الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

النظام المصري .. ولاية سيناء .. والسيناريو القادم .

النظام المصري* ... ولاية سيناء ... والسيناريو القادم.





المتابع لمجريات الأمور في مصر يدرك أنه لا يمكن ان يستمر الوضع يسير كما هو الآن لفترة طويلة،  وأن النظام المصري ومحركيه باتوا يدركون أنه لابد من تغيير رأس النظام و بسرعة من أجل الحفاظ علي جسد النظام من الفساد، قد يبدو الكلام غريبا و غير متناغم مع سير الأحداث،  فالنظام يُجري انتخابات برلمانية،و السيسي تقريبا كل شهرين في زيارة خارجية من الصين إلي الهند و روسيا ومن فرنسا إلي أمريكا وبريطانيا .. والإعلام يطبل له ليل نهار ولا يبدو هناك أي إشارة الي قرب إستبدال السيسي.

لكن لكي يتضح لك هذا  فلنبدأ أولاً من تحليل الوضع الداخلي المصري، ولنسأل ما هي العقبات التي تواجه النظام المصري الآن في سبيل استمراره وتنغص عليه حياته وتؤرق أحلامه ؟...-سنجد أن هناك الكثير من العقبات التي تواجهه للاستمرار لكن هناك عقبتان رئيسيتان ومرتبطان ببعضهما البعض:

العقبة الأولي هي العقبة الاقتصادية : المتابع للشأن المصري يلاحظ التردي المتسارع للاقتصاد المصري وغياب أي رؤية حقيقية للنظام من اجل الاصلاح وعدم وجود اي بادرة امل في ان هناك ضوءً في اخرالنفق المظلم الامر الذي انعكس علي كافة نواحي الحياة للمواطن الذي يعاني اشد المعانة دون ان يجد "من يحنو عليه".
العقبة الثانية هي ولاية سيناء : فهي تمثل تهديد وجودي حقيقي للنظام المصري يوما بعد يوم وتثبت انها الطريق الوحيد للتغيير و أن اي ادعاءات بالديمقراطية و السلمية هي محض خرافة و تضييع للنفس والمال والوقت .

وارتباط هاتان العقبتان في غاية الاهمية فتدهور الوضع الاقتصادي له آثر بالغ في جعل الارض ممهدة للقبول بولاية سيناء كبديل حتمي ومنطقي و ضربات ولاية سيناء -وآخرها تفجير الطائرة الروسية في سيناء-  تمثل ضربة موجعة للاقتصاد المصري.فتدهور الاقتصاد يزيد من قوة وفعالية وشعبية ولاية سيناء والولاية بضرباتها تزيد من تدهور الاقتصاد.

لذلك كل خيارات النظام المصري صعبة فهو يريد ان يخرج من عنق الزجاجة اقتصاديا، لكن مع تضخم ميزانية الجيش والشرطة والقضاء والمليارات التي تصرف في الاعلام من اجل "الضحك علي الناس" و بيع الاوهام و تخدير تفكيرهم بالاحلام الوردية هذا بالاضافة للفساد الضارب جذوره في تلك المؤسسات التي يُخيل إليك أنه في مصر خُلِق الفساد أولا ثم اصبح للفساد جيش وشرطة وقضاة كل هذا ليس فقط كفيل باسقاط  الاقتصاد المصري بل بعشر اقتصاديات كاقتصاد مصر.ولولا عشرات المليارات التي ضختها السعودية والامارات والكويت لكان الوضع في مصر مختلف تماما.

في مواجهة النظام لولاية سيناء فوضعه ليس أحسن من وضعه الاقتصادي،  فالمجتمع المصري رغم ما يبدو علي السطح من  توحده الا أنه في الحقيقة مجتمع متشرذم لا يستطيع احد جمعه خلف هدف واحد وغير مستعد للتضحية من أجل النظام بأي شئ حتي و لو "بجنيه"،  رغم أنك لو سئلت احدهم لقال لك انه مستعد للدفاع عن مصر بحياته و حياه عياله ولغني لك "مصر هي أمي وخالتي" و لجاء بزوجته وطبّل لها لترقص حبا في مصر-هذه هي الحقيقة علي الرغم من كونها مخجلة محزنه- لكن هذا هو كل ما يمكن أن يقدمه ولن يفعل اكثر من هذا ،.ولا يغرنك ان بعضهم تأخذه الحمية فيدفع في هذا المشروع  بضعة آلاف او أن يقول بعضهم علينا ان نتحمل مهما تكن الظروف،  اعلم ان هؤلاء أول من سيغادرون مصر -اذا كانوا من ذوي القدرة- حينما يحمي الوطيس أو سيلعّنون مصر وشعبها و الظروف التي جعلتهم من أهلها اذا كانوا من الفقراء المُعدمين.

هذا لا يعني أن النظام المصري لن يجد من يدافع عنه بل سيجد لكنه دفاع اشبه بمن يحاول انقاذ سفينة تغرق بأن يحاول تغيير لونها .  فالنظام المصري نظام مترهل وشائخ (شاخخ قد تغريك باستخامها لكن دعنا منها) وهو أيضا غير راغب أو مستعد أو قادر علي أن يتخلي حتي و لو عن جزء من امتيازاته و ما يراه هو انها حقوقه التي قررها لنفسه عبر عشرات السنوات فبالتالي كل محاولاته للبقاء ستبوء بالفشل،  ببساطة لانه غير قادر علي فهم ان الأوضاع تغيرت والظروف تبدلت وانه لكي يستمر فعليه ان يتطور والا فالإنقراض مصيره.

بما أن الصورة قاتمة بهذا الشكل وان النظام المصري ليس الا بيدقا تافها في ايدي القوي الحاكمة الفعلية للمنطقة، وبما ان تلك القوي هي التي تخطط وترسم الاستراتيجيات وعلي ملوك وامراء و رؤساء المنطقة التنفيذ،  وبعد أن استطاعت أن تلتف حول ما سُمي بالربيع العربي وتضربه في مقتل وظنت انها انتصرت ، أدي ظهور الدولة الإسلامية إلي صدمة و هلع وإعادة للحسابات، فالربيع العربي يبدو بجوار الدولة الاسلامية كالحمل الوديع الذي كان سيمثل حائط صد ضد أي تمدد للدولة الاسلامية لو نجح،  لكن مكر الله أكبر،  فمن حيث ظنوا ان مكرهم نجح جعله الله وبالا عليهم ونصر جنده و هزم أحزابهم.

تلك القوي قد دخلت في حرب مباشرة مع الدولة الإسلامية تلك الحرب التي تستعر يوما بعد يوم،  و تلهّف الغرب علي سرعة التخلص من هذا الكابوس الذي يؤرّق حياتهم،  حتي لقد اصبحنا نسمع كل يوم عن طائرات تعود بعد اقلاعها خوفا من وجود متفجرات , ومدن تغلق للشك في وجود تهديد ارهابي،  قوانين تعدل للحد من حرية الصحافة و التضييق علي حرية الانتقال و الحريات الشخصية، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية المترتبة علي ذلك.

لذلك الأمر لا يحتاج الي كثير عناء لإدراك أن السيسي لا يمكن أن يكون جزء من أي تسوية قادمة وانه لكي توحد الصفوف من أجل مواجهة العدو المشترك وهو الدولة الإسلامية يجب التخلص منه في مقابل مصالحة وطنية، كما انه لا يجب ان يتم انتاج بشار جديد، فلو كانوا -هكذا يقولون هم-تخلصوا منه مبكرا لما حدث كل ما حدث بعدها.

إذا التخلص من السيسي في خطة هؤلاء اصبح أمرا محتوما،  وليس بالضرورة التخلص منه بقتله -وإن كان هذا اقرب السيناريوهات المحتملة-  فقد يكون بتنحيته كعرّابه مبارك.المهم هو الشكل او الاطار الذي سيتم به التخلص منه يجب أن يكون مقنعا مؤثرا لكي يكون فعالا.

لكن هل لو حدث هذا سيكون له أثر في ضخ دماء جديدة  في عروق النظام المتكلسة، وهل سيكون لها أثر في الحد من قوة وقدرة ولاية سيناء علي التمدد؟

هذا سيتوقف علي التنازلات -اذا كان هناك ثمة تنازلات- التي سيقدمها النظام ومحركيه، فإن كانت  تنازلات جذرية تتناول شكل النظام و بنيته فأعتقد انها ستعيد انتاج النظام بحلة جديدة تواكب العصر الامر الذي سيجعله أكثر قوة وقدرة وستبعثه من جديد بعد أن قاربنا علي دفنه في أقرب مزبلة للتاريخ. أما اذا كان الامر مجرد كسب بعض الوقت و تدوير لنفس السيناريو القديم فالامر فاشل قبل حتي أن يبدأ.

في النهاية الصراع بين ولاية سيناء والنظام المصري سيأخذ سنوات طويلة ..سينتصر فيه من يدرك نقاط ضعف الآخر ويُحسن استغلالها،  فاستعدوا واستبشروا ،استعدوا لمحن وابتلاءات وفتن،  واستبشروا بنصر من الله و فتوحات ونِعم.
--------------------------------------------------------------------------------
*أعني بالنظام المصري هنا هي القوة الفاعلة من جيش و شرطة و قضاء و رجال أعمال و مواطنين "شرفاء" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

..إنْ أردتَ أنْ تكتب تعليقاً مُفيداً ففكّر ثلاث مرات، مرة قبل كتابته ومرتين قبل أن تضغط زر إرسال