


عند المذهب الشافعي :


الإمام الشافعي(توفي-204ه) قال : “ وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله ﷺ وأنهم ليسوا ممن يُقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحُلم لم يَتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يَتوق من المُسلم إذا أراد دم المُسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم أولى أن لا يَتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نُهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جُرحوا وكانوا ممن لا يُقاتل فلا يُقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أُبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حُكمهم بأنهم ممنوعين بأن يُقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحاري وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر -رضي الله عنه- وذلك أنه إذا كان لنا أن ندع قتل الرجال المُقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قُلنا هذا تبعا لا قياساً ولو أنّا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يُقاتل تركنا قتل المرضى حين نُغير عليهم والرهبان وأهل الجُبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يُقاتلون […] ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بمعنى أنهم لا يُقاتلون لم يُقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله ﷺ منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لا خير في أن يترك ذلك له فيتبع، وتُسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين.”(1).
لن يُسمع الغناء في ملهي كاريلون لفترة


عند المذهب الحنبلي :


قال الإمام ابن قُدامة المقدسي(حنبلي توفي-620ه) :مسألة ; قال: وإذا فُتح حصن، لم يُقتل من لم يحتلم، أو ينبت، أو يبلغ خمس عشرة سنة. وجملة ذلك أن الإمام إذا ظفر بالكُفار، لم يجز أن يُقتل صبياً لم يبلغ، بغير خلاف. وقد روى ابن عمر-رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ "نهى عن قتل النساء والصبيان" مُتفق عليه. ولأن الصبي يصير رقيقا بنفس السبي, ففي قتله إتلاف المال, وإذا سُبي منفردا صار مُسلماً، فإتلافه إتلاف من يمكن جعله مسلماً […] فصل: ولا تُقتل امرأة, ولا شيخ فان. وبذلك قال ومالك، وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن أبي بكر الصديق، ومجاهد. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ولا تعتدوا﴾(البقرة: 190) . يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير. وقال الشافعي، في أحد قوليه، وابن المنذر: يُجوّز قتل الشيوخ؛ لقول النبي ﷺ : "اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شرخهم" . رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. ولأن الله تعالى قال: ﴿فاقتلوا المشركين﴾(التوبة: 5) . وهذا عام يتناول بعمومه الشيوخ. قال ابن المنذر: لا أعرف حجة في ترك قتل الشيوخ يستثنى بها من عموم قوله: ﴿فاقتلوا المشركين﴾(التوبة: 5) . ولأنه كافر لا نفع في حياته، فيقتل كالشاب. ولنا، أن النبي ﷺ قال: «لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا امرأة» . رواه أبو داود، في سننه. وروي عن أبي بكر الصديق، - رضي الله عنه - أنه وصى يزيد حين وجهه إلى الشام، فقال: لا تقتل صبيا، ولا امرأة، ولا هرما. وعن عمر، أنه وصى سلمة بن قيس، فقال: لا تقتلوا امرأة، ولا صبيا، ولا شيخا هرما. رواهما سعيد. ولأنه ليس من أهل القتال، فلا يقتل، كالمرأة. وقد أومأ النبي ﷺ إلى هذه العلة في المرأة، فقال: «ما بال هذه قتلت، وهي لا تقاتل» . والآية مخصوصة بما روينا، ولأنه قد خرج من عمومها المرأة، والشيخ
الهرم في معناها، فنقيسه عليها. […] “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد الشافعي الأُم ج4 صفحة253-254.
(2)مجلة دار الإسلام : درجة صحة هذا الحديث : ضعيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28)


"فصل لا يقتل زمن ولا أعمى ولا راهب في دار الحرب
فصل: ولا يقتل زمن ولا أعمى ولا راهب، والخلاف فيهم كالخلاف في الشيخ، وحجتهم ها هنا حجتهم فيه. ولنا، في الزمن والأعمى، أنهما ليسا من أهل القتال، فأشبها المرأة، وفي الراهب، ما روي في حديث أبي بكر الصديق، - رضي الله عنه - أنه قال: «وستمرون على أقوام في الصوامع، قد حبسوا أنفسهم فيها، فدعوهم حتى يميتهم الله على ضلالهم» . ولأنهم لا يقاتلون تدينا، فأشبهوا من لا يقدر على القتال.


فصل لا يقتل العبيد في دار الحرب
فصل: ولا يقتل العبيد. وبه قال الشافعي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أدركوا خالدا، فمروه أن لا يقتل ذرية، ولا عسيفا» . وهم العبيد؛ ولأنهم يصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي، فأشبهوا النساء والصبيان. […]


فصل قتال الحراث في المعركة
فصل فأما الفلاح الذي لا يقاتل، فينبغي أن لا يقتل، لما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين، الذين لا ينصبون لكم الحرب وقال الأوزاعي لا يقتل الحراث، إذا علم أنه ليس من المقاتلة، وقال الشافعي يقتل، إلا أن يؤدي الجزية، لدخوله في عموم المشركين. “(1)


الشُبهة السابعة :


يستخدم العُلماء عادة مُصطلح أهل القتال او المُقاتلة ليشيروا إلي مَنْ يجوز قتلهم من الكُفار الحربيين أثناء القتال أو بعد النصر عليهم . ولقد اختارنا هنا تعبير “ قادر علي القتال“ لأنه بعد قراءة مُتعمقة للنصوص الفقهية يبدو واضحا أن هذا هو تماماً ما كانوا يعنوا . علي أية حال فكثير من المُعاصرين يُفضلون التلاعب بالنصوص لجعلها توافق آرائهم و هكذا يزعمون أن ما يُشار له بتلك المُصطلحات ليس الرجال القادرين علي القتال بل تُشير للذين يُقاتلون بالفعل . وانطلاقاً من هذا ينقلون أقوال العُلماء القُدامي ليظهروا أنه من المُحرم مُهاجمة غير المُقاتلين ولكن يكون هذا كُله علي حساب الأمانة العلمية في النقل كما سنُبين.


دحض هذه الشُبهة :


لنري كيف يُداري هؤلاء الأئمة سوآتهم بخرق بالية سرقوها من كتابات من سبقوهم. فبطلان تلك الشُبهة يظهر من عدة جوانب :


1. بوضع نصوص العلماء في نصابها الصحيح سنفهم ما الذي يعنوا :
(1)ابن قُدامة المقدسي المُغني ج9 صفحة311-312.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29)


فعند الحنفية :


قال علاء الدين الكاساني(حنفي توفي-587ه) : “والأصل فيه أن كل من كان من أهل القتال يحل قتله، سواء قاتل أو لم يُقاتل، وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض، وأشباه ذلك على ما ذكرنا، فيُقتل القسيس والسياح الذي يُخالط الناس، والذي يُجن ويفيق، والأصم والأخرس، وأقطع اليد اليسرى، وأقطع إحدى الرجلين، وإن لم يُقاتلوا؛ لأنهم من أهل القتال"(1) , وفي موضع آخر يقول : “وأما أصحاب الصوامع فعليهم الجزية إذا كانوا قادرين على العمل؛ لأنهم من أهل القتال"(2) , هكذا مع أنه من المعروف أن الرُهبان في الصوامع ليسوا مُقاتلين ولا من العسكر لكن يعتبرهم العُلماء كجزء من أهل القتال.


و قال أبو بكر السرخسي(حنفي توفي-490ه) : ثم الُمقاتلة كل من بلغ مبلغ الرجال[…] فإذا عُلِم أنه لم يحتلم، وهو ابن أقل من خمس عشرة سنة، فهو من الذُرية دون المُقاتلة، قاتل أو لم يُقاتل، وكذلك النساء. لأن المُقاتلة من له بنية صالحة للقتال، إذا أراد القتال، وليس للنساء والصغار بنية صالحة للقتال، فلا يكونون من المُقاتلة، وإن باشروا قتالا، بخلاف العادة.ألا ترى أن من لا يُقاتل من الرجال البالغين فهو من جملة المُقاتلة، باعتبار أن له بنية صالحة للقتال"(3)


عند المذهب المالكي :


قال الإمام ابن عبد البر(مالكي توفي-463ه) : وأما الروم فلا بأس بتبييتهم لبلوغ دعوة الإسلام إليهم وقرب دارهم وكل من أبى من الدخول في الإسلام أو أبى إعطاء الجزية قوتل فيقتل الرجال المقاتلة وغير المقاتلة إذا كانوا بالغين ولا يقتل النساء ولا الصبيان ولا العجائز […] فإن أشكل عليه البالغ من الأُسارى نُظر إلى ما تحت إزاره فإن وجده قد أنبت فحكمه حكم المُقاتلة يُقتل أو يُسترق وإن لم ينبت فحكمه حكم الذُرية والعيال "(4)


و ابن رُشد(مالكي توفي-595ه) قال : “والسبب الموِجب بالجُملة لاختلافهم اختلافهم في العلة الموِجبة للقتل؛ فمن زعم أن العلة الموِجبة لذلك هي الكُفر لم يستثن أحدا من المُشركين، ومن زعم أن العلة في ذلك إطاقة القتال للنهي عن قتل النساء مع أنهن كفار استثنى من لم يُطق القتال"(5)


عند المذهب الشافعي :


قال الإمام الشافعي(توفي-204ه) :”وينبغي للإمام أن يُحصي جميع ما في البلدان من الُمقاتلة وهم من قد احتلم، أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويُحصي الذُرية وهم من دون المحتلم ودون خمس عشرة سنة"(6) , والإمام أبو الحسن الماوردي قال : “ويجوز للمُسلم أن يقتل من ظفر به من مُقاتلة المشركين مُحارِبا وغير مُحارِب "(7) …...وهذا يدل تماماً علي أن الكافر من الممكن أن يكون من المُقاتلة بدون أن يكون مُقاتلاً .. وهذا ما تم إثباته.


عند المذهب الحنبلي :


قال الإمام ابن قُدامة المقدسي(حنبلي توفي-620ه) : “ ولنا، في الزّمن والأعمى، أنهما ليسا من أهل القتال، فأشبها المرأة، وفي الراهب، ما روي في حديث أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- أنه قال: "وستمرون على أقوام في الصوامع، قد حبسوا أنفسهم فيها، فدعوهم حتى يُميتهم الله على ضلالهم"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1))علاء الدين الكاساني بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج7 صفحة 101.
(2))علاء الدين الكاساني بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج 7 صفحة 111.
(3))أبو بكر السرخسي شرح السّير الكبير صفحة1808.
(4)أبو عمر بن عبد البر الكافي في فقه اهل المدينة ج1 صفحة466-467.
(5) أبو الوليد بن رُشد بداية المُجتهد و نهاية المُقتصد ج2 صفحة163
(6)محمد الشافعي الأُم ج4 صفحة162.
(7)أبو الحسن الماوردي الأحكام السُلطانية صفحة77.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30)


" ولأنهم لا يُقاتلون تدينا، فأشبهوا من لا يقدر على القتال.”(1) …يوضح ابن قُدامة هنا أنه تم ترك الراهب لأنه شابه أولئك الذين لا يقدرون علي القتال حتي لو أرادوا كالعاجز و المُقعد و الأعمى, وهذا يُظهر بوضوح أن أهل القتال هم الرجال القارون عليه.


هذا العالم اللامع يقول لنا أيضاً : “ ولنا، أن النبي ﷺ لما حكم سعد بن معاذ في بني قُريظة، حكم بأن تُقتل مُقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤازرتهم، فمن أنبت، فهو من المُقاتلة، ومن لم ينبت، ألحقوه بالذرية. وقال عطية القُرظي: عرضت على رسول الله ﷺ يوم قُريظة، فشكّوا فيّ ، فأمر النبي ﷺ أن ينظر إليّ ، هل أنبت بعد، فنظروا إلي، فلم يجدوني أنبت بعد، فألحقوني بالذرية.”(2). وبالتالي فأي ذكر صحيح الجسم و العقل يُعتبر طفل قبل البلوغ ويدخل في المُقاتلة حين بلوغه.و يحسم منصور البهوتي(توفي-1051ه) هذه المسألة بقوله : “ (فإن مرض مرضا غير مرجو الزوال كزمانة ونحوها) كالسل والفالج (خرج من المقاتلة وسقط سهمه) لخروجه عن أهلية القتال بخلاف ما يرجى زواله كالحمى والصداع.”(3) . ونضيف رأي شيخ الإسلام ابن تيمية(توفي-728ه) والذي عادة ما يأخذه مُخالفينا كمثال ليُثبتوا أنه فقط المُقاتلة هم من يُقتلوا .: “ ومنها أن المرتد يُقتل وإن كان عاجزاً عن القتال؛ بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال فإنه لا يُقتل عند أكثر العلماء"(4). هُنا , مُقارنة بين المُرتد الغير قادر علي القتال و الكافر الأصلي الذي ليس من أهل القتال. فالأمر واضح أن أهل القتال هم أولئك الذين لديهم القُدرة علي القتال سواء قاتلوا بالفعل أم لا. وبالتالي فكُل آراء ابن تيمية المُتعلقة بالمُقاتلة أو أهل القتال تُفهم علي ضوء هذا النص حيث وضّح مُراده من ذلك.


2. روي الصحابي أبو سعيد الخُدري -رضي الله عنه- : "نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي ﷺ سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار: " قوموا إلى سيدكم أو خيركم , فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك " فقال: تُقتل مُقاتلتهم وتُسبى ذراريهم قال: " قضيت بحكم الله "، وربما قال: " بحكم الملك"(5) .قال عطية القُرظي : “ عن عطية القُرظي ، قال : كنت فيمن حكم فيهم سعد بن معاذ ، فشكّوا في أمن الذُرية أنا أم من المُقاتلة ؟ فقال رسول الله ﷺ : " انظروا ، فإن كان أنبت الشعر فاقتلوه ، وإلا فلا تقتلوه " “(6)… لدينا هنا حديثين واضحين تماماً عن معني مُصطلح مُقاتلة والتي قد يميل البعض لترجمتها بمُقاتلين. و لنتأكد من هذا فلنعود لفهم أئمة الحديث و الذين رووا هذه الرواية ولفهم علماء الإسلام الكبار.


فالإمام ابن حبان(توفي-354ه) صنف هذا الحيث تحت عنوان : “ذكر الأمر بقتل من أنبت في دار الحرب والإغضاء على من لم يُنبت"(7) , ثم في موضع آخر بعد هذا يُصنفه تحت عنوان : “ذكر السبب الذي به فرق بين السبي والمُقاتلة"(8). والإمام عبد الله الدارمي(توفي-255ه) : “باب: حد الصبي متى يُقتل"(9). بالتأكيد الأمر ليس هنا عن قتل ألأطفال لأنه بدءً من هذا الحد لم يعد اعتبارهم بهذه الصفة.


والإمام ابن أبي شيبة(توفي-235ه) يُصنّف الحديث تحت عنوان :من يُنهى عن قتله في دار الحرب"
وبعبارة آخري ليس هُناك أي ذنب في قتل من هُم بين البالغين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن قُدمة المقدسي المُغني ج9 صفحة311-312.
(2)ابن قُدمة المقدسي المُغني ج4 صفحة345.
(3)منصور البهوتي كشّاف القناع عن متن الإقناع ج3 صفحة103.
(4)أحمد بن تيمية مجموع الفتاوي ج28 صفحة534.
(5)محمد البخاري صحيح البخاري حديث رقم4121.
(6)محمد بن حبان صحيح ابن حبان حديث رقم4781.
(7)المصدر السابق ج11 صفحة104.
(8)المصدر السابق ج11 صفحة105.
(9) عبد الله الدارمي سُنن الدارمي ج1 صفحة591.
(10)أبو بكر بن ابي شيبة مُصنّف ابن أبي شيبة ج6 صفحة482.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(31)


قال ابن قيم الجوزية(توفي-751ه) :أمر رسول الله ﷺ بقتل كل من جرت عليه الموسى منهم، ومَنْ لم ينبت، ألحق بالذُرية، فحفر لهم خنادق في سوق المدينة، وضُربت أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة"(1).. وهذا لا يدع مجال للشك في أن المُقانلة هم كُل الرجال البالغين صحيحي الجسم و العقل بصرف النظر عن كونهم مُقاتلين أم لا.


3. .يروي ابن حزم الظاهري(ظاهري توفي-456ه) :كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: أن لا يجلبوا إلينا من العلوج أحدا، اقتلوهم، ولا تقتلوا إلا من جرت عليهم المواسي ولا تقتلوا صبيا، ولا امرأة.”(2). و ابن أبي شيبة يروي عن ابن عمر : “ كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا تقتلوا امرأة ولا صبيا وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي"(3)..هذه الرواية تؤكد المسألة السابقة بشرعية و جواز استهداف الرجال البالغين بين الكُفار الحربيين.


4. .يروي الإمام البُخاري أن عمر -رضي الله عنه- قال : “عن ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني فعرضت عليه من قابل في جيش وأنا ابن خمس عشرة فقبلني"(4). ويروي الإمام الترمذي في سُننه أن الخليفة عمر بن عبد العزيز(توفي-101ه) قال : “ هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة"(5).
ويعلق ابن حجر العسقلاني(توفي-852ه) قي شرحه صحيح البُخاري : “ واستُدِل بقصة بن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيُكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويُقتل إن كان حربياً [… ]"(6). فبالنسبة لعُلماء المُسلمين كابن حجر فيجوز قتل كُل كافر حربي ذكر بالغ طالما لم يكن ضمن الاستثناءات السابق ذكرها.


أما الإمام النووي(توفي-676ه) فيقول في شرح صحيح مُسلم : “ هذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة وهو مذهب الشافعي والأوزاعى وبن وهب وأحمد وغيرهم قالوا باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفا وإن لم يحتلم فتجري عليه الأحكام من وجوب العبادة وغيره ويستحق سهم الرجل من الغنيمة ويقتل إن كان من أهل الحرب.”(7)


خُــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاصة القــــــــــــــــــــــــول :


1- أنه من المُحرّم قتل نساء و أطفال الكُفار عمداً إلا أن يُشاركوا فعليا في الحرب بشكل أو بآخر، وهذا ما عليه إجماع عُلماء الإسلام.
 2-في الأصل يجوز قتل كُل رجل بالغ بين الكُفار الحربيين ماعدا بعض الإستثناءات التي اختلف فيها العُلماء تبعاً للمذاهب الفقهية المُختلفة كالرُهبان في صوامعهم، والعجزة والشيوخ المُقعدين والفلاحين والعبيد والخدم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن قيم الجوزية زاد المِعاد في هدي خير العباد ج3 صفحة122.
(2)ابن حزم الظاهري المُحلي بالأثار ج5 صفحة351.
(3)أبو بكر بن ابي شيبة مُصنّف ابن ابي شيبة ج6 صفحة483.
(4) محمد البخاري صحيح البخاري حديث رقم2664.
(5)أبو عيسي الترمذي سُنن الترمذي ج3 صفحة633.
(6))ابن حجر العسقلاني فتح الباري شرح صحيح البخاري ج5 صفحة 278-279.
(7)أبو زكريا النووي شرح النووي علي صحيح مسلم ج13 صفحة12.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32)


دراسة حالة : هجمات 13 نوفمبر 2015


لقد وضعنا حجر الأساس لدراستنا لكن تظل بعض المسائل تحتاج لمُعالجة من أجل أن تكون لدينا رؤية أوضح لموضوعنا. فبدلاً من استكمال عرضنا -بشكل مُنفصل- للقواعد التي أرساها الإسلام للحرب، سوف نذكرها في سياق دراسة حالة لهجمات 13 نوفمبر التي ضربت فرنسا. فهذا سيمكننا من أن نُجيب علي مُعظم الشُبهات التي يُثيرها مُخالفينا.


لهذا و تفاديا لتراكم معلومات زائد و بالنظر إلي كثرة المحتوي الجديد المُقدم هنا والذي لم يُقرأ أبداً في دائرة مُسلمي فرنسا. لذلك ستكون دراسة الحالة هذه موضوع الجزء الثاني -إن شاء الله- في العدد القادم من مجلة دار الإسلام. نسمع من الآن أصوات مُعترضة ترتفع لتقول أننا لم نرد علي كُل حُجج مُخالفينا كتحريم قتل النساء كما أشرنا، وأن مُسلمي فرنسا أعطوا عهد أمان لكُفار فرنسا و أن علي كُل المُسلمين احترام هذا العهد، وأنّ مواطني فرنسا الغير مُقاتلين يشابهون الفلاحين و العبيد و الخدم و الذين لا يجوز قتلهم، وغيرها من المُماحكات الباطلة التي يذكرها أئمة الجمهورية. فاصبروا ولا تخافوا فلدينا ما يكفي من الحُجج كعدد الرصاصات لدي مُهاجمي 13 نوفمبر كل حُجة ستخترق رؤوس ضحايانا القادمة التي هي شُبهات الدجالين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال