الثلاثاء، 25 يوليو 2017

الجيش المصري و شعبه 21

الجيش المصري و شعبه 21
-البداية
(18)
" لأنَّكُمْ تَكَلَمْتُمْ بِالْظُلْمِ وَالمْعْصِيةِ، وَلَهَجَتْ أَلْسِنَتِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ بِكَلاَمِ سَاقِطٍ وَبَاطِلٍ. لأْنَّ آثَامَكُمْ قَدْ اشْتَكَتْ مِنْكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ قَدْ أَنَّتْ تَحْتَ وَطَأةِ إِصْرَارَكُمْ. لأنَّكُمْ تَعَدَّيتُمْ وَعَرَّصْتُمْ، وَحِدْتُمْ عَنْ الْطَرِيقِ المُوصِلِ للنَجَاةِ. لأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وُجُودٌ لِلصِّدْقِ بَيْنَكُمْ وَصَارَ الْكَذَبَةُ والمعرِّصونَ هُمْ حُكَامَكُمْ وَشُيُوخَكُمْ وَنُخْبَتِكُمْ . لِأَنَّكُمْ تُطْلِقُونَ عَلَى الحَقِ بَاطِلُ وَتَرَونَّ الْعَرِصَ صَادِقَاً طَاهِراً . لأَنَّهُ لَيْسَ فِيكُمْ مَنْ يَدْعُو لِلْحَقِ، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ يَحْكُمُ بَالعَدْلِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلُهُ هَجَرَ الْحَقُ أَرْضَكُمْ، وَهَرَبَتْ الْعَدَالَةُ مِنْ عَفَانَةِ وجُوهِكُمْ. فَصِرْتُمْ تَتَلَمَسُونَ طَرِيقَكُمْ كَالعِمْيَانِ. كَلَامَكُمْ لاَ يَفْهَمُهُ إِلّاَ الْكِلاَبَ لأَنَّهُ لَيْسَ إِلّاَ نِبَاحاً وَهَوهَوةً. الْعَبَثُ قَدْ تَعَجَبَ مِنْ عَبَثِ أَفَعَالِكُمْ. أَمَّاَ أَحَلَامُكُمْ فَلَيسَتْ إِلّاَ أَضْغَاثاً وَخَطْرَفَةً وَهَرْتَلَةً. تَنْتَظِرُونَ نُورَاً فَلاَ تَأْتِيكُمْ إَلّاَ الْظُلْمَةَ. تَبْحَثُونَ عَنْ الْضِياءِ فَلاَ تَجِدُونَ إِلّاَ الْعَتمَةَ. تَدْعُونَ وَتَتَضَرَعُونَ لِيَظْهرَ مُخَلِّصَكُمْ فَلاَ يَجيءَ لَكُمْ إِلّاَ مُسَحَاءً دَجَاجِلِةً."
الإصحاح الحادي والعشرون من سفر الشئون المعنوية



 هل "الوطن" له حدود؟ ومَنْ هو الذي رسم –أو يرسم- تلك الحدود؟ وهل إذا تم التعدي عليها من قبل "أبناء وطن آخر"، هل سيكون عليك حينها أن تُدافع عنها حتّى لو كلف ذلك حياتك؟ وماذا لو أنّ "وطنك" أمرك بأن "تعتدي" على حدود وطن آخر، هل ستفعل هذا حتّى لو دفع أبناءك وأحفادك دمائهم من أجل الحفاظ على تلك "الحدود الجديدة"؟


-هذه الأسئلة التي قد تبدو سخيفة بل وحتّى بلهاء غبية؛ لا تأتي سخافتها وبلاهتها تلك من بداهة إجابتها لكنها تأتي من الذي يقرأها وفي ذهنه تلك "الإجابات البديهية" والتي تربي عليها واعتبرها "مُسلّمات" لا نقاش فيها. إنّ الإجابات "النموذجية" عن الأسئلة السابقة هي: "ـ نعم!، ـ نعم!، ـ نعم!، ـ نعم!" لكن السؤال الأخير قد يتردد البعض في اجابته بـ"نعم" من مُنطلق "احترام حُدود الآخرين"، لكنك لو قدمت لهم "تبريرات تاريخية" بأن المنطقة الفُلانية أو الجزيرة العلانية كانت مُنذ القدم تابعة لحدود الوطن لكن تم التعدي عليها وسرقتها، ومن واجبنا الآن أن نسترجع "أراضي الأجداد"؛ ففي الغالب سيختفي هذا التردد وستجدهم يصيحون بصوت عال بالإجابة بـ"نعم!". ولعل أحد الأمثلة التي يمكن أن يُحتج بها في مواجهة أي تشكيك في تلك "المُسلّمات" هو المثال الآتي: أنت وعائلتك تمتلكون قطعة من الأرض ورثتموها عن أجداد أجدادكم. فإذا جاء من يعتدي على "حدود" هذه الأرض ليحاول أن يقتطع منها جزء أو يستولي عليها كُلها، سنجدك أنت وأبناءك -وكل من هو له نصيب فيها- تُدافعون عن أرضكم هذه ضد المعتدي وستدفعون حتّى حياتكم من أجل الحفاظ عليها. ومن ناحية آخري لو ثبت لكم –بشكل أو بأخر- أن قطعة أرض مجاورة لأرضكم هي ملك لأجداكم وأنه قد تم اغتصابها من أجدادكم بالقوة في الماضي. سنجدكم –إذا واتتكم الجرأة أو كان لديكم النفوذ والقوة- تحاولون بكل وسيلة استعادتها ممن يملكونها حتّى لو لم يكونوا هم الذي اغتصبوها بل أجدادهم. ثم يخلص هذا المثال أنه بما أنّ "الوطن" ما هو إلا مجموع هؤلاء "المُلاك" –وعبيدهم- والذين يجمعهم ثقافة ومصالح مُشتركة فهم بالتالي مُستعدون أن يُدافعوا عن أي "قطعة أرض" في أي مكان في حدود هذا الوطن.


لكن هذا المثال يُعاني من خلل كبير (1)، هذا غير الخلل الأساسي الذي هرب من إجابة من الذي وضع هذه الحدود في المقام الأول، فهو يفترض أنّ "الوطن" ما هو إلا مجموع "المُلاك" ليُصبح لديك عائلة كبيرة واحدة لها نفس المصالح والتوجهات. لكن الحقيقة أنه بضم تلك المجموعات بعضها لبعض قد أصبح لديك كائن جديد مُختلف تماماً عن "خلاياه" التي يتكون منها، هذا الكائن الذي يُعرف تحت اسم "الدولة". إنّ هذا الكائن له آليات مُختلفة وله مصالحه وتوجهاته والتي ليست بالضرورة هي نفسها مصالح وتوجهات أجزائه، والمثال الأقرب لهذا هو "الإنسان"، فالإنسان مكون من بلايين الخلايا المختلفة التي تعمل كلها في وحدة واحدة لكن مع هذا فالإنسان –المفهوم- مُختلف تماماً عن خلاياه وأجزائه التي يتكون منها. وهذا الإنسان لا يفعل –في الغالب- ما هو في مصلحة خلاياه تلك؛ بل نراه يُسرف في ايذائها وتدميرها بكل ما يتعاطاه من مواد ضارة فقط من أجل أن يشعر هو "باللذة"!


تصبح تلك الدولة هي المالك الفعلي للجميع، وبالتالي يصير مَنْ يحكمونها –عملياً- هم "المُلاك الحقيقيين" لكُل شيء (2) وبيدهم الأخذ والعطاء ولذلك سُرعان ما يتحولون إلى وحوش لا تري إلا "مصلحة الدولة". ويُصبح "المُلاك" –الذين يُحكمَونَ- مُجرد مُستأجرين للأرض حتّى لو كانوا يملكون عقود "بيع وشراء" تُثبت ملكيتهم لها فتلك الملكية إن لم تحظي بموافقة "الدولة" يُصبح هؤلاء المُلاك" سُرّاق وحرامية" اعتدوا على أملاكها. وإذا رأت الدولة في يوم أن مسكنك أو مزرعتك أو أرضك يُعيق مشروع "قومي" فهي من حقها أن تهدمه من أجل "الصالح العام" ولا فرق هنا بين أن تُعطيك "تعويض مناسب" إذا كنت محظوظاً أو لك "واسطة" أم أن تتهمك بأنك قد بنيت بيتك على أملاكها، المهم هنا أنك حينها ستُدرك –بعد فوات الآوان- أنه حتّى أبسط حقوقك ليست "مُسلّمات" والتي كُنت تعتقد أنه لا منازع لك فيها وأن "دولتك" ستقف معك حينما يحاول أي أحد أن يُهددها. وستُدرك أيضاً أنّ تلك الدولة كما أن لها حسناتها لكن إذا "توحشت" فليس أمامك "كخلية معزولة" فعل الكثير في مواجهتها، فإما أن تُسلّم "للقضاء والقدر" أو تلجأ "لقضائها النزيه" -وهو كتسليمك للقضاء والقدر- أو تتحول إلى خلية سرطانية تنهش بقية الخلايا لكي ينهار هذا الكائن المُتجبر ..."الدولة"!


هل معني هذا أنه إذا اعتدي أحد على بيتك أو أرضك ألا تُدافع عن نفسك وتحمي ما تملكه؟ - بالطبع لا! لكن يجب أن تُفرق بين حقك "الطبيعي" في الدفاع عما تملك وبين أن يُحدد ويقول لك مَنْ يحكمون "الدولة" ما يجب أن تُضحي بحياتك من أجله، لأنه غالباً ما سيكون هناك تعارض بين هذين الحقين. فماذا لو كنت ساكناً في أحد الجزر وتخلت عنها دولتك الأم لدولة آخري التي أرادت نزع ملكية أرضك منها، ماذا ستفعل حينها؟ حينها ينبغي عليك فعلاً –وهو حقك الطبيعي- أن تُحارب البلدين فالأولي قد باعتك بلا ثمن والثانية تُريد التعدي على ما تملكه. لقد بلغ التلاعب بـ"الحدود" بين "الدول" حداً مُضحكاً، فلقد رأينا المعركة المحتدمة بسبب جزيرتي "تيران وصنافير" بين فريق "عواد باع أرضه" وفريق "سعودية ولو طارت" وكُل فريق يٌقدم "الأدلة التاريخية" لمصرية أو سعودية الجزيرتين. لكن المُلاحظ هو استخدام إعلام الدولة لتلك "القضية" بشكل يجعلك تتساءل عن الغرض الحقيقي وراء إثارتها بهذا الشكل الفج. حتّى القضاء (3) –الخاضع تماماً لسُلطة الدولة- تجد إشارات مُتناقضة فمرة مصرية ومرة سعودية (4). وحتّى يستقر "الشعبان" السعودي والمصري علي رأي واحد بخصوص الجزيرتين، من المحتمل- وهو مجرد رأي لا يستند علي أية معلومات- أن يكون الغرض الحقيقي من تلك "المعركة"، هذا بعيداً عن "نظرية الرُز"، بأنّ التقارب السعودي الإسرائيلي الذي أصبح أكثر علانية، وفي ظل الأوضاع الحالية والتي استدعت أن يُجند لها علماء وشيوخ ومثقفين يدعون ويعملون على غلق باب "الجهاد" لم جرّه من "ويلات" على الحُكام، قد دعا أخيراً بأن تأمن اسرائيل على هاتين الجزيرتين (5) في أيدي سعودية وتكون خطوة أولي في سبيل التعاون المشترك بين البلدين لكن في العلن هذه المرة وليس في السر، فبسيطرة السعودية على الجزيرتين واللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة المؤدي إلي ميناء "إيلات"(6) ستكون هناك الفرصة مواتيه أكبر لتقارب "ناعم" و "طبيعي".


وننتقل من نزاع "حدودي" إلى "ترتيب الأوضاع" في الداخل، لتري مدي "توحش" الدولة ومن يُديرونها والذين يُحددون لك مكان "المعركة" وقواعدها، ففي جزيرة الوراق تري الدولة أنه يجب إخلائها من "المُخالفين" فـ"البلد مش ناقصة" ويجب تطبيق "القانون" بحزم على كُل مُخالف ومُخالفة، فبعثت بأفراد الشُرطة "الشُرفاء" لهدم تلك الكتل الإسمنتية البشعة فخرج المتضررون يدافعون عن بيوتهم، لكن الشُرطة لم تقتل منهم إلا واحداً فقط، فالشُرطة المصرية تعلم غضب هؤلاء لكن في النهاية "لا أحد فوق القانون". ورأينا –مرة آخري- فريق "عواد باع أرضه" لكن انضم لهم هذه المرة مجموعة جديدة من مُحبي "الغلابة" والذين رأوا فيما فعله أهالي الوراق "ثورة" فأخذوا يُمنّون أنفسهم بأنّ "الخوف" قد زال من القلوب، وأن النظام بات يرتعش من استخدام الأهالي للطوب والحجارة، وقد تمتد تلك الثورة لتشمل الصعيد والإسكندرية وتتحول مصر كلها لنار تحرق هذا النظام وأزلامه. الفريق المنافس المُسمى "سعودية ولو طارت" والذي انضم له كثير من "أنصار القانون"، رأوا فيما حدث مؤامرة كونية لزعزعة الاستقرار وأنّ هؤلاء "الهمج الرعاع" أهالي الوراق يستحقون القتل والسحل طالما لم يحترموا "أملاك الدولة". ويرون "الشعب المصري العظيم" لا يستحق سيادة الرئيس الذي يسعي جاهداً –حتّى لو باع ممتلكات الدولة كلها- ليجعل مصر في مصاف الدول الكبرى، لكنه شعب "مبيجيش إلا بضرب الجزمة" وعلى هذا فوضوا الدولة وجيشها وشرطتها بأن تفعل ما تريد "ومايهمهومش حد" و "انفخ يا سيسي" لأننا "عايزين نبني بلدنا بقي وكفاية تخلف".



تلك "الدولة" تحدد لك ما هي الدولة وحدودها كما تحدد لك كما قُلت "المعركة" وقواعدها وعلى ذلك فهي مَنْ تكسب دائما. ومثال بسيط من "مُحيط من المعارك": "معركة الدستور" سواء كان في عهد الإخوان أو عهد السيسي تجد دائما من يقولون لك أنه يجب أن نكتب مواد هذا الدستور بعناية لأنه هو العقد الذي سيُنظم ويحدد العلاقة بين الحاكم والمحكومين وسيضع الخطوط العامة لاختصاصات كل سلطة وهو أيضا من سيضمن لك وللأجيال القادمة الحُرية والعدالة. هنا تري الدولة ومن يحكمونها قد حددوا "المعركة" وهي الدستور –الذي هو مجرد "حبر على ورق"- وقواعد اللعبة هي "اختيار ممثلو الشعب" – وطبعا معروف مَنْ سيكون هؤلاء "الممثلين"- الذين سيكتبون مواد هذا الدستور، ثم تبدأ "اللعبة" وعبر شهور سيظل الناس "تهري" في هل المادة الثانية موجودة أم ستُلغي، هل المحاكمات العسكرية للمدنيين ضارة أم ضرورة. هل مدة الرئيس تكون 4 أم 6 سنوات؟ وتبدأ النقاشات والمجادلات والمعارك، إلى أن يتم كتابته فيخرج لنا من يقول إنه "أفضل الدساتير في تاريخ مصر" وأن الدستور قد "كفل" الحُريات العامة والشخصية ... إلى أخره من الخُرافات والخُزعبلات التي ينطق بها المعاتيه في أمثال تلك المُناسبات. رغم أنه حتّى لو كُتب في هذا الدستور كل المواد التي" لو" تم تطبيقها ستجعل مصر "جنة" فهذا بلا فائدة ببساطة لأنه لن يتم تطبيقها. ولماذا لن يتم ذلك؟ لأن مَنْ يحكمون الدولة لو كانوا فعلاً صادقين في أنهم يُريدون هذه "الجنة" لما فكروا في خداعك بأن كلمات "جوفاء" مكتوبة على الورق قد تجعل "أسياد هذا البلد" يتحولون "لخُدّامه". لقد خسرت المعركة سواء "كتبت" ما تُريده أو كتبوا هم ما يُريدونه. ففي الواقع "المعركة" معروف سلفاً من سينتصر فيها لكن "الدولة" فقط تُريد لاعبين على الساحة يظهرون بدور المنافسين: أولاً من أجل "الشو الإعلامي" وثانياً لئلا يفقد الناس الأمل في أنه ممكن بُطرق بسيطة –ككتابة كلام فارغ على ورق أبيض- أن تتغير حياتهم للأفضل. ويكفي أن تسأل نفسك هل تغير أي شيء في مصر بعد كتابة "دستور القرن" أو أي دستور آخر؟َ! -بالطبع لا!  وأؤكد لك أنّه لن يتغير أي شيء طالما مازال يتم خداعك، فالمعركة الحقيقة ليست ها هنا بل هناك حيث يكمن لك "حُكام الدولة وداعميها وحُماتهم" ويشغلونك بـ "معارك وهمية".

حين تستميت الدولة ومُعارضتها في اقناعك بالمشاركة بشيء ما (انتخابات- دستور- ترسيم حدود-الدفاع عن الأقصي ...) فاعلم مُباشرة أنها "معركة وهمية".


قبل ان نستكمل رواية المعلم (نقولا الترك) أختم فأقول إن وضع "الدولة" التي يُصدعون أدمغتنا بها ليل نهار أشبه بأحد "النصّابين" في فيلم فرنسي كوميدي قديم (7) والذي كان يدّعي المرض كوسيلة من وسائل التسول ثم خطرت له فكرة وهو في أحد المستشفيات حين رأي أحد المرضي يحظى برعاية وأكل ممتاز وحين سأل الممرضة جاوبته أنّ هذا بسبب أنه ليس أمامه إلا أيام معدودة ويموت ولذلك لا يُرفض له طلب. فاستطاع أن يخدع صحفي وأظهر له شهادة مزيفة بأن مرضه لا علاج له وأنه على وشك الموت. فرقّ له الصحفي ونشر صورته بالجريدة فانهالت على هذا النصاب الإعانات والهدايا وأصبح "بطل قومي" يذهب إليه الجميع لأخذ الصور التذكارية، وفي النهاية حين يتم اكتشاف أنه "مُحتال" يُقدم للمحاكمة حيث دافع عن نفسه بأنه كان مُصاباً فعلاً بالمرض ولكنه شُفي منه بأن أخذ أدوية "مستوردة" فعالة. لكن القاضي يرفض هذا ويقول أنّ الأطباء قد أجمعوا أنك لا تعاني من أي مرض وأنك لو كنت فعلاً مُصاب بالمرض العُضال الذي تدعيه فلا يمكن أن تُشفي منه إلا بمعجزة. هنا النصاب قد وجد طوق النجاة فأمسك بكلمة "معجزة" وبدأ يشكر القديسين والشُفعاء في أنهم فد "حنّوا" على عبد "غلبان" مثله وشفوه من مرضه المُميت وبدأ يصيح "مُعجزة ... مُعجزة" هنا ينتهي هذا المقطع من الفيلم لنري مُحتال آخر؛ لكننا نستطيع أن نضع بأنفسنا تكملة لتلك النهاية؛ فلابد أنّ هذا النصّاب الذي استطاع الاحتيال على الألاف من الناس سيستطيع خداعهم مرة آخري باعتبار أنه "آية" ومعجزة إلهية تمشي على الأرض. ويستمر في جمع الأموال والعيش برغد ورفاهية لكن هذه المرة بالترويج بأنه يمتلك قدرات "إعجازية" بأن لمسة واحدة من يديه كافية لشفاء أي مرض حتّى "الإيدز" يكفي فقط أن يضع يديه الشريفتين على أي منطقة من جسم المريض –يختارها هو ومزاجه- ويقول بصوت عالي "كان عندك إيدز وراح" (8). إن "الدولة النصّابة" تستخدم نفس هذا الأسلوب مع مواطنيها لكن على مستوي أكبر وبدون خوف من أن يتم اكتشاف "نصبها"، فهي لديها جهازها الإعلامي الذي ليل نهار يُخبر "المتبرعين" بأنهم لابد ان يحافظوا على "الدولة" فهي "مريضة" وعلى وشك "الانهيار" لو لم نأخذ "بالنا" منها، وأن الكون كله يعمل على هدمها. وبأنهم يجب ألا يُفكروا في أنفسهم بل يجب أن يفكروا أولا واخيراً في الدولة قبل ان تسقط. وفي حين تدّعي "الدولة النصّابة" أنها فقيرة وأنها لا تملك أي شيء، وأنه "مش قادر أديك ..... مفيش" ولكنك كل شهرين تري زيادة في مُرتبات وإنفاق من يحمونها -هي فقط- من جيش وشرطة وقضاء ومن شراء أسلحة وشق قنوات وطرق "بلا أي لازمة". أما "المُتبرعون" فعليهم أن يتحملوا ويصبروا ويعانوا من أجلهم. وكم "الحيل" والخدع التي تستخدمها لا ينفذ وستظل تلك "الدولة النصّابة" قائمة ما وجد "مُتبرع عبيط" وهم كُثر والحمد لله.



توقفنا المرة السابقة عندما وقّع الجنرال كليبر على "اتفاقية السلام" بينه وبين الباب العالي، والتي تشترط رحيل الفرنسيين بأسلحتهم ومعداتهم من مصر في مدة 45 يوماً، ويتكفل العثمانيين وحلفائها بتوفير مُستلزمات هذا الرحيل من أموال ومواصلات. حيث تقرر أن يدفع الباب العالي 3000 كيس من النقود للجيش الفرنسي (9) وقد أخبرنا الجبرتي في روايته أنه صدر فرماناً: «أن الوزير أقام مصطفى باشا الذي كان أسر بأبي قير وكيلاً عنه وقائمقام بمصر الى حين حضوره وأن السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساوية. « وكالعادة "استبشر" الناس خيراً بهذا الصُلح وبدأ جيش الصدر يقترب شيئاً فشيئاً حتي وصل كما يقول (نقولا) «بالقرب من القاهرة. وحضر اليه الامير مراد بيك الذي كان مقيم في أراضي الصعيد ومعه جملة من السناجق والكشاف» هذا طبعاً بعد أن أخذ (مراد بيك) الإذن من الفرنسيين بعد أن وعدهم بأن يُحسن التصرف، والتف حول الصدر وجيشه «العربان وسكان تلك البلدان. وبقت العساكر تنوف عن ماية ألف. وخرجت أعيان مصر والعلماء والحكام وتجّار وعوامّ ال مقابلة وزير الختام. واندهش السمع والبصر من رويا ذلك العسكر والجيش المفتخر. وكادت القلوب ان تذوب من الفرح والسرور، من تغيير تلك الامور، وخلاص بلاد السلمين من يد الكافرينلكن هؤلاء "الكافرون" سيُحطمون هذا "الجيش المُفتخر" في يوم وليلة وستذوب القلوب أيضاً لكن هذه المرة من الرُعب والخوف، فالإنجليز -كما قُلنا المرة السابقة- بعد قيام نابليون بانقلابه وبعد أن أصبح الجيش الفرنسي في وضع حرج، وجدوها فرصة للإمعان في إهانة الفرنسيين ورفضوا "معاهدة العريش" وقالوا لـ (كيث) "لا تُصالح" (10) إلا بأن يضع الفرنسيون أسلحتهم ويُسلموا أنفسهم كأسري حرب. وكان الإنجليز يتحكمون تماماً في حركة الملاحة في البحر المتوسط واستطاعوا في أكثر من مرة بمساعدة البحرية العثمانية السيطرة على سُفن فرنسية تحمل رسائل من الجيش الفرنسي بمصر إلى حكومة "المكتب التنفيذي" بفرنسا. وفي تلك الفترة -بعد رحيل نابليون- بعث كليبر برسالة لباريس في 7 أكتوبر 1799م، يوضح فيها وضع الجيش الفرنسي ويري فيها أن "الخروج المُشرِّف" من مصر هو أفضل الخيارات إن لم يكن هو الخيار الوحيد. وفي هذه الرسالة "همز ولمز" لكفاءة نابليون وتحميله المسئولية لما آلت إليه الأمور. وقد وقعت هذه الرسالة وغيرها في أيدي الإنجليز حين دخولها لميناء تولون الفرنسي. وقد عملت إنجلترا على نشر تلك المُراسلات –فيما يُشبه ويكليكس هذا العصر- وترجمتها للإنجليزية، بما فيها رسائل خاصة وشخصية لقادة وجنود الجيش الفرنسي ليري العالم خطورة هؤلاء على "السلم العالمي" (11) ورسالة كليبر تلك جعلت إنجلترا تعتقد أن وضع الفرنسيين مُزري في مصر مما جعلها ترفع "سقف مطالبها" ولا تكتفي بمجرد رحيل الفرنسيين بسلام.


لكن قبل أن تصل رسالة (كيث) (12) التي يُعلم فيها (كليبر) بالأوامر الجديدة، كان الوزير (يوسف باشا) في عجلة من أمره ويُريد أن يرحل الفرنسيين حتّى قبل المُدة التي تمّ الاتفاق عليها؛ فأرسل لنائبه (مصطفي باشا) ليطلب من (كليبر) بأن يُسرع في جمع "عزاله" ويرحل، لكن (كليبر) جاوب الباشا مُحتداً غاضباً «إن الوزير أسرع بقدومه إلى أرض مصر، ولم يسر على حكم ما تقرّر في الشروط. لأجل ذلك، نخشى وقوع الخلل بين العساكر. اذ أنني اري عساكرهم مختلطين مع عساكرنا، وهذا ضدّ الشروط التي امضينا عليها. حتّى الان لا أري الذخاير تحضّرت ولا المراكب تجهّزت» ويحدث ما يخشاه (كليبر) وتقع "خناقة" بين أحد الجنود الفرنسيين وبعض جنود الإنكشارية فيقتلوه. وهي الحادثة التي أخبرنا عنها (الجبرتي) وقال إنها بداية الحوادث التي ستؤدي إلى "فتنة القاهرة الثانية". فيهيج الفرنسيون طلباً للقصاص، ويتهيأ العثمانيون استعداد للقتال ويسري الذُعر في نفوس الناس «وصارت رجة عظيمة في المدينة. فبلغ مصطفي باشا كوسا، فركب حالا من منزله وحضر الي بيت الساري عسكر، فوجده في حالة الغضب، مستعد للافتراس والعطب. وبدأ يُعاتب مصطفى باشا ويلوم الوزير على سرعة انتقاله وعدم ضبط رجاله. ويذكره ما تقرر في الشروط من عدم اختلاط العساكر، خشية من مثل هذه المشاكل والمخاطر. فأخذ مصطفي باشا يبرّر ذاته ويروّق عكاره. ويوعده يمنع العساكر عن الدخول، وبقتل القاتلين الخمسة ديّة المقتول. ولم يزل يرطبه بلين الخطاب حتّى نزع ما بقلبه من الاضطراب وأنعم له وأجاب» وتنتهي الفتنة بسلام وينتظر العثمانيون يوم التسليم ورحيل (كليبر) عن القاهرة. لكن "المنحوس منحوس" كما يُقال، حيث يُخبرنا (نقولا) بقصة مع ما فيها الغرابة إلا أنها لا تخلو أيضا من "التشويق" فيقول أنّ (كليبر) دعي مصطفي باشا «أن يتسلم القلعة الكبيرة، وكان ذلك نهار الاربعة الواقع في ثمانية من شهر شوال ذي المعامع والاهوال. فأبى مصطفى باشا ان يتسلم القلعة نهار الاربعة، وذلك لما يستعقدون به من النحوسات والتنكيس، وترك التسليم إلي الخميس» لكن الخميس هو الذي كان فيه "العُكوسات والنحس" فحين يذهبون لتسلم القلعة تحضر رسالة (جورج كيث) والتي يقول فيها لـ (كليبر) «لقد حضرت لي كتابة جديدة من مملكة انكليترا، كرسي الدولة الانكليزية، أنني لا اسمح لكم بالخروج من مملكة مصر إلا اسراء بيدنا، من بعدما تسلّمونا جميع أموالكم وكامل سلاحكم، وتسيرون معنا الى مملكة انكليترا كرسي دولتنا. واما عهودكم وشروطكم مع الدولة العثمانية على التسليم والذهاب الى مملكة باريز، كرسي المشيخة الفرنساوية، فهي صارت فاسدة وعلى غير قاعدة. واذ كنا نحن الوسيطين بذلك سابقاً وواضعين شهادتنا بها، فلزم اننا ننبه عليكم الان بانتقاضها من بروز الاوامر الجديدة. وذلك حكم القوانين الملوكية الدارجة بين الممالك الافرنجية. لكيلا يعود على دولتنا الغدر والخيانة فاعتمدوا تنبيهنا عليكم قبل تسليم الكنانة.»


حين قرأ (كليبر) تلك الرسالة «اتقدت به النار، وانشب من أنفه الشرار» وجمع الجنرالات والقادة وأخبرهم بمحتوي الرسالة، فخيم الوجوم على الجميع وأدركوا بأنه لم يعد هناك مناص من الحرب فانتهز (كليبر) الفرُصة وذكرهم «بأفعالهم وتغيير أحوالهم، وعدم امتثالهم. وحنّيتهم إلى الاوطان، وترك الحرب والطعان. وأن لم يقبل إلى هذا الصلح والتسليم، إلّا من بعد أن شاهد قلقهم العظيم ومللهم الجسيم.» فاجتمع رأيهم على عدم الخروج من مصر إلا بتحقيق الشروط التي عقدوها مع العثمانيين وأن يحضر لهم مكتوب من "ملك إنجلترا نفسه" يتعهد ويوافق على ما تم الاتفاق عليه في أن نرجع لفرنسا بدون أن يتهدّدنا أحد، وحتّى يتم ذلك فلابد لهذا الوزير و "جيشه المُفتخر" أن يرجع حتّي حدود العريش ومن هناك يبدأ التفاوض من جديد. وإذا رفض الصدر هذا فالسيف لنا خير صديق. وتبدأ التحضيرات والاستعداد لقتال العثمانيين في حالة رفضهم للرحيل بـ"الذوق"، وسبحان مُغير الأحوال فمن كان يرحل بالأمس يُطالب الآن مُطالبه بالرحيل بأن يرحل هو.   في تلك الفترة يصل الجنرال (فيكتور دو لاتور موبورج) –أحد مُساعدي نابليون- إلى القاهرة في 4 مارس 1800م قادماً من فرنسا ويحمل معه رسالة من (نابليون) –بعد انقلابه- بتاريخ 2 ديسمبر 1799م الذي يدعو فيه الجنود الفرنسيين إلى "الصمود" وأن يضعوا ثقتهم في (كليبر) فهو جدير بها، وأن فرنسا لم تنسي أبنائها الذين يخوضون المعارك من أجل "رفعة" بلادهم ومن أجل "نشر الحضارة" «أيّها الجنود! فلتفكروا في اليوم الذي تعودون فيه مُنتصرين إلى أرض الوطن؛ هذا اليوم سيكون يوم مجد وسرور للأمة كُلها.» (13)


ولما وصل الخبر للصدر الأعظم برسالة (كيث) واستعدادات (كليبر) يبعث برسالة فيها نفس "الجعجعة" الفارغة بلا أي إضافة، فبعد أن يُطمئن (كليبر) بأن الإنجليز لن يستطيعوا أن يمسوهم بسوء وأنهم في "أيدي أمينة"، ثم يقول «فقد تمّ وانتهي ميعاد اقامتكم في مدينة مصر، ولم نعد نسمح لكم بالإقامة بها ولا يوماً واحداً. لأننا بالحصر وعساكرنا وافرة وجيوشنا متكاثرة، وفرساننا جبابرة، ولم نكن قادرين على حجزهم عن الهجوم على القاهرة. ونخشى عليكم من التلاف والعدم، وتندمون حيث لا ينفعكم الندم. فقد نبّهنا عليكم بالخروج والسلام.» لكن (كليبر) يُصر على أنه لا رحيل إلا "بضمانات" وأولها هو عودة الجيش العثماني لحدود مصر. ولم يدري (يوسف باشا) ماذا يفعل، فهو بعد أن كان يتجهز للاحتفال بـ "التحرير" اتخذ الوضع مُنحني خطراً حيث بدأ العساكر يصيحون «الله أكبر. وطلبوا الهجوم على مصر والمضاربة. وكانت أمورهم غير صايبة. وأما الوزير الاعظم كان من أعقل وزراء الدولة العثمانية، مشهوراً بالفطنة الزكية والاخلاق المرضية. وهو من الارهاط المستوية، فبقي حايراً في هذه الامور الردية» لكن حيرته لم تطل فبعد مراسلات متبادلة بينه وبين (كليبر) يتمسك فيها كُل طرف بموقفه؛ يطلب الوزير أن يبعث له (كليبر) بأحد جنرالاته فيرسل له مُساعِدهُ الجنرال (بودو (Baudot  مع مترجم وحين رآهما الوزير «لعنمها وشتمها، وأمر بالقبض على الجنرال بوضوط(بودو) وطرد الترجمان. وقال له: اذهب الى مولاك الكافر وقل له: إن لم في الغد يسافر والا دهمته بهذه العساكر، وأطلقت فيكم النار ولا أعفي على كافر من هؤلاء الكفار. ورجع الترجمان وهو مرعوب فزعان، ودمعه هتّان على ما حلّ بصاحبه من الذلّ والهوان. وأخبر الامير كليبر بما سمع من الوزير وكيف أسر الجنرال بوضوط وتركه في القيود مربوط. وما توعد به من الدمار والدثار ان لم يخرجوا من تلك الديار.»


لكننا نجد في مذكرات الجنرال (لويس برتييه) أن الجنرال (بودو) تم أسره في وقت لاحق حينما تحرك كليبر لمهاجمة مقدمة الجيش العثماني المُرابط في المطرية –شمال شرق القاهرة- التي كانت تحت قيادة (ناصيف باشا) الوالي أو (ناصف باشا)، وهو نفسه (نصوح باشا) الذي أخبرنا عنه (الجبرتي). حيث ستدور هناك ما عُرف بـ"معركة المطرية" فيستطيع الجنرال (جان رينييه) اقتحام القرية وخندقها ولكن (ناصيف باشا) يطلب من (كليبر) التفاوض؛ فيبعث له بـ (بودو) هذا، فما كاد أن يدخل إلي معسكر العثمانيين فينهال عليه بعض الجنود ضرباً ولا يُخلصه من أيديهم إلا المماليك الذين كانوا يصطحبونه ثم يتوجهون به إلي الصدر الأعظم، الذي كان معسكره بالقرب من "الخانكه" شمال المطرية، فيأمر بالقبض عليه (14). وقد نشرت جريدة البريد المصري في عددها (79) بعد تولي (مينو) قيادة الجيش رسالة له يتحدث فيها عن عودة الجنرال (بودو) بالسلامة لأرض الوطن بعد جهوده الحثيثة ورسائله للباب العالي حيث أتت تلك الجهود ثمارها بالقيام بعملية تبادل للأسري. فتم الإفراج عن 42 من العثمانيين في مُقابل (بودو). ونجد في تلك الرسالة تفاصيل ما حدث للجنرال –حسب روايتهم- من تعذيب واهانة مُخالفة لكل "الأعراف الدولية وحقوق الإنسان" فتم ضربه بالسيف وجرحه في يديه ورأسه وتم أسره وتقيده وربطه إلى ذيل حصان ومُنع عنه الطعام ولم يحنو عليه إلا المترجم الخاص –وهو رومي (يوناني)- للصدر الأعظم حيث أعطاه حصان يركب عليه، كما عطف عليه أحد البكوات فشاطره طعامه. وقد أُجبر أيضاً أن يشاهد ويطأ رؤوس جنود فرنسيين كان قد تم قطعها. ولم يتحسن وضعه إلا بعد أن وصلوا يافا وتدخل المبعوث الروسي من أجل أن يُحسنوا مُعاملته. وقد أنعم عليه (مينو) تقديراً لخدماته للجمهورية وتخليداً لذكري (كليبر) بترقيته إلى "قائد لواء" (15).


 ما فعله (يوسف باشا) كان بمثابة إعلان حرب، حيث لما سمع (كليبر) قام وأمر بالقبض على (مصطفي باشا) آل كوسا والقنصل النمساوي «لأن كان ملكه متحد مع الدولة العثمانية. وفي تلك البلاد يحارب الفرنساوية. وسجن الإثنين في منزله الكاين في بركة اليزبكية.» ويبدأ (كليبر) في ليل 20 مارس 1800 التحرك نحو مقدمة جيش العثمانيين المُرابطة كما قُلنا في المطرية ويلتف حولها «ومن قبل أن يصل إليهم ويهجم عليهم، أطلق مدفع التنبيه، ثم أطلق ثانية، فانتبهت عساكر الغز المصريان لأنهم من ذلك معودين، وذاقوا حرب الفرنساويين.» وذهب (مراد بيك) لكي يُنبه (ناصيف باشا) لكن ما كان إلا أن جاوبه «بقلب فاتر: أنّ الفرنسيس الكافر لا يستطيع الهجوم على هؤلاء العساكر. وفي تلك الساعة، أطلق امير الجيوش المدفع الثالث الكبير، وهو مجد بالمسير. فتحقق ناصيف باشا قدوم الكفار، وبقي في رعب وافتكار، وايقين بالذل والاحتقار. وكان هو في اول عسكر في الإنكشارية مع الغز المصرية. وانتبهت عساكر الاسلام واستعدوا للحرب والصدام، ومشوا بضجة وهرج طالبين ملاقاة الافرنج.» لكن يستطيع الجنرال (رينييه) أن يقتحم القرية وتدور المعارك داخلها، ولكن كالمعتاد يتشتت (ناصيف باشا) ونخبة جنوده وتبدأ حملة من الذبح والحرق في قرية المطرية كما هي العادة. ولكن نتيجة لقطع خط انسحابه يتوجه الباشا وجنوده في اتجاه القاهرة، وحين يدخلها سيبعث برسالة إلي الصدر يُخبره «أنَه قد دخل القاهرة بعساكر وافرة، وملكوا الكنانة، لأنَه لم يكن بها أحد من الفرنساوية.» هنا سيبدأ (يوسف باشا) بنفسه التحرك في اتجاه الفرنسيين؛ فأصبح موقف الجيش الفرنسي صعب؛ فالعدو من أمامهم ومن ورائهم فيتوجه لملاقاة جيش الصدر «وتصادمت تلك الجيشان العظام تحت غسق الظلام. وماجت جيوش الاسلام، وأكثرهم طلب الهرب والانهزام. وصدمتهم الافرنج اي الصدام، وأورثتهم مواريث الاعدام. وبدلت فيهم الحُسام تحت ستور الظلام، والتطمت العساكر كالبحور الزواخر. وارمت الفرنساوية عليهم الكلل والقنابر، كالسيل القاطر. وجادوا عليهم بضرب السيوف البواتر. وكثر الصياح وزاد النواح. وزهقت الأرواح من ضرب السلاح. وطلبت الاسلام الهرب والرواح في تلك البوادي والبطاح. وصاحوا: الفرار الفرار من وقوع الاقدار. وقد بليوا بالعدم والدمار والذلّ والانكسار. وتشتتت تلك الجيوش في البراري والقفار. وهم يتعوذون بالله الجبّار من شدّة باس الكفّار، الذين لم يكن لهم بالموت افتكار. وولاّ الوزير ومن معه هاربين وللنجاة طالبين. ولم يزالوا الفرنساوية في إثرهم سايرين.»
معركة المطرية وما بعدها.


سينسحب العثمانيون إلى بلبيس والفرنسيين ورائهم، ويجئ أمر (كليبر) للصدر وجنوده بمغادرة المدينة وإلا "جاب عاليها واطيها". لكن (يوسف باشا) –بجعجعته التي اعتدنا عليها- يجاوب (كليبر) أن (ناصيف باشا) قد ملك القاهرة و "المكان كُله مُحاصر" و"سلم نفسك بالذوق أحسن" «وأنتم الآن صرتم منها مطرودين. فاترك الحرب وارجع عن الطعن، ودعنا نعود لما كنّا عليه من الشروط والعهود.» فنقرأ الرد الصارم من (كليبر) لرسول الصدر «ارجع الى صاحبك الوزير وقل له ان خرج من هذه البلد، والّا أحرقها بالنار، ولا أتركه يقيم ساعة من النهار. وإن كان قصده يتفق معنا اتفاقاً جديداً، فيذهب الى قلعة العريش، ومن هناك يُخاطبنى بما يريد.» حين يري الصدر أنّ لا فائدة من "الجعجعة" سينسحب حتى غزة ويبدأ الفرنسيون في الرجوع مرة آخري وبسط سيطرتهم على كافة "تراب الوطن وحدوده". لكن ستواجههم بعض "المشاكل" ففي دمياط تعرض الفرنسيون لـ"ثورة" من الأهالي والأتراك لكن الجنرال (بليار) كان معه العلاج السحري للـ"ثورات" فضرب «عليهم المدافع المتينة. فرجعوا من أمامه مهزومين وللنجاة طالبين. واحتموا في منازلهم والبيوت من شرّ ذلك البهموت. وخرجت العلماء والاعيان وطلبوا منه الامان، ووضعوا المحارم في أعناقهم اشارة الذلّ والهوان. ودخل الى المدينة وتسلّم الحصون المتينة، ورجع في الحال إلى مصر بكل عزّ ونصر.» وكان من المُفترض أن تُسمي هذه "الأحداث" بـ"ثورة دمياط الثانية" باعتبار أن ثورتهم الأولي كانت في عهد الشيخ "المُجاهد" (حسن طوبار) لكن حتي الثورات فيها "خيار وفقوس" فما يحدث في القاهرة دائماً ما يُسمي "ثورة" حتي ولو كانت مُجرد مجموعة "قعدت في ميدان" وظلت تصرخ "الجيش والشعب إيد واحدة". أما خارج القاهرة فنادراً ما تُسمي ثورة، فعلي حسب الظروف يتراوح ما قاموا به بين "أحداث" أو " تمرد ومقاومة" أو أقصي ما يمكن أن يتم وصفها بأنّ يقولوا عنها "حركة شعبية".

وبينما كان كليبر وجيشه مشغولين بطرد الصدر وجحافله دخل (ناصيف باشا) ونُخبته من جُند الإنكشارية القاهرة، فيستبشر (16) "أهل مصر" وتدور أحداث "ثورة القاهرة الثانية"، والتي رأيناها في رواية (الجبرتي) والتي سماها "الحركة" و"الفتنة" والتي ستبدأ بمقولة "ناصيف أو نصوح باشا" الشهيرة «اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم» فيقول (نقولا) أنّه بدأ الهجوم على «دور النصارى، فينهبون ويسبون ويصنعون القساوة والفساد. شي ما له تعداد. وهجموا عل حارة الأقباط وقفلوا في وجوههم الأبواب. وكان بها ذلك القبطي الذي كان مع الجنرال ديزه في الصعيد، فردّهم مع أصحابه في الحرب العنيد والرصاص الشديد. وأتت الغزّ إلى حارة اليزبكية، وهجموا على بيت الساري عسكر. فضربتهم الصلدات بالرصاص والنار، ومنعوهم عن دخول الدار. وكان لهم يوم يذكر جيلاً بعد جيل، لما به من الهول الجزيل، والخوف العظيم والهمّ الجسيم، والعذاب الأليم. وقد تيقّنت النصارى بالهلاك والدمار، وهتك الحريم وخراب الديار.» واجتمع عثمان بيك كتخدا مع رؤوس البلد والتجار وعلى رأسهم شيخهم (أحمد المحروقي) والمماليك غير أنّ خضرة الشريفة (مراد بيك) «بفطنته الحريزة» نأي بنفسه عن المشاركة في تلك "الثورة" انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع. لكن في حين أخبرنا الجبرتي أنّه كان كُل مَنْ «قبض على نصراني ويهودي أو فرنساوي أخذه وذهب به الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش، فيحبس البعض حتى يظهر أمره ويقتل البعض ظلماً وربما قتل العامة من قتلوه وأتوا برأسه لأجل البقشيش، وكذلك كل من قطع رأساً من رؤوس الفرنساوية يذهب بها إما لنصوح باشا بالأزبكية وإما لعثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم» يصف لنا نقولا (عثمان كتخدا) بأنه لم يرضي بذلك فهو "أشرف من الشرف" «ذو نفس عتيّة وأخلاق مرضيّة، وفطنة ذكيّة. فأخذته الشفقة والرحمة على الرعية، وأطلق المناداة برفع الأذاة عن النصارى والرعية. ومنع الإسلام المنع التام عن النهب والحرام، وقال لهم: لا يجوز في ساير الأديان الأذاة على رعية السلطان. وغضب من ذلك الشان، وأمر أجناده أن تدور بالحارات، وكل من بدا منه فساد يقطعوه بالسيوف الحُداد.» 


واستمر هذا "الهياج" لمدة يومين بدون أن يُحقق أي تقدم يُذكر فرغم أن عدد الفرنسيين المتواجدين في القاهرة كان لا يزيد عن الألفين إلا أنّ (ناصيف باشا) ومعه نُخبة جنود الإنكشارية ويقدر عددهم بالآلاف، هذا غير –علي أقل تقدير- عدة مئات من العامة الذين انضموا لهم ومع حالة "الانفلات الأمني" التي حدثت في القاهرة وبولاق لم يستطيعوا أن يتغلبوا على الفرنسيين لأنهم –أي الفرنسيين- سُرعان ما انسحبوا داخل القلاع وبدأوا "يدكون" القاهرة بمدافعهم. وبعد مرور يومين على تلك الحالة وصلت للفرنسيين تعزيزات فقد أرسل (كليبر) الجنرال (لاجرانج) والذي سيحاول (ناصيف باشا) مقابلة فرقته لكن (لاجرانج) يتغلب عليه. وينضم للفرنسيين أيضا فرقتي الجنرال (فريان) و (لانزلو) وتنتقل المبادأة في أيدي الفرنسيين ويلجأ العثمانيين للدفاع فيبدؤون بوضع المتاريس في الشوارع لمنع تقدم الفرنسيين حيث سيبدأ "الحصار" للقاهرة وبولاق. وسيبدأ الناس في "تسلية" أنفسهم حتى يجئ "الفرج" فيهجموا على «منزل مصطفي أغا وأتوا به الى قدام ناصيف باشا، وقدّموا عليه شهودات بأنه كان يؤذى المسلمين ويودّ الفرنساوية. فأمر الباشا بقتله ونهب منزله. وقُبض أيضاً على أُناس كثيرين من المسلمين الذين كانوا يخدمون الفرنساويين، وأذاقوهم الموت المهين، وأوردوهم موارد التلاف. وقبضوا على الشيخ خليل البكري نقيب الاشراف، وأتوا به حافياً عرياناً ذليلاً مهاناً، وقدموه إلى عثمان بيك. فأمر بإطلاقه بعد ما قدموا عليه جملة شهادات، وكان في أكثر الاوقات شرب في منزله مع الفرنساوية المنكرات.» مصطفي وخليل، عسكري وشيخ، سيف وكلمة، خوف وأمل، راقصة وطبال ... هذه هي التركيبة السحرية لضمان أن يبقي الحاكم علي كرسييه إلى أبد الأبدين.


بعد أيام من الحصار وضرب المدافع وهدم البيوت، ورغم تصدي شيخ التجار (أحمد المحروقي) لمصروفات تلك "الثورة" من "لحمه الحي" إلا أن بقاء الوضع على هذا الحال لا يمكن أن يؤدي إلى شيء وسيكون مصير "الأهالي" التشريد والهدم أمّا "العسكريين" فتنتظرهم "الباصات الخضراء" التي تجرها "حُمر بمبيّه". فيبعث كليبر الجنرال (بليار) إلى بولاق فيهجم عليهم «(...) فما قدروا على الثبوت. وتركوا المتاريس والتجوا للبيوت. فهجمات عليهم تلك العساكر بالرصاص المتكاثر، والسيوف البواتر، واحرقوا المنازل. واشتدت الاهوال وهربت الرجال. وبكت النسوان والاطفال. وصاحت الكبار والصغار: الامان الأمان يا جنرال بليار. فلما سمع بكاهم حنّ الى شكواهم، وأمر الصلدات بحفظ الحياة ومنع الممات. وعفى عن قتل الرجال. وبدوا ينهبون النساء والبنات ويهتكون الحراير المخدّرات. واستمر هذا البلاء العامّ ثلاثة أيّام. ففي تلك المدينة هدمت المنازل المتينة، واحترقت البضايع الثمينة، وراح على التجّار من المال والبضايع عدّة خزاين وافرة. اذ كانت بولاق اسكلة (ميناء) القاهرة، فتجمتع بها البضايع والأموال، وهي محل للاستقبال والارتحال لقربها إلي البحر. وكانت خزينة مصر. ودثرت هذه المدينة في تلك الفتوح المهول، عن سوء تدبير أهلها المخذول. ومن بعد هذا الخطب العظيم والخراب الجسم أمر أمير الجيوش أن يوخذ من اهلها اربعة الاف كيس(...)» وكذلك حدث مع بقيّة القاهرة حيث لم يتوقف القصف لا ليل ولا نهار حتى جاء يوم مُمطر لا شمس فيه، فاقتحم الفرنسيون الشوارع وأحرقوا البيوت «فكانت ساعة لا تعد بالساعات، من تلك البلايا النازلات. وهجمت الفرنساوية  وطردوهم من تلك الحارات. واحرقوا منازل كثيرة بتلك الجهات»


عند هذا الحد لم يتبقي أمام ناصيف باشا وعساكره إلا التفاوض علي "الخروج الآمن" من القاهرة، فأرسل عثمان بيك البرديسي وعثمان بيك الأشقر يصحبهما الشيخين الفيومي والشرقاوي ورفعوا أمامهم "الراية البيضا" وذهبوا إلي بركة الأزبكية حيث يتواجد (كليبر) «ولما قربوا من ذلك المكان، ونظر إليهم أمير الجيوش من بعيد، وعرف الاشارة، فأمر برفع ضرب البارود، وأرسل اليهم وزيره داماس ومعه ترجمانه الخاص. فلما تقابلوا قال لهم الجنرال داماس: ما مرامكم؟ فقالوا له: تسليم المدينة، وخروج العساكر بطريقة أمينة. وسفرهم الى أراضي الشام من القاهرة، من دون مشقة ومخاطرة. وفرمان الأمان إلى الرعايا والأعيان.» فيوافق (كليبر) على خروجهم وتُعقد "هُدنة" لمدة ثلاثة أيام يتم فيها الفصل بين القوات ويتجهز خلالها من يُريد الخروج بأمان من القاهرة، بشرط أن يأخذ (كليبر) لديه رهينتين لضمان التزامهم بوعودهم ويرافق الخارجين الجنرال (رينييه) حتى يوصلهم "للحدود". ويتم تنفيذ الاتفاق بدون "خروقات" وينتقل "أهل مصر" من الفرح والاستبشار إلى الحزن والإستحمار «وكان حزناً عظيماً عند المصريين، وسقط عليهم خوف جسيم، وبدوا بالنوح والعويل، والبكاء والتعداد المستطيل، في جميع منازل الاسلام الخاصّ والعامّ. وبدوا يسبّون الغزّ ويشتمونهم وهم خارجين، ويقولون لهم: قد احرقتمونا بناركم من بغيكم وضلالكم، واسيئتم الينا وطرحتم شرّكم علينا، وقتلتم رجالنا ويَتّمتُم اطفالنا «. ويكون هذا هو المشهد الختامي لـ"ثورة القاهرة الثانية" وهو مشهد مُتكرر في "ثورات" المصريين. لكن لندع الآن (كليبر) يحتفل بهدوء بانتصاره قبل أن تغتاله يد "الأهوج"(17) (سليمان الحلبي) ونلتقي –إن شاء الله- المرة القادمة لنُنهي رواية المعلم (نقولا).

******************************************************************************************************
(1) يُعرف هذا الخلل أو الخطأ بـ"مُغالطة التكوين أو التركيب – Fallacy of Compisition" والتي تفترض أن خصائص الشيء ما هي إلا مجموع خصائص أجزاءه، ومن الأمثلة الشهيرة التي تُظهر خطأ تلك المُغالطة هو الماء الذي يتكون من الأكسجين والهيدرجين وكما نعلم فخصائص الماء ليست هي نفسها خصائص أي منهما.
(2) هناك الكثيرون الذين يحاولون وضع فارق بين "الدولة" –كما يُعرّفونها- و "حُكامها"، باعتبار أن الحُكام زائلون لكن تبقي الدولة. فيُخبرونك –بنبرة وطنية حانية- أنه لا يجب أن يتحول نقدك لحاكم "الدولة" إلى نقد للدولة نفسها. غالبا ستجد هؤلاء هم أنفسهم نفس الحمير التي كانت تُردد "الجيش المصري بتاعنا والمجلس مش تبعنا". تلك الحمير غير مُدركة –بالطبع- للمغالطة التي يقولونها فالحكُام ليسوا "زائلين" كما يدّعون بل هم باقون ببقاء تلك "الدولة" وبما أنّ حُكام مصر عبر تاريخها هم حُكام "مُعرّصون" فلابد لك ليس فقد أن تنقد، بل وتعمل على نقض "دولتهم" تلك التي يستعبدونك باسمها.
(3) لا أعرف "ملة" هؤلاء الذين مازالوا يعتقدون بوجود قضاء "نزيه" وقُضاة "شُرفاء". أما أولئك الذين يلجئون لهذا القضاء ليقاضوا به "الدولة" فهؤلاء "ملتهم" معروفة -إن لم يكونوا "أمنجية"- فهم قطعاً من عبدة البقر والجاموس.
(5) هناك دراسة لـ (د. فطين أحمد فريد)، أستاذ التاريخ الحديث ورئيس قسم التاريخ بجامعة السويس، نُشرت في مجلة "مصر الحديثة" في عددها الثاني سنة 2003 -أي قبل تلك "الدوشة"-  تحت عنوان "مضايق تيران ودورها في الصراع العربي الإسرائيلي (مارس 1949- مارس 1957)"، يقول فيها نصاً: «كان لاحتلال إسرائيل لقرية) أم رشرش)، التي صارت تعرف الآن بميناء (إيلات) الإسرائيلي، أثر بالغ لدى السلطات المصرية. فقد اتفقت هذه السلطات مع سلطات المملكة العربية السعودية على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتي «تيران» و«صنافير»، وهما الجزيرتان اللتان تتحكمان في مداخل خليج العقبة. وعلى أثر هذا الاحتلال أقامت السلطات العسكرية المصرية سنة ١٩٥١ في رأس نصراني، مدافع ساحلية تسيطر تماماً على الملاحة في مضيق «الانتربرايس. « وقد اتخذت مصر هذه الإجراءات لمجرد تعزيز حقها وحق السعودية فيما يتعلق بالجزيرتين اللتين يتحدد مركزهما على بعد ثلاثة أميال بحرية على الأقل من الشاطئ في سيناء وأربعة أميال تقريباً من الجانب المواجه للسعودية، وقد تم ذلك لقطع خط الرجعة على أية محاولة للاعتداء على حقوق مصر. » بالتأكيد ليست هناك دولة "تحتل" أراضيها أو تتفق مع دولة آخري في أن تنشر قواتها على جُزر تابعة لها. وقد تم استضافة هذا الدكتور في إحدى القنوات ليقول بالمُختصر المفيد أنه لا توجد أي وثيقة "تاريخية" تُثبت مصرية أو سعودية الجزيرتين باعتبار أنه لم يتم ترسيم الحدود البحرية بين البلدين من قبل فبعد سقوط الدولة العثمانية واتفاقية سيكس-بيكو ونشأة إسرائيل كانت "الحدود" تلك في حالة عدم ثبات تبعاً للظروف المُحيطة. وإن كان كلامه في دراسته يُشير إلى أن مصر لها "جزيرة" والسعودية لها "جزيرة" وهي دي قسمة "الحق" ولا "إيه يا ولاد الجزيرة"؟!
 (6) والتي كانت من ضمن "حدود" مصر لكن "الدولة" –حالياً- تقول لنا أنه لا ينبغي أن نقتل أنفسنا في سبيلها.
(7) الفيلم اسمه: "les Combinards" أو "المُحتالون" وهو انتاج فرنسي إيطالي اسباني مشترك وهو يتناول ثلاثة قصص لعمليات نصب "غريبة" ففي بداية الفيلم نري قصة نصاب يبيع الترام لأحد "الفلاحين" الأسبان الأغبياء وفي هذا الوقت كان نظيره المصري في أحد الأفلام كان قد اشتري العتبة الخضرة كلها مما يدلك على مدي "تفوق" المصريين حتّى في الغباء.
(8) لقد وصل "نصب الدولة" على الناس أن استخدمت تلك الحيلة الساذجة فيما عُرف بالاسم الساخر "جهاز الكُفتة" ومن المضحك أن تجد "أطباء" قد دافعوا عن هذا النصب ليس فقط من مُنطلق "تعريصي" بل أيضاً باعتبار أنهم -بشكل أو بأخر- ينصبون على الناس تحت مُسميات مختلفة.
(9) Bonaparte en Egypte (1789-1799) , Désiré Lacroix, 1899.
 وقدّر مؤلف الكتاب (ديزيريه لاكروا) قيمة 3000 كيس بحوالي 3 مليون فرنك فرنسي، ولو حسبنا قيمة الفرنك في تلك الفترة الذي كان يُساوي تقريباً 5 جرامات من الفضة سنجد أن قيمتها بشكل تقريبي -لكنه ليس دقيق بالطبع- حوالي 300 مليون جنية مصري في وقتنا الحالي.
(10) عنوان قصيدة عبيطة والتي يطير بها فرحاً "محور المُقاومة والمُمانعة"، وما فيها من تمجيد لـ"فارس هذا الزمان الوحيد" يجعلك تلعن الغباء وأهله.  لكن على أية حال فشُعوبنا تُحب هذا النوع من العبط -عفواً- أقصد من الشّعرِ.
(11) Copies Of Original Letters From The Army Of General Bonaparte In Egypt (1798-1800).
سوف نري تفاصيل تلك الرسالة وتفنيد (نابليون) لمزاعم و "اتهامات" (كليبر) فيها وسنجعلها نقطة البدء في رواية الغزاة.
(12) الرسالة موجهة من الأدميرال (جورج كيث إلفينستون ـ (1746-1823)) إلي الجنرال (كليبر) لكن (سيدني سميث) هو مَنْ أوصلها و (كيث) هو من سيتولى هذا "الملف" حتى تسليم "مينو" وخروج الفرنسيين في 1801م.
(13) Bonaparte en Egypte (1789-1799) , Désiré Lacroix, 1899.
(14) Mémoires Du Maréchal Berthier, Major-Général Des Armées Françaises. Campagne D'égypte, Parte 1, 1827.
(15) Courier De L’Égypte N°79, 2 Septembre 1800.
(16) الاستبشار –بالنسبة للمصريين- هو ردة فعل آلية لرؤية أو سماع أي "بارقة أمل" بدون تفكير في جدّية أو صدق تلك "البارقة".  
(17) كل فعل أو عمل يمكن تفسيره من زاويا ووجهات مُختلفة. فهو عمل "أهوج" من وجهة نظر المُعارض أو المتضرر منه، وهو عمل "بطولي" من وجهة نظر المؤيد أو المُستفيد منه، وهو عمل " أهوج بطولي" من وجهة نظر المصريين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال