الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

الجيش المصري و شعبه 3


الجيش المصري و شعبه 3
-ما قبل الأسطورة
(2)

" ويَعرِفُ المصريون محمد علي في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة و تَقدُمة و يُنذرون له نذراً و يوفون به. و يَضرب  مصر ضرباً، فيرجعون إليه فيستجيب لهم و يشفيهم و في ذلك اليوم تكون بركة يُبارك بها محمد علي مصر قائلاً: " مُبارك شعبي مصر العبيط جداً، و عمل يدي عبد الناصر المهزوم دائماً و وارثي السيسي المجنون قطعاً""
الإصحاح الثالث من سفر الشئون المعنوية


تعرفنا في المرة السابقة على الوضع بمصر قبل قدوم الحملة الفرنسية بقيادة نابليون وقد أصبح لدينا فكرة و لو بسيطة عن المناخ العام السائد وقتها فمن الباشا الوالي الذي ليس له من الأمر شيء إلي المماليك المُتقاتلين المُتناحرين ثم شيوخ و أقطاب ومشعوذي الأزهر و في النهاية أبناء البلد البُلهاء الذين يعيش علي "قفاهم " كُل هؤلاء. أما الآن سنطير إلي فرنسا بسرعة قبل أن تُداهمنا الحملة الفرنسية لنري ما الذي يجري هُناك.

في فرنسا -كغيرها- كان الملك هو "ظل الإله على الأرض" فله وحده الحق الإلهي للحُكم و أياً من يعترض عليه فهو يعترض علي الإله نفسه و بما أن المُلك هو منصب "إلهي" فهو بالتالي لا يصدر عنه الخطأ فهو "معصوم" و هو سبب قيام "المملكة" و القائم علي حفظها. فالمملكة تتجسد بشخصه وبالتالي فأي "خروج" عليه هي خطيئة لا تُغتفر يستحق مُرتكبها الحرمان الكنسي هذا غير لعنات القساوسة و"القديسين". تحت الملك يسجد الأمراء و النُبلاء والحاشية تُصاحبهم الكنيسة التي كانت تتمتع بامتيازاتها الخاصة و إيراداتها و اقطاعياتها في المُقابل وعرفاناً بالجميل فهي تضع الأرض الصلبة "للحكم الإلهي" للملك و "نظامه " ثم أخيراً تحت أقدام الجميع "يُصلي" الفلاحين و العمال و الغوغاء و الرعاع لكي يبقي "حُكم الملك" أبد الدهر آمين.

كانت الأوضاع في تلك الفترة علي صفيح ساخن فمن الثورة الصناعية في حوالي 1760-1780 التي بدأت في إنجلترا إلي الثورة أو حرب الاستقلال الأمريكية فيما بين 1772-1783م و التي شاركت فيها فرنسا تحت حُكم الملك لويس السادس عشر والتي حاربت إلي جانب "الانفصاليين" ضد جارتها و عدوها التاريخي اللدود إنجلترا علي أمل أن ذلك سيُضعفها و يقوي فرنسا .في البداية كانت مُشاركتها بتهريب البارود والبنادق لهم ثم بإمدادهم بالأموال و الجنود إلي أن نجح الانفصاليون بمساعدتها إلي الاستقلال و نشأة الولايات المُتحدة , تلك الحرب التي خرجت منها فرنسا مُثقلة بالديون بدون أن تستفيد منها شيئاُ هذا مع عودة الجنود الذين شاركوا في تلك الحرب بأفكار أكثر خطورة من الإفلاس الاقتصادي أفكار عن الثورة و الحُرية و الجمهورية.

فمن أزمة اقتصادية حادة و غلاء الأسعار و جوع و أزمة حتي في "رغيف العيش" بدأت الشرارة التي لن تنطفئ لسنوات قادمة فمن أحداث "شغب" في أكثر من مدينة , لمواجهات مع "القوات الملكية" التي أُرسلت لإخمادها, وبدأت الأمور في الخروج عن السيطرة و استمرت أعمال "العُنف" في التزايد و بدأت الدماء تسيل .فيُقرر لويس السادس عشر بناء علي نصائح مُستشارية بعمل إصلاحات ل "انسين ريجيم أو النظام القديم" فيأمر بعقد مجلس "طبقات الأمة العام" في 1789م و هو المجلس الذي يُمثل فيه طبقات فرنسا فمن طبقة النُبلاء و الأشراف إلي طبقة الكهنوت و رجال الدين و أخيراً طبقة العامة و الدهماء و هو المجلس الذي لم يُعقد مُنذ اكثر من 150 عاماً من اجل حل "مشاكل الناس".

فبدأت "المطالب" ترتفع أصواتها فمن مُطالب بإلغاء امتيازات النُبلاء إلي مُطالب بتحجيم دور الكنيسة لمُطالب بالمساواة التامة بين جميع "رعايا" الملك . هذا "المجلس" لم يكن إلا مُجرد واجهة لامتصاص غضب الناس و إلهائهم إلي أن تمر الأزمة, ثم جاء موت ابن لويس السادس عشر لكي يضع نهاية لهذا كُله فالملك في حداد و لا يستطيع أن يدير الأمور و هو في تلك الحالة و و مجلس الطبقات عاجز ليس بيده شيء فتم انشاء "المجلس الوطني" بتواطئي الطبقات الثلاثة و التي ستزيد شهيتها لتتقاسم السُلطة مع الملك وتحاول البدء في "صياغة دستور للبلاد". الملك بدوره سيشعر بخطورة هذا المجلس فيحاول تهميشه لكن يحدث أن يتمرد" الحرس الفرنسي" و يقف قادته و يدعموا المجلس الوطني ويتعهدوا بعدم اطلاق النار علي أي من "المُتظاهرين" ضد الملك و "حكومته". لقد اصبح لهذا المجلس "جيش يحميه و يحنو عليه". 

وفي يوليو 1789م استمر الوضع المعيشي في التدهور. فمن شُح رغيف العيش إلي أعمال شغب من أجل الحصول علي الطعام ترادفت مع مُظاهرات اعتراضاً علي الضرائب المفروضة, كُل هذا مع تناثر الشائعات أن الملك هو السبب في تلك "الأزمات" لكي يضغط علي الناس لكي لا تُساند المجلس الوطني. ثم وصول الأخبار أن الملك يُحضر "لعمل عسكري" لإطاحة بنواب المجلس. فهو قام بنشر قوات بباريس كثير منهم من الأجانب لكي يضمن أنه حين صدور الأوامر بإطلاق النار فهم لن يترددوا، هذا الأمر رفضه نواب المجلس و أعلنوا أن هذا سيكون له "عواقب وخيمة" و أعلن "الحرس الفرنسي" أنهم لن يسمحوا للأجانب بالمساس بالنواب و الشعب الفرنسي . ثم تصل الأمور في النهاية إلي المواجهة المحتومة فيبدأ الناس بتسليح أنفسهم و يشاركوا الحرس الفرنسي في التصدي لقوات الملك لكن المُشكلة كانت ليست في الحصول علي البنادق بل كانت المُشكلة في الحصول علي البارود فالملك كان يحسب حساب هذا و قام بتخزين البارود في سجن "الباستيل" الشهير. فما كان من "الجماهير المُحتشدة" إلا الذهاب هُناك و محاولة اقتحامه فيُهدد رئيس السجن بتفجير البارود إن لم ينسحب المهاجمين فلا يعيرونه اهتمام و يتم "قصف السجن" و اقتحامه و يحصل الناس علي وقود الحُرية "البارود". الملك مازال غير مستوعب لما يحدث يعتقد أن هذا كُله ما هي إلا "أعمال شغب" يقوم به "بلطجية و مُخربين" فيقول له أحدهم: " سيدي هذا ليس شغب , هذه ثورة ".

لقد انتصر "المجلس الوطني" و سيبدأ في "تقليم" مخالب الملك و أنيابه . فيُصدر في أغسطس 1789 اعلان حقوق الإنسان و المواطنين الذي ينص علي المُساواة التامة بين الجميع و الحرية لجميع المواطنين و أنّ المَلكيّة ليست مُطلقة بل مُقيدة برضي و قبول "مُمثلي الشعب". ثم صُدور قرارا بإلغاء امتيازات طبقة النُبلاء و اقطاعياتهم ثم بعدها بأسبوع قراراً آخر بإلغاء اعفائهم "الضريبي" فيستشاط الملك غضبا و يرفض تلك القرارات لكن الملك لم تعد لديه أية سُلطة فيستمر المجلس في هدم "النظام القديم".

و بينما المجلس و مُمثليه يتكلمون عن الحُرية و حقوق " المواطنة" كان الشعب يتضور جوعاً و يبحث عن قوت يومه فلا يجده بينما الملك و زوجته و "أصدقائها" و حاشيتهم يعيشون في رغد من العيش في قصرهم المنيف في "فرساي" يأكلون و يشربون و يحتفلون و لم يعد يشفع للناس ان الملك وافق علي قرارات المجلس أم لا. فتذهب مجموعة من النسوة في أكتوبر 1789 -اللائي سلّحن أنفسهن- لقصر الملك في فرساي للمطالبة بتوفير الطعام لأطفالهم و عائلاتهم فينضم لهم رجال و جنود "الحرس الوطني" الذي تم تشكيله ليكون جيش الثورة و الذي كان يقوده الماركيز "لافاييت" أحد الفرنسيين المُشاركين في حروب الاستقلال الامريكية فتذهب الحشود أمام القصر و يخاطب الماركيز "لافاييت" الملك بأنه ما جاء إلا ليضمن أن تظل "المظاهرات سلمية" و يرفع مطالب الجماهير للملك من أن يُزيد من حصة "الخُبز" لسكان باريس و أن يعود هو عائلته لقصره. فيفكر الملك ملياً في الأمر فينفذ صبر الجماهير الجائعة فتقتحم القصر و تبدأ في البحث عن الملك و حاشيته فيحميهم الماركيز وينجح في أن يُخلصهم من أيديهم قبل ان تفتك بهم و يُعيد الملك و عائلته لقصرهم بباريس.

بعدما سقطت "هيبة" الملك لم يعد امام المجلس الوطني إلا سُلطة الكنيسة لكي يهدمها هي الآخري فهي أحد أعمدة هذا "النظام القديم" و يكون الاقتراح من مٌمثلي الكنيسة نفسها في هذا المجلس "بتأميم" مٌمتلكات الكنيسة لتجنب افلاس الدولة و يقول أحدهم: "أن الدولة لم تُصنع للدين بل الدين هو الذي صُنع للدولة". ثم بعد نجاح تلك الخطوة يتم تحويل القساوسة إلي مُجرد موظفين عند الدولة يتقاضون منها الراتب الشهر و يقسمون الولاء للدولة و القانون. لكن الأمور بدأت في الخروج عن السيطرة فكثير من القساوسة رفض الخضوع لمثل تلك القرارات فهم يرون أن هذا تعدي ليس فقط علي الكهنوت بل هو تعدي علي الإله ذاته. في نفس الوقت كان الملك –أخيراً- قد ادرك أن مصيره سيكون مصير الكنيسة. فبدأت سراً التحضيرات "للثورة المُضادة" و إن كان في العلن يُعلن رُضوخه التام لمطالب و قرارات المجلس الوطني. فيُرسل الملك إلي مملكة النمسا لمُساعدته في حالة اضطراره لاستخدام القوة للمواجهة. الوضع أصبح عدائي تماما فالجماهير أصبحت تنتقد الملك علنا بل البعض يتساءل لماذا يجب ان يوجد ملك اصلاً. زوجة الملك "ماري أنطوانيت" تشعر بأن الوضع لم يعد آمناً فتُقرر هي و زوجها الهرب إلي النمسا لإدارة الثورة المُضادة من هُناك. و لكن خبر الهروب يتسرب و يُقطع طريق الهُروب لكن الزوجين لم يعد امامها أمل إلا الهرب ففي ابريل 1791 يتنكر الملك و عائلته مُتجهين للنمسا و لكن يتم التعرف عليه علي الحدود و الإمساك به فتثور ثائرة الفرنسيين و يسبون الملك و زوجته و يُحطمون كُل ما يمت بصله لتلك العائلة الملعونة. المجلس الوطني يُعلن أن تصرف الملك قد افقده "شرعيته" كحاكم و يقول أنه لم يعد هناك ملك لفرنسا بل ويتم إتهام الماركيز "لافاييت" بأنه من ساعد الملك علي محاولة الهروب . هُنا تُصبح الثورة أكثر وحشية فالثورة المُضادة تعمل بكامل طاقتها فيظهر "روبسبيير" , فلابد لأي ثورة أن يكون لها "أنياب" تُدافع عنها و تفترس كُل من يحاول الوقوف أمامها. وبدأت تناقضات الثورة تظهر علي السطح.

في نهاية 1791م بعد ان أعد المجلس الوطني دستور البلاد يحل نفسه و يتم تشكيل مجلس جديد تكون مُهمته هي مُعاقبة القساوسة الذين رفضوا قسم الولاء للدولة و العمل علي منع أي محاولة للثورة المُضادة ثم التحضير لحرب علي كُلاً من النمسا و بروسيا فكثير من النبلاء قد فروا إلي هاتين المملكتين و حرضوهم علي غزو فرنسا لإرجاع "النظام القديم" مما دعي المجلس إلي دعوة كُل من سافر للخارج للعودة و إعلانه "بيعته" وولائه للدولة بل وحتي تم إقرار الحُكم بإعدام من لم يرجع و يقسم قسم الولاء.

و في بداية 1792م المجلس الجديد يواجه صعوبات في إدارة البلاد فمن الثورة المُضادة التي يُحضّر لها . إلي استمرار تردي الوضاع الاقتصادية و المعيشية للناس و محاولة "الحكومة" التحكم في غلاء الأسعار و شُح المواد الغذائية و التي يرجع جزء منها لهروب "رؤوس الأموال" خارج البلاد. فيبدأ التذمر بين الناس من "الإدارة" الجديدة . فتبدا "ثورة الجياع" في القُري و المُدن تتحدي السُلطة الجديدة و تجد فيها قوي الثورة المُضادة فُرصة ذهبية للإنقضاض. فيتشكل جيش من النُبلاء الفارين تحت إمرة الإمبراطور النمساوي "ليوبولد الثاني" الذي يتحالف مع بروسيا للقضاء علي الثورة الفرنسية و إعادة لويس السادس عشر إلي عرشه. فيتبادل الملك الفرنسي و زوجته الرسائل التي تحوي معلومات عن نقاط ضعف و أسرار الجيش الفرنسي . المجلس الوطني من ناحيته شاعراً بالخطر لكنه يجهل تلك المُراسلات بين الملك و حُلفائه يُقرر "حربا من أجل الحرية" ويتم إعلان الحرب علي كلا من النمسا و بروسيا بل و يُجبر الملك نفسه علي قراءة اعلان الحرب أمام المجلس في أبريل 1792م. لتبدأ حروب الثورة الفرنسية في أوروبا حيث سيبزغ نجم نابليون كقائد عسكري مُحنك . نابليون الذي يدين له الحاج محمد علي باشا بأنه السبب المُباشر في نجاحه في أن يحكم مصر بسهولة.

بعد أن رأينا الأوضاع في مصر و فرنسا قبل مجيء الباشا المرة القادمة ستلتقي تلك القوتان بين أمة في طور التفسخ و التحلل و أمة آخري في طور الصعود والنتيجة الحتمية هي سيطرة الأخيرة علي الأولي مع ما يعقبه هذا من "انهيار النظام القديم" و بداية "نظام قديم" آخر.

في الختام بمناسبة الدعوة "للتظاهر" في 11-11. يجب أن تعرف أن من أهم "حقائق" التاريخ أن الشعوب هي "أبقر" كائن خلقه الله . واليوم نُشاهد بأنفسنا تلك "الحقيقة" الخالدة . فما هو الفرق بين الشعب المصري العبيط و الشعب الأمريكي العبيط ايضاً. من وجهة نظري لا فرق جوهري بين الأثنين . يكفي فقط ان تُتابع ما يُسمي "بالانتخابات" الأمريكية التي "يُختار" فيها بين "المعتوه" و "الهابلة" . فتجد مُعظم وسائل الإعلام "الحُرة" تُحقّر و تسخر بل و حتي تفتري الكذب علي "المعتوه" في حين أن "الهابلة" تُصوّر علي أنها "المدام" "الخبرة" "المٌحنكة". إنّ الفرق الوحيد بين الشعبين هو كالفرق بين البقر التي تُربي في "زريبة" و البقر التي تُربي في "مزرعة" مُجهزة بأحدث الأجهزة التكنولوجية. فالأولي لا تحظي لا بالعلف الجيد النظيف و لا بالرعاية الطبية المٌمتازة ويتم حلبها يدويا مما يُعرض ضروعها للالتهاب البكتيري و ما يُصاحبه من آلام. لكن الثانية تُحلب أوتوماتيكيا على انغام موسيقي هادئة بدون أن تشعر بشيء. فإن كُنت من "بقر الزريبة" و تسعي لتحول شعب مصر إلي "بقر المزرعة" فأُخبرك انك قطعت تقريباً نصف الطريق و لم يتبقى إلا القليل. فأنت لديك "البقر" و لم يتبقى إلا المزرعة فهنيئاُ لك و لأبقارك.

"العلاقة التاريخية بين الجيش المصري و نظامه و بين شعبه قد يُصيبها أحياناً بعض "الجفاف" لكن سُرعان ما تعود "المياه لمجاريها

المُشكلة ليست في أن يخرج مليون أو حتي 90 مليون. المُشكلة هي معرفتك أن هؤلاء ما هم إلا بقر سيتم خداعهم بأبسط الحيل و الطُرق و الأمس القريب خير شاهد إن مُجرد التفكير في هذا يجعلك تكتئب ليس يئسا بل مللاً من هذا التكرار الرتيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال