الخميس، 20 أكتوبر 2016

قبل السقوط و بعده

قبل السقوط و بعده.

القوات الإنجليزية في مُحيط الموصل 1923م



كنت قد كتبت تدوينة قبل ما يُقارب العام بعنوان: "هل هزيمة الدولة الإسلامية تعني نهاية مشروعها؟ " وما زال السؤال يُطرح عند كُل تراجع للدولة الإسلامية فالتحالف و حشوده علي مشارف الموصل قلب الدولة في العراق و سقطوها سيكون بمثابة انتهاء مفهوم "الدولة" لندخل من جديد لمفهوم "الجماعة أو التنظيم". فعملياً لن يكون هناك "دولة إسلامية في العراق" سيكون هناك "تنظيم" يعمل في العراق. تلك الكلمة "تنظيم" التي تعشقها "وكالات الإنباء" والتي تُردف "تنظيم" ب "دولة" فيُصبح لديك هذا المُصطلح العبيط الذي يُردده الإعلاميين بغبائهم المُعتاد: "تنظيم الدولة الإسلامية".

إن مشروع الخلافة الإسلامية هو مشروع المُسلمين الصادقين لذلك لا يمكن هزيمته إلا إذا اختفي هؤلاء من العالم- وهو أمر غير مُحتمل- لذلك قُلت في التدوينة أن : " العالم يبحث عن هزيمة الدولة الإسلامية عسكرياً لكي يُفشل مشروعها ويظهر ضعفها ويبعث اليأس في مؤيديها و مناصريها فبدون الهزيمة العسكرية وطالما الدولة الإسلامية صامدة متحدية ومنتصرة فمشروعها يصبح قادراً علي جذب المزيد من المقاتلين و المناصرين المستعدين لبذل كل ما يملكون لنجاح هذا المشروع".

حينما تواجه مُشكلة صعبة , عليك دائما ان تضع في حُسبانك أسوأ الاحتمالات المُمكنة وتتصرف على أساسها هكذا تضمن أنك مُستعد تماماً لمواجهتها و حلها. أما ان تقول أنّ هذا الأسوأ "لن يحدث" أو لماذا "نستبق الأحداث" فهذا غالبا ما سيُعقدها ويجعلك عند حدوث هذا الأسوأ تقف أمامها مُحبطاً يائساً عاجزاً لا تدري ماذا تفعل.

فاذا أخذنا بالأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام في ان هناك ما يُقارب 100000 من القوات العراقية والأجنبية ما بين جيش و بيشمركة و حشد و غيرها هذا غير طيران و استخبارات التحالف في مُقابل ما يقارب 6000 مُقاتل من جنود الدولة الإسلامية. طبعا لا يوجد أي تكافئ في القوي حتى مع ما نعلمه من قوة وشجاعة جنود الدولة لكنها وحدها لا تكفي. فكما قُلت سابقاً أن الدولة الإسلامية أصبحت أمام عدو قد تكيف مع أساليبها وتكتيكاتها العسكرية وأصبح يستطيع التنبؤ بردود أفعالها الأمر الذي يُعطيه نقطة تفوق أُخري. نعم قد تستطيع الدولة الدفاع عن المدينة لعدة أسابيع أو حتى شهور لكن إن لم يكن لديك خطط بديلة لمواجهة "الأسوأ" فسيكون الوضع أسوأ مما تتخيل.

من بين الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها الدولة هي أنها تركت رأسين من رؤوس الأفاعي السامة وهما السعودية وتركيا بدون أن توجه لهما جزء كبير من عملياتها فلا توجد ولا عملية واحدة في تُركيا أعلنت الدولة مسؤوليتها عنها رغم أنها أحد أهم قواعد و رؤوس التحالف في المنطقة حتي و إن حامت الشكوك حول وقوفها خلف بعض التفجيرات التي وقعت في تركيا كتفجيرات مطار اسطنبول علي سبيل المثال فيظل حجم وطبيعة تلك التفجيرات محدود بالأخذ في الإعتبار أنه كان لك حدود برية طويلة معها.  أما السعودية فالعمليات التي تمت بها كانت لمُجرد "اثبات وجود" ليس إلا. وعلي الجانب الإعلامي المُلاحظ هو -إن لم يكن غياب- فهو تراجع كبير لجهاز الدولة الإعلامي هذا التراجع الذي يعود جزء منه مع بداية "فوضي الإصدارات"  وجزء منه يعود لإستشهاد خيرة كوادرها و قادتهاإن أهم ما سيُشكل عودة "مُنحني الصعود" للدولة الإسلامية في المرحلة القادمة هو أن تتعلم من أخطائها -تلك الأخطاء التي هي جزء من طبيعة المرحلة- و لا تُصر عليها .

 لا جدال في أن النصر من عند الله . فالله سُبحانه و تعالي يقول: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" وأنّ علينا فقط الأخذ بالأسباب لكن هل يعني هذا أنه إذا هُزمت الدولة أنهم ليسوا مؤمنين كما يُروج لذلك أعدائها ومُبغضيها؟ بالطبع لا، "فالعاقبة للمؤمنين" في مُجمل الصراع بين الكُفر والإيمان و ليس في تفاصيله فنحن الآن داخل هذا الصراع الذي بدأ فصل جديد منه و كما فيه الانتصارات ففيه الهزائم و الانكسارات.فمازالت المعركة طويلة و لم ينتهي بعد فصلها الأوللكن المُشكلة في أصحاب التفكير الطفولي -وهم الأكثرية- الذين يُريدون دائما "البساطة" و عدم التعقيد فهم لا يروا الحق إلا مع "المُنتصر" فإن إنهزم أو تقهقر بحثوا عن مُنتصر بديل. إن هذا من "طبائع" البشر فهم يُقدسون المُنتصر و يخافونه بغض النظر عن قُربه من الحق أو بُعده و يحتقرون المُنهزم و يسخرون منه حتي لو كان يُدافع عنهم و عن أبنائهم تلك هي "حقيقة" من حقائق كوكبنا البائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال