الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

الجيش المصري و شعبه 1

الجيش المصري و شعبه 1
من أين نبدأ؟

"في البدء كان الجيش والجيش كان عند الشعب وكان الجيش الشعب. هذا كان في البدء عند الشعب. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه كانت الحياة وكانت الحياة نور العالم والنور يُضئ الظُلمة والظُلمة لم تُدركه
الإصحاح الأول من سفر الشئون المعنوية


ها قد عادت الأسطوانة الأبدية لحرب أكتوبر "المجيدة" لتعزف من جديد. حرب أكتوبر التي 99% من الكتب والحكايات والأفلام والمُسلسلات والأغاني التي كُتبت عنها مجرد حديث خُرافة. فالجيش المصري المتهالك ليس له إلا هذا الانتصار المزعوم لكي يتوكأ عليه. فتاريخ هذا الجيش "الوطني" الذي أنشأه محمد علي سلسلة متواصلة من الهزائم والنكسات. فبعيداً عن "انتصارات" "ابراهيم باشا " الابن البكر لوالي مصر التي كانت تتم تحت أعين وبرعاية فرنسية انجليزية والتي حارب فيها أبناء جلدته و ولي نعمته. لم ينتصر هذا الجيش في أي حرب دخلها.

لقد كان ولازال "انتصار" أكتوبر بالنسبة للجيش- هو حجر الزاوية الذي يستمد منه شرعيته فحتي من يُعارضون الجيش لا يفتأون يذكروننا "بجيل أكتوبر العظيم".  وتسمع بعض الحمير المُعارضة تضع وصف " عسكر كامب ديفيد" في مقابل "جيل أكتوبر الأطهار الأنقياء ". فعلاً إن ما يحدث في منطقتنا لهو أقل كثيرا مما تستحق. ان تلك الكائنات "المُعارضة" حين تسمعها مُجبراً- لتدعوك لأن تصرخ بصوت عال قائلاً:"أيها الإنسان ما أحمرك".

حينما تسمع القصص و "الحكاوي" عن هذا الانتصار تنتابك حالة من الضحك الهستيري عن كيف يمكن لأي حمار ناهيك عن انسان عاقل   أن يُصدق او يعتبر هذا من قبيل الفخر ولكن لدهشتك تجد أن الجميع يُصدقها ويرددها ويفتخر بها ويتحدث ليس فقط عن "عبقرية " قيادات الجيش بل كونها عبقرية و"شريفة".

لكن بما أن الآلة الإعلامية للنظام المصري تعرف شعبها حق المعرفة فهي تعتبره بحق- مجموعة من البُلهاء والحمقى فتخترع القصص والحكايا عن "نصر أكتوبر المجيد" بلا خوف من نقد أو استهزاء. فهل يجرؤ أحد علي أن يُشكك في انتصارنا العظيم؟! هل رأت الإنسانية من قبل قادة جيوش بمثل حنكة وذكاء ودهاء قادتنا؟  هل يوجد جنود غير جنودنا هم خير أجناد الأرض؟، ولو جرؤ وفعل ونقد واستهزاء فمن سيصدقه؟

الشعب المصري شعب "غلبان" و "متواضع" و"طيب" و "صبور"، هكذا يقول لنا النظام ومُعارضتُه. لكن الإثنين يُدركون أنهم يكذبون فحينما يقولون عنه أن غلبان ففي الحقيقة هم يعنون أنه حقير بلا شأن ومتواضع بمعني أنه وضيع ذليل وطيب أي أنه أهبل مُتخلف وصبور بمعني أنه جبان لا يُحركه شيء.

هل يمكن أن يأتي من هكذا شعب خير أجناد الأرض؟ مصر التي تاريخها عبارة عن احتلال يعقبه احتلال "جنودها" خير أجناد الأرض!!!! كيف لمثل تلك الكذبة المفضوحة والتي ترتكز على حديث موضوع أن تُصبح "حقيقة تاريخية"؟ هذا ما لن نعرفه أبداً فمن المُستحيل فهم نفسية الحمير والأكثر استحالة أن تجعلهم يعون و يُدركون حموريتهم.

فهذا جمال حماد أحد حمير عفوا عيال- هذا الجيش يعتبر نفسه "مؤرخ عسكري" في أول صفحة يُهدي كتابه "المعارك الحربية لحرب أكتوبر" إلي:

" إلي خير أجناد الأرض أبطال مصر

إلى من حموا أرض الوطن في كُل عصر

إلى من رفعوا فوق بلادهم رايات النصر"
وفي الصفحة التي تليها مباشرة يقول: " على الرغم من أن الجيش المصري يُعد أعرق جيش في العالم باعتباره أول جيش نظامي عرفه التاريخ، ورغم ما سطره من مفاخر وأمجاد في ساحات القتال على مر العصور، فإن الفرصة لم تُتح له في الزمن الأخير لإثبات مدي عظمته وشجاعته ومعدنه الأصيل وإظهار روعة أدائه وبسالته، إلا حين تحقُق ذلك لأول مرة في حرب العاشر من رمضان عام 1393 ه الموافق 6 أكتوبر 1973م."

يعني "أول القصيدة كُفر" كما يُقال، فقد بدأ كتابه بمجموعة من الأكاذيب والخُزعبلات فما بالك ماذا سيكون مُحتوي كتابه الذي يقول عنه أنه يُسجل تسجيلاً "أميناً" بعيداُ عن التحيز والمبالغة هذه "الملحمة" الحربية. لكن يبدوا أن "أمين" هذا قد مات منذ قُرون بعيدة من هول ما رأي وسمع من أكاذيب وتلفيقات المؤرخين.

إن محاولاتهم اليائسة لتجميع "حُطام التاريخ" لكي يستند عليها هذا الجيش الهزيل لشئ في منتهي العبث, فهم يُصورون لشعبهم أن هناك شيء اسمه "الجيش المصري الوطني" كان موجودا مُنذ الفراعين الأُول و استمر بلا انقطاع إلي أنجب لنا هذا الجيش القادة العباقرة العظام من أمثال عُرابي و البارودي و عبدالناصر و الشاذلي و الجمسي و مبارك و السيسي و صبحي و أمثالهم . لكن التاريخ –علي ما فيه من أكاذيب و خُزعبلات – إلا أنه يهزء بهم و بمؤرخيهم و بانتصاراتهم المزعومة.

فأولاً: لا علاقة بين مفهوم "الجيش المصري الوطني" و الذي ظهر في فترات متأخرة بعد  أن واجه  محمد علي  أزمة "أنفار" فقرر في عام 1820  الاستعانة  "بالفلاحين المصريين" و بين ما قبله من "جيوش" كانت تحكم تلك البُقعة المُسماة مصر وظل هذا الجيش الذي أنشأه "الباشا" مُعظم قيادته و رتبه العليا حتي و قت متأخر أتراك و فرنسيين و انجليز و غيرها من جنسيات الأرض.

ثانياً:  حتي بعد كل ما فعله محمد علي و الملايين التي أنفقها -بلا طائل- في محاولاته تلك حيث كانت كُل مشاريعه  و آماله تدور حول هذا الجيش إلا أنه و في خلال ستين عاما فقط تم احتلال مصر من إنجلترا في 1882 بسهولة و يسر. لكي يعيش أولاده في كنف و حماية الجيش الإنجليزي بدلاً من هذا الجيش الذي بلا أي نفع.

ثالثاً: لم يتحرك هذا الجيش الوطني –إذا كان له وجود خلال تلك الفترة- من 1882 حتي توقيع اتفاقية الجلاء "سلمياً" عام 1954, بل و تم هزيمته هزيمة ساحقة علي يد ما سُمي "بالعدوان الثلاثي" 1956 والتي يقول عنها الجمسي في مُذكراته أنها نُسخة كربونية للهزيمة التي اُشتهرت بنكسة 1967.

كيف لدولة مُحتلة أن يكون لها جيش ناهيك أن يكون وطني؟  يقول  د.عبدالعظيم رمضان في كتابه :"الجيش المصري في السياسة من 1882-1936 " و الذي من المُفترض أنه يُظهر فيه و طنية وأهمية الجيش :" في ذلك الحين(1926) كان تسليح الجيش المصري قد بلغ درجة من الضعف جعل اطلاق "جيش" عليه من قبيل التجاوز و كان هذا التسليح يتفق مع السياسة الإنجليزية التي تقوم علي احتفاظ بريطانيا بمسئولية "الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبي بالذات أو بالواسطة . و "تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر. ومعني ذلك عدم وجود مُبرر لوجود الجيش أصلاً."

ورغم ذلك ف "الحكومة المُنتخبة" وقتها كانت تعمل على "زيادة ميزانية الجيش وعدد أنفاره". الأمر الذي أدي لأزمة –كده و كده- بين بريطانيا و مصر عُرفت ب"أزمة الجيش" و طُرح الموضوع للنقاش في "البرلمان المُنتخب"  فقال وزير الحربية :" أن عدد الجيش ليس بالأمر المهم في نظرنا بل المهم في الجيوش حُسن نظامها و القدرة في القيادة" ( يعني بالمُختصر المفيد أهم حاجة الفلوس بلاها أنفار زودوا الميزانية) و اعترض النائب عبد الرحمن عزام – الذي سُيصبح فيما بعد أول أمين لجامعة الدول العربية العبيطة – علي المبلغ الذي طلبت وزارة الحربية اعتماده للمصرفات العسكرية و هو يتجاوز المليونين من الجنيهات و قال أنه يخشي : "أن تكون هذه الميزانية لا تُمثل إلا ارقاماً فقط و لا تُمثل سياسة مُطلقاً و لا فكرة , و هي تكملة لعادات اعتادتها البلاد في دفع مبلغ باهظ لُيقال أن لها جيشاً لا ليُقال أن هذا  الجيش قائم علي سياسة مُعينة ليقوم بأمر تقتضيه الضرورة". و قال عبد الرحمن عزام أنه اذا كان من المُتعذر اصلاح الجيش فوجب توفير تلك الأموال و الغاء الجيش لأنه لا يُمكن أن يُوجد جيش للاحتلال و جيش للوطن.

السخافة هي أن تُعيد تمثيل مشهد مُبتذل كهذا و الغباء هو أن تجد من يُصفقون لك "لجودة أدائك التمثيلي".


لكن ها قد ذهب الاحتلال و الآن مصر تمتلك جيش و طني شريف عفيف نضيف .واختصاراً و بدون إطالة  لأني قرفت  الصراحة لن تعرفوا "قيمة" هذا الجيش إلا حينما "يُحارب". لكن طول ما أنتم  عايشين في حلقات مُسلسل " خير أجناد الأرض" , فلن تسمعوا و تروا إلا  "استطاعت قواتنا المُسلحة عبور القناة و اقتحام خط  بارليف الحصين". أراكم بعد الفاصل الإعلاني لعل و عسى تفشل قواتنا في العبور هذه المرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال