الأحد، 28 فبراير 2016

الهُدنة و أشياء أُخر



العالم ذلك المشفي الكبير، إن الأحداث الأخيرة في عالمنا لتُنبئ عن حالة من العته الجماعي، فالعالم علي الرغم من التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع ,إلا أننا ما زلنا نحبو فيما يتعلق بالقضاء علي العته و الغباء.

فمن الهدنة التي اتفقت عليها كلاً من روسيا وأمريكا الراعيين الرسميين للحرب في المنطقة،  إلي خطاب السيد الزعيم الرئيس المُفدّي عبد الفتاح السيسي،  ثم صدور قرار "غير مُلزم" من الإتحاد الأوروبي بحظرعلي جميع مبيعات الأسلحة إلي السعودية، و موافقة مجلس النواب الأمريكي علي التصويت علي مشروع قانون بتصنيف جماعة الأخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ثم مسك الختام استضافة توفيق عكاشة للسفير الإسرائيلي، كل هذا في عدة أيام فقط. إلي أين يذهب العالم ..... إلي الهاوية بالتأكيد. إن كم التناقض في كل حدث من تلك الأحداث من الممكن أن تجعلالأبله يعقل, و الأخرس يتكلم ، والأعمي يُبصر، لكن وللأسف لا تري إلا إزدياد في أعداد المصابين بالبله و الخرس و العمي.


اتفقت روسيا و أمريكا علي هُدنة في سوريا بينها وبين الفصائل "المُعتدلة" ، تلك الفصائل التي لا تملك من أمرها شئ ، فالممول هو صاحب القرار أولاً و أخيراً  ،وإذا كانت القوي "الكبري" تريد هُدنة فلتكن هُدنة حتي لو كان النظام السوري هو المستفيد الوحيد منها.

من ناحيتها صرحت أمريكا أنه إذا فشلت الهُدنة فهي لديها خطة "ب" ، تلك الخطة التي تقود إلي تقسيم سوريا وهو كما يقال آخر الدواء الكي،  فإذا فشلنا في إرجاع الأوضاع إلي ما كانت عليه،  فلنتعامل مع الأمر الواقع.  لنعيد تقسيم المُقسم لكن هذه المرة لنتجنب آخطاء الماضي .. لنجعل التقسيم طائفياً.  وطبعا من الفائز إنه أيضا النظام السوري  .. النظام السوري وطائفته -برعاية أمريكية روسية ايرانية- أصبحوا في موقف المنتصر أين ما كانت النتيجة،  تقسيم أو لا تقسيم.


الفصائل المُعتدلة تُساعد النظام ليبقي . فمن ناحية هي ليست لديها مشروع واضح تُقاتل من أجله إلا كلمات جوفاء  مثل سوريا حرة و سوريا للسوريين وهو نفس مشروع النظام السوري الذي يسعي "لتحرير" سوريا من الإرهابيين و طرد الغرباء،  و الحقيقة هي ليست مصادفة،  فلم "تتحرر " سوريا بعد مرور خمس سنوات لأنه كيف تتحرر و "الثوار" يستخدمون نفس مفردات النظام الذين ثاروا عليه!!! فكما كان الأخوان المسلمون في مصر يتكلمون عن  الوطن و الوطنية , فكذلك كان النظام المصري لا حديث له إلا عن الوطن و ضرورة التضحية من أجله،  لذلك كان هذا أحد أسباب فشل الأخوان فشلاً ذريعا لأن الوطن و الوطنية هي ملك للنظام فهذان الإثنان من إختراعه وأي محاولة للسطو عليهما و التجارة بها ستبوء بالفشل،  يجب أولا أن تهدمهما هدماً لكي تُنشئ مفهوماً جديداً تستطيع أن تبني عليه شرعيتك .

ومن ناحية آخري تقاتل تلك الفصائل القوة الوحيدة التي من الممكن أن تُفشل كُل تلك المشاريع، وتهدم كُل تلك الأصنام ، طبعاً ليس غباءً منهم ولكنها -دائماً- أوامر المُمول الذي يري في الدولة الإسلامية "تسونامي" قد يُغرق عرشه فلابد من بناء "الحوائط" و "السدود" لكي تبقي العروش فوق الماء لا تحته.


خطاب عبد الفتاح السيسي -كما هو متوقع- "آية" في العته و البلاهة،  إن هذا "الرجل" لسُبة في جبين الإنسانية بلا مبالغة. حينما تسمع خطاباته لابد أن يصيبك الإكتئاب ، فبعد أن تضحك علي هبله و عبطه و هرتلته و تناقضه،  يكون الأكتئاب  مصيرك،  كيف لهذا المعتوه أن يحكم؟!،  حتي و لو كان مجرد دُمية تحرك عن بعد. أنا أتكلم كيف مازال يحكم،  هل لا يري محبيه و مؤيديه عتهه و هبله و تخلفه؟!،  كيف لعين أن تخطئ هذا؟!،  يكفي أن تراه حتي بدون أن تسمعه و تري تعابير وجهه و حركات جسمه لتدرك -بيقين- أن مكانه ليس هنا بل أن يوضع في مصحة للامراض العقلية في عنبر الخطرين.

لقد صار واضحا للجميع بلا أدني ذرة شك أن السيسي أبله تماماً بكل ما تحمله الكلمة من معني . وليس هو فقط بل كل ما يسمي بالمجلس العسكري علي نفس القدر من البلاهة، الحقيقة لم أري قائداً في هذا الجيش إلا و كان معتوها أو غبياً ،  بدء من "مجلس قيادة الثورة" مرورا بالجمسي و الشاذلي و مبارك إنتهاءً بعنان وطنطاوي والسيسي .

العبرة ليست بعدد سنوات حٌكمك ليُحكم عليك بالحكمة و الدهاء فمبارك ليس أفضل من السيسي و كلاهما ليسا أفضل من القذافي،  إن حُكم شعب من النعاج لا يحتاج إلي أن تكون عالماً في الفيزياء الكميّة أو مدرس علوم في مدرسة إبتدائية و لا حتي أن تكون جاهلا لا تعرف الكتابة و القراءة، كل ما تحتاجه  هو قوة عسكرية باطشة،  و شعب مشغول "بالبحث" عن لقمة العيش و بأعضاءه التناسلية. فالقوة العسكرية من شرطة و جيش تقمع أي بادرة لحركة من أجل تغيير الأوضاع ، والشعب شغله الشاغل بتناول لقمة العيش و المنشطات من أجل أداء "أسطوري" في السرير .

إن تحليل خطاب هذا المعتوه لهو ضرب من العته ، فمعظم خطابه جُمل لا تحوي أي رابط عبارة عن كلمات متناثرة تم ضمها لبعض لتُخرج جُمل و عبارات تخلو من أي معني .ومن المحتمل أن هذا ما يجعل مؤيديه و محبيه يذوبون "عشقاً" فيه، ببساطه لأنهم لا يفهمون ما يقول، أو أن كل واحد منهم يُفسر كلماته بما يريد،  فلو كانوا يفهمونه لبصقوا علي الشاشات و في الشوارع و علي القهاوي حتي تمتلئ الشوارع ببحور من بُصاق الغاضبين.


هذا القرار إن لم يتسبب لك في جلطة دماغية فأنت بالتأكيد لن تنجو من حالة القرف التي ستصيبك لعدة أيام بعد سماعك إياه،  فالإتحاد الأوربي التي تشارك دوله في إرتكاب المذابح اليومية في أفغانستان و العراق و سوريا و ليبيا وتؤيد و تدعم الديكتوريات حول العالم فوجئت بما تفعله حليفتها السعودية و أحد أكبر المساهمين في إقتصادياتها،  وأحد أكبر المستوردين لأسلحتها و منتجاتها .. فجأة قررت دعوة أعضائها إلي حظر الأسلحة للسعودية لإرتفاع عدد القتلي من المدنيين " الغير مقبول" في اليمن.

أصبح عدد القتلي لا بالعدد ولكن علي حسب إذا كان مقبول أو غير مقبول من وجهة نظر ذلك الإتحاد، فمقتل  ما يقارب النصف مليون سوري هو عدد مقبول ولا يستحق لا فرض حظر لا علي الأسلحة ولا جوي ولا بري ولا مائي،  فقط مؤتمرات تُعقد وتشجب و تٌندد.

طبعا القرار بلا أي قيمة عملية مجرد دعاية رخيصة من مجرمي الحرب في الإتحاد الأوربي ، الذي يغيظك في هذا الموضوع هو أن السعودية هي حليف "استراتيجي" لهم وتنفذ كل ما يريدون، فلماذا الخروج بمسرحية عن قتل المدنيين و التحقيقات و الدعوة إلي الحل السلمي السياسي. مُجرم يدعو مُجرم لكي يتوقف عن الإجرام .



مشروع القرار ليس جديداً،  حتي لو تم إقراره -وهو أمر مشكوك فيه-  فهو كقرار الإتحاد الأوربي السابق مجرد حبر علي ورق،  فالأخوان حليف استراتيجي في المنطقة و هي أحد أعمدتها في ملئ أي فراغ سياسي في أي دولة عربية تُعاني من تهاوي سُلطتها المركزية،  عُملاء مُخلصون،  كلاب أوفياء،  حمير أغبياء،  تصنيفها كجماعة إرهابية فقط من الممكن أن يعيد لها بعض من " برستيجها" في محيطها التي تم كشف عمالتها و خيانتها فيه، ففي المنطقة لم يعد هناك إلا عملاء للغرب و" إرهابيون" ، وحسب الموجة إذا إرتفع سهم الإرهابيين و حققوا الإنتصارات و أهانوا العنجهية الغربية ، و مرغوا أنفها في التراب فمن الأفضل أن تكون إرهابياً،  أو علي الأقل أن "تُصنف " كإرهابي،  أما إذا تم هزيمة الإرهاب وأصبح مُطارداً غريباً،  فلا علاقة لنا به فنحن عُملاء " معتدلون".

إن الإنتهازية الإخوانية لا حدود لها،  لكنها إنتهازية لا تحوي أي قدر من الذكاء،  إنها إنتهازية الحمار الذي تضع له الجزرة علي طرف العصي فيظل يُطاردها معتقدًا أن صاحب الجزرة غبي فقد تركها أمامه هكذا بلا أي "حماية" ، فيظل صاحب الحمار يستخدمه لجر العربة و يقطع به الوديان و الصحاري حتي يصل إلي هدفه فيأخذ الجزرة و يأكلها و يترك للحمار العلف الجاف. لكن هل يتعلم الحمار الدرس،  أبداً،  ولن يتعلمه.


الدكتور عكاشة أصبح أسطورة كأسطورة رأفت الهجان ذلك المسلسل الشهير الذي ليس له أي علاقة بالواقع من قريب أو بعيد مجرد فبركة و تخيلات في رأس صالح مرسي الذي قال أنه كتبها بعد " إطلاعه" علي ملفات المخابرات المصرية بخصوص هذا الرأفت،  طبعا ككل إنتصارات الجيش ومخابراته فهي تنطلق من حدث عادي تافه و تظل تتضخم مع السنوات و الأعمال الروائية لتصبح أعظم و أكبر و أضخم حدث في تاريخ الإنسانية العسكري و المخابراتي والحضاري .فيتحول رأفت الهجان من عميل مزدوج تافه إلي أسطورة في عالم المخابرات المصري العبيط.

طبعا مقابلة توفيق للسفير الإسرائيلي ليست مصادفة، و كشفها للإعلام ليس مصادفة أيضاً.  فلكي يدعو عكاشة السفير هذا فلابد بعلم و معرفة و تحديد من النظام و أجهزته الأمنية ، حتي لو كان سفير الجابون فالأمر ليس ببساطة أن يدعو عكاشة السفير فيأخذ السفير عربته الجيب ويذهب لمقابلته بل لابد من تحديد موعد و وجود قوة أمنية مرافقة للحماية و ترتيبات أمنية في طريق الذهاب والعودة لطاقم السفير إلخ،  فما بالك أن  يذهب  السفير الإسرائيلي الذي ترتعد فرائس الجيش و الشرطة إذا أُصيب بالبرد.

"وتسريب" الخبر والصور للإعلام ليس من قبيل السبق الصحفي، فتوفيق كان من الممكن أن يقابل السفير بدون دعوة و لا صور و لا حملة إعلامية تستهجن تلك المقابلة. إذا لماذا كل هذا الشو؟ بالتأكيد ليس للتطبيع و إعادة العلاقات "الطبيعية" ، فالعلاقات بين النظام و إسرائيل علي أحسن ما يكون،  والتنسيق العسكري يتم علي أعلي المستويات،  و المشاركة في الحرب علي ولاية سيناء بين الجيشين الإسرائيلي و المصري تتم بتنسيق و تناسق منقطع النظير.

هل لكي يتم التطبيع علي المستوي الشعبي؟  لا أعتقد، لكن عموما الشعب لن يمانع في التطبيع معها و لا يحتاج لحركات عبيطة كتلك , يكفي فقط أن تقول أن إسرائيل ستعطي لكل مواطن شريط ترامادول،  وسوف يُدافعون عن إسرائيل بأرواحهم ضد الفلسطنيين المتوحشين الذين يقتلون أنفسهم و يفجرون بيوتهم لإتهام إسرائيل بعد ذلك. ثم لماذا مع توفيق عكاشة بالذات؟ وهو ليل نهار يتكلم عن الماسون اليهودي و إسرائيل و دولة الرب في ألفية العبط و حروب الجيل العشرين.. ثم يتقابل مع سفير الماسون في المنطقة،  أليس غريباً؟

طبعا إسرائيل لو أرادت أن يقول عكاشة عنها أنها دولة الحضارة و النور لفعلت،  فليست تحتاج أن تبعث سفيرها لمقابلة هذا الأهبل.. من وجهه نظري السبب الذي يبدو أكثر إقناعاً هو أن يجد الناس موضوع يتكلمون فيه لعدة أيام بعد الخطاب العبيط للزعيم المُفدي، وخلال أيام لن يتذكر أحد أي شئ غير حكاوي عكاشة "الشيقة" عن تقسيم مصر من قبل الماسون الأعظم و حروب الجيل المتنيل ، و حياة الدريري ترد عليه : " أنت مُعلمي و أستاذي". ، الأهبل أصبح مُعلم و أستاذ ... والمعتوه رئيس دولة.

 أخيراً دعك من هذا كله أهم حاجة المُشاهدين مبسوطين، والتمثيليات مُسلية وكل يوم فيه فيلم يُنسي الناس هموم العيش والعيشة  و يُعمي أبصارهم في أن يروا أن بلدهم "الحبيبة" تسير بُخطي ثابتة نحو الهاوية  . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال