الجمعة، 4 نوفمبر 2016

الجيش المصري و شعبه 4

الجيش المصري و شعبه 4

-البداية

(1)

"و يقول الوالي محمد علي لشعبه : سأُعوّض لكُم عن السّنين التي أكلها الجراد والقحط و الغلاء. فتأكُلون أكلاً وتشبعون وتُسبّحُون باسمي الّذي صنع معكُم عجبًا. تعلمُون أنّي أنا في وسط مصر، وأنّي أنا سيدكم وليس غيري. ولا يخزى شعبي العبيط إلى الأبد."
الإصحاح الرابع من سفر الشئون المعنوية

توقفنا في المرة السابقة عند إعلان فرنسا "حرباً من أجل الحرية" فقد قام المجلس الوطني في نهاية 1791م بعقد انتخابات لاختيار أعضاء "المؤتمر الوطني" لصياغة دستور جديد فالدستور الذي تم صياغته من قبل لم يعُد يُناسب التطورات الجديدة. و بعد أن بدأت بروسيا الحرب علي فرنسا لإعادة الملك لعرشه و تلقين الفرنسيين درسا لا ينسوه وبعد الهزائم التي مُني بها الجيش الفرنسي في البداية؛ وصلت الأخبار للنواب بأن الجيش الفرنسي استطاع تحقيق أولي انتصاراته علي الجيش البروسي في "فالمي" شمال شرق فرنسا الذي كان يعتقد أن الانتصار علي جيش الثورة سيكون سهلاً، فما هم إلا مجموعة من الجنود من "الحُثالة و الرعاع" . 

لقد كان هذا الانتصار نُقطة تحول في مسار الثورة فقد أعلن نواب المجلس الوطني بعده إلغاء الملكية و إعلان فرنسا جُمهورية . ثم مع استمرار انتصارات "جيش الجُمهورية" ضد النمسا و بروسيا و نجاحه في طردهم خارج الأراضي الفرنسية بل و توغله خارج تلك الحدود لتتسع حدود الجمهورية الوليدة فيأتي مصير الملك ليُحدث جدلاً بين نواب المجلس، فـ"روبسبيير" و رفاقه يُريدون التخلص من الملك بأسرع وقت وبلا مُحاكمة فيما يري النواب " المعتدلين" ضرورة "التريث" قبل اتخاذ مثل تلك الخطوة. ولكن تنشأ مُعضلة "قانونية" فالدستور الذي كُتب في بداية الثورة يضع الملك فوق المُحاسبة القانونية فلا يمكن طبقا "للدستور" مُحاسبته وعقابه. في ظل هذا الجدال يُكشف عن وثائق سرية كانت مُخبئة في قصر الملك تُثبت خيانته هو و زوجته في مُراسلة "أعداء" الثورة، فيقرر المؤتمر مُحاكمته بتهمة "التخابر " و "الخيانة العظمي" . ثم بعد مُحاكمة صورية يتم الحُكم عليه بالإعدام بالمقصلة و يتم تنفيذ الحُكم في نهاية يناير 1793م و يكون آخر كلمات الملك " أنا برئ من كل ما نُسب إليّ". وفي فبراير 1793م يُعلن المؤتمر الوطني الحرب علي إنجلترا و هولندا و هما حُلفاء للنمسا و بروسيا. فأفضل طريقة للحفاظ علي الثورة في الداخل هي "تصديرها" للخارج. و يبدأ ما يُعرف بحرب التحالف الأولي.

استمرت الأوضاع الاقتصادية في التدهور بعد إعدام الملك  و ازدادت مُعاناة "المواطن" الفرنسي من الغلاء و شُح المواد الغذائية فبدأت من جديد "أعمال شغب" تتحدي سُلطة "المؤتمر الوطني" الذي من جانبه و لإثبات سُلطته بعث بمُمثلين له في كل إقليم. لهم كًل الصلاحيات لقمع أي تهديد قد يُمثل تهديداً لسُلطته. و في اقليم "فنديه" غرب فرنسا تبدأ بوادر لما يعتبره مُمثل المؤتمر هناك " ثورة مُضادة" فيبعث لباريس بالإسراع بقمعها و استئصالها. ثم يقترح ضرورة إنشاء "مُحاكمات خاصة" لقوي الثورة المُضادة من أجل ضمان التخلص السريع لكل "مُعارض" للثورة تحت مُسمي"مُحاكمات ثورية".

الوضع في "فنديه" سيزداد خطورة "فالفلاحين" المُتذمرين من السلطة الجديدة سيبدؤون في تشكيل جيشهم الخاص لتبدأ حرب "عصابات" ضد جنود و موظفي "الجمهورية". لقد أصبحت الجُمهورية الوليدة تواجه الحرب الخارجية في نفس الوقت تواجه حرباً أهلية داخلية بل و الأسوأ هو انشقاق أحد "جنرالات" الجيش "شارل-فرانسوا دومورييه" و انضمامه "لمعسكر الأعداء" بعد هزيمته في معركة "نيرفيندن" في مارس 1793م و أخيراً فالأسطول الإنجليزي قد يعمل علي حصار فرنسا بحراً.

أدي هذا لأزمة داخل المؤتمر الوطني بين "حزب روبسبيير" و رفاقه "المُتطرفين" و بين "حزب المُعتدلين" الذي كان الجنرال "دومورييه" أحد أشد المُنافحين و المؤيدين له. فخيانته تعني أن حزب المُعتدلين أصبح في موضع إتهام. ترادف هذا مع نجاح "حركة التمرد" ضد الثورة التي كانت تتظاهر ضد الأوضاع الاقتصادية من انشاء "الحركة الاتحادية" و التي استطاعت أن تُسيطر علي عدة مُدن و تكسب تأييد الكثيرين تلك المُدن المعروف عنها بانها "القاعدة الشعبية" لحزب المُعتدلين. فما كان من "روبسبيير" إلا ان قام باتهامهم بأنهم السبب المُباشر "لأحداث العُنف" في البلاد و انهم ضلع رئيس في "الثورة المُضادة". هنا ستبدأ حملة لتطهير الثورة من اعدائها المُستترين بلباس "الثورية". و ينتصر "روبسبيير" و يصبح هو المُتحكم بزمام الأمور ليبدأ ما عُرف بـ"حكم الإرهاب" الذي سيحيل حياة أعداء الثورة و مؤيديها إلي كابوس . حيث ستبدأ "حفلات " الموت من الإعدام بالإحراق حياً و الإغراق و الرصاص و.....و المقصلة التي ستقع رأس  "روبسبيير" نفسه  ورؤوس رفاقه "المُتطرفين" تحتها بداية من يوليو  1794م وما بعدها.

لتبدأ موجة جديدة من "العنف" المُضاد لكن هذه المرة تكون ضد المتطرفين. كل هذا مع استمرار الأوضاع الاقتصادية في التدهور. المؤتمر الوطني في مأزق لكن ما خفف الوضع هو الانتصارات التي حققها جيش الجمهورية. ففي هذه الأثناء يستطيع ضابط مغمور يُدعي نابليون بونابرت في طرد الإنجليز من "تولون" المدينة الساحلية جنوب فرنسا. وتعقد بروسيا اتفاقية سلام بعد ان مُنيت بعدة هزائم، كذلك عقد اتفاقية مُماثلة مع اسبانيا؛  ثم يتم صياغة دستور جديد في سبتمبر 1794م الذي سيؤسس لشكل جديد للحكومة فيتم إحلال المؤتمر الوطني بمجلسين تشريعيين مكون من مجلس للشيوخ ومجلس ال 500, بشرط أن يكون ثُلثي الأعضاء المُنتخبين في كلا المجلسين أعضاء سابقين في المؤتمر الوطني ويكون المكتب التنفيذي الذي يُدير الأمور مكون من خمسة أشخاص يُرشحهم مجلس ال 500 ويوافق عليهم مجلس الشيوخ. لكن هذا الشرط قوبل بالمُعارضة وقامت المُظاهرات لرفضه حتى ان الكثير من الحرس الجمهوري قد تمرد وانضم لصفوف المُعارضة ولم يتبقى إلا بضعة آلاف تحت إمرة المؤتمر الوطني والتي انضم لها الضابط المغمور بونابرت وأصبح مسئولاً عن المدفعية لحماية المؤتمر من الحرس الجمهوري ومؤيديه الذين كانوا في طريقهم إليه، وأمر بإطلاق المدافع علي الحشود ففرق جمعهم و حمي المؤتمر من شرهم و صعد نجم بونابرت كبطل و حامي "للجمهورية "وتم ترقيته لرتبة "لواء".

ثم تُعقد "الانتخابات" بدون "مشاكل" و يتم اختيار أعضاء المكتب التنفيذي الخمسة في أكتوبر 1795م  ويعين اللواء بونابرت نائب "لجيش الداخل" الذي كانت مُهمته حفظ النظام و الأمن في باريس و محيطها ثم بعد ذلك يُعين قائداً "لجيش إيطاليا" في مارس 1796م المُرابط علي الحدود الإيطالية و الذي سيستخدمه نابليون في "حملته" ضد إيطاليا و التي ستنجح نجاحا باهراً  و سيرجع لباريس ليُستقبل استقبال الأبطال في نهاية 1797م حيث كان يُفكر المجلس التنفيذي في "غزو" إنجلترا لكن نابليون يطرح غزو مصر كخيار أفضل و أسهل فعن طريقها يُمكن قطع "العصب" الاقتصادي لإنجلترا بقطع طريق التجارة بينها وبين "مُستعمراتها" في الشرق  فينزل المجلس علي رأي بونابرت لتبدأ حملته علي مصر في مايو 1798م ليكون بونابارت علي رأس "جيش الشرق" الذي تم تشكيله لتلك المُهمة وتتبع خطواته البحرية الإنجليزية من بعيد و التي ستقضي علي أسطوله بالكامل بعد شهر من وصوله مصر في الموقعة المعروفة "بأبي قير".

إن سيطرة نابليون على مصر لم تأخذ أكثر من شهر فمن وصول الحملة الفرنسية على شواطئ الإسكندرية في أول يوليو 1798م يستطيع دخول القاهرة في نفس الشهر في 25 يوليو. إن "العسكر" الماليك كانوا في حالة من الضعف والانحلال التام. فكانوا كسليمان الذي كان يُسخّر الجن في خدمته وهم من تغفليهم لم يستطيعوا أن يُدكوا ان هذا "النائم" المُستند علي عصاه ميت بلا حراك فتأتي حشرة حقيرة لتأكل عصاه فينهار "السيد" ويُدرك حينها الجن كم هم مغفلون وأغبياء. إن الماليك كانوا في حالة "موات"وجاء الفرنسيون ليجعلوا المصريين يرون ذلك؛ ولكن من سيستغل الوضع ليس المصريين البُلهاء المغفلين، ولكن "انتهازي" جديد الذي سُرعان ما سيستغل "فراغ السلطة" بعد رحيل الفرنسيين للقفز عليها.

سنبدأ المرة القادمة في فحص عدة روايات منذ وصول نابليون لشواطئ الإسكندرية و حتي خروج الفرنسيين من مصر بعد أن فتك بهم الطاعون و الإنجليز. لكن كلمة أخيرة بمناسبة "الإصلاحات الاقتصادية المُباركة" فمن الأشعار "الأثيرة" لدي شعوب المنطقة : "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر" و هي أحد الخُرافات التي تُرددها الشعوب المقهورة مُعتقدة أنه فقط بترديدها سوف يستجيب "القدر" فلا يعيرهم القدر اهتماماً و يتركهم يُرددون أشعارهم البالية حتي تسأمهم الحياة نفسها و تتركهم كالموتى الأحياء يُرددون "ولابد لليل ان ينجلي و لابد للقيد ان ينكسر" , فيزداد ليلهم سواداً و قيودهم إحكاماً لكنهم أبداً لا يتعلمون الدرس.

فقد خرجت بعض الشعوب في "الربيع" تُطالب بالعيش الكريم مُرددة "الشعب يُريد اسقاط النظام" تلك الشعوب التي لم يكن لديها أيه فكرة عن معني تلك الشعارات التي كانت تُرددها ببغاويتها المُعتادة. فلم يكن لديها فكرة أصلاً عما الذي يُشكل النظام الذي يحكمها فضلاً أن يكون لديها فكرة عن كيف تهدمه. حتي "نُخبة" هذه الشعوب كانت تُردد نفس ما يقوله النظام عن نفسه من "الجيش -الذي يحمي النظام فقط-الوطني"، و "القضاء -الذي عينه و دربه وموله النظام- الشامخ"، و "لا للعنف-ضد النظام- ومعا ضد "الإرهاب" الذي يُريد تقويضه"، و "القانون -الذي وضعه النظام- فوق الجميع"؛  فكان الغالبية منهم يُرددها "عمالة" للنظام و القلة تُرددها غباءً و خوفاً من أن يُقال أنهم يُريدون" قلب نظام الحُكم" تلك التُهمة المُخيفة التي نجحت الأنظمة في جعلها "تابو" لا يجرؤ احد علي النُطق بها فضلاً أن يعمل عليها. هذا على أساس أن شعار "اسقاط النظام" هذا الهدف منه هو عمل "ملوخية بالتقلية" و ليس قلب النظام و هدمه. هذه المُصطلحات الكثيرة التي نجحت الأنظمة في حفرها في أدمغة شعوبها و نُخبتهم حتي أصبحوا "مسخرة" فهم يقولون الشيء و عكسه .فيريدون هدم النظام لكن بشرط المُحافظة عليه.  الجيش "حمي" الثورة لكن الإخوان المعرصين هم من "خانوا" الثورة بتحالفهم مع الجيش. قيادات الجيش "وطنية" لكنهم عُملاء لأمريكا و إسرائيل. القضاء المصري قضاء شامخ لكن القُضاة مُرتشين.  لقد انتهي الدرس أيها الأغبياء فالنظام يربح دائماً فغبائكم و ببغاويتكم و هبلكم هو سفينة النجاة لأي نظام مهما كان مُتهالكاً أو علي وشك السقوط. لكن ما قد يُخفف عنكم أنكم لستم وحدكم على مثل هذا الغباء و الببغاوية و الهبل فكوكبنا ملئ بشعوب أمثالكم.

إن كل ما فعله و سيفعله عرص مصر السيسي كان سيفعله مرسي العبيط -بل و سيفعله أي حاكم لمصر يدور في فلك هذا "الاقتصاد العالمي"- و كُنا حينها سنري "شيعة الإخوان المُعرصين" الذين يتباكون الآن علي الفقراء و"الغلابة" يُدافعون عن تلك "الإصلاحات" باعتبارها حكمة و بُعد نظر وأن من يُعارضها لا يُريد لمصر "الخير". و كان شيوخهم المُعرصين –كشيوخ العرص الرئيس- "سيُبدعون" في تكييف النصوص الدينية التي "تُحلل" تلك الإصلاحات. بل و كنا سمعنا منهم عن أن "الملائكة" تنزل من السماء لتُبارك الرئيس علي حكمته و دهائه الذي أذهلهم  و أن "الله" نفسه يُبلغه السلام و يقول له "سر علي الطريق يا مُحمد". الوضع في مصر أصبح مُعرّصون يُعارضون مُعرّصين آخرين. وأياً  كان المُنتصر فثق بأنه سيكون الأكثر تعريصاً. شعب مصر العبيط أمامه أيام سود و لكن بما إنه شعب مُعرِّص بالفطرة فسيستمر "يشد الحزام" حتي تختنق أنفاسه و أنفاس "اللي جابوه" . "مُبارك شعبي العبيط" يقول النظام رافعاً يديه للسماء حامداً الله علي هذه العطية الثمينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال